13~زَهْرَةُ الْأَنْثُورْيُومْ
قراءة ممتعة💚
﴿الزُّهُورْ هِيَ أَنْقَى لُغَاتْ الْحُبْ﴾
- بارك بنيامين.
●•●•●•●•●•●•●•●•●•●•●
فرّق ذو الشعر الغرابي جفناه مستيقظاً عند التاسعة صباحاً، وقد كان السبب وراء إستيقاظه هو عدم كف بيانكا عن المواء، فخمّن أنها لربما جائعة وتريد الطعام.
إعتدل جالساً على حافة سريره بشعرٍ مبعثر، ثم إستقام باحثاً عن قميصه، إلا أنه لم يجده، فقرر النزول وسكْب الطعام لها من دونه.
وما إن فتح باب غرفته قاصداً الدرج، حتى ظهرت له ڤانيسا بمظهرٍ لا يقل إزدراءً عنه!
إذ أنّ شعرها الطويل ذاك قد كان على شكل كعكةٍ فوضوية، ومنامتها الحريرية ذات البنطال القصير والقميص المتجرد من الأكمام كانت مبعثرة هي الأخرى.
خمّن أنها لربما قد إستيقظت لذات السبب الذي إستيقظ هو الآخر لأجله.
- صباح الخير.
ألقت عليه تحية الصباح تتقدم نحو الدرج حيث تقف بيانكا.
- صباح النور.
جلست ڤانيسا القرفصاء بالقرب من القطة، وراحت تمسد على فروها، وبلكنةٍ ناعسة خاطبت جونغكوك الواقف بجوارها:
- هل إستيقظتَ لتوك؟! هذا غريب!
عنت بكلامها أنها ومنذ إنتقالها للعيش معه وهي معتادة على كونه نشيط ويستيقظ باكراً، واليوم قد خالف تلك العادة.
إبتسم بخفة ويداه إحداهما قد تموضعت في جيب بنطال نومه القصير القطني، والأخرى يدلك بها عنقه.
- لقد سهرتُ كثيراً ليلة البارحة.
- ومالذي كنت تفعله؟
وكالعادة هي فضولية حيالَ كلِّ شيء.
- أشاهد فلماً.
شهقت ڤانيسا وجحظت عيناها تناظره!
- إنها خيانة عظمى!
قهقه ببحة صوته الناعس، ورفع كتفيه مبرراً:
- أقسم لكِ أنّ الفكرة قد خطرت لي بعد أن نمتِ!
- حسنا حسنا صدقتك.
دحرجت مقلتيها وإستقامت تتكسل بمرونة فائقة، ثم ناظرت الواقف بجوارها وقالت له من دون سابق إنذار:
- آخر من يصل الى نهاية الدرج بيضة فاسدة!
وإنطلقت تركض بأقصى سرعتها.
أما جونغكوك فقد وسّع عيناه ولحق بها متذمراً:
- بربك! لقد كبرتُ على هذه الأفعال الصبيانية!
ورغم كونها إنطلقت قبله إلا أنه سبقها، فراحت تتذمر هي الأخرى:
- هذا غير عادل!
- بل إنه العدل بأم عينه!
راقص لها حاجباه ليغيظها أكثر، وقد نجح كالعادة لأنها لا تحب الخسارة مطلقاً!
- نننننننن!
قلدته كالأطفال، ثم حملت بيانكا في حضنها وتخطته بخطواتها نحو المطبخ وسط ضحكه الصاخب على إنعدام روحها الرياضية في المزاح.
سكبت لبيانكا طعامها، وفتحت الثلاجة مخرجةً منها قنينة مشروبٍ غازي.
وكانت الدهشة قد إعترت جونغكوك لما تفعل، إذ أنه جلس على أحد كراسي المطبخ وبيده تفاحة، وقبل أن يقضم منها أشار نحو القنينة بعيْنيْه متعجباً:
- هل هناك إنسانٌ طبيعي يشرب الكولا في الصباح من دون إفطار؟!
تجرعت ڤانيسا كوب الكولا خاصتها، وأجابت ببساطة:
- أعلم بأني لستُ طبيعية، وهذا ما يميزني.
إعترت سيماؤها الثقة العارمة، فراح جونغكوك يصفق لها مقهقهاً:
- جنون العظمة يمنحكِ وساماً للشرف!
وما كاد يخرس حتى فرّ هارباً نحو صالة المعيشة بعد أن هجمت عليه لتضربه على سخريته الدائمة منها!
- أقسم بأني سأخنقك بيدي هاتين إن لم تعتذر!
رفعت يديها تركض خلفه، وهو يهرب منها ولم يتخلى عن تفاحته التي لازال يأكلها...كاد يختنق من الضحك!
- جيون تعالا هنا!
أمرته مزمجرة بعد أن أهلكها التعب من الركض خلفه، وهو قابلها بمعالم تثير الإستفزاز لأبعد حد!
- تبدين مثيرة في هذه المنامة، كنسخة مونيكا بيلوتشي ولكن بأعين زرقاء!
راقص حاجباه ليغيظها أكثر، وهي دحرجت مقلتيها بضجر قبل أن تتخصر.
- كُفَّ عن...
وقبل أن تنهي كلامها راحت تصرخ مذعورة، وركضت تتشبث بعنق جونغكوك الذي حملها كالعروس مفزوعاً!
- ما الأمر؟!
صرخ بدوره، فأشارت له نحو المطبخ منتحبة:
- لقد خرج الفأر مجدداً!
وبما أنّ بيانكا كانت منشغلة في تناول طعامها، فهي لم تلمح ذاك الزائر الصغير مطلقاً!
تنهد جونغكوك مغمضاً عيناه، فمسألة ذاك الفأر يجب أن تنتهي في أقرب فرصة!
- متى سيأتي سوبين؟
سألها، وهي أمالت شفتيها تحدق بوجهه.
- لا أعلم، ولكن بما أنّ اليوم عطلة فلا أظنه سيتأخر.
حلّ الصمت بينهما، وكلاهما على ذات الوضع...هو يحملها، وهي متشبثةً به، بينما عيناها المذعورة لم تفارق المطبخ مطلقاً!
طال حمله لها، وهي لم تأبه النزول لخوفها من الفأر!
ورويداً رويداً إستشعرت بشرة صدره العاري دفئ جسدها، كما أنّ منامتها كانت تظهر الكثير من مفاتن جسدها المكتنز مع بشرتها المدمية ببياضٍ وردي مغرٍ.
أغمض عيناه فور أن وقعتا على نهديها المتعانقين بالقرب من وجهه، لذا أداره للجانب الآخر مستحياً.
- أنتِ ثقيلة بحق!
إشتكى مُنزلاً إياها، وهي مطت شفتيها تتخصر بعد أن صعدت فوق الأريكة بجانبه علّ الفأر لا يصل إليها إن ظهر مجدداً كما تظن.
- معك حق، لاحظتُ ذلك في الآونة الأخيرة بالفعل، فأنا أتناول الطعام من دون قيود وأهمل تدريباتي مؤخراً، ولهذا سأتّبِع حميةً غذائية.
تحدثت تشرح له، وهو ظل يتحاشى النظر الى تلك الرقعة الفاتنة من جسدها المغرِ، فظلّ يتحمحمُ لوحده حتى يركز مع ما تقول بأذنان محمرّتان بالفعل.
ثم تكلّف الإبتسام وحدق في وجهها أخيراً، ليقول:
- ما رأيكِ أن نصعد لتبديل ثيابنا ونخرج سوياً الى صوبة أزهاري؟ فأنتِ لم تزوريها من قبل!
- فكرة جيدة.
همهمت مبتسمة، ثم قفزت من فوق الأريكة وصعدت لغرفتها تاركةً إياه لوحده في ذات المكان.
أغمض عيناه، ودلَّك صدغيه متنهداً، ليتمتم لنفسه بخفوت:
- آه تباً! لِمَ عليها إرتداء ملابس كهذه والتجول بها خارج غرفتها؟! ألا تُعيي أنها تعيش لوحدها مع رجلٍ أعزب!
تجرع كوباً من الماء ليخفض حرارة جسده، ثم صعد الى غرفته هو الآخر.
__________________________
- يا أطفال...الفطور جاهز!
كان هذا جين الذي يرتدي مأزر الطبخ وردي اللون فوق منامته التي لم يغيرها بعد...ولِمَ سيفعل واليوم عطلة؟!
جلس ينتظرهم، وحينما تأخروا صرخ مجدداً:
- لم أتناول وجبة ما بعد العشاء ليلة أمس، وأنفي المسكين يتعذب بروائح طبخي اللذيذ...إن لم تأتوا حالاً فلن أترك لكم شيئاً!
وبالتزامن مع صراخه أتى كاي، كانت سماعاته تطوق عنقه كالعادة، ومن الواضح أنه أول من إستيقظ وأنجز كل شيء.
- أين البقية؟
إنتحب جين للمرةِ التسعةِ والتسعين قبل المئة خلال هذا الصباح فقط، وكاي جلس مكانه وأجاب ببساطة:
- سومي أيقظتُها للتو قبل نزولي، بومقيو أظنه في المرآب، سوبين يستحم، ويونجون وتايهيون على وشك النزول.
- على الدولةِ توفير مُرتبٍ إضافي من أجلي بما أني صرت بمثابة ربة أسرة أرملة، وخصوصاً بعد زواج ڤانيسا!
تحلطم جين ممسكاً بعيدان طعامه حتى يأكل، فصبره قد نفذ والبقية لا مبالون.
وما كاد يتناول لقمتين حتى كان الجميع جالسين حول الطاولة.
ونظراً لكون الشعب الكوري يفضل تناول لفائف البيض وكعك الأرز والشعيرية على الأفطار، فقد كان هذا ما أعده جين بالفعل.
وبينما الجميع منشغلٌ بتناول طعامه، أخذ يونجون حافظة طعام، وراح يضع فيها القليل من كل طبق، فصفع جين كفه وعاتبه:
- ماذا تظن نفسك فاعلاً؟!
- رفاق، ما مخططاتكم لليوم؟
تساءلت سومي مريحةً وجنتها على كفها بضجر، وليس كما لو أنّ أخاها كان يسأل يونجون وهي قاطعته تاركةً المجال للأخير حتى يكمل ملئ حافظته.
- سأذهب الى منزل ڤاني وجونغكوك لأمسك الفأر.
أجاب سوبين أولاً، فناظرت الذي يليه وقد كان يونجون.
- وأنا سأذهب لملاقاة يونهي، قالت أنّها ستعلمني صنع لاقطات الأحلام اليوم بما أنها متفرغة.
وضع تلك الحافظة في كيسٍ ورقي، وإبتعد ملوحاً لهم، وللتو تذكر جين أمر الطعام الذي سرقه يونجون!
فصرخ منادياً عليه:
- يا وغد أعده أنا لم أشبع بعد!
ولكنّ الآخر كان قد غادر بالفعل دون أن يلقي له بالاً.
تنهد جين، وصفق لنفسه مبتسماً.
- يالِسعدي! لا أحد يحترمني هنا رغم كوني الأكبر!
- لستَ كذلك.
ذكّره تايهيون كما يفعل دوماً، فدحرج جين مقلتيه وناظره بضجر.
- أعلم، ليس عليك تذكيري بذلك في كل مرةٍ أحاول فيها التعبير عن كينونتي البائسة تايهيوني!
- حسنا.
وكالعادة تايهيون بارد الأعصاب!
عادت سومي للتأفف بعد تذمرات شقيقها المملة، وناظرت الثلاثة الباقون تحثهم على الإفصاح عن مخططاتهم.
وقد أجابها بومقيو بالفعل:
- ثلاثتنا سنبقى في المنزل لنكمل تصليح دراجتي النارية، وأونوو آتٍ أيضاً ليساعدنا.
غصّت سومي بطعامها، فناولها شقيقها كوب ماءٍ وراح يربت على ظهرها.
- منذ أن كنتِ طفلة وهذه العادة تلازمكِ سومي!
وبخها جين، وهي لم تأبه لحديثه بقدر الإحراج الذي يراودها تواً!
هي ومنذ معرفتها بالأمس أنّ نوايا أونوو لم تكن يوماً خبيثة تجاهها، لم تكف عن شتم نفسها لحماقتها وللصورة التي أخذها عنها من بعد تصرفاتها الفظة معه.
سيقول بأنها هوجاء لا محالة!
- هل ستبقيْنَ في المنزل أنتِ أيضاً؟
سألها تايهيون، وكم تمنت أن تجيبه بـ لا!
هي لا تمتلك أي برامج لهذا اليوم، ولهذا كانت تسألهم جميعاً علّها تمضي وقتها برفقة أحدهم.
- أجل، ليس لي ما أفعل او مع من أخرج.
أجابت محركةً ملعقتها في صحنها مظهرةً ضجرها، فتعجب شقيقها وقال:
- ألَمْ تكتسبي أيّ صديقات في الجامعة؟!
- كلا، ليس بعد.
- هذا ليس جيداً، كوني كيونجون...أظنه يمتلك أصدقاءً في المريخ أيضاً!
عاتبها جين، لكنها دحرجت مقلتيها وبفراغٍ ناظرته.
- لقد أتممتُ لتوي أسبوعين منذ أن إلتحقتُ بالجامعة، وليس من المنطقي أن أكتسب صديقات حميمات بهذه السرعة! كما أني أمضي جل وقتي برفقة الأورجي، لذا لا بأس.
بعثر سوبين شعرها مبتسماً كطفلٍ وديع قبل أن ينهض.
- شكراً لك جين على الإفطار، أراكم لاحقاً.
حمل حقيبة ظهره، ولوّح لهم مغادراً المنزل هو الآخر.
شرذ جين لهنيهات في الباب الذي أُغلق تواً، ثم قال مخاطباً نفسه بينما ينهض:
- أظنني سأذهب الى نادي الغولف، إني بحاجة الى العيش كالأغنياء مرة واحدة في الأسبوع على الأقل!
___________________________
Yeonjun pov:~
ذهبتُ الى منزل يونهي سيراً على الأقدام، فالحي الذي تقطن به مجاورٌ لحينا...إنه قريب نوعاً ما.
زرته مرةً واحدة فقط، وقد كان ذلك في آخر لقاء لنا منذ عدة أيام، وتحديداً في الليل.
ولكونه حياً يفتقر الى الإنارة الجيدة في شوارعه، فلم أكن لأميز معالمه بشكلٍ واضح عدا الآن كونني عدت إليه نهاراً.
منازله قديمة ومتداعية نوعاً ما، كما انها أقرب لأنْ تكون شققاً عن كونها منازل نظراً لصغر حجمها وإنعدام الكماليات اللازمة بها.
به حديقة عامة واحدة صغيرة، ألعابها قديمة، وبقعٌ عدة من عشبها الأخضر تصبغت بالصفار لسوء أنظمة الري، كما أنّ المظاهر الطبيعية بصفةٍ عامة كانت شبه منعدمة به.
بالمختصر...الحي يحمل كافة مظاهر الفقر وقلة الإهتمام من طرف سكانه وعمدة المدينة بالدرجة الأولى.
ولعلّ السبب الأساسي لذلك هو تدني مستوى معيشة سكانه الذين سيقبلون بأي مكان يأويهم برد الليل وأمطار وثلوج الشتاء القاسية...كم هذا مؤسف.
كنت على وشك بلوغ منزلها الصغير، وقد لمحتُ أثناء مسيري خمسة أطفال يلعبون الكرة في ذات الشارع، وهتافاتهم تملئ المكان، فتمنح المحيط مظهراً شعبياً رفقة لباسهم البالي.
وددتُ لو لعبتُ معهم قليلاً...الأمر يبدو مسلي!
لكني لستُ بمتفرغٍ الآن.
طرقتُ باب منزلها الصغير، ولم ألبث أنتظر طويلاً فإذا بها تفتح لي الباب بلباسها المنزلي.
ومن مظهرها وقفازاتها المطاطية علمتُ بأنها كانت تنظف.
- اوه مرحباً يونجون، تفضل بالدخول.
بدتْ متفاجئة من زيارتي في هذا الوقت، فأنا قد أخبرتها بأني سآتي بعد الظهيرة، ولكنني لم ألتزم بالموعد كالعادة!
لقد كنتُ أشعر بالملل حقاً، ولم أجد شيئاً لأفعله رفقة البقية لكونهم منشغلون في أشياء أخرى!
على كلِّ حال إبتسمتُ لها ودخلت بعد أن أفسحت لي المجال للدخول.
وكما توقعت...كانت تنظف بالفعل.
- يبدو أنكِ مشغولة!
تحدثتُ أستدير نحوها، وهي قهقهت داعكةً عنقها بخفة.
- كنتُ أنظف المنزل، فلا أجد وقتاً غير يوم عطلتي لأفعل ذلك.
همهمتُ أضع الكيس الورقي الذي كان بحوزتي على طاولة المطبخ الصغير.
هو لم يكن بذاك الحجم، كما أنه يطل بشكلٍ مباشر على مساحة منتصف المنزل الصغيرة، والتي بها أريكة قديمة بنية اللون، وتلفاز صغير وطاولة ذات سيقان قصيرة.
كما أنّ غرفتين صغيرتين كانتا تقعان على الجانب الشرقي من مكان وقوفي، وقد كانت إحداهما غرفةً بالفعل والآخر لربما هو الحمام...انها شقة صغيرة ولكنها دافئة.
تقدمت يونهي من طاولة المطبخ تتفقد ذاك الكيس ببعضٍ من الحيرة، فقلتُ لها أشمر عن أكمامي وأبحث عن عيدان الطعام في أدراج مطبخها:
- أتذكرين صديقي جين المحامي الطباخ المحترف الذي أخبرتكِ عنه من قبل، هو من أعدَّ هذه الأطباق اللذيذة، وقد أحضرتُ بعضاً منها معي لنتناولها سوياً...متأكدٌ من أنكِ لم تتناولي فطوركِ بعد!
إبتسمت يونهي بخفة، وناظرتني نافيةً برأسها:
- كلا لم أتناوله بعد...شكراً لك.
- العفو، هيا بنا فلنتناوله قبل أن يبرد!
وضعته في حافظة حرارية على أمل أن يحتفظ بسخونته.
شرعتُ بإخراج تلك الحافظة، وقمتُ بفتحها متفقداً الطعام، ولحسن الحظ أنه لازال دافئاً.
تناولناه بينما لم نكف عن التحدث حول أمورٍ عشوائية، إبتداءً من مشاغلها وإقتراب إختبارات منتصف فصلها الدراسي، وإنتهاءً برغبتي في تعلم العزف على القيثار الكهربائي مؤخراً.
- أظنني سأطلب من كاي تعليمي كيفية العزف عليه.
نطقتُ مبوزاً شفتاي بتخمين، وهي تساءلت مقطبةً جبينها:
- أهو أحد أصدقائك الذين حدثتني عنهم ذات مرة؟
- أجل، إنه أصغرنا...كاي يحب موسيقى الروك ويجيد العزف على القيثار الكهربائي وكذلك الطبول، لذلك سيكون خير من قد يساعدني.
- علاقتكم لطيفة حقاً!
صمتت للحظاتٍ بعدها، ثم إبتسمت منكسرة وناظرت عيناي.
- لأصدقك القول...أحسدك عليهم كثيراً، فلا أحد يمتلك أصدقاءً بهذا الشكل في وقتنا هذا! لقد إنعدم الود بين الناس، وبات الخير عملةً صعبة!
أدرك جيداً أنها وحيدة، ولهذا لم أتركها مطلقاً وقررتُ ملئ فراغ حياتها، فأنا أكثر من ذاق مرارة هذا الشعور رغم كوني إجتماعي كما يرى الناس ولدي الكثير من الأصدقاء...كل من نحبهم يتركوننا ويرحلون.
- معكِ حق...أتريدين أن أعرِّفكِ عليهم؟
الرفاق لن يمانعوا ذلك حقاً، وهي أومأت مبتسمةً بخفة.
- سآخذكِ الى منزلنا في يومٍ آخر حتى تتعرفي عليهم، ستحبينهم كثيراً.
- بالطبع.
بدت متحمسة لرؤيتهم، وكم يسعدني هذا.
كنا قد أنهينا طعامنا منذ مدة، ولكنَّ الحديث هو ما شدّنا للبقاء جالسين حول الطاولة.
تجرّعتُ كأس الماء أمامي، ثم نهضتُ متخصراً.
- هيا بنا يا فتاة، أمامنا عملٌ كثير لننجزه.
إستنكرتْ حديثي، فراحت تحدق بي مستفهمة.
- سنكمل ما تبقى من التنظيف، ثم سنرتاح قليلاً قبل البدء بصنع لاقطات الأحلام.
أوضحتُ لها أحثها على النهوض، لكنها نفت مقهقهة.
- كلا هذا لا يجوز، سأنجز ما تبقى لي من التنظيف لوحدي سريعاً، وأنت إرتح ريثما أنتهي!
هل هي جادة؟!
نحن ننظف المنزل مع جين مرتين في الأسبوع بالفعل! لذا فالأمر ليس بجديدٍ عليْ!
- ما لا يجوز هو حديثكِ، لا وجود للرسميات بيننا من الآن فصاعداً، فذلك يشعرني بعدم الراحةِ حقاً!
لا مجال للرفض...أدرك جيداً بأني لحوحٌ جداً!
كما أني أمقت أسلوب الرسميات في كافة تعاملاتي...أحب كوني عفوي.
End Yeonjun pov.
________________________
سبقت ڤانيسا جونغكوك الى صوبة أزهاره بعد أن غيّرت ثياب نومها، وقد ظهرت الدهشةُ جلية على محياها فور دخولها!
- أنظري بيانكا، المكانُ خلابٌ للغاية!
خاطبت قطتها القابعة في حضنها بينما تتفقد أرجاء المكان بفيروزيتيْها اللامعتيْنِ إفتتاناً بروعة المنظر.
أنزلت القطة أرضاً، وراحت تتمشى بداخله متفحصةً كلَّ أصيصٍ به.
فاهها كان مفغوراً لإنبهارها بخضار المكان وجمال تنسيقه.
- هواياته تروقُني حقاً!
عنت بكلامها جونغكوك ذو الحس الأنيق والناعم من وجهةِ نظرها، ولم تكف للحظةٍ عن إصدار أصواتٍ غريبة دلالةً على إنبهارها بأشكال وألوان الأزهار...هناك أنواع لم يسبق لها وأن رأتها من قبل في حياتها!
ولكن من بينها جميعاً، لفتتها زهرةٌ أنيقة وجميلة بلونها الأبيض...لطالما كان هذا اللون محط إهتمامها وملفتاً لنظرها في كلِّ شيء.
دنت نحوها، وراحت تلمس بتلتها الوحيدة الملتوية بحذر.
- إلهي، كم هي جميلة!
- إختيارٌ موفّق وذوقٌ رفيع...إنها زهرة الأنثوريوم، ترمز الى الكرم، وتعني أنّ المرأة والوردة توأمان يضيفان الى الحياة جمالاً وبهجة.
كان هذا جونغكوك الذي دنى نحو الوردةِ هو الآخر بإبتسامة هادئة.
فإبتسمت ڤانيسا بدورها وحدقت به متسائلة:
- هل تجيدُ لغة الأزهار حقاً؟!
بدت مندهشة.
- أجيدها وأهواها أكثر من لغة البشر.
- هذا مذهل!
رفعت حاجبيها مبديةً إعجابها، وهو إعتدل في وقوفه قبل أن يضيف:
- إنها أفضل لغة للتخاطب برومنسية...كم هو جميلٌ أن تجدي من يفهمها ويجيدها مثلك.
- تبدو ممتعة...هل لك أن تعلمني إياها؟
شابكت أناملها متوسلة، رفقة عيناها البريئة، فلم يكن له سوى أن قهقه مربتاً على رأسها.
- ألا ترينَ أنّ مساعدتي لكِ على تحسين لغتكِ الكورية سيكونُ أفضل؟
عبست متخصرة...لن تسمح له بالسخريةِ من لكنتها أكثر من هذا الحد!
- أنا أتحدث الكوريةَ بالفعل يا هذا!
لكنه دنى بجذعه نحوها، وناظرها ساخراً رغم ذلك:
- ولكنّ لكنتكِ ركيكة، وقد سبق وإعترفتي بذلك بالفعل!
رمشت تناظره بغيض...لِمَ عليه أن يكون محقاً دوماً!
تحمحمت بعد ذلك رافعةً حاجبيها، وكم بدت واثقة في نظره.
- لن أنكر ذلك، ولكني سأتقنها عاجلاً أم آجلاً لطبيعة عيشي بينكم.
لانت تعابير وجه جونغكوك الساخرة، لتتحول لأخرى مسالمة وهادئة.
- كنتُ موافقاً منذ البداية على تعليمكِ لغة الأزهار، ولكني رغبتُ بإزعاجكِ قليلاً.
تحدث بكل بساطة بينما يتفقد زهراته، فأرخت ڤانيسا كتفيْها ورسمت الضجر على سيمائِها...هو لن يتغير أبداً!
وقبل أن تستأنف رفقته مشادّة كلامية ترضي بها ذاتها من سخريته الطفولية الدائمة معها، رنّ هاتفها مسترعياً إنتباهها وإنتباهه هو أيضاً.
- صباح الخير سوبيني...هل وصلت؟..اوه حسنا، ستجدنا داخل صوبة الأزهار في الفناء الخلفي.
ولم تمضي سوى لحظاتٍ قليلة حتى أتاهم سوبين ملقياً التحية بلطف:
- صباح الخير.
- صباح النور.
ردا على تحيته ببشاشة، فليس هنالك من لن يبتهج لرؤية وجه سوبين البريء والمشرق.
كان يرتدي حقيبة ظهره، لكنه رماها أرضاً ما إن لمح بيانكا الجميلة تجلس وسط الأزهار.
سعادته الغامرة ظهرت جليّة، وساقاه قادتاه فوراً نحوها وسط تحديقات جونغكوك وڤانيسا المستلطفة لأفعاله.
- جميلتي بيانكا إشتقتُ لكِ جداً!
هو سيشتاق لنملةٍ رآها تقرصه لأول مرة قبل دقائق بالفعل، لذا فالأمر ليس بغريب.
حملها في حضنه، وراح يمسد على فروها الأبيض الناعم برفق، وإبتسامته تلك لم تفارق شفتيه الأرنبيّتيْن.
وسرعان ما أولى إنتباهه لجمال المنظر الطبيعي حوله، إذ أنه ناظر جونغكوك وعلّق قائلاً:
- أشكركَ على حبك للطبيعة وإعتنائك بالنباتات سيد جونغكوك.
قهقه جونغكوك بخفة.
- لا داعي للغة الرسميات بيننا سوبين، فأنا صرتُ بمثابة شقيقكم الأكبر.
منحه سوبين إبتسامة لطيفة قبل أن ينزل بيانكا ويحمل حقيبة ظهره.
- سأذهب لأمسك بالفأر، وإحرصوا على إبقاء بيانكا بقربكم ريثما أنتهي.
- حسناً...حظاً موفقاً.
لوحت له ڤانيسا وأرسلت له قبلةً طائرة، ثم إستدارت حيث زوجها الذي باشر بسقي زهراته.
- أأُساعدك؟
إنحنت مثله تراقب ما يفعل بإنتباهٍ تام، وهو همهم يشير لها نحو خزانةٍ خشبية عند ركن الصوبة.
- إفتحي تلك الخزانة، وستجدين بداخلها دلواً أزرق للري، إملئيهِ بالماء وسأريكِ بعدها كيف يتم سقي كل زهرة.
همهمت وسارعت نحو الخزانة بحماس تفتحها، وقد وجدت عدة أغراض وأدوات تخص البستنة، ومن بينهم الدلو المنشود.
أخذته حيث صنبور المياه، وريثما تنتظر إمتلائه رفعت شعرها على شكل ذيل حصان بسوار جونغكوك المطاطي، والذي إحتفظت به منذ كانا في النمسا.
أغلقت الصنبور، وتقدمت حيث جونغكوك يتفحص مدى تغلغل الماء في التربة، وقد بدا خبيراً فيما يفعل.
- هاقد ملأته، ماذا أفعل الآن؟
- إقتربي.
وضع دلوه جانباً، وحثها على الإقتراب منه، فإمتثلت لأمره فوراً.
وقف خلفها، وحاوط يديها الممسكتان بالدلو، ثم جاور بوجهه جانب وجهها وقال:
- أهم شيء عليكِ مراعاته هو عدم ملأ الأصيص بالكثير من الماء، سيؤدي ذلك لتعفن جذور الزهرة...تخيلي نفسكِ تروينَ طفلاً رضيعاً بالماء.
همهمت ڤانيسا بإنتباه قبل أن يباشر هو بمساعدتها على الري حتى تعرف كمية الماء المناسبة، ثم ترك يديها بعد خمس أصائص مع الحفاظ على ذاك القرب منها حتى يرى عملها بدقة.
وقد كانت سريعة التعلم كعادتها دوماً، ولم تضطره لإعادة الشرح من جديد.
- أحسنتِ صنعاً.
إبتسمت مظهرةً غمازتيها الجميلتين لإتقانها العمل سريعاً، كما أنّ هذه الحرفة قد راقت لها منذ الآن.
إبتعد عنها جونغكوك بعد أن تأكد من جودة عملها، وعاد لري النباتات بدلوه الأحمر.
- أفكر بتزيين ذاك الجزء من الشرفةِ حيث الأرجوحة بالأزهار والنباتات الخضراء...ما رأيكِ؟
أشار لها حيث مقصده، وهي أمالت شفتيها وهمهمت مبديةً إعجابها بالفكرة:
- فكرةٌ رائعة، سيكون المظهر خلاباً للغاية.
- حسناً إذاً، سنبدأ بترتيبه الآن بما أننا ممنوعان من دخول المنزل، ما رأيكِ؟
شقّت الإبتسامةُ وجهها الوردي إثر رطوبة الطقس، ورفعت له إبهامها.
أما هو فقد ربت على رأسها كعادته دوماً، ونده لها لتساعده على إختيار الأزهار المناسبة من أجل تنسيقهم في الشرفة.
وعلى بُعد ثلاثينَ متراً، حيث سوبين داخل المنزل...
حقيبة ظهره ملقية على إحدى الأرائك، بينما ما تحويه قد وُضِع على الطاولة.
قفصٌ خشبي صغير، وعلبة بها شرائح طماطم، وأخيراً بعضٌ من الجبن الفرنسي قوي الرائحة...جميعها كانت وسائل ليجذب بها الفأر ويمسكه، لكنه لن يلجأ لها إلا إن أضطر لذلك.
ولن يضطر لذلك إلا إن فشل في إستقطابه بواسطة روح الكونيليو خاصته...يأمل أن ينجح بما أنه من القوارض مثله.
- حسناً الآن، فلنبدأ.
تربع وسط المطبخ، وأغمض عيناه علّه يتمكن من التواصل مع روح الكونيليو بداخله.
الأمر يتطلب تركيزاً قوياً حتى يتشكل الرابط الروحي بينهما، وقد حاول فعل ذلك.
مضت عشرون دقيقة وهو على ذات الحال، إلا أنه لم يتوصل لأي شيء.
- هذا محبط!
بعثر شعره منتحباً بينما يبوز شفتيه، وسرعان ما أخذ شهيقاً ليُهدِّأ من روعه.
- حسنا سوبين، تذكر ما يفعله تايهيون وحاول تقليده.
عاد لإغماض عيناه، وحاول الإسترخاء قدر المستطاع، ولكن ما جعله يفشل مرةً أخرى هو عدم تدربه على ذلك كبقية الرفاق.
- إلهي مالذي سأفعله! يجب أن أنقذ ذاك الفأر المسكين بأي ثمن!
ألقى بجسده للوراء بملامح باكية، فعجزه عن فعل أي شيء يحبطه جداً!
_________________________
غادر جين الى نادي الغولف، وظلّ البقية في المنزل.
أونوو قد أتى منذ مدة، وهو برفقة بومقيو وكاي في المرآب.
أما تايهيون يقرأ، وسومي بجواره تطلي أظافرها.
- ألا تمل من قراءة الكتب؟!
خاطبته بمعالم ضجرة، فأنزل نظّاراته الطبية قليلاً وحدق بها:
- كلا.
دحرجت سومي مقلتيها وتجاهلته، فهو لم ينطق بأي حرف منذ جاورته الجلوس، وهذا مملٌ في نظرها.
ولم تلبث طويلاً حتى إنتهت من طلي أظافرها، وهاهي تستريح منتظرةً إياها لتجف.
- ماذا تقرأ؟
هي لن تتركه وشأنه بما أنه لا يرفِّه عنها!
- المثيولوجيا الإغريقية.
- ومالمفيد في ذلك؟
أمالت شفتيها متربعة، ليجيبها بكل بساطة:
- أكتسبُ من ورائها ثقافةً عامة فيما يخص مجال دراستي، وأشبع رغباتي وفضولي بما أنّ هذه الأساطير من هواياتي.
همهمت متفهمة، وما كاد يرتاح من أسئلتها، حتى نطقت من جديد فأسدل جفنيه متململاً:
- هل نذهب لرؤية الرفاق في المرآب؟
لم تكن ترغب بالذهاب لوحدها، وهو لم يرغب بمفارقة كتابه.
- كلا، ما يفعلونه لا يجذبني إطلاقاً!
وقد عنى بحديثه تصليح الدراجات النارية.
أرخت سومي كتفيها بإحباط، ولكنها ستذهب على كل حال، فالجلوس بجواره يجلب الشيخوخة!
إستقامت تصعد الدرج نحو غرفتها، وبيدها صندوق معدات العناية بالأظافر لتعيده مكانه.
وقبل أن تنزل وقفت أمام المرآة...شعرها ليس بمرتب وليس بفوضوي، ثيابها عادية تتلخص في شورت قطني فضفاض وقميص من دون أكمام، والأهم من هذا عنقه مكشوف!
حدقت بعنقها الظاهر لهنيهات قبل أن تحاوطه بكفيها وترسم معالم باكية على وجهها!
- تباً لي ولغبائي! من المؤكد أنه كان ينعتني بالمغفلة طوال الوقت!
إرتمت تجلس أرضاً، ولم تكف عن بعثرة شعرها والإنتحاب بتململ:
- ولكن يجب أن أعتذر منه.
قوست شفتيها تفكر، وفي النهاية قررت النزول وإدعاء اللامبالاة أمامه كما علمتها ڤانيسا أن تفعل دوماً مع مثل هذه المواقف، ومن ثم تعتذر له بكل بساطة.
ولحسن حظها أنّ باب المرآب الداخلي كان مفتوحاً، مما إختصر لها الطريق نحوهم.
أطلّت برأسها فقط من الباب، فوجدتهم منشغلين فيما يفعلون حد عدم ملاحظتهم لها، لذا دخلت وجلست على حافة الخزانة الصغيرة المتموضعة خلفهم.
لم يكن عليها إلقاء التحية على أونوو، فهي قد فعلت ذلك قبل ساعة تقريباً، أي منذ وصوله، لذا إكتفت بالتحمحم حتى ينتبهوا لها.
- هل أوشكتم على الإنتهاء؟
تساءلت بينما تؤرجح ساقيها في الهواء، فأجابها بومقيو بغبطةٍ عارمة:
- أجل، وأخيراً سأتمكن من الركوب عليها!
لم تعلّق على رد فعله الذي قد يبدو مبالغاً، فهي تدرك أنه سعيدٌ الى هذا الحد بالفعل.
- ماذا يفعل تايهيون؟
سألها كاي في خضم صمت أونوو وتركيزه على ما يفعل.
- تركته يقرأُ كتاباً عن المثيولوجيا الإغريقية...كالعادة.
دحرجت مقلتيها بضجر آخر حديثها، وقد إستشفّ ثلاثتهم أنّ الملل هو ما جلبها إليهم.
إلتزمت سومي الصمت بعد ذلك حتى إنتهوا مما يفعلون، وقد ظلت تحدق ببومقيو الذي يدور حول دراجته النارية ويتغزل بجمالها ولونها الأسود اللامع كما لو أنها أنثى شديدة الحسن.
تجاهلته كلياً، بينما لم يكف أونوو وكاي عن الضحك عليه.
- سأسميكِ ريڤن.
خاطب بومقيو دراجته متخصراً، وقد صفعت سومي جبينها لحظتئذ.
قهقه كاي على رد فعلها بينما يجمع مفاتيح التصليح في صندوقهم بمساعدة أونوو، وقال لها:
- دعيه، فعيناه تخرج قلوباً وأذناه الآن لن تسمع أي شيء عدا صوت محركها.
أعاد الصندوق لمكانه، وحدق بثيابه الملطخة بزيت التشحيم قبل أن يتنهد.
- رفاق، سأصعد لأستحم.
ولم يكد يخرج حتى إستدار نحو سومي يخاطبها:
- سومي، دُلِّي أونوو على مكان حمام الضيوف حتى يغسل يديه ووجهه.
- حسناً.
نزلت من فوق الخزانة تسبقه، وهو إكتفى باللحاق بها تاركين بومقيو على ذات حاله السابقة.
وفور دخولهم لم تلمح سومي تايهيون على الأريكة حيثما كان، فإستشفت أنه لربما صعد الى غرفته.
شعرت ببعض التوتر والإرتباك دون سبب، خصوصاً مع فراغ الطابق السفلي من أي أحد عداها هي وهو.
قادته حيث الحمام، وقد لاحظت كون يونجون قد نسي وضع المناشف به بعد أن نظفه آخر مرة.
- سأذهب لأجلب منشفة.
- حسنا.
صعدت للطابق العلوي لتجلب المنشفة، وطوال الطريق وهي تفكر في طريقة للإعتذار منه.
يجب أن تعتذر...هذا ما كانت تردده داخل عقلها بغض النظر عن مدى إحراجها من الموقف.
لا تريد أن يفكر بها كمتعجرفة، يكفيها أنه يراها مغفلة!
- اللعنة علي!
ضربت رأسها على أحد الأبواب منتحبة بالتزامن مع فتح تايهيون له بالصدفة...لقد كان باب غرفته المشتركة مع جين.
سقطت أمامه، وهو ظل يحدق بها في حيرةٍ من أمره.
- على الأقل ساعدني على النهوض!
شزرته منزعجة بينما تمد له يدها، وباليد الأخرى أخذت تدلك جبينها الذي وقعت عليه.
ساعدها على النهوض بالفعل، ولم يمنع نفسه من أن يستفسر:
- مالذي كنتِ تفعلينه؟!
رفع حاجبه ولم يكف عن الرمش، فعدلت شعرها وحملت المنشفة بخشونة قبل أن تجيب:
- أضرِبُ رأسي على الباب!
- ولِمَ تفعلين ذلك؟!
- لأني أستحق ذلك!
غادرت جواره مكفهرة الوجه قبل أن يضيف سؤالاً آخر، وقد أجزم بأنّ الضربة التي تلقتها للتو لم تزدها سوى جنوناً!
وصلت للحمام حيث الآخر ينتظرها بوجهٍ مبلل.
ناولته المنشفة، وحاولت قدر المستطاع إخفاء إنزعاجها.
- شكراً لكِ.
شكرها وراح يمسح وجهه وكفيه، وهي شابكت أناملها خلف ظهرها وراحت ترسم دوائر وهمية بقدمها على الأرض أسفلها.
- العفو.
تململت مكانها، وكلما حاولت مفاتحته بالموضوع يعلق الكلام في حلقها فتبتلعه من جديد، الى أن لمحته يعلِّق المنشفة ويهم بالخروج...يجب أن تتحدث الآن!
- مهلاً لحظة!
إستوقفته، فإستدار نحوها مستفهماً، وقد لاحظ إحمرار وجهها الشديد.
أما هي، فقد طأطأت رأسها وتحمحمت قبل أن تنطق بصوتٍ خافت:
- بشأن سوء الفهم الذي كان قائماً بيننا، أعتـ...
- لا بأس طالما أنكِ إكتشفتِ خطأكِ.
قاطعها، ولن ينكر أنّ الصورة المشينة التي كانت في مخيلتها عنه لا تزال تزعجه كثيراً، ولكنه سينسى الأمر فحسب طالما إكتشفت الحقيقة وإتضح سوء الفهم بينهما.
غادر جوارها بعد جملته تلك، وهي ظلت متصنمةً مكانها لشدة الإحراج.
- اللعنة علي للمرةِ الألف!
كانت على وشك أن تضرب رأسها على باب الحمام كما فعلت قبل قليل، ولكنه لم يكن موصداً وهي لم تلاحظ ذلك، إلا أنه وبفضل تايهيون الذي رآها وإستعمل قواه لإغلاقه منعها من الحصول على كدمةٍ أخرى!
- ستقتل نفسها يوماً ما لشدة فهاوتها!
تمتم لنفسه محدقاً بها، ثم هزّ رأسه وذهب الى المطبخ.
__________________________
فشل سوبين في تشكيل الرابط الروحي بينه وبين روح الكونيليو داخله، ولأول مرةٍ يندم على التهرب من مجالسة تايهيون حينما كان يدعوه للتمرن على ذلك.
كان سيفقد الأمل بالفعل، ولكن لحسن حظه خرج له الفأر بعد أن شمّ رائحة الجبن الفرنسي الذي تركه على الطاولة، وهاهو ذا يطارده منذ ربع ساعة!
وبالخارج، وتحديداً في الفناء الخلفي، حيث جونغكوك وڤانيسا ينسقان الأزهار حول أرجوحة الوسائد في الشرفة.
قضيا ساعةً ونصف حتى الآن ولم ينتهيا بعد!
إذ أنّ جونغكوك أضطر لتشتيل بعض الأزهار في أصائص جديدة جميلة المظهر بدلاً من تلك القديمة، وقد أخذ ذلك منهما جهداً ووقتاً كبيراً، لكنه كان الفرصةَ الأمثل لڤانيسا التي رغبت بتعلم كل ما يخص البستنة منه...لقد كانت مستمتعةً بوقتها للغاية.
- ڤاني، ناوليني أصيص زهرة شقائق النعمان ذاك.
كان هذا جونغكوك الواقف على السلّم من أجل أن يعلِّق الأصيص في الأعلى.
وبالعودة لمن هو بالداخل...
أهلكه التعب لشدة ركضه خلف الفأر...كان بوده أن يستقطبه بطريقةٍ سلمية حتى لا يؤنبه ضميره فيما بعد، ولكنه يفضِّل إمساكه بواسطة القفص على أن يتخيله كوجبةٍ خفيفة لبيانكا!
- يا إلهي مالذي سأفعله؟!
إرتمى على الأريكة، وقد كان على وشك البكاء بينما يحدق بالمطبخ حيث يختبئ الفأر.
لكنه سرعان ما إستقام بعد أن لمعت في ذهنهِ فكرة!
- وجدتها!
وسّع عيناه مبتسماً، ورويداً رويداً حتى تلاشت تلك الإبتسامة ليحل محلها التردد!
- هل أفعل ذلك يا ترى؟!
بدا أنه متردد، لكنه لم يلبث طويلاً حتى تنهد بقلة حيلة.
- ليس لي خيارٌ آخر على كلِّ حال.
أخذ الجبنة الفرنسية ووضعها في المطبخ، ثم حمل القفص الخشبي وإختبأ خلف الطاولة.
فكّر في البداية بوضع الجبن داخل القفص كفخ، لكنّ ذلك لن ينطلي على الفأر بصفته قارضاً ذكياً، ولكونها باتت وسيلةً رائجة من طرف الناس ومتوقعة أيضاً.
إنتظر قرابة العشر دقائق، وهاهو ذا الفأر يخرج من جحره.
راقبه سوبين، وإنتظر قليلاً حتى إستعمل قواه وإختفى ليظهر أمامه مباشرةً.
كان على وشك إمساكه، لكنّ الفأر فرّ الى منتصف المنزل مجدداً!
- لا بأس، سأمسكك!
ضيّق عيناه وراقب الفأر الى أين يهرب، ثم إختفى وظهر أمامه مجدداً!
وكالعادة لم يفلح...
ظل على ذات الحال يختفي ويظهر من مكان لآخر مطارداً الفأر، ومن بالخارج ليست لهم أدنى فكرة عن ما يحدث بالداخل!
ڤانيسا ذهبت الى الصوبة لتجلب بعض الأصائص الصغيرة، وجونغكوك يجلس القرفصاء أسفل النافذة بينما يزرع بعضاً من أزهار القرنفل الملونة في أصيصٍ عريض.
وحينما رفع بصره الى زجاج النافذة، لمح سوبين قرب البيانو، فعقد حاجبيه مستنكراً!
- أولم يكن قبل جزءٍ من الثانية قرب المدفئة!
تمتم متعجباً من سرعة الآخر في الركض من أقصى شمال المنزل الى أقصى جنوبه، لكنه تجاهل الأمر وعاد لِما كان يفعله.
وفي تلك الأثناء عادت ڤانيسا تحمل الأصائص الصغيرة بين يديها، ولمحت سوبين يتخفى بواسطة قواه، والأسوء من ذلك أنّ جونغكوك يجلس أسفل النافذة وقد يراه في أيِّ لحظة!
جحظت عيناها ووضعت الأصائص من يديها سريعاً، ثم كوبت وجه جونغكوك وأدارته نحوها دون أي مقدمات!
فزع غرابي الشعر من فعلتها، وقبل أن يتسائل قالت مدّعيةً الذعر:
- جونغكوك تعالا معي الى الصوبة بسرعة، لقد لمحتُ كائناً غريباً بها!
- ماذا؟!
جعّد ملامح وجهه مستنكراً، فتأففت تجره من يدهِ خلفها...عليها تشتيته عن ما يفعله الآخر!
- على رسلكِ ڤانيسا! ما هو هذا الكائن؟!
رمشت تزدردُ ريقها...هي لم تفكر بحيوانٍ معين حينما وصفته بالغريب!
هل تخبره بأنه سنجاب؟ أم راكون؟ ولكن ما الغريبُ في ذلك؟!
- إنه...إنه...لا أعرفه ولكنه مخيف!
ولم تزد الأمر سوى تعقيداً بإضافة صفة مخيف!
هل ستخبره بأنه أسد مثلاً؟!
دخلا الصوبة سوياً، وراح جونغكوك يبحث عن ذاك الكائن الغريب المخيف الذي أخبرته عنه ڤانيسا.
أما هي، فقد ظلت واقفة تعض أصابعها لتجد كذبةً أخرى!
- أين رأيتهِ بالضبط؟!
سألها، فتصنمت تحدق به كالبلهاء قبل أن تشير له نحو كومةٍ من الأصائص الفخارية الفارغة عند أحد زوايا الصوبة.
- هناك!
صفع جونغكوك جبينه محاولاً تمالك نفسه...كيف سيجده وسط كومة الأصائص تلك؟!
إكتفت هي بإمالة شفتيْها وكتفيْها له، وهو تنهد مغمضاً عينيه بقلة حيلة.
وبينما عاد للبحث، أخذت هي تناظر شرفة المنزل بتوتر على أمل أن ينتهي سوبين من تلك المهزلة سريعاً!
.
.
.
- أمسكتك يا شقي!
صرخ سوبين فرِحاً بعد أن أمسك الفأر في ذاك القفص الخشبي.
بعد مطاردة دامت لساعتين منذ قدومه تمكن من إمساكه وأخيراً.
- والآن لم تعد مهدداً من قِبل بيانكا يا لطيف.
إبتسم حتى إختفت عيناه، ثم حمل القفص وخرج الى الشرفة بحثاً عن جونغكوك وڤانيسا ليبشِّرهما بهذا الخبر.
وفي تلك الأثناء رأته ڤانيسا بالفعل من الصوبة، فسحبت جونغكوك تكفه عن البحث وقالت:
- يكفي بحثاً يا رجل! إنه مجرد عنكبوت!
فغر جونغكوك فاهه بصدمة...هل تمزح معه؟!
قضى ربع ساعةٍ وهو يبعد الأصائص الفخارية عن تلك الرقعة حتى آلمه ظهره، وفي النهاية تخبره أنه عنكبوت!
ظنه جرذاً في البداية او على الأقل فأراً آخر، لكنه لم يتوقع أن يكون عنكبوت!
- أتسخرينَ مني أم ماذا؟!
ناظرها بعتاب بينما يلهث، وهي إبتسمت بإصفرار قبل أن تصرخ مشيرةً نحو سوبين الذي يتقدم نحوهم:
- أنظر إنه سوبين! لقد أمسك الفأر!
بدأت تقفز كالمراهقة وفرّت هاربة من الصوبة قبل أن يضيف أي كلمةٍ أخرى.
رمش جونغكوك مراراً مقهقهاً بعدم تصديق، ليتمتم لنفسه:
- تزوجت وورطتُ نفسي مع إمرأة مختلة عقلياً من دون أدنى شك!
__________________________
- هل ألفُّ الخيطَ من هنا؟
سأل يونجون يونهي وسط صنعه لإحدى لاقطات الأحلام، فقهقهت يونهي بخفة عليه ونفت تمد يديها نحو خيوط لاقطته.
- كلا ليس بهذا الشكل، أدخله من ثقب هذه الخرزة ثم لُفّهُ حول القوس من جديد.
أخذت تريهِ كيف يفعل، لكنه كان شارذ الذهن يناظرها.
صوتها بدأ يتردد كالصدى في أُذُنيْه، وعيناه لم تفارق بسمتها الجميلة ولو للحظة بينما تعلمه كيف يلف خيوط اللاقطة...كانت كفراشةٍ يافعة تحلق فوق بستانٍ من الورود.
أحَبّ كيف أنها تعامله بلطف وتثق به الى هذا الحد...ذلك يشعره بالمسؤوليةِ تجاهها.
ظل شارذاً على ذاتِ حاله لا يسمع ما تقول، الى أن إستفاق مفزوعاً من الطرق العنيف على باب المنزل!
إنتفضت يونهي من مكانها، فحاوط يونجون كتفيْها مشيراً لها بإلتزام الصمت، فلربما كان الطارق والدها وهو في حالة سُكر كما كانت تخبره دوماً.
- إفتح ليَ الباب يا أيها الحثالة، أعد لي مالي وإلا أخذتُ منزلك ورميتُكَ في الشارع!
ميّزت يونهي كونه ليس بصوتِ والدها، فأبعدت يونجون عنها لترى الطارق وتفهم ما كان يصرخ به.
لكنّ الآخر منعها وإستوقفها قائلاً:
- تمهلي!
- إنه ليس أبي.
- وإن كانَ ذلك، سأفتحُ أنا.
كان عنيداً كفاية لينفِّذ ما قال، وقد خبّأها خلف ظهره ما إن فتح الباب.
كان رجلاً أربعينياً مبعثر الهندام وقذراً لحد تمييزهما كونه من حثالة المجتمع والشوارع.
- تفضل يا سيدي، بماذا أخدمك؟
سأله يونجون بلغةٍ مهذبة، لكنه تلقى دفعةً من ذاك الرجل قبل أن يقتحم المنزل.
- إبتعد عن طريقي! أين هو ذاك الحقير؟!
صرخ باحثاً عنه في كل الغرف وسط إرتعاب يونهي وإرتعاشها، ودهشة يونجون لِمَ يجري!
- أبي لم يعد منذ يومين الى المنزل!
صرخت به يونهي منهارةً من هذه المواقف التي دوماً ما تباغتها بفضل والدها السكّير.
لم تكن أول مرة يقتحم بها رجلٌ المنزلَ بحثاً عن والدها، ولكنها كانت الأسوء على الإطلاق بفضل ما أخرجه ذاك الرجل من جيب سترتهِ البالية!
كانت ورقة، وقد أخذ ذاك الرجل يرفعها ليريها إياها بالتزامن مع تهديده المنفعل:
- والدكِ اللعين إختفى منذ شهرين وهو يدينُ لي بمبلغٍ كبيرٍ من المال كان قد إستلفه مني بعد أن ربحتُ مقامرةً ضد إمرأةٍ ثرية، كان يريد تسليك دينٍ له بعد خسارته إحدى المقامرات، ولحد هذه الساعة لم أرى منه فلساً! إن لم يسلمني المال خلال أسبوع، سآخذ المنزل وأرمي بكم في الشارع!
رمشت يونهي مراراً بعدم تصديق قبل أن تبعد ذراع يونجون عن كتفها وتقترب من ذاك الرجل آخذةً منه تلك الورقة لتقرأها.
كانت ورقة رهن للمنزل موقعة من طرف والدها!
أخذت دموعها تنهمر على وجنتيها، وكل ما خيّم على سيمائها هو الصدمة.
والدها العزيز قد رهن منزلهم لهذا الرجل مقابل إقتراض المال، وفضلاً عن كل هذا إختفى منذ يومان ولم ترى وجهه إطلاقاً!
هي تعلم بأنه لن يعيد المال خلال سبعة أيام، وهذا إن عاد الى المنزل ورأته أصلاً، وهذا يعني أنها ستفقد منزلها وسيتم رميها في الشارع كما كانت تخشى دوماً!
جثت على ركبتيها من هول الصدمة، ولم تكفّ عيناها عن ذرف دموع الحسرة...لقد حطمها بالكامل!
هرع نحوها يونجون قلقاً، وأخذ منها الورقة ليُصدمَ هو الآخر بمضمونها!
- سيدي، هل يمكنكَ إمهالي وقتاً أطول، أتوسل إليك!
توسلت له جاثيةً أمامه، فدفعها من كتفها بقدمه وأخذ الورقة من يونجون بخشونة.
- لن أنتظر أكثر من أسبوع، إن لم يعد لي والدكِ المال فسآخذ المنزل!
وغادر بعدها تاركاً إياها تبكي بشجون.
آلمها قلبها، وأحرقتها نيران البؤس تأسفاً على حالها الذي آلت وستؤول إليه.
علا صوت نواحها أكثر فأكثر حتى بات كلُّ من بالحيِّ يسمعها، ولم ينتظر يونجون ولو للحظةٍ واحدة حتى ضمها الى صدره علّه يخفف عنها.
- لا بأس، سيكون كل شيءٍ على ما يرام.
تمتم محاولاً تهدئتها وسط دموعه التي لم تصمد أمام بشاعة الموقف، وهي إكتفت بغمر وجهها في قميصه تشد عليه بحسرة، ولم تكف عن البكاء ولو للحظةٍ واحدة رغم توسله لها بأن تتوقف...يؤلمها ما يحدث معها، ويؤلمه أكثر رؤيتها بهذا الحال تبكي.
كانت لتصير فراشةً لولا أنّ ملح الدمع أثقل جناحاها، فإحترقت شرنقتها وقتل البؤس قلب الفراشة...
_______________________
[حي جامسيل - الساعة 6:00 مساءً]
في أحد شوارع هذا الحي الهادئ، حلّت كارثة مروِّعة في مطبخ المحامي الشاب كيم تايهيونغ.
تقريباً كافة الأواني والصحون تم إخراجها من خزائنها، رذاذ الدقيق مبعثرٌ في كلِّ مكان، قشور البيض مرمية في حوض الغسيل، وأخيراً النمل متجمع حول السكر المسكوب فوق الطاولة...كل هذا من أجل كعكة زبيب عادية!
Taehyung pov:~
لم أغادر المطبخ منذ دخلته الساعة الثالثة ظهراً.
كنتُ قد قررتُ الذهاب اليوم الى منزل جينا لأعتذر منها، ورأيتُ أنّ بعض المرطبات المنزلية قد تفي بالغرض لدعم الموقف.
فإن لم أعتذر منها اليوم قد يشنقني والدي ويقطع نسلي!
ولأني لا أجيدُ الطبخ، فقد إستبعدتُ فكرة المرطبات في بادئ الأمر، الى أن قررتُ أخذ إحدى الوصفات من أمي.
أعطتني وصفة كعكة الزبيب، وقالت أنها سهلة الإعداد ولذيذة المذاق...طعمها قد يكون جيداً بالفعل، ولكنّ إعدادها لم يكن بتلك السهولةِ حقاً!
وما حلّ بمطبخي لخيرُ برهانٍ على ذلك!
هل يعقل أنّ الخلل مني أنا؟!
آه لا يهم...
إنها على وشك النضوجِ بالفعل، وسأنتهز الوقت لأغير ثيابي التي غطاها الدقيقُ بالكامل.
إرتديتُ ثياباً منزلية أخرى مريحة، ونزلتُ مسرعاً أتفقّدُ الفرن...ممتاز، لقد نضجت.
ولإنعدام خبرتي في الطبخ، كنتُ سأخرج قالب الكعكة بيداي دون أي حماية...لقد أحرقتُ إصبعي بالفعل!
- اللعنة!
تأوّهتُ متألماً...في ماذا كنت أفكر حينما أرتكبتُ هذه الحماقة؟!
أخذتُ منشفة المطبخ الكبيرة، وأمسكتُ بها القالب وأخرجتهُ سريعاً قبل أن أحصل على حرقٍ آخر.
الرائحة شهية...أتمنى أن يكون المذاق كذلك بالفعل.
ولكن مهلاً لحظة، لا يجوز أن آخذها بقالبها...المنظر سيكون فوضوياً!
سأخرجها من القالب وأضعها في صحنٍ مناسب، أجل.
كانت لا تزالُ ساخنة، وياللروعة...أحرقتُ إصبعي الثاني!
اللعنة عليكِ كيم جينا!
لم أكن أصدق أني أخرجتها ووضعتها في صحنها بعد كلِّ تلك المعاناة، وهانذا أغادر المنزل بخفٍ مطاطي صيفي نحو منزلها...مالعيبُ في ذلك؟ إنه يوم عطلتي وسأرتدي ما أريد!
توقفتُ أمام بابِ منزلها، ثم تحمحمتُ وكنتُ على وشك طرقه، لكنها فتحته قبل أن أفعل!
بدت متعجبة للغاية من رؤيتي، خصوصاً أنّي أنا الزائر وبيدي كعكة زبيب ساخنة!
لن ألومها...
- اوه...طاب مساؤكِ جينا.
تكلفتُ إبتسامة على شفتي، وقد قررتُ التصرف بلطف حتى أنتهي من هذا الأمرِ سريعاً.
- ومساؤك أيضاً سيد تايهيونغ.
مهلاً لحظة! هل هي من ذاك الصنف من النساء اللواتي إن تشاجرن مع رجلٍ يعرفنه تتبدلُ معاملتهنّ له وتصبح في غاية الرسمية؟!
كانت متأنقة، وتحمل حقيبتها ومفاتيح سيارتها في يدها...يبدو أني أتيتُ في الوقتِ الخاطئ!
تحمحمتُ مجدداً وعاودتُ الإبتسام قبل أن أنطق:
- يبدو أنكِ على صدد الخروج!
- أجل.
وللتو تعرفتُ على سوء الشعور الذي قد يراودك إن عاملك أحدهم بفظاظة!
لن أشتكي طالما أني كنتُ أعاملها بذات الطريقة يوماً ما.
- حسناً إذاً، لن أطيلَ عليكِ كثيراً...لقد أعددتُ لكِ هذه الكعكة بنفسي كبرهانٍ عن أسفي لما إقترفته بحقكِ تلك الليلة...أعتذر بشدة.
ناولتها الكعكة بينما أرمش منتظراً ردها، لكنها ظلت تحدق بي تارةً، وتارةً أخرى بالكعكة بين يديها.
هي لن ترفض إعتذاري صحيح؟!
أقصد على الأقل من أجل الكعكة!
تحمحتُ للمرة الثالثة منذ قدومي، ورحتُ أبرر لنفسي أمامها طيش أفعالي:
- طوال الفترة الماضية كنتُ أعاني ضغوطاتٍ عدة، وهذا جعل مني شخصاً فظاً وحاد المزاج مع الجميع...أتصدقين أني تشاجرتُ مع جيمين قبلكِ!
أتمنى أن يغفر لي الرب ويسامحني على كذبتي هذه!
تنهدت جينا وناظرتني بصمت للحظات قبل أن تتحدث بهدوء أخيراً:
- ولكنك تعلم بأنّ إهانتكَ لي أمام عائلتك بتلك الطريقة لا يمكن تبريرها بهذه الحجة...أنت خدشت كبرياء محامية تايهيونغ! أظنك تعلم جيداً ما يعنيهِ هذا!
إنها على حق، ولكن ما ذنبي إن كنت لا أُطيقها!
تلك الأفعال الفظة وذاك الكلام الجاف يخرج مني دون أن أشعر كلما رأيتها!
طأطأتُ رأسي فحسب، فليس لي مبررٌ آخر أتحججُ به.
- على كلِّ حال أشكرك على هذه الكعكة.
نطقت تضع الكعكة على طاولة الأكل القريبة من الباب...هل يعني ذلك أنها قبلت إعتذاري؟!
أنا لن أتنازل أكثر وأسأل...لقد أهانتني هي الأخرى وأنا أيضاً رجلُ قانون بكبرياءٍ لعين!
لذا إكتفيتُ بتكلف إبتسامة خافتة قبل أن أنسحب عائداً لأدراجي.
- العفو...عمتِ مساءً.
- وأنت أيضاً.
لن أشعر بالخيبة من ردودها الجافة، بل يجب أن أبكي على مطبخي القذر الذي ينتظرني!
أقسمُ بأني لن أطبخ مجدداً ما حييت!
End taehyung pov.
_________________________
قررت كلٌ من جينا وايو ويوجو وسومي وڤانيسا الخروج للتبضع مع وقت المغيب في حي دونغدايمون...منظره يكون أجمل بكثير عند المساء.
حياة سيول الصاخبة، وأضواؤها الساطعة أعادت لڤانيسا ذكرياتٍ كانت قد وثّقتها في نيويورك أيام دراستها رقص الباليه والرقص المعاصر رفقة هوسوك...كانت أياماً جميلة ولا تُنسى.
ولم تكف عن سردها للفتياتِ رفقتها بحماسٍ وحنين متّقد.
وكنّ قد قررن الخروج هذه الليلة للترفيه كأي سيداتٍ متحررات، وبعيداً عن كل ما قد يعكر صفوّ مزاجهن.
ڤانيسا تركت جونغكوك وحده في المنزل، سومي لن يشكل الأمر فارقاً بالنسبةِ لها كونها لا تمتلك أي مسؤوليات، وجينا كحال إبنة عمها تماماً، يوجو أقنعت هوسوك بإمضاء الوقت رفقة يونغي ريثما تعود، واخيراً ايو التي كانت لن تخرج رفتهنّ إلا حينما ألغى حبيبها موعده معها بحجة أنه مشغول.
وكانت قد لمّحت لهن بالقليل عن شكوكها تجاهه، وجميعهنّ قررن تلطيف الأجواء وتقديم النصائح لها دون تسرع...فبالنهاية هي متعلقةٌ به، ولن يحبذنّ تسميم أفكارها تجاهه او جرحها.
ولكونها مشهورة، فقد كانت مضطرة لإرتداع كمامة سوداء وقبعة حتى تخفي وجهها قدر المستطاع...حياة المشاهير صعبة ومقيدة بحق.
ولكنّ ذلك لم يمنعها من الإستمتاع بوقتها رفة الفتيات، فهنّ قد تبضعن لما يقارب الثلاث ساعات وسط هذا الحي التجاري الضخم.
تناولن العشاء في مطعمٍ شعبي، وهاهنّ يبحثن عن مكانٍ للتحلية.
- أعرف مقهى يقدم عصائر ممتازة رفقة كعكاتٍ مجانية، فلنذهب إليه.
إقترحت يوجو بحماس بينما تسير أمامهنّ بشكلٍ معكوس، فوافقنها الرأي ولحقنَ بها الى سيارة جينا ذات السقف المفتوح.
شغَّلن الموسيقى بأعلى صوت، وتمتعن بهواء الليل العليل الذي أخذ يهفهف لهنّ خصلاتِ شهرهن بنعومة.
- أشكركنّ على إنقاذي من كابوس الملل الذي لم يفارقني منذ الصباح!
صرخت سومي رافعةً يديها بحماس، فقهقهن عليها جميعاً.
وبعد قرابة النصف ساعة وصلن الى المقهى المنشود.
كان يقع في حي غانغنام المترف، وهذا ما دعى ڤانيسا لتتسائل بريبة:
- إني على درايةٍ مسبقة بأن هذا الحي يعدُّ من أرقى أحياء سيول وأكثرها غلاءً، فكيف لمقهى بسيط كهذا أن يتواجد به؟!
ضحكت يوجو بخفة، وأجابتها بلطفها المعتاد كخطيبها هوسوك تماماً:
- معكِ حق، ولكنه ليس بسيطاً كما تريْنه من الخارج، فمظهره الكلاسيكي هذا مستوحاً من الطراز الفرنسي القديم، وأسعاره مرتفعة بعض الشيء، كما أنّ الكعكات المجانية تقدم كنوع من الإيتيكيت للزوار...ستحبينه جداً.
وبينما تشرح يوجو لڤانيسا، كانت جينا قد سبقتهم جميعاً نحو المقهى، وفور دخولها وسّعت عيناها بصدمة!
إرتبكت وتيبست في بادئ الأمر، وقد كانت على وشك الخروج سريعاً لتمنعهم من الدخول، لكنّ الأوان كان قد فات بالفعل!
فمن كانت تنوي منعها على وجه الخصوص من رؤية ما رأت قد دخلت وتصنمت مكانها...إنها ايو!
إزدردت جينا ريقها تحدق بأيو ذات المعالم الفارغة، ولم يكن حال الأخريات أفضل!
لقد كان حبيبها جالساً في ذاك المقهى رفقة إمرأةٍ لم يكف عن تقبيلِ كفيْها بحب، وبدا عليه أنه يغازلها ويستمتع بوقته رفقتها.
- عزيزتي ايو...
تمتمت يوجو بإسم الأخرى، والتي لم تجبها، بل ظلت صامتة تناظر حبيبها بعينان حملت كل أنواع الخذلان والألم...لم تكن مخطئة حيال شعورها بخيانته، لكنها كانت ترجو دوماً أن يثبت لها عكس ذلك.
ترقرقت عيناها بالدموع، ونزف قلبها دماً لقساوة غدره!
ولن تنسى أنّ عقلها لم يكفّ يوماً عن عتابها وإخبارها بأنه مجرد مخادع وخائن، لكنّ قلبها جعلها لا تبصر شيئاً أمام حبه!
●•●•●•●•●•●•●•●•●•●•●
#يتبع...
- رأيكم بالبارت؟
- توقعاتكم للقادم؟
- نسبة حماسكم؟
طبعا يمكن يكون هاد البارت هو الاخير يلي رح ينزل بالموعد المتفق عليه سابقا وهو يوم الأحد.
من هلا ورايح رح بلش انشر ايمت ما بلاقي وقت للكتابة لاني عنجد كتير مضغوطة بالدراسة.
يمكن اطوّل بالنشر بين كل فصل وفصل، وهاد ناتج عن ظروفي يلي سبق وحكيتلكم عنها.
بصراحة ما كان بودي اعمل هيك عشان ما تخربطو بالاحداث او تنسوها، بس مافي حل تاني قدامي.
ولكن...
مش هاين عليْ اني أترككم تستنو كتير، لهيك بدي عوضكم بشي ثاني.
انا من فترة قرأت قصة مصورة او بالأحرى رواية مصورة، وهي عبارة عن مانجا صينية مترجمة.
قصتها كتير حلوة وذكرتني بروايات الواتباد، وفكرت اني أقتبس فكرتها واعمل منها رواية جديدة.
يعني انا ما رح اخترع الاحداث من راسي او رح رتب تسلسل الافكار لحالي، انا بس رح حولها من قصة مصورة الى رواية مسرودة كتابياً، مع تغيير اسماء الشخصيات طبعا واسماء المواقع وشوية تفاصيل بسيطة، وهالشي بيكون سهل كتير مقارنةً بأني اكتب وارتب الافكار لحالي.
البطولة رح بتكون لجونغكوك، وشخصيته فيها بتكون متسلطة وقوية على عكس ما سبق.
اسم الرواية "رئيس متسلط"
متأكدة رح تحبوها كتير مثل ما انا حبيتها.
وبالنسبة للنشر فيها رح بيكون يا إما مرة او مرتين بالاسبوع، وهالشي بيرجع لتفرغي من اجل نقلها كتابياً.
اتمنى كون عوضتكم بشي مقابل تأخري بالنشر في تعويذة حظ...على الاقل لحتى خلص هاد الفصل الدراسي وارتاح.
والليلة بإذن الله رح بنشر اول فصل من الرواية الجديدة ويا ريت تشوفوه وتدعموها عشان استمر بنشرها لبين ما ألاقي وقت لكتابة الفصل الجديد من تعويذة حظ.
أشوفكم بخير💜
See you next part...
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top