10~إِتْبَعْ حُلُمَكْ...وَلَا تَيْأَسْ


قراءة ممتعة❤

﴿يَا مَنْ تُحَقِّقُ الْأَحْلَامَ إِهْدِنِي الَى حُلُمِي حَتَّى أَصِلَ إِلَيْهِ وَأَتَفَوَّقْ﴾

- راقتني 💫

●•●•●•●•●•●•●•●•●•●•●

- تاي، هل تسمعني؟
تساءل جيمين بسيماء متعجبة بعد عدم تلقيه لجوابٍ من الآخر.

إذ أنّ تايهيونغ لم يستفق بعد من تأثير الصدمة، ولم يُجب جيمين للمرةِ الثانية، وهذا ما دعى الأخير ليستقيم من مجلسه ويرى ما خطبُ رفيقه.

- ما خطبك يا رجل؟!
قطب حاجباه في حيرةٍ من أمره بينما يهز رأس تايهيونغ يميناً وشمالاً.

إكتفى تايهيونغ بتكويب وجه جيمين، وإدارته نحو النافذة حيث يقبع سبب صدمته، ولم يلبث جيمين طويلاً حتى وسّع عيناهُ بذهول وأشار نحو النافذة بسبابته.

- أوليست تلك المحامية كيم جينا؟!
مطّ شفتيه متسائلاً، وتدريجياً بدأت أثار إبتسامةٍ شريرة تتشكل على شفتيه اللتان سرعان ما نطقتا بما أغاظ تايهيونغ:
- مقتك لها من دون سبب جلبها لتكون جارتك يا مسكين!

- كُفّ عن هذا! لماذا تستمر بإزعاجي؟! يجب عليك أن تواسيني!
أغلق الستائر بغيظ، بيد أنّ جيمين لم يتمكن من كتم ضحكته مطلقاً، فتعابير تايهيونغ المكفهرة بدت له مضحكة رفقة تفاهة السبب!

- تضحك؟!
وبإنزعاجٍ بالغ رفع تايهيونغ حاجبيه متسائلاً، فأغلق جيمين فاهه وتحمحم مربتاً على كتف رفيقه.

- جينا إنسانة رائعة ولطيفة...صدقني، لن يزعجك كونها ستصبح جارتك الجديدة.
حاول ترطيب الأجواء، إلا أنّ تايهيونغ مُصِرٌّ على كون تلك المحامية مزعجة!

إذ أنه شخر مدحرجاً عيناه بضجر، وأخذ بخطاه نحو سريره يرتمي عليه.
- لا تحاول، إنها متطفلة!

- أنت الوحيد الذي يراها هكذا، ولا أعلم لِمَ!
جاوره جيمين وجلس بمحاذاة جسده المستلقى، لكنه إستدار للجانب الآخر مولياً إياهُ بظهره.

- بل أنت الوحيد الذي يرى كل العالم لطيف وجيد جيمين!

لم يتسنى لجيمين سوى الرمش مراراً قبل أن يبتسم بخفة.

- سامحني على قول هذا، ولكنك تغار منها!
لهذا السبب أنت تمقتها!
تكتف جيمين بثقة منتظراً رد فعل الآخر، والذي كان عدوانياً وسريعاً للغاية!

إذ أنه هبّ واقفاً يشير نحو جيمين بغيظ.
- اللعنة عليها! هل إستقطبتك أنت أيضاً لتصبح ضدي وتأتي في صفها!

صفع جيمين جبينه بيأس، ثم إبتسم بتكلف للواقف قبالته.
- تذكر كلامي هذا جيداً...ستندم يوماً ما على معاملتك لها بهذا الشكل، فهي لم تقترف أي خطأ بحقك حتى ولو من دونِ قصد...تذكر هذا جيداً.
ربت على كتفه مجدداً، ثم سار نحو مكان جلوسهما السابق ليكمل مشاهدة المباراة التي كانت قد بدأت من جديد بالفعل.

كلماته راحت تحوم في عقل تايهيونغ الشارذ للحظات، لكنه سرعان ما عاد للعبوس شاتماً إياها في دواخله لأن كلام جيمين صحيح عن كونه يغار منها!

هو أكثر من يدرك ذلك، ولكنه لا يريد الإعتراف ولن يفعل!

أزفر تنهيدة ضجرة بعد ذلك، ثم لحق بجيمين ليكملا مشاهدة المباراة كما لو أنّ شيئاً لم يكن.

_________________________

فرّقت ذات عينيْ الفيروز جفنيْها، ورويداً رويداً حتى إستفاقت كلياً.

تكسّلت فوق الفراش، ثم جلست تحك شعرها بمعالم خاملة.

وسرعان ما إبتسمت بنعاس وعادت للإرتماء على الوسائد أسفلها.

- النعيمُ بأمِّ عينه يكمنُ في هذا الفراش! علِمتُ الآن لما كان ذاك القارض متمسكاً به الى هذا الحد!

ومن دون أن تدخل الحمام أو تغير ثيابها حتى، خرجت من الغرفة نحو مسارٍ محدد، ألا وهو الثلاجة.

- أظنني سألتهم جونغكوك إن لم أجد ما آكُل!
تمتمت لنفسها تسير نحو المطبخ، ومن دون أي مقدمات ظهر المعني بكلامها في وجهها بغتة!

- أُؤكد لكِ بأني حلو المذاق وسأنالُ إعجابكِ!
غمز لها بينما يتخطاها ليجلب مزهرية الورود من فوق طاولة التلفاز، ثم عاد الى المطبخ وهي لا تزال واقفةً في مكانها تراقبُ ما يفعل.

ولم يدم سكونها طويلاً، فإذا بها تلحق به الى المطبخ لتفغر فاهها بدهشة!

كان يضعُ آخر اللمسات على طاولة المطبخ المليئة بالطعام، ولن ننسى طريقة تنسيقها المريحة للعين.

نور الشمس الدافئ يتسلل من الشرفة المفتوحة بستائرها المتدلية على كلتا جانبيها، وأصوت الطيور تغرد بشتى الألحان.

إبريقُ الشاي يصدر طقطقةً خفيفة فوق الموقد، والفرن أصدر صوتاً دلالةً على نضج ما يحويه.

ولم يكن سوى بعض البسكويت الطازج برائحته الزكية، والذي أخرجه جونغكوك لتوه، وزينه ببعضٍ من مربى الخوخ الشهي.

لمح ڤانيسا تقف عند الباب بلعابٍ يكاد يسيل من ثغرها رفقة مظهرها المبعثر إثر إستيقاظها من النوم لتوها، فأطلق قهقهةً رجولية أفاقتها من شروذها، لتناظره بعينانِ تخرج منها القلوب.

- لا تعلم كم أحبك يا رجل!
قوّست شفتيها مدّعيةً البكاء، ثم رفعت سبابتها مستذكرةً أمراً.

- سأجلب رباط شعري أولاً، إنتظرني.

هزّ جونغكوك رأسه للجانبيْن مبتسماً، وقبل أن تغادر أمسك برسغها مستوقفاً إياها.

- لا يوجدُ داعٍ لذلك، فأنا أرغب برؤية نسمات الهواء وهي تداعب خصلات شعرك بينما أحتسي كوب الشاي خاصتي.

رمشت مراراً، ثم همهمت موافقة دونَ أيِّ إعتراض...بما أنه أعدّ لكليْهما إفطاراً شهياً كهذا فمزاجها سيكون في أفضل حالاته، وبالتالي لن ترفض له أي طلب.

جلست قبالته بعد أن عدّل لها كرسيها وجلس بدوره.

معالمها كانت مبتهجة وحيوية للغاية، وقد عبّرت عن ذلك بالقولِ أيضاً:
- الطعام يبدو شهياً، هل أعددته كله بنفسك؟
أبدت التساؤل على سيمائها، وقد تملكها الفضولُ حول جوابه.

أما هو فقد إبتسم بخفة مظهراً تقوّس عينيه، وهمهم مجيباً إياها:
- أجل، كل ما هو أمامكِ من صنع يداي، ما عدا هذه الفطيرة.

أشار نحو فطيرة تفاح ذهبية اللون، فعقدت ڤانيسا حاجبيها وتسائلت:
- هل إشتريتها من المخبز؟

أعاد جذعه للوراء مريحاً إياه على ظهرِ كرسيه، مع حاجبه الأيسر المرفوع دلالةً على تعجبه هو الآخر.
- كلا، لقد أحضرتها إمرأةٌ مسنة قبل ربع ساعة، وكل ما فهمته من كلامها كان نطقها لإسمك!
ولكن بربكِ يا إمرأة! من أين تعرفكِ؟!

تشكلت إبتسامة واسعة على ثغر ڤانيسا بينما تسكب لنفسها كوباً من الشاي.
- إنها مدام كاثرينا، إن كنتَ تذكر متجر اللبن والجبن من الأمس فهي مالكته.

همهم حاثاً إياها على إكمال حديثها، لكنها أخذت قضمة من إحدى قطع البسكويت متلذذةً بطعمها.

رفعت له إبهامها دلالةً على إعجابها بطعمه، ثم إبتلعت ما بثغرها لتكمل تفسيرها:
- رأتنا بالأمسِ سوياً، وحينما سبقتني أنت الى المنزل سألَتني إن كنا زوجان حديثان أم لا، وانا أجبتها بنعم.
يبدو أنها قد ميزت كوننا في شعر عسلنا، وأخذت تسألني عن قصة حبنا وإلتقائنا بما أننا من جنسيتين مختلفتين، وأنا أخبرتها بقصتك المفبركة تلك، ومن ثم أصبحت صديقتي.

إبتسمت بإتساع مظهرةً غمازتيها الجميلتين، لكنه لم يزل تلك العقدةَ بعد عن جبينه، بل زاد من تقطيبها أكثر!
- هل تصاديقين العجائز حقا؟! ثم كيف تمكنتِ من التواصل معها؟!

ذُهل من قدرتها على التواصل مع إمرأةٍ مسنة من بلدٍ ليس ببلدها، وكذلك كسب محبتها لدرجة أن تأتي صباح اليوم التالي لتقدم لها فطيرة شهية من صنع يديْها!

- العجائز ممتعاتٌ للغاية، فلطالما أحببتُ إمضاء الوقت مع جدتي وعجائز حيِّنا أكثر من أبناء عمري.
أما بالنسبةِ لطريقة تواصلي معها فقد كانت كالآتي...سكان النمسا يتحدثون الألمانية والإنجليزية والفرنسية وكذلك الإيطالية، لذا لم يصعب عليّ فهمها بما أنها قد خاطبتني بلهجة دولتي.

أطلق جونغكوك 'اوه' متفهمة قبل أن يقهقه عليها.
- أنتِ حقاً غريبة الأطوار!

رفعت كتفيها دلالةً على عدم إهتمامها، بينما لم تكف عن تذوق كل ما وقعت عليهِ عيناها.

وسرعان ما هزت رأسها مظهرةً إعجابها ودهشتها للقابع أمامها.

- أنت حقاً بارعٌ في الطبخ...ولأولِ مرة يحالفني الحظُّ في شيء!

- وهل تظننيني سأطبخ لكِ كل يوم؟! من المرأةُ هنا؟!
حاول أن يزعجها ليتسلى، لكنها إبتسمت وقالت:
- أنا المرأة هنا، وأنا أجيد الطبخ بالفعل، ولكني سأسير على مبدأ إخدم نفسك بنفسك ما دمت تجيد الطبخ بالفعل.

أظهرت له أسنانها في بسمةٍ واسعة علّها تستقطب إزعاجه، ولكنه كان مسترخياً كفاية ليتجاهلها.

- لا بأس، فأنا لستُ إتكالياً على كلِّ حال.

أدار حدقتيه نحو الشرفة متأملاً خضار الروابي وتموجاتها المليئة بالخراف البيضاء، لكنه عاد للتحديقِ بها ما إن نطقت:
- إذاً، هل نمت جيداً ليلة البارحة؟
أخذت قضمةً أخرى من البسكويت الذي أعدّه، لتنهي بذلك خامس قطعةٍ بالفعل، أما هو فقد أجابها مدلكاً صدغيْه:
- كلا، ألم ظهري وعنقي عاد من جديد بفضل تلك الأريكة، كما أني كنتُ أطول منها بالفعل وساقاي ظلتا متدليتيْن طوال الليل!

كتمت ڤانيسا ضحكتها بصعوبة، لكنها لم تمنع نفسها من أن تشمتَ به!

- فلتتجرع بعضاً من معاناتي تلك الليلة.

- يالِ قساوتك!
مطّ شفتيه عابساً، لكنها ضحكت وشدت وجنتيْه حتى كادت تقتلعهما.

- سأدلك لك ظهرك وعنقك مرةً أخرى علّك تغير رأيك بي.

- لن أرفض ذلك.
إبتسم لها بشكر، ثم راح يتأمل خصلاتها المتطايرة كما أراد قبل قليل...يرى دوماً أنّ الجمال بكافةِ أشكاله لهو من أكبر مصادر الراحة والإسترخاء، وهي كانت جميلةً كفاية لتجلب له الإلهام والإبداع.

فبعد مناظر آسرة كشعرها تشكلت في ذهنه مقطوعةٌ جديدة ليكتبها.

________________________

كان الأورجي وسومي يقفونَ على شكل حلقة في ساحة الجامعة الضخمة بينما يتشاورونَ حول أمرٍ ما، وقد بدى أنّ الأمر جدِّيْ نظراً لمعالمهم الثابتة.

- حسناً إذاً كما إتفقنا، سندّعي عدم معرفتنا بهم إن صدف ورأوْ أحداً منا.
خاطبهم تايهيون بجدية، فهمهم الخمسة الباقون وتوزعوا نحو أقسامهم.

كانوا يقصدون شلة المتنمرينَ من ذاك اليوم، فإن رأوهم في الجامعة وهو أمرٌ مؤكد، سيحاولون تتبعهم او على الأقل إظهار خوفهم منهم من بعد ما حلّ بهم.

والخيار الوحيد الذي كان بين أيدي الأورجي وسومي هو تجاهلهم فحسب لتجنب المشاكل.

وبينما كان بومقيو يسير في طريقه نحو قسمه، خرج له خمسة فتيان من العدم، ولم يكونوا سوى أولئك الخمسة المستضعفون من الأمس.

- صباح الخير يا زعيم.
ضربوا له التحية بإحترام، ففغر فاهه وضّيق عيناه مستفسراً:
- زعيم؟!

وبدل أن يجيبوه نده البدين للقصير بأخذ حقيبة بومقيو من على ظهره.

- هيونجو، إحمل الحقيبة عن الزعيم.
لكنته كانت جادة، لكنها مضحكة في ذات الوقت.

وقبل أن يعترض بومقيو أو يفعل أي شيء أخذها منه الآخر، وناوله البدين علبة مشروب طاقة كالذي كان يحتسيهِ بالأمس.

- لقد أخذته للتو حتى تحتسيهِ بارداً.

إكتفى بومقيو برمش عينيه، مع فاهٍ مفغور وملامح خاوية لما يجري، أما أولئك الخمسة فكانوا يصطفّونَ أمامه بإبتساماتٍ متسعة.

وسرعان ما تدارك المشدوهُ موقفه وأرخى كتفيْه بيأس...هم لن يتركوه وهو يعلم ذلك جيداً، على الأقل خلال هذا الأسبوع.

ولهذا جاراهم علّهم يملِّون ويتركونه وشأنه بعد مدة، إذ أنه دحرج مقلتاه وحشر كفاه في جياب بنطاله الخلفية، وقبل أن يتقدم أفسحوا له المجال ليتخطاهم ويتبعوه بكل ولاء.

__________________________

تغاضى تايهيونغ عن فكرة الركض فجراً وظل نائماً، وكلُّ هذا حتى لا تراهُ جينا وتعلم بأنه جارها الجديد!

كما أنه إنتظر خروجها أولاً حتى يتمكن من الذهاب الى عمله.

على من يكذب...هي ستعلم بأمره عاجلاً أم آجلاً!

أما الآن...فهو جالسٌ في مكتبه، عمل قليلاً ثم شرذ يفكر.

- هل غيرتي منها واضحة الى هذا الحد؟!
تمتم متسائلاً لنفسه ما إن تذكر تعليق جيمين ليلةَ البارحة، وسرعان ما هزّ رأسه بجبينٍ مقطب.

- كلا كلا، أنا لا أغار منها أساساً، فمن تكونُ هي لأفعل ذلك!

وكان قد بعثر شعره وعاد لحمل قلمِ حبره مكملاً ما كان يفعل بسيماء عابسة.

يمقت وبشدة فكرة أن يسرق أحدهم إهتمام الجميع به طالما أنه كان ذا سيطٍ مبهر منذ أيامِ مراهقته.

فشابٌ وسيم وثري وكذلك مثقف ورجل قانون محنك في مجاله سيكونُ طلبيةً خاصة يرغب الجميعُ بالحصول عليها او التقرب منها على الأقل.

ومجيؤُ جينا وأخذها لكل هذه الشهرة منه ببساطة يكادُ يقوده للجنون...فلنقل أنه طفولي ونرجسي بعض الشيء.

وعلى حينِ غرّة، دخلت مسببةُ ذعره الى مكتبه ببهجتها المعتادة، فجفل ما إن رآها حتى تساءلت بحيرة:
- ما بك؟! هل أفزعتك بدخولي؟

رمش مراراً وسط تحديقه بها، ثم تدارك نفسه وتكلف إبتسامةً صفراء.

- كلا، كنتُ شارذاً فقط.

همهمت جينا، ولازال التعجب يتملكها حيالَ غرابةِ أفعاله، لكنها تجاهلت الأمر ووضعت ورقةً ما على مكتبه مستقطبةً بذلك إنتباهه ونظراته المتسائلة، لتقول مبتسمة:
- لقد إنتقلتُ للعيش في منزلٍ جديد لا يبعدُ كثيراً عن مكان عملنا تجنباً لمشاكل الإزدحام وضيق الوقت...على كلِّ حال أنت مدعوٌّ الليلة رفقة جين وبعض الأصدقاء للقدوم الى منزلي حتى نقيم حفلاً بسيطاً بمناسبة إنتقالي.

لن ينكر هلعه من عرضها، وقد كان على وشك الرفض، إلا أنها قاطعته قائلة:
- أتمنى أن لا ترفض، فقبل أن يكون بيننا علاقة عمل نحن أصدقاء وزملاء.

منحته شبح إبتسامة قبل أن تهمَّ بالمغادرة تاركةً إياه يحدق بتلك الورقة.

وما لبث سكونه يدوم حتى بعثر شعره منزعجاً.

- الرحمة! ستكتشف أني جارها إن عدت ورأتني أخرجُ من منزلي!

وكإضافة لجرعة إحتقانه تلقى رسالةً من جيمين جعلته يشتمه من أعماق قلبه.

'تلقيتُ دعوة لحضور حفلة جينا الليلة، هل دعتكَ أنت أيضاً؟'

'أجل'

'يالك من مسكين، ستكتشف أنك جارها لا محالة:)'

'فقط إخرس!'

أغلق هاتفه منزعجاً، ثم حمل تلك الورقة يحدق بها.

كانت تحمل عنوان منزلها، وكم لعن حظه للمرةِ الألف خلال سويعاتٍ بسيطة من هذا اليوم.

- لِمَ عليها أن تتبعني الى كلِّ مكانٍ أتواجدُ به، يالها من بغيضة!

_________________________

Jungkook pov:~

الطقس أقلُّ ما يقال عنه خلاب هذا اليوم، ورغم ذلك لم نخرج أبداً انا وتلك الشريرة.

انا إنشغلتُ بكتابة مقطوعتي الجديدة، والتي إستلهمتها
من منظر شعرها الجميل هذا الصباح.

وهي تتدرب منذ ساعةٍ تقريباً على رقص الباليه.

قالت أنها لن تفوّت أدنى فرصة حتى تتدرب بجد لمهرجان بطولة البجعة البيضاء الذي سيقام في ليالي أواخر ديسمبر من هذا العام، وقد فهمتُ من كلامها أنها تطمحُ وبشدة لحصد اللقب...كم أحترمُ شغفها وحبها لهواياتها.

تبدو إمرأةً مُجدّة وطموحة، لا تجعل الصعاب تتغلب عليها، وإنما تُخضِعها لتكون درساً لها.

وبينما تتدرب هي، رفعتُ عيناي عن دفتري الموسيقي لأراها، وقد كانت توليني بظهرها وتقف أمام باب الشرفة.

موقعها وجمال الطبيعة أمامها جعلتها تبدو كلوحةٍ لرسامٍ مبدع، وبما أني من عشاق الفن، فرحتُ أتأمل تلك اللوحة كما وصفتها، وسرعان ما نزعتُ نظّارتي الطبية وأخذتُ آلة تصويري المرميّة على الأريكة بجانبي، لألتقط صورةً لهذا المنظر.

وما إن دوى صوت إلتقاط الصورة حتى إستدارت طويلةُ القدِّ نحوي متسائلة:
- مالذي تفعله؟

- أوثّق صورة للوحةٍ جميلة.
إبتسمتُ أرى جودة الصورة، وقد تمكنتُ من لمحها تقطبُ جبينها في حيرةٍ مما فعلت، لذا سارعتُ بالتبرير قائلاً:
- مظهركِ كراقصة باليه تتدرب أمام شرفةٍ زجاجية تطل على طبيعةٍ خلابة وخضارٍ مُشع كان جميلاً وعفوياً، لذا أخذتُ لكِ صورة...هل من مانعٍ في ذلك؟
أملتُ رأسي مع شبح إبتسامة كنتُ قد رسمته على شفتَيْ، لترمش مراراً وترفع كتفيها.
- كلا، انا لا أهتم.

وما إن أنهت جملتها إستدارت من جديد تكمل تدريبها، فإعتدلتُ انا في جلوسي وأضفت:
- كما تعلمين أنا مصوّر هاوٍ، لذلك أصطحب معي آلة تصويري أينما ذهبت حتى أحفظ كل ما هو جميلٌ بها.
بررتُ للمرةِ الثانية على ما أظن، ولم ألبث لهنيهات من بعدِ سكوتي حتى رأيتها تستديرُ نحوي مبتسمةً بجانبية.

- هل إعترفتَ لتوِّك بأنني جميلة؟

وهل تظنني سأخجل من سؤالها مثلاً؟

- أجل، أنتِ كذلك بالفعل.
أجبتها ببساطة، فلا ضيْرَ من قول الحقيقة، لكنها رفعت حاجبيْها بذهول...يبدو أني قد خيّبتُ ظنها، هل ظنت أني سأستحي وأتلعثم؟!

- أنت صريحٌ للغاية!
قهقهتْ تُمسّدُ كتفيْها، وانا أجبت بعد أن عدتُ لإرتداء نظّارتي وحمل أوراقي:
- وللمرةِ الثانية كلٌّ يرى بعينِ طبعه، أولم تخبريني بالأمس أنني وسيم وذلك يروقكِ جداً؟

هي أيضاً لن تخجل من محاصرتي لها بسؤالي، إذ أنها قالت مقهقهة:
- أجل فعلت.

قهقهتُ بدوري بينما أهزُّ رأسي، ثم أعدتُ بصري الى ما كنتُ أعملُ عليه، لتسألني بنبرةٍ يشوبها الفضول:
- مالذي تفعله، هل هذه أوراقُ عمل؟

تقدمت تجلسُ بجواري، ويبدو أنّ التعب قد تمكن منها، جبينها متعرق بعض الشيء وخصلاتٌ من شعرها الحريري قد فرّت من بين أحضان رباطها لتنسدل على جانبيْ وجهها بنعومة.

ناولتها كأس ماءٍ من على المنضدة حتى تروي عطشها الظاهر أولاً، ثم أعدت بصري نحو دفتري الموسيقي أتمعن بما كتبت من ألحان قبل أن أجيبها.
- كلا، أنا أكتبُ مقطوعةً موسيقية.

لمحتُ من طرف عيناي دهشتها، وكما توقعت فقد كان سؤالها كالآتي:
- هل تكتُب مقطوعاتٍ موسيقية الى جانب عزفك على البيانو...هذا رائع!

أفلتُّ قهقهةً ثخينة لحديثها، ثم ناظرتها مهمهماً.
- أجل انا أفعلُ ذلك.

- ما هذا يا رجل؟! أنت تدهشني كل يومٍ أكثر!
لكمت كتفي قبل أن تسحب ذاك الدفتر من حضني محاولةً فهم ما قد دوّنته به، ولكن قطعاً...هي لن تفهم لغة الفن الموسيقي بهذه السهولة!

- بربك! كيف تفهم هذه الرموز؟ او بالأحرى كيف تكتبها؟!
كانت تدير الدفتر بجميع الإتجاهات محاولةً فهم ما كتبت، لأبتسم بخفة وآخذه منها معيداً إياهُ الى حضني.

- كان حلمي أن أصبح عازف بيانو يتردد صدى إسمهِ وألحانه حول العالم، ولكنَّ الظروف لم توافيني.

لن أنكر ظهور بعد الأسى على تعابيري وكذلك نبرتي، وهي قد شعرت بذلك وأمالت رأسها لأسفل حتى ترى وجهي...وكم بدت فعلتها لطيفة في نظري.

- ما هيئةُ تلك الظروف؟!

وتزامناً مع سؤالها أغلقتُ الدفتر ونزعتُ نظارتي، ثم أجبتها مستقيماً قاصداً المطبخ بخطواتي:
- كما تعلمين أنا الإبنُ الأكبر لعائلتي والوريث الأول لإدارة أملاك والدي من بعده، ولهذا إضطررتُ للتخلي عن حلمي بالإلتحاق الى كلية الفنون الموسيقية، ودرستُ إدارة الأعمال بدلاً عنها.

الساعة كانت تشيرُ الى الثانية عشر ظهراً، وقد بدأتُ أتضوّرُ جوعاً بما أننا قد تناولنا وجبة الإفطارِ باكراً، ولهذا قصدتُ المطبخ حتى أشرع بإعداد الطعام...لن أنكر أنني الرجل هنا وهي من يجب عليها الطبخ إن كانت تجيد ذلك كما زعمت قبل سويْعات، ولكنني لستُ إتكالياً أبداً، لا مشكلةَ عندي إن قمتُ بإعدادهِ لكلينا في بعض الأحيان.

وبينما أُخرج ما سأحتاج من الثلاجة، لمحتها تفغر فاهها بجواري، ثم عاتبتني قائلة:
- يالك من أحمق! كيف لك أن تتخلى عن حلمك بسبب بعض الظروف العائلية التقليدية؟! إن كنتُ مكانك لجابهتُ للوصولِ إليه!

- أنتِ تفعلينَ ذلك بالفعل.
أجبتها بهدوء قاصداً شغفها وإصرارها على تحقيق حلمها، ويبدو أني قد أزعجتها...إنها حماسية بعض الشيء تجاه أشياءٍ كهذه.

إذ أنها تخصرت وأشارت نحوي بسبابتها كما لو أنها تهددني...هاهو الحماس الذي تكلمتُ عنه.

- إسمع يا هذا! انا لا أتحدثُ عن نفسي الآن، أنا أتحاور معك بشأن تخليك عن رغبتك أمام إرثِ عائلتك، كان بإمكانك رفض كل تلك الأملاك مقابل تحقيقه، ولكن يبدو أنك لم تكن متحمساً لتفعل ذلك بقدر أن تصبح رجل أعمالٍ ثري!

مهلاً لحظة...هل قامت بنعتي بالجشع للتو بطريقةٍ غير مباشرة؟!

يالها من مجنونة!

- لم أتخلى عنه بدافع الجشع، وإنما بدافع الضمير والمسؤولية، فكما تعلمين أونوو يصغرني بأربعِ سنوات، ولم أكن لأشاءَ أن أجبره على التخلي عن دراسته في وقتٍ مبكر، وكذلك عن وصوله الى رغبته في أن يصبح طبيباً...مشوارهُ لا يزالُ طويلاً للغاية ولن أرضى أن أقف في طريقه كما حدث معي.
أما هيجين فهي مقعدة، نحنُ لا نتركها تخرج لوحدها حتى!

صمتُّ قليلاً أناظرها، ثم أضفت مكملاً:
- تخليتُ عن حلمي لأجل عائلتي، ولكنني أمارسه كهواية لنفسي الآن، أصبحتُ عازفاً محترفاً بمرورِ السنين، كما وتطورتُ لكتابة مقطوعاتي الخاصة بنفسي...أنا لم أتخلى عنه كُلياً ڤانيسا.

وبينما أخاطبها كانت نظراتها تلين رويداً رويداً الى أن قوّست شفتيها بحزن...هل تشفق علي أم ماذا؟!

ولم ألبث لهنيهات من صمتي حتى قامتْ بمحاوطة كتفاي وناظرتني بحزم...يبدو أنّ الحماس لم يذهب بعد!

- إسمعني جيون، الوصول الى أحلامك وملامستها ليس أمراً مستحيلاً...يمكنك تحقيقه الآن وأنا التي ستساعدك!

هل هي جادّة؟!

انا شاب بلغتُ منتصف العشرينات وبتُّ متزوجاً وأدير شركةً كاملة لوحدي...هل تمزحُ معي!

- أتظنينَ الأمر بهذه البساطة؟! أنا رجل لديه مسؤوليات لا تنتهي!

- وأنا إمرأةٌ ستساندُ زوجها ليجعل تلك المسؤوليات تنتهي...تذكر جيون، وراء كلِّ رجلٍ عظيم إمرأةٌ عظيمة.

كانت تبدو جادة لأبعد حد، ولن أنكر أنّ كلامها قد حفّزني وجعلني أتحمس مثلها، ولكن...يجب أن أعبث معها قليلاً لأستمتع كالعادة!

- ولكنكِ لستِ إمرأةً عظيمة!

اوبس...يبدو أنها كانت فكرة سيئة!

لقد لكمتْ كتفي بكل قوتها حتى تأوهت!

- يالك من وغد! أنسحب في كلامي، لن أساعدك.
دفعتني بعيداً وتخطتني تخرج من المطبخ تاركةً إياي أضحك وسط حاجباي المقطبانِ ألماً للكمتها...يسهل إستفزازها وهذا ممتع بحق!

يبدو أنها ستستحم، وبما أنّ وجبة الغذاء التي سأُعدها سريعة التحضير، خاطبتها بصوتٍ عالٍ حتى تسمعني:
- يا زوجتي العظيمة لا تتأخري كثيراً حتى لا يبردَ الغذاء.

لتجيبني بدورها جاعلةً إياي أعودُ للضحك:
- لم أعد زوجتكَ بعد الآن، ولكنني عظيمة شأتَ أم أبيْت ورغماً عن أنوفِ الجميعِ أيضاً!

يالها من متغطرسة.

شرعتُ بعد ذلك بتحضيرِ الغذاء بينما أستمع الى أغنية الراحل العظيم فرانك سيناترا "أقتليني بنعومة" عبر إذاعة الراديو، مع نسمات الهواء العليلة التي تُراقص أوراق النباتات بنعومة في الشرفة كما لو أنها تتمايل مع ألحان الموسيقى، وأصوات الأطفال التي تملأ المكان في المروج الخضراء حول حديقة المنزل، وكذلك أشعة الشمس الدافئة المتسللة من النافذة قبالتي...كانت أفضل أجواء للطبخ بمزاجٍ رائق.

ولكن...ذلك الروقان قد أُفسِد بالكامل بعد مدة ما إن صدح صوت رنين هاتفي، ولم تكن سوى أمي!

كان إتصالاً مرئياً، وقد فتحتُ الخط ووضعتُ الهاتف أمام أصيصِ النبتة في النافذة حتى أثبِّته وأكمل عملي.

- مرحباً أمي.
حيَّيْتها بإبتسامة مشرقة.

- كيف حالك يا حبيب أمك، هل أنت بصحةٍ جيدة، هل كِنَّتي الجميلة كذلك أيضاً، هل تستمتعانِ بوقتكما سوياً؟
وكما توقعت أمطرتني بوابلِ تساؤلاتها المعتادة، ولكن قبل أن أُجيب سمعتُ أبي يقول لها:
- جيسول دعيهِما وشأنهما، أنتِ تزعجينهما!

ضحكتُ إثر كلامه وتجاهل أمي له...مسكينٌ أبي، كان كما لو أنه يخاطب الجدار!

يبدو أنه جالسٌ بجوارها، لكنه لم يكن ظاهراً لي، كما أنّ أمي تبدو متأنقة وهذا يعني أنه:
- إنه منتصف الأسبوع وموعد حفل الشاي خاصتكِ أيضاً، هل تستعدينَ لإستقبال صديقاتك؟

تسائلتُ لدرايتي المسبقة بترتيبات يومياتها، إذ أنها تقيم حفل شاي كل يوم ثلاثاء في المنزل وتستقبل صديقاتها ليثرثرنَ حول كلِّ شيء.

همهمت لي مبتسمة، ثم لمحتني أرتدي مأزرَ المطبخ لتسألني:
- ماذا تفعل؟

- أطبخُ وجبةَ الغذاء.
أجبتها بينما أُعِدُّ السلطة، وسرعان ما قهقهتُ بصخب حينما قامتْ بشزر أبي من شفيرِ جفنها وقالت:
- ليتَ بعض الناسِ تشبهُك يا عزيزي!

وكما تجاهَلَتْهُ قبل قليل فعل مثلها تواً ولم يجبها، لذا سارَعتُ بتلطيفِ الأجواء حتى لا يتشاجرا.
- إذاً، أين صغيرتي هيجين وأونوو؟
تساءلتُ آخذ قضمةً من الخيار، وهي أزفرتْ بضجر.
- هيجين تأخذ حصة بيانو الآن، وأونوو في الجامعة وسيتأخر...بالكادِ بتنا نراه!

- لِمَ؟!
قطبتُ جبيني متسائلاً، فأجابتني:
- هذا الأسبوع إستقبلت الجامعة طلاب السنةِ الأولى الجدد، وبما أنه أكبر سناً منهم فقد تم إختياره رفقة بعضٍ من زملائه المتفوقين ليشرفوا على طلاب قسمهم المستجدِّين ويساعدوهم إن إحتاجوا لذلك.

همهمتُ متفهماً بعد ذلك، وكم ضحكتُ في مخيلتي حينما أدركتُ شعوره الذي سيكون حانقاً لأبعد الحدود...شقيقي وأحفظهُ عن ظهرِ قلب.

أما الآن، فقد طرحتْ أمي السؤال المنتظر وسبب إتصالها بنا منذ البداية...لقد علمتُ بذلك:
- إذاً...أين كِنَّتِي الحسناء؟!
جالتْ بعينيها بكل ما هو خلفي علها تلمحها، لكنني قهقهتُ وأجبتها شاداً إنتباهها:
- إنها تستحـ...

- أنا هنا خالتي!

قاطعتني تلك المجنونة وأفزعتني أيضاً لظهورها المفاجئ من العدم، أما أمي فإبتسامتها أقلُّ ما يُقال عنها أنها قد شقَّت وجهها وصولاً لأذنيْها...بتُّ أشك في أنها صارت تفضل ڤانيسا عليّ انا إبنها!

- كيف حالكِ يا عزيزتي، هل كل شيءٍ بخير، ألا تشعرين بدوار او فقدان شهيةٍ مفاجئ او...

- أمي!
هتفتُ بحرج حتى تصمت، وڤانيسا قد إنفجرت ضحكاً لفهمها مقصد أمي...واللعنة هل تظنني ثوراً؟!

إن علِمت بأننا زوجان مزيفان فستقتلني بطريقةً وحشية او ربما تنفيني من العائلة...غضبها ليس بمزحة!

- حسنا حسنا!
تذمرَتْ بضجر مدحرجةً مقلتيْها، وأنا وُضعت في موقف محرج أمام التي لم تتحير من أي شيء، وإنما تجاهلت وجودي وراحت تدردش مع أمي وتضحك...بدوتُ كما لو أني غير موجود بينهما!

عنصر النساء غريبٌ جداً!

تركتها تحادثُ أمي، وأنا أخذتُ أجهّز طاولة الغذاء بعناية، فمقولة العين تأكل قبل الفم دائماً ما تلازم معتقداتي.

وبعد دقائق كنتُ قد أنهيت ترتيب كل شيء، ولكن أمي وڤانيسا لازالتا تتحدثان دون ملل.

لذا تنهدتُ بضجر وأدخلتُ وجهي بينهما مبتسماً بزيف...يا قوم انا أتضورُ جوعاً!

أخذتُ هاتفي، وحاوطتُ كتف ڤانيسا المتعجبة بقربي قبل أن أخاطب أمي بذات إبتسامتي السابقة:
- أمي، ألم تلاحظي أن حبيبتي الجميلة باتت أنحف من ذي قبل، إنها تهمل وجبات طعامها بإستمرار، ولهذا أُريدُ أن أُطعمها بنفسي الآن حتى تعود ممتلئةَ القد كما في سابقِ عهدها، لذا...نراكِ لاحقاً!

- حقاً، يا إلهي لا تهملي وجباتك، فلربما تكونين حاملاً وتؤذينَ نفسكِ والطفل !

الرحمة!

- أمي هي ليست كذلك، المنطق لا يقول أنكِ ستحصلين على حفيد بعد أربعة أيام من زواجنا...هل حدث معكِ ذلك قبل أن تنجبيني؟!

- لقد أنجبتك بعد تسعة أشهر وثلاثة أسابيع من زواجي بالفعل، فوالدك...

جيد، أغلق عليها والدي الخط قبل أن تبدأ بالتفوه بتلك الأشياء المخجلة...أمي غريبةُ الأطوار فعلاً!

حدقتُ بڤانيسا التي لم تكف عن مناظرتي منذ أن تدخلت في حوارها مع أمي، ثم وضعتُ هاتفي جانباً وجلستُ مكاني.

- كوك.

همهمتُ أجيبها بعد أن شرعتُ بتناول السلطة، وقد كانت نظراتها شارذة بعض الشيء.

- يؤسفني أن والداك ينتظرانِ حفيداً بفارغ الصبر ونحنُ نكذبُ عليهما...لقد آلمني قلبي لرؤيتي حماس والدتك قبل قليل، كم أكرهُ نفسي!

كنتُ قد إختنقتُ بالسلطة لحديثها، فلم أكن لأتوقع أن تتفوه به...هل هي جادّة؟!

- كان يجبُ أن تضعي حدوث مثل هذا الأمر في حسبانك قبل أن توافقي على توقيع العقد.
أجبتها بهدوء.

- وماذا عنك؟! ألا ينتابك تأنيبُ الضمير لرؤيتهم فرحين لأجلنا بينما نحنُ نمثل!
كانت لكنتها عِدائية بعض الشيء، ولن أُنكر إستشعاري لإنزعاجها الطفيف من نظراتها الحادة نحوي، وبما أني لا أحب المشاكل او الصراخ حاولتُ تلطيفَ المحيط حولنا لألَّا يزداد النقاشُ سوءاً:
- بلى، ففي كلِّ مرةٍ حضرنا فيها سوياً برفقتهم أرى مدى إجتذالهم بدخولكِ عائلتنا وبزواجي بكِ، وكم أشعر بالخزِيْ من نفسي حينها...مالذي سأفعله برأيك، أنا عاجزٌ أكثرَ منكِ ڤانيسا!

لانت نظراتها نحوي، فجوابي منطقي للغاية، مالذي سأفعله برأيها حيال الأمر؟!

وكم شكرتُ الرب لتفهمها وجهة نظري بهدوء.

- معك حق، سنختلقُ حجة لنخبرهم بها إن طالبونا بإنجاب حفيد.

- سنتحججُ برغبتكِ في الفوز بمهرجان رقص الباليه وحلمكِ بحصد اللقب دون التقيد بأي مسؤوليات، وهذا الأمر مبدئياً بالطبع.
أجبتُ بينما أقطّعُ عُجّة الخُضار في صحني، ثم ناولته لها لألمحها تتعجب.

- لِمَ هذا؟!

- هل من العيب أن أدلِّل زوجتي العظيمة؟
أملتُ رأسي بإبتسامة بريئة، وقد كانت غايتي هي جعلها تضحك لأطرد تلك الأفكارَ من عقلها، ولقد ضحِكت بالفعل.

- يالك من مبتذل!
صفعتْ ذراعي وسط قهقهاتها الخافتة، وانا إبتسمتُ لتحقيقِ مرادي وقمتُ ببعثرة شعرها المبلل.

وبالمناسبة...طعم العُجّة كان لذيذاً للغاية، سلِمت يداك يا أنا.

End Jungkook pov.

__________________________

بعد كرٍّ وفرٍّ من التفكير والتحجج بدون سبب، قرر تايهيونغ أن يلبي دعوة جينا، والفضل يعود لجيمين بالطبع.

فبعد أن أقنعه بأن غيرته منها واضحة لمن حولهم، ذُعِر تايهيونغ وقرر الذهاب ليغير نظرتهم عنه.

لكنه أتى بصحبة جيمين وترك سيارته في منزل الأخير حتى لا تعلم جينا بأنه جارها الجديد.

ورغم محاولات جيمين العديدة لإقناعه بأن ما يفعله ما هو إلا ضربٌ من الغباء، فهي بالنهاية ستعلم وقد يجرحها أنه كان يخفي ذلك عنها، إلا أنّ تايهيونغ أبى الإقتناع وأصرّ على فكرته الغير منطقية.

وصلا بعد دقائق، وقد جلب جيمين برفقته هدية لطيفة لجينا بمناسبة مسكنها الجديد، أما الآخر فقد تناسى الأمر كلياً، وكم شعر بالإحراج من ذلك.

- لا بأس، أنت جارها ويمكنك أن تحضر لها هدية متى ما شِئت!
كان هذا جيمين الذي يستمتع بإزعاج تايهيونغ وتذكيره بأن جينا جارته، فلم يتلقى منه سوى نظرةً حادة مرعبة أخرسته.

تقدم تايهيونغ من باب المنزل وقرعه، وماهي سوى هنيهات حتى فتحت له صاحبة المنزل.

كاد أن يلقي التحية ويدخل، لكنها إستوقفته بملامحها المندهشة وقولها:
- أرأيت!..إتضح أننا جيران وهذا لطيف!
رسمت بسمة خافتة وربتت على كتفه، بينما هو يفغر فاهه بصدمة.

عيناه جُحِظتا، وفكه كاد يلامس الأرض، وجيمين قد إنفجر ضحكاً بالفعل...وهذا ما زاد من إنزعاجه.

إذ لم يسعه سوى قول:
- كيف علمتِ بذلك؟!

- هو من أخبرني.
إبتعدت عن الباب تشير نحو الأرائك حيث جين وشقيقته والأورجي، لكنها عنت أونوو الذي كان يتوسطهم يعبث بهاتفه.

أرخى تايهيونغ كتفيه، وكاد يصرخ لشدة حنقه من سخرية جيمين وفضح أونوو الغير مقصود لأمره.

- مالذي تفعله هنا؟!
ألقى بسؤاله لأونوو، الذي رفع عيناه ببطئ عن هاتفه وأجاب ببساطة:
- الآنسة جينا دعتني.

لاحظ أونوو تهكم تايهيونغ، وقد عقد جبينه لذلك ورفع كتفاه متسائلاً:
- ماذا؟!

رمش تايهيونغ مراراً قبل أن يزفر بثقل وينفي بيديه.
- كلا لا شيء.

دخل وإتخذ لنفسه مكاناً بينهم، بينما جيمين لم يكف عن الضحك بعد!

وهذا ما دعى جين ليتسائل:
- لِمَ تضحك؟

- لا شيء، فقط تذكرتُ نكتة قديمة.
تحمحم يلتقط أنفاسه، وتايهيونغ لم يكف عن شزره بحنق.

- إذاً...لِمَ لمْ أرك صباح هذا اليوم تخرج من منزلك، وكذلك بالأمس؟
طرحت جينا سؤالها على تايهيونغ بينما تقدم لهم الضيافة، فتحمحم تايهيونغ يرتب كذبته، ثم أجاب بإبتسامة صفراء:
- بالأمس عدتُ باكراً، واليوم غادرتُ متأخراً.

همهمت متفهمة، ثم ناظرت أونوو وأضافت:
- مجيئ أونوو كان سبب معرفتي بذلك، فأنا من ذهبت لأُقلّ سومي والشبان من الجامعة اليوم، وقد وجدته برفقة يونجون صدفة فدعَوته للقدوم برفقتهم، وفور أن وصلنا أخبرني أنّ المنزل المجاور لي هو منزلك...يالها من صدفة لطيفة.

- لطيفة في مؤخرتي!
تمتم تايهيونغ لنفسه منزعجاً، وقد صوّب نظراته الليزرية نحو أونوو الذي شعر بإحتقانه فعلا.

- لِمَ لمْ يأتي بقية الرفاق؟
تساءلت سومي تلطف الأجواء، وقد عنت بكلامها هوسوك ويوجو وايو ويونغي الذين كانوا من ضمن المدعوِّين.

- إعتذر أربعتهم عن القدوم لأن لهم برنامجاً مسبق الترتيب بالفعل.
أجابها تايهيون الذي إستقام يلحق بجينا وسوبين نحو المطبخ ليجهزوا أطباق العشاء.

أما البقية فقد إنشغلوا في تبادل أطراف أحاديث متنوعة.

كاي وأونوو يبدوان على توافق تام رغم هدوئهما، جيمين بطبعه إجتماعي وودود، ولهذا كان المسيطر على مجلسهم، ويونجون كحاله تماماً.

سومي كالعادة تتحاشى أونوو وهو لا يهتم البتة، وقد شعر بومقيو بذلك وراوده فضول حيال أمرهما.

وأخيراً تايهيونغ الذي يحاول الإندماج معهم وتصنع الإبتهاح رغم إنزعاجه الطفولي الواضح.

___________________________

بين الفينة والأخرى كان كل من يوجو وهوسوك يتحاوران بلغة الأعْين، وحوارهما الصامت كان عن يونغي وايو المنشغلان في العمل على نوتات أحد أغاني ألبومها الذي سيتم إصداره قريباً...فمنذ مدة لا يجمعهما سوى العمل والرسمية التامة في الحديث، وذاك الثنائي اللطيف يحاول جاهداً إصلاح ما بينهما.

كان أربعتهم في منزل يونغي ليتناولوا العشاء سوياً ولينجزوا بعض المهام التي تجمعهم في إطار العمل، ومن خطط لهذا العشاء كانت يوجو بالطبع علّ يونغي يرمي بكبريائه قليلاً من أجل مشاعره، وعلّ ايو تشعر بما يكنه لها.

ولكن أيّاً من ذلك لم يتحقق، فكلاهما لم يحادث الآخر إلا عندما فتحا حوار العمل، ولهذا سيلجأ الثنائي يوسوك للخطة "ب".

تبادلا النظرات سوياً من أجل الإنسحاب التكتيكي، وهاقد بدآ بتنفيذه فعلاً.

إذ أنّهما إستقاما سوياً يحملان أغراضهما، فإستقطب ذلك إنتباه كِلا الجالسيْن ليتساءل يونغي:
- الى أين؟

قهقه هوسوك وربت على كتف يوجو التي إدّعت التثاؤب والنعاس، وقال مبرراً:
- صغيرتي يوجو تشعر بالتعب والنعاس، وغداً لديها عمل شاق في المخبز، لذا سنغادر الآن لتنال قسطاً وافراً من الراحة.

- الوقت لا يزالُ مبكراً!
تحججت ايو محاولةً إقناعهما بالبقاء، ولكنهما أصرّا على الرحيل علّ ما خططا لأجله يأتي بثماره.

- نعتذر حقاً، يجب أن نغادر الآن، نعدكما بأننا سنكررها في وقتٍ لاحق.
إبتسمت يوجو بخفة، وسحبت ذراع هوسوك خلفها ليغادرا تاركيْن ذاك المحيط المشحون بالتوتر بين ايو ويونغي.

حلّ الصمت...

ولم يعد يُسمع من حولهما سوى صوت دقات عقارب الساعة، وهذا ما زاد الجو رهبة.

مرت لحظات، والصمت هو سيد المكان، الى أن تحمحم يونغي وقرر التحدث:
- إذاً أين كنا؟

كان قد عاد لمناظرة الملف أمامه، لكنها شتّتت جل تركيزه بتغطيتها لمحتوى الورقة بكفها.

تعجب لفعلتها، وقد رفع نظراته ببطئ نحوها، ليجدها تناظره في صمت.

لم يتساءل، فأزفرت هي بثقل وقالت:
- في الواقع رغبت بمحادثتك على إنفراد اليوم، ولكنّ الفرصة لم تسمح لي بذلك عدا الآن بما أننا وحدنا.

لا يعلم لِمَ إهتاج قلبه وتملكه التوتر لحديثها، لوهلة شعر كما لو أنها ستصارحه بمشاعرها...ولكن على من يكذب، هذا مستحيل!

فلمن المؤكد أنها ستطرح عليه ذات السؤال ككل مرة عن سبب تجاهله لها وتغيره معها، وهذا أكبر إحتمال إستعد لتلقيه.

- في الواقع أنت صديقٌ قديم وعزيزٌ على قلبي، وأعلم بأن لك من الحكمة والتريث ما جعلك تصل الى هذا الحد من النجاح اليوم رغم صغر سنك، ولهذا أريد منك نصيحة.

تعجب من حديثها، وقد قطب جبينه مهمهماً ومنتظراً ما بجعبتها لتقوله.

وهي قد أزفرت للمرة الثانية، وفركت كفيْها مظهرةً قلقها الشديد.
- في آخرِ فترة بدأت علاقتي بسوهو تضطرب قليلاً، وهذا يقلقني.

لو أمعنتْ المتحدثة السمع قليلاً، لتمكنت من سماع صوت تحطم قلب الآخر بجوارها...هي لا تعلم أنها تقتله آلاف المرات دون أن تُحييه بحديثها هذا!

إذ أنه إلتزم الصمت يصغي لرياح الحزن التي هبت على روحه تواً، فيمسى جرحه أعمق وأعمق...حتى بات ترميمه حلاً بعيد المنال.

أما هي فكانت تنتظر تعليقه حول الأمر، ولم يلبث طويلاً حتى قال:
- وما سبب هذا الإضطراب؟

بالرغم من مرارة الشعور الذي يتجرعه بإدّعائه اللامبالاة أمامها، إلا أنه يحترم مكانته في قلبها كصديقٍ عزيز...على الأقل وجد مكاناً لنفسه وإن لم يكن ما تمناهُ يوماً.

تنهدت ايو للمرةِ الثالثة، حتى أنها لم تشعر بذلك!
- الشك...إنه الشك.

رفع يونغي حاجبه الأيسر مهمهماً، ثم شابك أنامله وطأطأ برأسه محدقاً بسيقان الطاولة أمامه.
- تحدثي...كلي آذانٌ صاغية.
ناظرها في ختام جملته، وهي لم تتوانى عن مشاكاته.

- منذ فترة بدأتُ ألاحظ كثرة إنشغاله عن محادثتي والإلتقاءِ بي، لكني لم ألقي أهميةً للأمر بما أنه يعمل طيلة الأسبوع ولربما كان الضغط كبيراً عليه، ولكن شيئاً فشيئاً صرتُ أشم رائحة الخيانة تفوح منه.
أحياناً حينما نلتقي لا يترك الهاتف طيلة موعدنا، وكذلك وجدتُ أحمر شفاه في غرفة نومه منذ يومين وهو لا يخصني...لستُ أعلم، ولكني أحسنتُ الظن به قدر المستطاع ولم أتمكن من فهم ما يجري!

وطوال شكواها كان يصغي لها بإمعانٍ تام، حتى شرذ قليلاً يفكر.

هو رجل بالنهاية، ويدرك جيداً منحنى تفكير أبناء جنسه، ومن الواضح أنّ حبيبها يخونها فعلاً!

فهل ينتهز الفرصة لصالحه ويملأ عقلها بما يزيد من شكها، او يحافظ على كونه نزيهاً ويلتزم الحياد محاولاً إيجاد حلٍّ وسطي دون جرحها؟

العديد والعديد من التساؤلات دارت بعقله، لكن لم يجد خياراً أنسب من الثاني...ألا وهو الحياد ومراقبة ما سيحدث عن بعد.

- الشك دوماً ما يكون السبب الأول في هدم الكثير من العلاقات، فأحياناً ما يكون صائباً، وأحياناً يفسدُ كل شي، ولكن التريث هو أفضل ما قد تنتهجنيه في الوقت الحالي...فالصبر أرحم من الندم بعد التسرع، وكثرة التفكير تقود الى الهلاك.

صمت لهنيهات، ثم أضاف:
- لا تتسرعِ...هذه نصيحتي.

ربت على كتفها، ثم إستقام آخذاً بخطواته نحو المطبخ حتى يروي ظمأه بكوبٍ من الماء، وحتى لا تشكره على شيءٍ لم يكن في صفه يوماً.

أما هي...فظلت تحدق بظهره تارة، وتارةً أخرى بشاشة هاتفها حيث عشرات الرسائل المرسلة من طرفها بإنتظار ولو جوابٍ واحد من طرف ما يسمى بحبيبها.

أحدهما يموت حرقةً كلّ لحظة، والآخر جاهلٌ لا يعلم بشيء.

___________________________

حلَّ الغروب في قرية تيرسي النمساوية، الهواء عليل ومُعطَّر بشذى الورود الفوَّاحة، السماء أمست وردية اللون، والغيوم باتت أشبه بغزل البنات، كما أنّ خَضَارَ المروج صار أغمق بقليل.

وفي تلك الأثناء كان جونغكوك وڤانيسا يجلسان عند الشرفة في جوٍّ لطيف، إذ أنهما خططا للّعب بعد أن تملكهما الملل منذ سويعات.

كلاهما يتخذانِ من أرضية الشرفة الخشبية مجلساً برفقة زجاجة نبيذ فارغة...سيلعبون جرأة أم حقيقة!

في ظنهما أنّ هذه اللعبة ستتيح لهما فرصة التعرف على بعضهما البعض أكثر.

- من سيبدأ؟
تساءلت ڤانيسا بينما تربط شعرها بفوضوية، فأجابها المبتسمُ قبالتها:
- النساءُ أولاً.

تبسمت بدورها على جوابه، وقد هزّت رأسها للجانبينْ قبل أن تدير الزجاجة، فتتوقف عندها وترسم الإمتعاض...كانت ترغب بسؤاله أولاً!

- جرأة أم حقيقة؟
إتكأ جونغكوك على العمود الخشبي خلفه بينما يتكتف، وهي لم تتردد في قول:
- حقيقة.

- حسناً إذاً.
فرك غرابي الشعر كفّيْه مخمناً، ثم وبعد لحظاتٍ قال:
- لماذا لا تحبين شرب الكحول بكافة أنواعه؟

- ما هذا السؤال يا رجل؟!
قهقهت متعجبةً من سؤاله، فغيره سينتهز هذه الفرصة ليعرف أشياء أهم!

لكنه أمال شفتيه وكتفيه بالتزامن مع مبرره المنطقي:
- لاحظتُ نفوركِ منه أكثر من مرة بينما نتناول الطعام سوياً، وهذا أمرٌ غريب لفتاة من بلدٍ يشتهر بشعبه الذوّاق في الطعامِ والشراب.

- يبدو أنك تعرف الكثير عن إيطاليا، وهذا يروقُني حقاً!
قهقهت مبديةً إعجابها بحديثه، وهو إبتسم لتحقيقه مراده، ألا وهو جعلها تشعر بالأمان والإنتماء قربه.

وسرعان ما تحمحمت تعتدلُ في جلوسها قبل أن تجيب على سؤاله:
- لأكونَ صادقة...ثمالتي سيئة جداً! لهذا السببِ لا أحب الشرب.

- والى أيِّ حدٍ قد يصلُ سوؤها؟
رفع حاجباه، وظل محافظاً على إبتسامته تلك.

- لك الحق في سؤالٍ واحد.
ناولته القنينة بمعالم ماكرة، فدرحج مقلتيْه وأدار القنينة، وقد وقعت عليها للمرة الثانية.

إتسعت إبتسامته حتى كادت تشق وجهه، وراح يراقص حاجبيه بقصد إغاظتها.
- لي الحق بالفعل!

- حسناً إسأل او إخرس!
حدجته بسخط، فهي لم تكن يوماً ممن يحبون الهزيمة في أي شيء.

- يالكِ من لئيمة...جرأة ام حقيقة؟

- حقيقة...لا تقل أني جبانة لعدم إختياري للجرأة، ولكني أكسل من أن أنفذ أحد متطلباتك التعجيزية!

- هل أبدو لئيماً لأطلب منكِ تنفيذ أمرٍ تعجيزي!
يا خسارة لطفي معكِ!
إدّعى الإنزعاج والجدية، لكنه إنفجر ضاحكاً لتعليقها الغير متوقع:
- تبدو مثيراً حينما تنزعج.

كانت طبيعية جداً، ليست كمن تغزلت برجلٍ من دون حياء لتوِّها!

- أنتِ المرأة هنا وأنا من يخجل! هذا لا يجوز!
قهقه ببحةٍ عميقة يناظرها وهي تأكل البسكويت ولا تهتم، ثم أراح جذعه للخلف متكأً على ذات العمود الخشبي.

- بما أنكِ إخترتِ حقيقة، أخبريني السبب وراء سعيكِ الشديد للحصول على الجنسية الكورية؟

توقفت ڤانيسا عن تناول البسكويت فجأة، فسؤاله لم يكن متوقعاً البتة!

وسرعان ما تحمحمت تنفض كفيْها.
- في الواقع هناك عدة أسباب مهمة، وأولها حلمي الذي سأفعل المستحيل لأحققه، وبلدكم هو المكان الأنسب لألمع بما أنه يحضن كافة المواهب ويبرزها، غير أنّ لي معارف كثر هنا وهذا ساعدني جداً.

همهم الجالس قبالتها معجباً بشغفها، فلو أنه إقتدى بها منذ سبعِ سنوات لصار الآن عازفاً مشهوراً، ولكن ما يميزها عنه أن موهبتها إلتقت مع الفرصة والحظ ليخدموها جميعاً، بينما هو لا.

- يعجبني جموحكِ يا فتاة.
أخذ منها قطعة بسكويت كانت على وشك إلتهامها وحَشَرَها في فمه، ثم أشار لها بحاجبيه صوب القنينة حتى تقوم بلفها، وقد نفَّذت دون أن تجادله حول بسكويتتها التي سرقها منها للتو.

وحمداً لله أنّ دورها قد حان لتسأله، فلو أنّ القنينة خذلتها هذه المرة أيضاً، لكانت حطمتها على رأسه وغادرت جواره دون تردد.

- ممتاز...جرأة أم حقيقة؟

ومن دون تفكير أو تردد أجاب بثقة:
- جرأة.

رفعت ڤانيسا حاجبيها بذهول، ثم أخذت تفكر بمصيبة لتجبره على تنفيذها.

- لِمَ هذه التعابير؟! رجاءً لا تكونِ لئيمة في إختياركِ ڤاني!
عقد حاجبيه لسيمائها الماكرة، وهي لم تُقصِّر بتلبية طلبه.

- ستطبخ لي حلوى الموتشي الليلة، أرغب بتذوقها بينما أشاهد فلماً.
رمشت تتقمص دور البريئة، وهو أزفر بثقل وهمهم موافقاً.

- إن إخترتِ جرأة فسأجعلكِ تندمين حقاً!
حذرها بينما يدير القنينة، وهي رفعت كتفيها بغير إهتمام.

- لا تقلق، لن أختارها.

وبالتزامن مع سكوتها وقع الإختيار عليها، لتدحرج مقلتيها بضجر وسط ضحك جونغكوك على حظها العاثر.

- بما انكِ ستختارين حقيقة...كم عدد الرجال الذين واعدتهم في حياتك؟

- إثنان فقط.

لن ينكر تفاجُئه لجوابها، كما أنّ ذلك قد إرتسم جلياً على وجهه حتى تساءلت بريبة:
- ماذا؟!

- لا شيء، فقط تفاجأت من جوابك، ظننتكِ واعدتي الكثير من الرجال!

- ومالذي جعلك تتوقع ذلك؟

- أولاً لأنكِ أوروبية، ففي العادة نساؤكم يواعدن كثيراً، وثانياً لأنكِ شابة يافعة ومنفتحة.

رفعت حاجبيها بذهول، فنظرته عنها بدت مهينة بعض الشيء، لذا قررت التبرير سريعاً:
- معك حق، ولكنني لا أهتم كثيراً بالمواعدة، فكلتا العلاقتين اللتانِ خضتهما قد بائتا بفشلٍ ذريع، حتى تيقنتُ بأني لا أصلح للمواعدة مطلقاً، وقررتُ أن أركز على بناء حياتي وتحقيق أهدافي بحريةٍ تامة.

همهم متفهماً، ولم يشأ أن يتعمق في الأمرِ أكثر حتى لا يحرجها، فقد بدا جلياً أنها لا ترغب بالحديث عن ذلك.

وعلى الفور أدارت ڤانيسا القنينة، وإتسعت إبتسامتها بنصر لوقوع الدور عليه.

- جرأة أم حقيقة؟

- حقيقة.

- حسناً، هل دخلت في علاقةٍ عاطفية جادّة من قبل؟
تملكها الفضول حيال حياته العاطفية، فليس من العيب أن تسأل بما أنه قد بادر بذلك قبلها.

أما هو فقد تكتف من جديد، وعلّق بصره على السماء التي إرتدت حُلّة السواد أخيراً.

- كلا، واعدتُ العديد من النساء بالفعل، ولكنّ أيٌ منهن لم تكن المنتظرة...لم أجد إمرأتي المناسبة بعد.
وتزاماً مع آخر جملة أشاح بنظراته نحوها، وهي همهمت متعجبة كما حاله قبل قليل.

فلمن البديهي أن تفعل وهو شاب في منتصف العشرين لا ينقصه شيء والنساء يتهافتن عليه كالرمال، لكنها لطالما رأته فريداً من نوعه، ولا زال يبرها كل يومٍ بشيءٍ جديد.

- لقد حلّ الظلامُ بالفعل، هيا بنا فلندخل، أنا سأطبخ لكِ حلوى الموتشي وأنتِ إبحثي عن فيلم جيد ريثما أنتهي.
كان جونغكوك قد إستقام بالفعل يحمل ذاك الفانوس المضيء بقربه، ثم ساعد ڤانيسا على النهوض.

- وهل إعدادها سهل وسريع الى هذا الحد؟!
هي لا تعلم طريقة صنع تلك الحلوى بالفعل، لكنها رغبت بتذوقها منذ مدة، وذلك بناءً على مدح جين المستمر لطعمها.

- أجل، إنها بسيطة.

- لو علمتُ بذلك لإخترتُ لك شيئاً أصعب!
أرادت إزعاجه، لكنه بعثر شعرها وقهقه على طفوليتها بينما يدخلان سوياً.

- يالكِ من طفولية!

- لستُ كذلك يا هذا!
تخصرت تعترض طريقه نحو المطبخ، فدنى لمستواها وإبتسم بخفة.
- طفلة لئيمة.

تخطاها ذاهباً نحو المطبخ بينما يضحك على تذمراتها وشتمها له، وسرعان ما تمتم يهز رأسه بقلة حيلة:
- إنها إنفعالية جداً، وهذا ممتع!
عاد للضحك مجدداً، وهي لم تكف عن صراخها.

_________________________

في صباح اليوم التالي، وبينما الأورجي وسومي يتسكعون في ساحات الجامعة سوياً قبل بدأ محاضراتهم، إلتقوا بلينو زعيم أولئك المتنمرين الخمسة صدفة، وعلى خلاف توقعاتهم لم يتهرب منهم، بل تقدم نحوهم سريعاً بعينان جاحظتان!

- أ...أنتم، إنه أنتم بالفعل!
أشار نحوهم بعدم تصديق، فتملك الذعر سومي، وقد كانت على وشك الإنسحاب ببطئ، إلا أنّ كاي قد سحبها من ياقة فستانها يعيدها لمكانها.

إذ أنهم إدّعوا عدم الفهم وتصرفوا بطبيعية تامة، وهي كانت ستكشف أمرهم.

وعلى بُعدِ مترين تقريباً، حيث مقعدٌ خشبي أسفل شجرة ظليلة، كان جسد شخصٍ ما مستلقي عليه، وفوق وجهه كتاب يخفي معالمه، إلا أنه أبعده ببطئ ما إن سمع حواراً به أصواتاً مألوفة، وقد صبّ جلّ تركيزه على الموقف الذي جعله يعود بذاكرته الى الوراءِ قليلاً.

مجرى الأحداث قد لا يبدو منطقياً، لكنّ مفتاح الحل يفتح أبوابً تزيد المتاهةَ تعقيداً وغموضاً...وهذا ما جذب إنتباهه منذ البداية.

●•●•●•●•●•●•●•●•●•●•●

#يتبع...

- رأيكم بالبارت؟

- توقعاتكم للقادم؟

- شو اكثر شخصية حبيتوها لهلا بالرواية وليش؟

- نسبة حماسكم؟

الحين صرتو بتعرفو انو كوك عازف بيانو ويألف مقطوعات موسيقية، بالإضافة الى كونه مصور هاوي وبستاني عاشق للزهور بشكل خاص...إيش رأيكم بميولاته؟

حاسة التفاعل صاير شوي راكد بآخر فترة + انا مشغولة طول الوقت ويا دوبك بلحق شغل مخي لأكتب بالرواية وأرتب احداثها، لهيك الوضع مو مساعد ابدا، بس يلا ما علينا.

أشوفكم على خير💜


See you next part...

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top