الفصل | 18
هلا بالخفافيش 👻
صحا فطوركم 😍🌟
اكيد الكل سهرانين بما اننا برمضان 😂😂
تاخرت شوي عن الموعد المحدد للتنزيل، اعذروني كنت مريضة وما قدرت اكتب حتى استرجعت عافيتي 💔
كمان واجهت صعوبة فالتعديل لاني مكنتش فالمود المناسب😑 ما تعودت على البرنامج الجديد، اني اشتغل بالليل 🌚💔
معكم شخص يتابع كل الكاميرات الخفية الجزائرية بالتلفاز 😂😂 ولاول مرة بخق على مسلسل جزائري اسمو - يمّا - أي أمِّي. احس يلي كتب السيناريو متأثر بالدراما الكورية 😭
كاين كيفي ولا نروح نعقم مخّي!
انتو شو بتابعو!
مو مصدقة اننا بنودع سوهو 😭😭 فرحة ظهور تشين وحقيقة انو سوهو رايح خلص 😭 مشاعري فاضت مش مستعدة 💔
2020 سنة سعيدة، وباغي نزوج بيكهيون، باغي نزوح بيكهيويويويوويون 🌚
خلص اترككم مع الفصل 🚶
Enjoy 💕
-
Kard - Red Moon
Iggy azalea, lola
لأنَّك الظلُّ لضالٍ ما انفَك يجوبُ فيافِيَ الحياةِ بلا منَال، استَحرمتُ مُبارَحتك، ولو أنَّ السَّعي محتوم، والدَّوامَ مُحال.
رأيتُك في دَربي القِفار بُرعمًا نضِرًا، زيَّن المنَاظِر المُتشابِهة الَّتي كُنت أُطلُّ عليها بينَ الالتفاتَة والأخرى، تألَّبت الظُّروف على عقرِه، جوّعَته الذَّكريات، وكواهُ هجير الحِقد. صِرتَ الآن أملًا ميؤوسًا مِنه، على رصيفِ الضّنك، لضمته الحياة حتّى استَنفدت ما أودَعته فيه يومَ غادَرها بشوشًا، وما للنجوى الثّكلى مِن اقتِدار، فلو أنَّ النَّجوى تُعيل، لما هلِكَت الأفئِدةٌ في شِتاءِ الخيبَة الصِّر، لكنَّك صبَّارٌ يتغذَّى مِن أعماقِي!
تبنَّاكَ لحظِي في عشيَّة كئيبةٍ، أدركتُ فيها أنِّي وحيدَةٌ لا خِلَّ لي، فاتَّخذتُكَ خليلًا، مع أنِّي في لُغتِك مِن الطَّبقاتِ الدُّنيا، لا أضجُّ بذاتِ المعنَى العريق الَّذي تضجُّ بِه أنتَ في لُغتي، رغمَ حداثة عهدِي بك، لأنَّك فيَّ مُتشعِّب كالطَّيفِ الأبيض، ما إن ينكسِر على عدسةِ الحبِّ حتَّى تنبثِق مِنه الألوان، أمَّا أنا فمُجرَّد قوس قُزحٍ عابِر للشَّبق.
لأنَّك كلِمةٌ جسيمَة لم أفقَهها مُنذ أوَّلِ قِراءَة، هجَّأتها اللَّحظات لي حتَّى استَوعبتُها، متأخِّرةً ربَّما، ثُمَّ بارزتُها عسى أن أختزِل جبروتَها، لكنِّي الَّتي كانت تُختَزل، كُسِرت وكُسِرت إلى أن غدوتُ مجرورَة بمُقلتيك الفيروزيَّتين!
سويًّا حفرنَا على وجهِ الزَّمنِ مسارًا وارتَحلنا وفي متاعِنَا حاجاتٌ ولهفّة، لهفةٌ اندسَّت بينَها مِن حيثُ لم نحتسِب، كأنَّ الألَم كادَ لنا الأذيَّة بزرِعه العاطِفة بينَنا، فلو أنَّا أمسينا كما أضحينا لما أُرغِمنا على التضحيَة بآهة.
كانَ عليَّ أن أدري يومَ اهتزَّ خُلدِي مِن وقعِ نظراتِك المَهزومَة أمامي أنِّي قد وقعتُ وإيَّاك، في حربٍ طرفاه أنت، لا مُنتصِر فيها إلَّا الحُبّ، وأنِّي سأفديكَ بأكثرِ مِن بكوة، وأشدَّ مِن انكِسار، لأنَّك الرَّجُل الَّذي لا يرتَوي سِوى مِن قهرِ النِّساء، لمَّا يشي لهنَّ حدسهُنَّ الثِّاقِب عنك، وأنتَ تهمُّ بالغِياب، فيُصِبن.
تحتَّم عليَّ أن أنفضَ غبارَ الوهمِ عن مُقلتيَّ قبل أن يُعميني الجَشع، وأصطدِم بأعمِدة الحبِّ الَّتي شيَّدتُها في أرضٍ لا أنحدِر عنها، ولا تمتُّ لي بصلة، أرضٌ احتَللتُها، وصلَّيتُ لو تهَبها الحياةُ لي تكفيرًا عمّا اصطنعته بأراضيَّ المُقدَّسة، رغمَ أُصوليَ الدَّنيئَة، نسيتُ أنَّ نونَ النَّدم مِن شملِها محظورَة، لأنَّها تنهَب، لا تهب.
ولعلَّ اليَوم الفصلِ قد أتَى أسرَع مِمَّا خِلت، كانت أعظَم أمنياتِي آنذاك ألَّا يُكِنَّ الفِصالَ لنا بينَ ساعاتِه، فتَعصِف الخَيبة بفُؤادي لمرّات لا تُحصى، دونَ أن تترُك لي فُرصَةً للتعافي. ولو أنَّ الفُراق محتوم، لحبَّذتُ لو نُوقِّعَه في خلوةٍ رائِقةٍ لا يرضُّها نفسُ دخيل، بقُبلة، وأن نستَوفيَ وداعًا شيِّقًا يليقُ بماضِينا الحافِل!
رؤُيتُها كالزَّهرةِ في كامِل نُضوجِها، وأوجِّ تضرُّجِها بثَّت في دواخِلي غيرةً لاذِعة، لم أمتلِك سُلطانًا على بصري، حينَما قادَ ذاتَه بينَ تضاريسِها الوعِرة، المُسجَّاة بفُستانٍ أسود مُنغلقٍ على محارِمها، عُيونُه مُغمضةٌ على مفاتِنها، ما يبوحُ إلَّا باتِّساق ساقيها اللَّتين تألَّقتا إذ قومَّتهُما، ولا على السُّخطِ حينَما ثارَ بينَ جفنيَّ، يُحرِقني وحدِي دونَ سِواي، إذ تدفَّقت سيولُها البصريَّة في مُحيطيه، كأنَّهُما بمُفردِهما، بعدَ أن قسَمت لي لُمَّة مِن الجلدات المُبرِحَة، تولَّت كدم استِقراري، والمُتعَة اللَّحظيَّة الَّتي ذقناها حينَما أدَّت شفاهنا نخبهُما!
لم أكُ أرتدّ بل كُنت أتردَّى، وكردٍّ يائِسٍ مِن امرأةٍ لا وثيقة رسميَّة تُشيعُ ملكها له، ولا اعتِرافاتٍ شفويّةً قد تُعزِّز في رصيدها مِن الثِّقة، وتُبشِّرها بالفلاحِ تشبَّثتُ بذراعِه، وشيَّعتُ أوقاتنا، إلى مثواها الَّذي اشتَبهتُ أنَّه الأخير.
عقِبَ موجزٍ استِطلاعيٍّ بينَنا هبطَ فكُّها السُفليّ عن مُستواه بتهكُّم.
" لا أصدِّق ما تراهُ عيناي الآن! "
استَولى التبرُّم على موانِئ بيكهيون، والتَزمَ الصَّمت، حِرفتُه الَّتي يُتقِن، والسَّجير المُخلِص الَّذي يُحسِن صِيانَة سرِّه، وسريرتِه.
أمهلته ما طاوعها عليه صبرُها، قبل أن تنفلِت بانفِعال كالشلَّال.
" ليسَ العجيبُ أنَّك مُعتكِفٌ في حرمِ امرأة، لن تكونَ أنتَ لوما كدَحت في الخطايا، كأنَّك توَّاقُ للجحيم، بل العجيبُ أنَّك طوالَ الفترةِ المُنصرِمة كُنتَ مُنهمِكًا مع مُراهقَة، قد يُعادِل عُمرُها عمرَ ذُريَّتِك لو أنَّك أنجَبت مُنذ عقدينِ ماضِيين، أنفِدَت جميعُ نِساء العالَم لتخلَع عنكَ مبادِئك وتُلبِّيَ رغباتِك الدَّنيئَة معَ يتيمة؟ "
تخطَّى إهانتَها دونَ أن يُنفِق عليها عتبًا ولا عِقابًا. لبَّدت كلِماتُها سيماءَه لوهلة، ثُمَّ تبدَّدت وطفِق البرود يُغلِّفه.
" تعينَ أنِّي أحبِّذ الأبوابَ المُوصَدة الَّتي لا مِفتاحَ لها، فمِن المُمتِع اقتِحامُها بمشبكِ الغِواية، والسَّطوِ على مكانزِها! "
انصَرف الزَّوجين كيم، مُذ حمَت المِياه واحتَدم الجوُّ بينَ الاثنين، قبل أن يحمِل رقَّاسُ السَّاعَة على عاتِقه أشلاءَ دقيقة، في حين أبى بقيَّتُنا تفويتَ المُشاهَدة، لأسبابٍ يستحيلُ أنَّها مُتشابِهة، لاشكَّ وأنَّ صديقاهُ التَمسا اللذَّة في ما يجري.
" ولكِن ما الَّذي أتَى بكِ إلى هُنا والمُناسبَة تُشارِف على قطعِ أواصِرها؟ صاحِب الحفلِ لم يدعُكِ، كذَا مُصمِّمَه على الأغلب. "
ما اقتَدر أن يفصِل ماضيهِما المليء بالنُّدوب، عن هذِه اللَّحظةِ المشحونَة، إذ تفتَّق ثغرُه كالسَّماء آناء الفجر، وهزِئ.
" أم يروقُك لعِب دورِ الدَّخيل في كُلِّ محفَل؟ "
" لنتحدَّث على انفِراد. "
قبضَت إن ها على ذِراعِه الآليَّة؛ فنظيرتَها بحوزتِي، تصِلُني بالثَّبات، لا أدري ما قد أفعَله لو أنَّها أصرَّت على الاختِلاءِ بِه. نظراتِي تُعانِق المُسدَّس المُتعلِّق بخصرِه، كحلٍّ أخير، لكنِّي لا أشاءُ أن أوصَم بالجُنونِ مِن قبل رِفاقِه في أوَّل ظهورٍ رسميٍّ لنا سويًّا.
" لقد انتهينا مِن الحديث مُنذ زمنٍ سحيق، وربَّما الحديثُ هُو الَّذي انتَهى مِنَّا، ليسَ لديَّ ما أحدِّثُكِ عنه على أيَّة حال، ولا أظنُّ أنَّ ما يقبَع وراءَ شفتيكِ قيِّمٌ، إلى الحدِّ الَّذي قد يجعلُني أُنفِق عليهِ مبلغًا مِن وقتي مُرتضيًا. "
حينَما أدركت أنَّها تُهدِر مكنوناتِها هباءً، على رجُلٍ يصيرُ كالحَجر إذا ما توالَت مواسِم الحِقدِ القاسيَة على رُفاتِه الخائِب، التَجأت إلى الشابّين المُحيطين بالطَّاوِلة، سعيا خلفَ طريقٍ آخر، لا مشقَّة فيه، مع أنَّه لا يوصِل.
" هل يُمكِنكم تركنا للحظة؟ "
لم أكُ مُستعدَّةً لإعلانِ الطَّاعة، وإهدائِها إرادتها دونَ كِفاح كأنِّي مأمورةٌ عِندها، لذلِك كحَّلتُ جفنيَّ بالغُرور.
" لقد أذاعَ رفضَه لمُحاورتِك أمامَ الكل، ألا تنضَوينَ على جُرعةٍ مِن الكرامَة؟ "
" أنتِ اخرَسي، حِسابُك يأتي لاحِقًا، وصدِّقيني لن يسعُك تصوُّره. "
دبَّت أنامِلي على ذِراعِه، أشي لها عن أقربِنا إليه.
" بفضلِ بيكهيون صِرتُ خبيرةً بالحِسابات، وخيالي يسعُ الأسوأ. "
هجوتُها بحروفٍ مُهجَّأة.
" آجومَّا. "
لمحتُ طيفَ ابتِسامةٍ يعبُر جِسرَه المُستقيم، مؤدِّيًا إلى اهتِزازِه بشكلٍ طفيف، في حين جفَّت حُنجرةُ زوجتِه من الحُروف، وربَّما نقَبت جُدرانَها وتجلَّت على مُحيَّاها كأماراتِ سُخف، مِن الفجِّ بينَ فكَّيها، إلى عدستيها اللّتين تقلَّبتا شمالًا.
افتَرضتُ أنَّها ستعودُ إليَّ وقد عضَّت على العزمِ بضروسِ الغِلِّ، مُستعدَّة لإفراغِ طلقاتِها في صدري دونَما رأفَة، لكنِّي دوهِمتُ مِن دُبر، إذ ركِبت أنامِل نحيلةُ أحدَ كتِفيّ، وانسابَ لحنٌ أنثويُّ مألوفٌ في أذني؛ سوجين.
" فلتُرافقيني قليلًا. "
باستِنكارٍ اشتَبكتُ ونظراتِها المُحرِّضَة.
" ولِم عليَّ ذلِك؟ "
" لأنَّك تدينين لي بتفسيرٍ عن هذا الموقِف. "
طرحَت صوتَها بالحضيضِ قبل أن تبوحَ لي بالسَّبب الحقيقيّ.
" علاقتُهما عقيمَة، وأيُّ احتِكاكٍ بينَهُما لن يدُرَّ مِثقالَ ذرَّة مِن العاطِفَة، دعيهَا تفرِض سيطَرتها لبُرهَة، فما ظلَّ بحوزتِها إلَّا الكلام. "
ما لأحدٍ القُدرة على إزاحَتي لو أنِّي توطَّدتُ بجوارِه، لكنِّي قرّرتُ أن أتزحزَح عن موقِفي، وأُعيرَها قِطعةً مِن وقتِه الَّذي أستحوِذ على كُلِّه، موقِنةً أنَّه غيرُ صالِحٍ لزِراعة الأعذار لتُينِع غُفرانًا، ولو تمنُن عليهِ بثروتِها العاطفيَّة جمعاء لنكَرها.
استَجبتُ لدعوتِها، وأخليتُ سبيلَ ذِراعِه على مضضٍ مُتوعِّدةً بأن أَسبِيَه مرَّة أُخرى، ما إن تضمحلَّ ملامِحُ الفُرصَة الَّتي نالَتها بضربةِ حظّ. سايرتُ سوجين؛ أُستاذَة الأحياءِ الحَسناء، ذات الهالَة الطَّاغِية، إلى إحدى الطَّاوِلاتِ الشَّاهِقة؛ كانت مِن انتِقائِها، هُناكَ حيثُ حططنَا الرِّحال، رغمَ أنَّ كُلِّي قد ظلَّ أُذنًا ثالِثةً صمَّاء في مجلِسهما، وكَم تمنَّيتُ لو أنِّي خارِقةُ السَّمع لأصيدَ ما سيدورُ بينَهُما مِن بلبَلة!
لم تُفلِح أجواءُ الحَفلة البهيجَة في اختِطافِ الوساوِس مِن قراري، لا هزيجُ الملأ وهُم يُسدِّدون الأنخابَ بينَ الحديثِ والآخر بلهي، ولا مناقيرُ الموسيقى الَّتي نقَبَت أذنيّ تحُضُّني على الإقبالِ نحوَ ساحَةِ الرَّقصِ واستهواءَ الجميع!
حينَما مرَّ مِن جوارِنا نادِلٌ مِن الرِّجال ذوِي الأزياءِ المُوحَّدة، قُمصانٌ بيضاءُ، بناطيلُ سوداء، وربطاتُ عُنقٍ على شاكِلة جناحيّ فراشَة، لقفت سوجين مِن صينيَّتِه كأسَ شامبانيا.
كثيرًا ما أردتُ تقصِّي مذاقِها الذَّهبيّ، كما تجرَّأت واستَرقت جُرعاتٍ مِن النَّبيذ خفيةً عن مولاه، يُعامِلني وكأنِّي حديثَة العهدِ بالسَّكر، مُتناسِيًا تاريخي الحافِل والبيرة مُذ أنَّها الأرخَص، أتساءَل ما إذا كانا يشترِكانِ في ذاتِ الطَّعم!
لم أمنَع نفسي عن الاقتِداءِ بِها، رغمَ النَّهيِ الَّذي انهالَ عليَّ انطِلاقًا مِن أهدابِها. لثّمتُ رصيفَ الكأسِ بشفتيَّ قبل أن أرشَّ حلقِي النَّاشِف بسائِله، لها مذاقٌ راقٍ، أوحى إليَّ بأنِّي نجلُ إحدى العائِلات الفرنسيَّة الأرِستقراطيَّة.
ما لبِثت سوجين وأن سألت بخُبث، ونظراتُها مجدولةٌ بمُحيَّاي.
" أتخشينَ عليهِ مِنها؟ "
وعلى هذَا البُعد المُريع تصنَّعت الأمان...
" ولِم قد أخشى عليهِ مِن امرأةٍ ذبلت في عينِه، في حينِ أنِّي قد أزهرتُ للتوّ؟ هُو لن يُبادِل مأدُبةً فاخِرة ما تفتأ روائِحُ الجاذبيَّة تنبِعثُ مِنها، بأخرى أكَل الدَّهر عليها وشرِب! "
للتوِّ فارقتهما عينايَ، وأعرتُ بِساطي لكعبيّ فُضولِها. أسررتُ كامِل الهواجِس المُدقعةِ الَّتي ألمَّت بشعوبِ فُؤادي بينِي وبينَ نفسي، وبعدَ جُرعةٍ أُخرى مِن الشَّرابِ استَرسَلت.
" أنا ما أزال يافِعة بجُعبتي الكثيرُ مِمَّا قد يُبهِر رجُلًا مُحِّبًّا للاستِعراض مِثله، شهِدَ الكثيرَ في حياتِه ما جعَل المَلَل فيه ناقِدًا لا يقنَع إلَّا بالاستِثناءات، لكنَّها صرَفت كامِل جهودِها على حبكِ أعذارٍ لا تنفَع، وما ظلَّ بينهُما إلَّا خيبةٌ وندَم."
ما هِي إلَّا هُنيهَةٌ مِن حُكمِ الغُرور فيّ، حتَّى أطاحَ بِه الإحباط، لا أمتلِك ثِقةً مكينةً لتُسنِده، رغمَ أنِّي نجَحتُ في إخفاءِ مُصيبَتي عنها.
" حالُها ميؤوسٌ مِنه، ولعلَّ معرِفتها القديمَة بِه توجِب عليها الاستِسلام، لكنَّها تُكابِر! "
لا أدري لِمَ بُحت لها برزمةٍ مِمَّا احتَطبَ عليهِ بالي في هذِه الآونَة المشحونَة بالقلق، قلق مِن الآتي في خِضمِّ عِلم زوجتِه عنَّا... ربَّما لأنِّي أردتُ الفضفَضة عمَا فاضَ عن سِعتي، وربَّما لأنِّي أردتُ شخصًا ينقُل لي أنباءَ عينيه، ويُخبِرني أنِّي أسكُنهما!
سوجين قطَّبت حاجبيها، وبكبرياءٍ حافَظت على البُرودِ في نبرتِها، كأنَّها تُحاوِل إعدامَ اهتِمامِها بالموضوع، وجعله يبدو كحديثٍ عابِر.
" ما تزالُ الصَّدمة تنخَر رأسي بفضلِك، كيفَ تقاطَعت طُرقُكما؟ رغمَ انحِلالِه إلَّا أنَّه معقودٌ بمبادِئ صارِمة، ورغمَ تمرُّدِك إلَّا أنَّك لا تُشبهين المرأةَ الَّتي أنتِ عليها اليوم، كأنَّك قد سلكتِ طريقًا ليسَ طريقكِ البتَّة! "
استَرددتُ بصري مِنهما، ونحتُّ بسمةً باهِتةَ القدّ قبل أن أُجاوِب.
" أنتِ لا تعرِفينَني جيِّدًا، لستُ مختلفةً عن غيري مِن الفتَياتِ اللَّائِي ما عثَرنَ على منجاةٍ مِن التشرُّد سِوى التَّنازُل عن أنفُسهنَّ إلى دورِ البَغاء، ربَّما كُنت محظوظةً لأنَّه انجلى في طريقي، وكانَ لي جِدارًا متينًا."
رغمَ استِماتَتِها لطمسِ أدِلَّة القَلقِ تحتَ كُثبانِ الأُنفَة –رُبَّما لأنَّا في أرضِ الغُربَة مُقيَّدتين بالإحراجِ- غيرَ أنَّه اتَّضَح في المنحى الَّذي سلكته كلِماتُها، وقُوَّتِه عقصَت علامَة استِفهامٍ مُباليَة في نِهايةِ سطرِها.
" بِما أنَّ ما حدَث قد حدَث، ومِمَّا أراه فإنَّك عازمةٌ على استِمرارِه بالحُدوث، أخبريني كيفَ هُو معكِ؟ أيُحسِن مُعامَلتك؟ "
" هُو لا يُسيئُها. "
ظلَّت بلَّورتيَّ تسبَحان في عرضِ الكأس بتيهٍ، حتَّى عِندما رفَع فكَّاي الحَجر عن كلِماتٍ طائِشةٍ نوعًا ما.
" له أنفان، أحدُهما محشورٌ في شؤوني، والآخر في أنوثَتي. "
في الخِتامِ رسوتُ على شطِّها المَنكوب مِن الدَّهشة، وكبَبتُ المزيدَ مِن الشَّرابِ في فمِي... ما مِن إطارٍ رسميٍّ يُحيطُ بِنا لأضطرَّ أن أفرِض الرَّقابَة على ألفاظِي، أو أن أنتقيها بِعناية، كما أنَّها صاحِبُ النِّداء، والمُبادِر بالاختِلاط.
بعدَ طُرَفٍ مِن جفنِ الزَّمن قُلت:
" أرى أنَّك لا تستلطِفينَه. "
استَودعت سوجين كأسها لدَى الطَّاوِلة، ثُمَّ طالت موجاتُها هيئَة جونغ إن، كُثب صديقَيه اللَّذين طُرِدا مِن أرضٍ لهُما فيها نصيب.
" لا أحبُّه، بالأصحِّ لا أحبُّ تواجُدَه حولَ جونغ إن. "
دنَّيتُ عُنقَ الكأسِ مِن مِصراعيّ، وقبلَ أن أشرَع في استِنزافِ آلِه، ذررتُ الكلِم بعبثيَّة.
" لماذا؟ هل لأنَّه قد يجعلُ مِنه رجُلًا؟ "
هجَتني بنبرةٍ حادَّة، إذ غاليتُ في الحطِّ مِنه أمامَها، ليسَ لشيءٍ سِوى للتمتُّع بظاهِرة الغضَب وهِي تُراقِص أفقيها.
" لا تتجَاوزي حدودَك. "
نشزَ كتِفاي، وأطلقَت اعتِذارًا لم أعنِه قطّ.
" أوبس. "
لم ترُقنِي النَّظرةُ الدونيَّة الَّتي سدَّدتها صوبَ ظهرِ بيكهيون الآن، كأنَّها طعَنت في وطَني نُصبَ عينيّ، وأنا امرأةٌ تُقدِّسُه!
لم أمكُث مكتوفةَ الشَّفتين لأمدٍ سحيق، وأفسدتُ مشروعَها في عزِّه، مُستغلَّة ذخيرةً عتيقة، كان مَن أودَعها في خزائِن عِلمي.
" أتعلمين؟ لا أظنُّ وأنَّه يُحبُّكِ هُو الآخر. "
بعدَ ذلِك أبحَرت كُلٌّ مِنَّا في فُلكِها الخاص، حيثُ اصطفيتُ الطَّاولات الزَّاخِرة بالملأ، أناسٌ لم يمرُّوا على عينيّ مِن قبل، جميعُهم في حالةٍ ماديَّة جيِّدة، وإلَّا لما تمكَّنوا مِن تسلُّق هذِه الأمسية والوصولِ إلى هُنا مِثلنا... كُلُّه تمويه، فغايَتي الأولى والوحيدَة أن أصرِفَني عن الغيرَة، والشَّائِعاتِ الَّتي لا أساسَ لَها.
قاطَعتني سوجين بغتَة قائِلةً:
" ربَّما لا أمتلِك رصيدًا كافيًا مِن التَّجارُب وإيَّاه، لكنِّي أراهُ اليومَ على غيرِ سجيَّتِه، هُو لا ينفكّ عن النَّظرِ إليك."
أحقًّا استَباح النُّزولَ بِي؟ ما الَّذي رصفاهُ إلى سيرَتي يا تُرى؟
الكَثيرُ مِن الأفكارِ فرمَت مِن انتِباهِي قبل أن يُرغِمني صوتُها على استِرجاعِه ثانِيةً.
" عجبًا كيفَ استطعت التسلُّل إلى رجلٍ مِثله! "
ما أزال أدافِع عنهُ بضَراوَة.
" أعجَب مِن ذلِك أيضًا، لكنِّي لا أظنُّ وأنَّ امرأة مِثلك قادِرةٌ على تَحقيقِ ذات الإنجاز. "
لا أصدِّق أنِّي قد ظفرتُ ومُعلِّمتي بحديثٍ نِسائيٍّ، بغضِّ النَّظر عن انتِمائِنا إلى أطوارٍ مُختلفةٍ مِن العُمر، كما لو أنَّنا مُعتادَتين على اشتِباكاتِ وديَّةٍ كهذِه، رغمَ أنَّها أوَّل مرَّة نتَنازلُ فيها عن النَّظراتِ الحادَّة، والكلِماتِ المَغليَّة.
بينَ ندبٍ أبديِّ المرتَع، وذنبٍ لن يخنَع، وغُفرانٍ صعب المَكسب كاستِردادَ البَشر للفردَوس، انهَمر الوقت، وتخبَّط بيكهيون سويًّا والطَّرفَ الثَّانِي في نزاعٍ عقيم، عاجِزين عن الاهتِداءِ إلى الوِفاق، ولا حتَّى إلى اتِّفاق، رصدتُ يداهُ وهُما تتأرجَحان في الفَلك بغيرِ هوادَة كأنَّ سُخطَه لم يكتفِ بخضخضةِ أعصابِه فانتَقل إلى السَّطح، أجزِم أنَّ صوتَه قد سمَا، كما قلَّم اليَأسُ خِلقةَ إن ها.
تحيَّنتُ أن تخيطَ إبرةُ الصَّمتِ شفتيها بفارِغِ الصَّبر، لأسترجِع مكانِي بمُحاذاتِه، وأعلمتُ سوجين الشَّارِدة بأفكارِها الخاصَّة.
" أعتقِد أنَّ الجَلسة قد رُفعت لِصالِح الماضي وندبه. "
حبرتُ سبيلي نحوَهُما بصحبةِ كأسِ الشَّامبانيَا الَّذي ما يزال مأهولًا، لقد لقِمَت مِن وقتِه بما فيهِ الكِفاية، والآن آن الأوانُ لاستِرجاع عرشي.
لاحظتُ أنَّها قد عاثَت بمُحيَّاه غضبًا شديدًا، وهُو لا يُطيقُ ارتِشافَ ذاتِ الهواءِ المَحفوفِ بزفيرِها النَّجِس... شُعورُه مِن جِنس شُعوري، كذلِك لا أطيقُ صبرًا حتَّى نختَلِي ببعضِنا، ونُحلِّى مِن سلسَبيل اللَّهفةِ كَما نشدت.
شبَكتُ ذِراعي بذِراعِه، فتدلَّت نظراتُه المُلتاعَة في شِراكي، واغتَرفت مِن الولعِ الكامِن في العاطِفة، وحييت مِن جديد. كانَ مُستعجِلًا على الرَّحيل، وما توانى في المُجاهَرة برغبتِه، رغمَ أنَّها قد تدرُّ علينَا ضجَّة مِن الشُّكوك.
" حِسابُكِ على ما بينَ يدِك آتٍ لاحِقًا، لنَذهَب. "
تحتَ قِناعٍ بشوشٍ كبَتت إن ها نواياها، لكنِّي موقِنةٌ أنَّها موبوءَة شأن عقليَّتِها.
" ما تزالُ السَّهرةُ في بِدايتِها، فلتَبقيَا لبعضِ الوَقت.... "
ومع أنَّه صفَع عرضَها بظهرهِ قبل أن تنفَد كلِماتُها، ما استَلمت.
" أودُّ إلقاءَ نظرةٍ على عمقٍ مِن امرأتِك الجديدَة، لتقييمِها، ما إذا كانت كسابِقاتِها أم أنَّ بِها مسحةً مِن الانفِراد تُبرِّر انجِذابَك لها، رغمَ الرَّادِع العُمريّ. "
فكَّرتُ أنَّ الهَربَ قد يعنِي الهزيمَة، لذلِك أيَّدتُها مُحتكَّة برجُلي، في أُلفَة.
" من غيرِ اللَّائِق أن يُغادِر مركزُ الحفلِ أوَّلًا، كما أنَّها أوَّلُ مناسبةٍ نطأُها سويًّا، وأنا لم أتنَاوَل حصَّة كافيةً مِن الكعك، أرجوك هيوني. "
اشتعَل السُّخطُ فيه ليسَ لأنِّي عصيتُ إرادَته، بل لأنِّي انتَهكتُ قاعِدةً أُخرى مِن قواعِده، وأتيتُه بِها مُتبختِرة؛ المَشروب.
" الشُّرب ممنوع. "
" كأسٌ واحِدةٌ فقط، تعلَم أنِّي ذاتُ مقاومةٍ باهِرة... "
سلبَ الكأس مِن يدي بحركةٍ مُباغتة، رغم أنِّي اختَلقت أكثَر مِن عُذرٍ لأمحوَ عِنادَه، وبينَما النَّادِل يقطَع الفراغَ مِن خلفِنا، حطَّه في صينيَّتِه الخاوِية دونَ إنذار، سويًّا وملامِحَ خابيَة... سكَن الأخيرُ للحظاتٍ مكبَّلةً قدماهُ بالصَّدمة، ثُمَّ استَكمل طريقَه كَما هوَ مُخطَّط له.
ما كادَ العُبوس يُطرِّز شفتيَّ حتَّى نابَ عنهُ الأُنس، إذ لمحت عدوِّي اللَّدود يتآكلُ مِن الغيرة بصمت، مُؤلِمٌ أن تشهَد على المُباشِر اهتِمام مَن فدَيت ساعاتِك له، وأفنيت سعادتك مِن أجلِه، يُكرِّسها لغيرِك طواعية!
بانضِمامِها إلينا اختَلف توزيعُنا عن السَّابِق، حيثُ أنَّها اقتَطعت مقامًا بمُحاذاتِه، أمَّا أنا فهرَعت إلى الكُرسيِّ المُقابِل له، يفصِلنِي عنه مِن اليمين، تشانيول وزوجته الورقيَّة، ومِن الشَّمال، سوجين، جونغ إن، وسيهون، تِباعًا.
أدري أنَّا ما جَلسنا على طاوِلةِ الهُدنَة، فلا وِفاقَ بينَ أنثيين حُبليين بالحبِّ مِن ذاتِ الرَّجُل، بل على طاوِلةِ الوغى، وها هِي ذا الحربُ البارِدة تبدأُ بينَنا؛ بغاراتٍ بصريَّةٍ نابِعةٍ مِن الحِقد العاطفيَّ الَّذي دنَّس كُلَّ واحِدةٍ مِنَّا لسببٍ مُقنِع، هِي امرأةُ يُكنُّ لها بغضاءً تُضاهِي ما أكنَّه لها ذاتَ يومٍ مِن حُبّ، كأنَّه صكَّ عُملاتِه وبدَّلها لتتَلاءَم مَع عصرِ الخيبَة، وأنا المرأةُ الَّتي أُكنُّ لهُ الحبَّ ويُكنُّ لي الود، معلومٌ مَن الرَّابِح.
جثَم التوتُّر على ألسِنة البَعض فاستَثقَلت النُّطق، أنا الوحيدَة الَّتي لبَّت نِداءَ معدتها المَهووسَة بالسُّكريَّات، وشحنتُها بشُظفٍ مِن الكعك؛ تعسَّر عليها اجتِيازُ حلقي دونَ شراب يدفعُها إلى الأعماق. سُرعان ما حصلتُ على عرضٍ مُغرٍ مِن يدِ بيكهيون الَّتي أقبَلت عليَّ بكوبٍ مِن العصير، لقفتُه بامتِنان، وخفقان.
" إذًا فأنتِ طالبةٌ في الثَّانويَّة. "
وبينَما هِي تُقهقهُ باحتِشامٍ مُصطنعٍ في ظلِّ صمتٍ كاسِد، اعتَرضتُ.
" بل صبيَّةٌ شهيَّة. "
انبسَّ نفسُها، ورمَّمته بيقينٍ مغشوش، مُتَّخِذةً وضعيَّة الاستِعداد، ملامِحها مُتبرِّجةٌ بالخُبث، كأنَّها تُحاوِل التصرُّف بعقلانيَّة ونضوج.
" دعيني أُفصح لكِ عن حقيقةٍ ربَّما تجهلينَها، بل موقِنة بأنَّك تجهلينَها بِناءً على قِصر المَسافةِ الَّتي عقرتها في معرِفته، مهمَا بلغتِ مِن الجَمال، وسواءٌ أذهبت بُخورُك العبِقَة عقلَه الآن فإنَّه سيعود... هذا الرَّجلُ ملول. "
جرَّدتُ الشَّوكَة مِن كُلِّ الفُتاتِ العالِق بينَ قُضبانِها بشفتيّ، مُرسلةً نظرةً ذاتَ معنَى مُنحلّ لمَركزِ النِّزاعِ هذا. بعدَ أن أشبَعت بصري بالسُّخرية أوليتُه لإن ها، على دِرايةً أنَّ غاراتِي ستُحرِق أشرِعتها، وإنَّها لغارِقةٌ في يمِّ الخسارة.
" أتساءَل مَتى ملَّ مِنك وتبرَّأ مِن مضجعِك، لتَبتَغي تشتيتي عنه، بدلًا مِن ضبِّه بينَ ذراعيكِ، كما ينبَغي للمرأةِ أن تفعَل خِلالَ عاصفةٍ غريزيَّة خطرة كهذِه! "
طالَ الانقِباضُ يدَها المُستلقية على الطَّاوِلة، ولئلَّا يضبِطها أيُّنا بتُهمةِ الغيظ، خبَّأتَها بفخذِها، وكشَفت عن نضدِ أسنانِها.
" هُو على هذِه الحالِ مُنذ قُرابةِ العقد، لقد تأقلَمتُ وكثرة الغماماتِ العابِرة بحياتِه، بعضُها لا يدومُ لأسبوع حتَّى، صِرتُ أتعامَل معهنَّ بكُلِّ برود، لأنَّ مصيرهنَّ واحِد، ألا وهُو التَّلاشي بعدَ تساقُطٍ وحيد. "
لم تصمُد أمامَ الضَّغينَة طويلًا فسُرعانَ ما ملأت صدرَها، واغتَرفت مِنها كلِماتُها.
" ما أنتِ إلَّا أزمةٌ مِن اختِصاصِ الزَّمن. "
ازورَّت واجِهتي عن قِبلتِها لبُرهَة، ثُمَّ استَوت على رمضاءِ وجهِها الَّتي تكادُ تكوي كُلَّ ما عشَّش فيه مِن ملامِح مُنمَّقة.
" لستُ مجرَّد غيمَة، أنا شِتاءٌ يأبى أن يُفارِقه، وهُو بيداءٌ تهوى غيثَه، وما سوفَ تسمَح له بالذَّهابِ لأنَّها بحاجَته. "
تناسيتُ ما يحدُّني مِن أنظار، وأطلَقتُ العنانَ لروح الأنثَى التَّي تقطُنني، بينَما أمضغ صورتَها بجفنيَّ دونَ رحَمة.
" لأنَّ ما بينَنا أثقَل مِن أن يعبُر جِسرَ الذَّاكِرة بيُسر، وأكثَر تعقيدًا مِن أن يحلَّه الزَّمن. "
خبَطت وجهَ الطَّاوِلة بكفِّها الضَّئيلَة، مُحدثة ضجيجًا اختَرق الموسيقى الهادِئة، لكنَّه ظلَّ سِرًّا بينَ جمعِنا هذا.
" أيَّتُها الوقِحة، ألا تشعرينَ بالعارِ لاستِمالتِك رجُلًا مُتزوِّجًا؟ "
أنزلتُ بصري سويًّا ويدي بالطَّبق، ليسَ لأنِّي تنازلتُ عن هذا النِّزال، بل لأنَّها تستَدرِجني لإخراجِ أسوأ ما لديَّ أمامَ الجميعِ، وهُو ما أبيتُ منحَها إيَّاه، لم أشأ أن أتحدَّث معَها بسوقيَّة كما تبتَغي، فيظنُّونَ أنَّها أحسنُ مِنِّي.
قبلَ أن تقومَ انتِفاضةً لا تُحمَد عُقباها نطقَ تشانيول:
" اهدَآ قليلًا، هُناك العديدُ مِن الشَّخصيَّات المرموقة هُنا، فلا تجعلا سيرتكُما لُقمةً لهم."
استَنجَدت نظراتُ المدعوَّة إن ها برجُلٍ نجدٍ، ذا قلبٍ صرِد، قلبَ عينيه أن أجيروني مِن ثورةِ الغيرةِ هذِه، مُتنزِّهًا عنِّي كذلِك، كأنَّه ليسَ الحادِثَة الَّتي أشعَلت فتيلنا حتَّى انفَجرنا ببعضِنا... هُو يجيد التصرُّف كأنَّه ليسَ المعنِيَّ بالجِدال!
حينَما سئِمت استِجابتَه لاستِغاثاتِها الصَّامِتة فحَّت سمومَها على سيرَتي بتعالٍ.
" بالطَّبع لن أتدنَّى إلى مُستواها، هِي مُجرَّد مُراهِقة مُتشرِّدَة، تتنقَّل بينَ الرَّجل والآخر، مُفتِّشةً عن الهَوى، بِئس تربيتِها."
لأوَّلِ مرَّة مُنذ بدء هذِه المَعمعة يُطلِق بيكهيون بارودَه، وكَم سُعِدتُ لأنَّها كانت مرمَاه!
" راقِبي ألفاظكِ إن ها. "
طأطأتُ رأسِي على وشكِ استِئنافِ الأكلِ، مُلقيةً كلِماتٍ ملغومَة.
" لستُ مِن عبيدِ المَظاهِر على الأقلّ. "
تبدَّدت ابتِسامةٌ كادَت تحتكِر ثغريَ بأسرِه عِندما نهَر كِلتينا، مُقطِّبًا حاجبيه.
" أوقِفا هذِه المَهزلة أو انقلاها إلى غيرِ برّ. "
لم أعِ أنِّي في الحُبِّ امرأةٌ مِن شأنِها الاستِعاذة مِن الغيرةِ حتَّى بالأساليبِ القذِرة، إلَّا حينَما خلعتُ عن قدمِي الحِذاءَ ذا الكعبِ العالي، وسيَّرتُها على ساقَه، هادِفة للتربُّع على قِمَّة بُؤبؤيه فُرادى، رغمَ أنَّهما كانا خاوِيين مِن الملأ، حتَّى مِن بُؤرةِ الهَوى القابِعة على أنملةٍ مِنه... اشتهيتُ كامِل انتِباهه، وها أنا ذا أفوزُ بِه!
تَرجمت سحنتُه الحالِكة ما ملأ أبياتَه مِن قصائِد اشتِهاءٍ مُحظورةٍ على النَّشر، كادَت تغدو دواوين، إذ ما انفكَّ حِبري يجري في قلمِه، هُو الآن كورقةٍ مُثقلةٍ لن تحتمِل لُثمَة أُخرى. كُنت الوحيدَة الَّتي فرزَت ماهيَة العواطِف المُندسَّة فيه رغمَ كثرتِها، لأنِّي الأديبَة الوحيدَة، الَّتي بنظرةٍ تُشخِّصُ مغزاه، وما غزاه.
سُرعان ما حرَّر أوَّل زِرّ مِن أزرارِ قميصِه جرَّاء الحرّ، وطرَحت مُقلتاه أعقابَ اعتِراف. انحلَّ ثغري المُمتلئ بمُضغةٍ مِن الكعك، بينَما ما تفتأ الشَّوكَة مُحتجزَة بينَ قواطِعي، ولم أُقلِع عن نهبِ روحِه سويًّا وأنفاسِه.
التَقط الجميعُ تبدُّلًا في الأجواء، لاسيما الجِنرال الهائِم بي، لكنَّهم ظلُّوا جاهِلينَ عمَّا يجولُ في الكواليسِ المُظلِمة، ولتَرطيبِه بادرتُ بمُخاطَبة سيهون.
" الحفَلة رائِعة، أهنِّئُك على تنظيمِها سيِّد أوه. "
" أنا رجُل السَّهراتِ الأنيقَة، يُمكِنك الاعتِماد عليَّ في مُخطَّطاتِك المُستقبليَّة، فقد صِرت مِن العائِلة. "
تعمَّد سيهون استِفزازَ الزَّوجين بكلِماتِه، ولا أُنكِر أنَّ ذلِك قد راقَني.
" قد أستَعين بِك في إعدادِ حفلةِ تخرُّجي مِن الثَّانوية، إذا وعدتني أنَّك ستَمنحُني خصمًا بِما أنِّي خليلةُ رفيقِك المُقرَّب... كُنت قد فقدتُ الأمل في النَّجاحِ، ولكنِّي بفضلِه سأتمكَّن مِن تجاوُز هذِه المَرحلة، أليسَ كذلِك أجاشِّي؟ "
" انتَهت الحفلَة. "
نهَض بيكهيون دونَ سابِق إنذار، وقدِم نحوِي بوجهٍ كالِح، يبوحُ بنَواياه. انتهزتُ الفَجوةَ الزَّمنيَّة بينَ صمتِه، وما جاءَ بِه لِسانُه حينَما وقَف بِجواري على شاكِلةِ همس، في انتِعال حِذائي الَّذي تخلَّصتُ مِن فردتِه لغرضٍ دنيء.
" لو أنَّك ترغَبينَ في الحِفاظ على عُمرِك فلترافقيني بصمت. "
بمُجرَّد ما صارت حُمولة جسدِي مُرتكزةً على قدميّ، انجَرفتُ خَلفه. لم يمنُن على رِفاقِه بعبارةِ وداع، ولم يُتِح لي المَجال لنحتِ الشَّكليات حتَّى.
هُو ليسَ ذلِك الرَّجُل الَّذي قد يُكرِّسُ لِسانَه لوضعِ النِّقاطِ على الحُروف، كي تنطِق بعُذرٍ أو اعتِذار، حتَّى وإن عكَّرت نوباتُه العصبيَّة الصَّفاء وأرَّقت الوِداد. هُو يهوى الغُموض، وحبكَ الألغازِ مِن الصَّمت بعفويَّة، لجعلِ العقولِ تُفكِّر، وتُحلِّلَه كظاهِرة كونيَّة لا كبشَر، كما يُجيد صيدِ فضولِ الملأ بخُطواتِه المُباغِتة.
كان يسير بمُفرِده في هُياجٍ كأنَّ بصدرِه حريقًا مُدقِعًا، إلى حتفي رُبَّما. بالنِّسبةِ لرجلٍ معدومِ الصَّبر، محكومٍ بضرائِبَ للغضَب، فإنَّ انتِشاله لَنا مِن بينِ أسوارِ المنزِل دونَ افتِعالِ ضجَّة، رغمَ أنَّه يُحابي الانفِجار يُعدّ إنجازًا عظيمًا. انحَدرنا إلى المرأب انحدارًا، إذ أنَّه غائِرٌ على عُمقٍ مُعتبرٍ مِن الأرض، ومُذ فاضَت خُطانا فيه، وكعبيَّ المُترفِّعينِ بسنتِمترات خطِرةٍ عنه يُصارِعان للاحتِفاظِ بالثَّبات، أمَّا بيكهيون فقدِ اعتَصم بحبلِ السُّكوتِ لأطولِ أمدٍ مُمكِن، وآن الأوان لأن يُطلِق العِنانَ للِسانِه العاصِف.
" أنتِ تُبالغينَ في التعدِّي على حُدودِك، اليومَ فقط أرديتِ أكثَر مِن قاعِدة، أتخالينَ أنَّكِ قد وازيتِني مكانة لمُجرَّد أنِّكِ تخلفينني لحظاتِ ضياعي في رُقعتِك؟ "
هذى كأنَّه لا ينتظِر مِنِّي جوابًا، بل ينتظِر النَّدم، لكنِّي أرسلتُ لهُ مقالِي على أثيرِ السُّخرية، بذاتِ لهجتِه.
" وسِعك تجاهُلي، أو إذلالي أمامَهم قائِلًا أنِّي كغيري، لكنَّك وثَّقت بالصَّمت تساؤُلاتهم. "
على حينِ غرَّة استِكان، كانت الأرضُ تحتَنا مُستويَّة، ونحنُ محاطانِ بالسيَّاراتِ الَّتي أبت إلَّا أن تُنافِيَ بعضَها في الطِّراز، وتتَنافَس على الجاذبيَّة... بحركةٍ خاطِفة انبَعثَ في مُقلتيَّ معقودَ الجبين بعد أن استَدار.
" أنسيتِ بهذِه السُّرعَة أنِّي أُجيدُ النِّفاق، وبمُرونَةٍ أثِب بينَ الأكاذيب دونَ أن تلتقطني أيَّة عدسة حتَّى الكاميرات؟ ما دُمتِ حِبرًا قد يرتدُّ على ناصيَتي بالعار في لحظةِ طيشٍ، فعليَّ تحمُّل المَسؤوليّة، بالنِّهايةِ أدَّيتُكِ مُرتضيًا. "
شاطَ مُحيَّاه، أكادُ أرى الاسوِداد يغشاه كما يغشَى الدُّجى الفضَاء، تعاضَدت أنامِله على جسريّ كتفيّ، تُبقيانِني أسيرةً في هوَّتِه الَّتي وقَع فيها فُؤادي وتحطَّم، وما تزالُ أسطُره تُنافِس سابِقتها على العُلوّ، مُحطِّمةً أرقامَها القِياسيَّة.
" ثمَّ ما الَّذي نويتِ عليهِ بتبنِّيك الإغراءَ علانيَة، وانبِعاثِك بجوفي كرغبةٍ عاتية؟ أسعيت لاختِبارِ فعاليَّتِك ضدِّي وسطَ لفحاتِ الملأ؟ أم أنَّك هدفتِ لإثباتِ أنَّ صبري ينهار بدفعةٍ مِنك؟ "
احتَشدت الوجيعَة حيثُما ضغَط بعُنفٍ، مُتناسِيًا أنِّي ورغمَ شموخي محضُ امرأةٍ مِن السَّهلِ أن تُكسَر، ورغم أنَّ شظايَا فُؤادي كانت تعومُ في مُحيطِ القُنوطِ الأجوَف، بعدَ أن لمضنِي بكلِماتِه الثَّقيلَة، شكوتُه بشجون.
" أردتُ انتِباهَك فحَسب، لم أستَسِغ نظراتِك المُرَّة الَّتي سكبتها عليّ، ولا انشِغالَك عنِّي بأفكارِك رغم أنِّي بأمسِّ الحاجَة لدعمِك، فما لي حسبٌ ولا وكيل عداك. "
مجَّ كتفيَّ المُتورِّمين، وداسَ صِدقي بصرخةٍ حادَّة.
" ألا تعينَ أنَّ ظهورَك اليومَ يُهدِّد استِمرارَنا؟ "
بينَما أنا أُطبطِب على كتِفي المَنكوب، فُهت بيأس:
" لم أعهَدك جبانًا، تخشى على ارتِباطاتِك مِن امرأةٍ سبَق وأن حللتَ عُقَدها حولَك. "
لوهلةٍ صودِرت كامِل مكنوناتِ خُلدِه مِن بينِ تقاسيمِ وجهِه، وقَست، ونبَتت ابتِسامةٌ ضارَّة على حافَّة ثغرِه. راودتني نبوءةٌ بأنِّي هالكةٌ لا محالَة، وبالفِعل أدمَى مآقيّ الّلَتين جحَدتا عنه بحصيلةِ ضحاياي.
" لستُ واثِقًا ما إذا كُنت سأُحارِب مِن أجلِك، أم أُحارِبك. بحُكم علاقتِنا المُخزية، أليسَ مِن الأسهلِ أن أُفلِتك وأتَّقيَ صُداعَ الرَّأس؟ "
عزفتُ لحنًا أسِيًّا، والألمُ يلدَغُ عينيَّ حدَّ الإدماع.
" ألا أعنِي لوقتِك ولو قليلًا؟ ألَن يُداهِمه الفَراغ لو أنِّي بُتِرت منه بغتة؟ "
سُرعان ما خمَدت حرائِقه الرُّوحانيَّة، ومِن تحتِ رمادِه انبثَق كرجُلٍ لا يشعُر.
" لا تُحاوِلي أن تملِكيني، لستُ رجُلًا تُديرُه امرأة. "
تولَّى عنِّي بجفوة، وخلَّف بيننا فجوة بُعد مؤذية، لم تُطاوِعني قدَماي على سحقِها، ومِن ذاتِ المكان حيثُ انهارت عليَّ كلِماتُه الثَّلجيَّة وردَمت فُؤادي وشلَّت حرَكتي، خاطَبتُه مُستغيثَة بالآصِرة الَّتي تربِطُنا، والذِّكريات الَّتي لن تبرُد فينا أبدًا.
" لستُ أحاوِل أن أملِكك، كُلُّ ما أريدُه أن أشغَل حيِّزًا مِن حياتِك حتَّى تفنى، ألا يُمكِنني؟"
تباطَأت خطواتُه حتَّى انقَطعت تمامًا.
" لا يُمكِنك، ما دُمت لَم أُصادِق على منحِك إيَّاه بعد. "
ما لبث وأن استَكمَل طريقَه نحوَ السيَّارة بأنفَة، مُؤمِنًا أنِّي سأقتفيه دونَما نِداء، مُسلِّمًا ثقتَه لأهميَّتِه لديّ. في حربِ الحبّ، الطَّرفُ الأضعَف هُو الأقوى عاطِفة، كأنَّه يُربِّي عدُوَّه بعُقرِ دارِه عن جهل، هُو الَّذي بلَغ رصيدُه فيه أرقامًا لا تُحصى، لا بل هُو الَّذي خسِر مِن نَفسِه للآخرِ بِقاعًا أجَلّ، بصيغةٍ أُخرى، هُو الَّذي يحبُّ أكثَر.
أوهى الطَّرفين في حربِ الحُبّ هُو المُتواري خلفَ رمزِ الأكبَر، غافِلًا عن السَّالِب الَّذي يتربَّصُ بِه مِن دُبر، ظنًّا أنَّه لو بذَل في سبيلِه قدرًا جمًّا مِن التفهُّم، لو أنَّه أحرَق فُروعَه له حتَّى يدفأ، ولو ضَحَّى بعِزَّة نفسِه لدوامِهما، فإنَّه سيُقدِّر، لكنَّه يظلُّ يدين للقدَر، ويومَ يحسِم القَضاء بالانقِضاء، يؤولُ إلى شقوةٍ وانتِظار!
ارتأيتُ أن أصمُت لئلَّا توسِّع كلِماتِي الثَّغرة بينَنا، في حينِ قادَ السيَّارة دونَ أن يُدلِيَ بقصيدةٍ أُخرى. ما يفتأ كالقُنبلة الموقوتَة بالرَّغم مِن أنَّه انفَجر، كأنَّ ذلِك ليسَ سِوى تمهيدًا لما قد ينجَرُّ عنه لو أنَّ السُّخطَ استأمنَه على بارودِه، وما هو برجلٍ أمين، ففي إزهاقِ الأفئِدة هُو جوَّادٌ سخيّ، بثانيةٍ يُعدِم ذكرياتٍ فاتِنة، ويَدوسُ بتلاتِ المودَّة بنعلِ الغَفلة المُوحِل، كأنَّه أعمَى، لا يُميِّز بينَ خليلٍ وبينَ عدوّ، الأهمُّ أن يتنفَّس.
بعدَ سفرةٍ بيِّنةِ الحدَّينِ، مُعتَبرةِ الامتِداد تراوَحنا على أمتارٍ مِن الانتِظار، وربكَة، لستُ أدري ما سيُقدِم عليه حينَما نصِل إلى المنزِل، فقد رجرجتُ قارورتَه بحيثُ يستَحيل أن تهجد في بضعةِ دقائِق، لن يكفيَ يومٌ بأمتارِه ليُنهَك.
دشَّن ولوجَنا قرعُ حِذائِي العالي، لقد أخذَت أطرافُه تنهشُ مِن مُحيطيّ قدميّ، وتورِمهما، ولاحَت لي المائِدة الَّتي زيَّنتُها بشغف بحت، صارَت باهِتة، كبُهتانِه، تحتَ سطوة القُنوط، ذِكرى ما بثَّه لي عقلي مِن خيالات آنذاك لم تزِدني إلَّا قهرًا على ما فوَّتناه، وما أمكَننا تدارُكه.
انسَقتُ إلى الغُرفَة تفادِيًا لأن يشتقَّ مِنِّي أيَّ جِدال، لكنِّي ما كِدتُ أجتازُ غُرفَة الجُلوس، حتَّى أخرَجني عن مسارِي، وصدَمني بترائِبه المتينة الَّتي يبِست غلَّتُها ذاتَ يوم، عقِب فصلٍ عسيرٍ لم يُكتب لها فيه إلَّا الخذلان، ترائِبُه الَّتي ما أعالَت عاطِفتي على النُّهوضِ بعدَ أن اندسَّت فيها، مُتَّخذةً مِن رجلٍ خاصَم الصِّدق صديقًا، مِن ثُمَّ اعتصَم بشفتيّ، بإلحاح مرير يُناجيني!
هُو الَّذي لا يعرِف كيفيَّة البوح، يُتقِن نحتَ الحقيقَة في خُلدي، وهندَمة رغبتِه بي في عينيّ لتُشابِه الحبّ، ومِن طوبِ الشَّغفِ يبني لي حُججًا كفيلةً باستِمالتِي إليه، وتفضيلِ الترَّفِ الكامِن بينَ رُبوعِ الشَّوق، على رُبابِ الكِبرياء، كما يُبهِرني لغوُه لأصدِّقَ ما لم يقُله. يجعَلُني أستَبيحُ التعرِّيَ مِن كرامَتي لآويَ إليه مُتضرِّعة.
تحرَّرَت يدايَ مِن أغلالِ الدَّهشة، وشقَّتا طريقَهُما إلى خدَّيه، هُناكَ حيثُ هبَطتا بتَردُّد، قبل أن أُشافِهه بدوري، أشكو إليه في زفراتٍ مُتهدِّجةٍ ما نزفته وأنا بعيدةٌ عن حُضنِه، وكمَّ الخوف الَّذي اجتاحَني حينَما رأيتُها تُطالِب بِه سِرًّا.
واثِقةٌ بأنَّها تُموِّل حضارةً اجتِماعيَّة عُظمى مِن وقتِها، لكنَّه كُلُّ ما ألوذ بِه مِن الشَّقاء، رغمَ أنَّه شقيّ. لن أتخلَّى عنه لامرأةٍ هُو فيها أحدُ سُكَّانِها فحَسب، وما فتَّشت عنه إلَّا لأنَّه هاربٌ مِن عدالتِها الأنثويَّة، بأمرٍ مِن غُرورِها.
هُو فيَّ أعظَم مِن طيش، وما في جُيوبي له أثمَن مِن غريزةٍ رخيصَة؛ مُنذ اليومِ الَّذي تواعَدنا فيه لأوَّلِ مرّةٍ كشريكيّ سهرٍ، واستَثمرنا مكنوناتِنا في مشروعِ رغبةٍ بحت، حادَت الأمورُ عن سيطَرتنا، وسطَت اللَّهفةُ على مالِنا، وكُلِّ ما لَنا، وفي شيَّدَت قُصورَ عاطِفةٍ خالِدة، لم تُقصِّر في استِضافتِنا كُلَّما لُذنا إليها ساغِبين، كالآن.
تحلَّى برَمقي، بتأنٍّ نقَّبَ لِسانُه في دهليزي، واعتَرى جسَدي فانتَشيتُ كأنَّه اللُّفافَة الَّتي أحتَاجها للنِّسيان، وتأشيرَتي للاغتِرابِ ما وراءَ بحرِ الحياة... بصعوبةٍ أبقيتُ نفسي مربوطةً إلى جِذع الكِبرياء بينَما لمساتُه الهوجاء تُميلني تارةً، لئلَّا أحتذِيَ بأنامِله الَّتي انتَهكت مُحرَّماتي وأكتَفي بالتَّمايُل، ويُراقِص خصراي تارة.
تبدَّلت الصُّورة في إطارِيه كأنَّها لا تمتُّ بصلةٍ له، لا بل تبلَّلت، وما بينَ اللِّين والضّعف تراوَحت النَّظراتُ العابِرة لأرصفتِه. تمرَّغت شفتاهُ بينَ أصقاعِ وجهِي الَّذي أزهَر لهُ انصِياعًا، وتحرَّشت بنانُه بما تعرَّى مِن ظهري.
" إلى أينَ تهرُبين؟ "
أصابَني الخُمول، فثُقلَت الكلِماتُ على لِسانِي.
" كلامُك مُنذ قليلٍ أوحى لي بأنَّك غيرُ راغِب في رُؤيتي. "
نظرَ إليَّ، واختَطف الكلِماتِ مِن ثغري دونَ أن ينحنِيَ ليُدركَه، أو أن يُطِبق لِثام الصَّمت عليه في لُثمة، يكفي أنفاسُه العَرجاء، واللَّمعةُ الخَرساء في سماويه.
" بعد كُلِّ ما صنعتِه بي؟ "
هوَى على جيدِي كما لو أنَّ ساقَ صبرِه خذلته، هُو الَّذي كُلَّما حاوَل النُّهوضَ عنِّي هوى بي ثانيةً، مُشبِعًا إيَّاهُ بآثارِه المُحبَّبة.
" عهِدتُكِ مُؤثِّرة، لا سريعَة التأثُّر، تجعَلينَني مُنحازًا إليكِ على حِسابِ مبادِئي، وكبريائِي، كوني على سجيَّتِك. "
كُنت بينَ ذِراعيه مُنتشية، بالكادِ أعثُر على ألفاظٍ لأملأ بِها صفحَتي الفقيرة... وبينَ النُّقطة والنقطة حيثُ يتنهَّد، أتعثَّر بالسُّكوت.
" كُلَّما خِلتُ أنِّي قد تمرَّستُ فيكَ واختَلت، صدمتني بوجهِك الآخر الَّذي لا يذوبُ أمامَ نجواي، وبكلِماتِك الجارِحَة أهنت حُبِّي... أتساءَل ما إذا كانَ غُرورك كَرجلٍ هُو الَّذي يمنعُك عن اغتِياله بدواخِلي، أم أنَّك تُحبُّ حُبِّي لَك. "
" أنتَ قضيَّةٌ مُحيِّرة. "
قضمتُ شفتيَّ كي لا أُصدِر صوتًا يشهدُ ضِدَّ غضَبي عليهِ، وأفلَحتُ رغمَ جميعِ قُبلاتِه.
" ربَّما أريدُه رهينةً بينَ كفَّي، تحولُ بينك وبينَ الإشراك بي، دونَ مُقابِل. "
لمرَّةٍ يتيمةٍ تبنَّيتُ كرامةً تحتضِر، ودفعتُ صدرَه بكفيَّ، غيرَ راغبةٍ بابتِعادِه حقًّا، فكتَّفهُما ورائِي، ولهثت مُقلتاه بشقاء.
" أحقًّا تظنِّينَ أنِّي سأترُككِ تَهجرينَ ناظِريَّ بعدَ كُلِّ ما اقترفتِه بينَ أزقَّتي؟ أنتِ محظورةٌ مِن السَّفر خارِج حُدودِي ريثَما أحاسِبك. "
أحدَقت بشفتيه، متحيِّنةً آن الاشتِباكِ بلهفة.
" كيفَ ستُحاسِبُني؟ "
راوَغني، كأنَّه تعمَّد إسغابي حدَّ التضوُّر، لأقتَفيَ أثرَه إلى الهناء، هُو الَّذي يُفرِّق بينِي وبينِي ليسود عليَّ، ويقبِض ما أملِك بمعونَتي، بل ومرضاتي، وماطَل مُتلمِّسًا ما انكَشف مِن جسدي، يقيسُ ما خفِيَ مِنه، بوعيٍ مُتهالِك.
" لا تكوني عجولة، ستَعلمين في الميعاد. "
وبعدَ أن لفَّ جسدِي عكسَ قِبلتِه، لأشرِف على منظرٍ لا يضمُّه قسرًا، همَس في أذُني بأمكرِ لهجةٍ يمتلِكُها.
" إلى ذلِك الحين، كونِي مُطيعَة صغيرَتي. "
ما تفتأُ أنفاسُه تتساقَطُ صرعى في هاوِيةِ عُنقي، مُجلجِلةً دواخِلي كأنَّها الطَّامة الكُبرى. ضمَّت أنامِله السَّحَّاب، تقتادُه إلى حتفِه، متعمِّدةً الاحتِكاكَ بأديمي، وكأنَّه ناقوسُ خطَر، لا بل عدُوّ لا يُقهَر رفَعت مسامِي راياتِها.
بصوتٍ تالِف قال:
" لقد خزَّنتُ لكِ مِن الحِنق ما مِن شأنِه أن يُبيدَك، مِن حُسن حظِّك أنَّه غادَر على شاكِلة كلِمات فقط، أغضَبتني كثيرًا، بدوتِ شهيَّة والتَّفكير بحصيلةِ الجائِعين الَّذين راحوا ضحيَّةً لجسدِك تُثير جُنوني، تدرينَ أنَّك تُخرجينَ كُلًّا ذي سُباتٍ مِن جُحرِه. "
حجزَ على شبرٍ مِن أُذني خلفَ قواطِعه، فيما أنزَلت يداه بانحِناءاتي نكالًا جمًّا، فوَّهَني بآهةٍ غيرِ مقصودَة، أضرمَته.
" تُرهِقني الأسرارُ الَّتي تُفشي لي عنها ثُغور فُستانِك، تُحرِّضُني على التنقيبِ فيكِ، واستِنفاد كامِل كُنوزِكِ بليلة. "
أعقتُ يدَه الَّتي خطَّطت لطردِ الفُستانِ مِنِّي، مُشاكِسةً حريقَه التوَّاقِ للتشبُّع بِي.
" ولكنَّ كنوزي لا تنفد، لأنَّها على وزنِ جشعِك لي والَّذي لن ينتَهي. "
بخفَّة لفَّني ناحيتَه، فغمَرت زُرقةُ عينيه مرآي، وغرَّدت نوارِس الهُيامِ في خاطِري، يروقُني ما يغزِله لي مِن غزل، دونَما كلام!
حينَما تحرَّرتُ مِن كُلِّ ذِكرى أليمةٍ أمطرَها عليّ، تهجَّمت أنامِلي على أزرارِ قميصِه، تختطِفُها مِن أحضانِها، فجسدِه، ورجمت شفتاي صدرَه، تِلك المَملكة القاسية بقُبلات مِن سجِّيل. ما إذِن لي إلَّا بمجالٍ ضئيلٍ مِن الوقت قبل أن يقمَعني، إذ قصَّ مِن قامتِه القليلَ بانحِنائِه ليرفَعني عن القاعِ، وبحركةٍ لاإراديَّة ظفرتُ ساقيَّ حولَه.
" لِم أنتِ مُشاغِبة؟ "
" لأبقيَك مُنشغلًا بي، ربَّما! "
تناءَيتُ عن مسارِهِ مُفسدةً غزوتَه، انتِقامًا على مُناورَاتِه الماكِرة سلفًا، ولاعَبت خُصلاتِه المُستلقِيةِ بتهذيبٍ على صدغِه.
" ألا تُريد فتحَ هديَّتِك؟ "
لم يكُن وعيُه مُتاحًا للنِّقاش، رغم أنَّه ليسَ مُنطفِئًا.
" بعد فتحِك. "
ورغمَ أنَّ الفاصِل بينَنا وبينَ الأرضِ المَنشودة بابٌ موصد، استَصعَبت يداهُ الارتِحال عنِّي، فاستَندنا إلى الجِدار حذوه، هُناك حيثُ اندكَّت ناصيتُه بناصيَتي، كأنَّه أبى إلَّا أن يقعُد إليَّ قبل أن يُفاوِض مُقلتيَّ عليّ بحِنكَة، وحاكَت لي نظراتُه مِن الرنوِّ كفنًا أنيقًا، استَبحتُ الالتِفافَ فيه، والرُّقود ستَّة أقدامٍ تحتَ الأُنس!
أيُّ حبٍّ هذا الَّذي يسدُّ الثُّغور، ويُجمِّل السَّجايا المُنكرة في قُررِ العُيون، وأيُّ استِحواذٍ هذا الَّذي أنتَ تُمارِسُه عليّ، لأُكتِّف ذِراعيّ طوعًا، رغمَ أنَّ دُخانَ احتِراقي فيكَ قد شاع، أم أنَّك برِجسِك حرَّفته في دِماغي، لأراه ضباب جنَّة؟
لِم لا يسعُني إلَّا أن أراكَ وسيمَ المُحيّي، لا بل وجميلًا عليّ؟
ضمَّ شفتيه إلى شفتيّ بتُؤدَة، كضمَّة نغماتٍ موسيقيَّة لأذن، تحجَّرت في حُفرتيَّ، ثُمَّ كالحِبالِ المكينةِ فُتِلت إحداها بالأخرى، والتفَّت حولَ وعيي، تشنقه، كهلوسةٍ بصريَّة اضطرَم في مداي، مُتموِّجًا، فما هذيتُ بسِواه، وبيديّ بحثتُ عنه لئلَّا يندثِر، وكأنَّه ينتشِل فُؤادِي مِن منابتِه كان صدري يعلو مع كُلَّ شهيقٍ يُصادِره مِنِّي.
سُرعان ما استَحالَ عليهِ الثَّبات، فإذا بِالنُّوتاتِ الحميمَة تغدو ملحمةً ألَّفتها الحاجَة، قادَها الشَّغف، عزفَها جسدَانا الَّذين أندتهما الرَّغبة، وأنشدتها أنفاسُنا المنهوبَة، بينَما ننثُر على بلاطِ الغُرفَة خطواتٍ عشوائيَّة، بعدَ أن أفلَحت يدُه في إزاحَة البابِ عن منصِبِه، لعلَّنا نفكّ شفراتِ مُصيبتِنا.
كُنَّا نمشي على شفيرِ الصَّبر بالقُبلِ، ننتعِل الشَّوق وقاءً، ونتحسَّس بعضنا لئلَّا نضلّ... نازَعت أنفاسُه الفقر، حتَّى إذا تمكَّن مِنه أسدل أناةً مُنهكة، علِقت في سمعِي، فاهتزَّ قلبي بجُسورِه، وكادَ يُغمَى عليَّ بداخِلي.
أردتُ إخبارَه أنِّي أُحاكيه في الَّذي هُو فيه، أنِّي أشتهيهِ بذاتِ القدر؛ إذ أنَّ الحُبّ ورغمَ عظمتِه ليسَ بذلِك النَّقاء الَّذي يُصوِّرونَه عليه، حتَّى يتهيَّأ للجُهَّلِ كمخلوقٍ أسطوريّ لا يُدرَك، وما على جسدِه مِن سحلٍ ورديّ مُزهر، لأنَّ بالحبِّ سراديب تُرمَى فيها المُحرَّمات، فتَنوحُ وتعول عسى أن تفيقَ الذَّات، لأنَّ الحبُّ أسوَد، حتَّى الأدَب يستَحي التنجيمَ بينَ ثناياه حيثُ ينعدِم الأدب، كما ينعدِم الأكسيجين في الأعماق.
هَدم الحِصنَ بينِي وبينَ جسَدي، ثوبي الَّذي لامسَ الأرضيَّة ثُمَّ انطوَى، مُستبيحًا اغتِنامِي كثوابٍ لكِفاحِه فيّ. لم يُبقِ على أيِّ حرفٍ قد يُعيقُ توغُّله إلى عاصِمتي الَّتي ما تزالُ أعظَم أطماعِه، بالرَّغم مِن أنَّه يغزوهَا ثمَّ يُعزِّيها وينصرِف.
للتوِّ حزمنا حربَنا، وارتَحلنا بِها إلى السَّرير، أوجُّها ومثواها الأخير، أينَ احتَدمت، وبنت حركتُنا الهَوجاء في المُلاءَة أخاديدَ ضيَّقة، لا تسعُّ أيَّنا للاختِباء.
آنذاكَ انتابَتنا عواطِف مُفرِطة، كجيشٍ غاصِبٍ ما تقاعَس في هزِّ ترائِبنا، وطَبعِ خُطاه، لتُذكِّرنا بينَ النَّفسِ والآخر أنَّنا لن نسَع أيَّة فاصِلة، حتَّى وإن تسلَّلت إلينا قمَعها بقُبلاتِه الضَّاريَة، ثُمَّ تفشَّى في مُقلتيَّ كضبابٍ خبيثٍ، يمنعنُني مِن النَّظر لِما خفَه، لذلِك كُنت أرتطِم بِه في كُلِّ مُنعطفٍ أسلُكه، كأنَّه مُنتَهايَ الوحيد.
لم يسمَح لأيِّ مجالٍ بالنُّشوبِ بينَنا، ومِن التِحامِنا اجتَرع مِنِّي، دونَ حاجةٍ لأن يمُدَّ يديه عليَّ؛ كان شهوانيًّا للغايَة في انعِطافاتِه، ورغبتِه بأن يبسط سيطَرته على كُلِّي، هانِئًا بتكتُّلاتِي الأنثويَّة، قبل أن يخترِق غِلافَيَ الجويّ.
أعي أنَّه يستمتِع بالطَّريق المُعبَّد بالقُبل الزاهية، بضِفافِي الفتيَّة عاريةً مِن الدِّثار، محفوفةً بالطيِّبات، مُحتفيةً بِه، ويتغنَّى بأغاريدِي اللَّاهِية الَّتي تُؤنِس مسامِعَه خِلاله، وتزيدَ مِن مُتعتِه كرجُل، أكثَر مِن لحظةِ الوُصول، لذلِك يتعمَّد مدَّه وأبدًا لا يختصِره، مهما اشتدَّ به الإنهاك، واحتَشدت عليهِ الظُّروف...
كانت شموسَه ذاوِية، تُلاطِف مهابِطي بخفَّة، والإرهاقُ يتبَلور في جبينِه على شاكِلةِ قطراتٍ مِن العَرق حينَما قال:
" أصلِحي ليلتِي الَّتي أفسدتِها، حُلوتي. "
أراهُ شاهِقًا، كالقمَّة الَّتي يستَلقي فيها عُمره، رغم أنَّه أعلايَ ببوصات، يداي تقدِران أن تطآه، وجهه، رقبَته، وصدره.
" أمرُك، سيِّدي. "
هُو الرَّجُل الَّذي لا يُتقِن مُعامَلة القوارير على سرير، يُعامِلني كقارورةٍ زُجاجيَّة مُآلُها التهشُّم إذا كلَّفها ما لا تستطيع، ورغمَ أنَّه مُخضرمٌ في الكِتمان لا يخفَى عنِّي حرِصُه عليَّ كُلَّما ضمَّ جنبيَّ، كُلَّما كسَر شوقَه الخشِن بي، كُلَّما فَتحني.
مِن أرضِي أرى الحُبَّ يوَشِّم سماءَه، هذَا الرَّجُل، لا يشتَهيني فحَسب، بل يهواني، ولو أنَّ للشَّهوةِ فيه قسطٌ ليسَ بهيِّن.
هِي ليلةٌ أُخرى نقضيهَا في عرضِ اللَّهفة الحارّ توهى؛ لا مُرشِد ليهدِيَنا إلى الصَّراط المُستقيم، على متنِنَا بِضاعةٌ كاسِدةٌ مِن الأتراحِ، تدفعُنا إلى بعضِنا دفعًا. مُنذ الرِّحلةِ الأولى الَّتي غوانا الفقرُ لنؤدِّيها، واعِدًا فُؤادينا السَّقيمَين أنَّا سنَتداوَى في أرضِ الرَّغبة، أقسمتُ ألَّا أقَع للحبِّ ضحيّة، لكنِّي وقعت، إذ داهَمنا في كابينَة الأُنس، بينَما أقتاتُ على ما يُلقيهِ لي مِن اهتِمام، وأنقب فُتاتَ التوقُّعاتِ مِن مُقلتيه.
ما نفتأ نصطدِم بأحدِنا الآخر، كُلَّما انسَقنا خلفَ الوُعود الَّتي تُوسوسُ بِها غرائِزُنا في آذانِنا. نتوهَّم أنَّ المشاعِر النَّبيلَة لن تعترِض قافِلةَ خُطانا الآثِمة، فتهبُّ علينا مِن اللَّامكان، سعيا لاغتِنامِ الاكتِفاء، وتذوُّق ما هُو مُحرَّم كآدَم. لقد عثَرت عليَّ، وعثَّرت خفقاتِي لتتَهاوى عليه ساجِدة، وسيظلُّ الإدمان يصلي أقشاشَ الحاجَة في حظائِرنا، نُصلِّي لنُماطِله، وفي النِّهاية نلوذ ببعضِنا نسألُ العون في الإخماد.
لا والِيَ لشعبِه الأعزَل إذا ما تربَّصتُ بمُحيطِه إلَّا الهلَع، وما لهُ مِن حيلةٍ إلَّا أن يُسلِّم لي، لأنِّي أزمةٌ يُضخِّمها إعلامُه؛ مُقلتاه!
رغمَ انقِضاءِ محفلِ الوِصال، ما تزال قُبلاتي تقطعُ جِسرَ عُنقِه بِلا رُخصة، كقبلات صبيّ لم تضرِب له الحياةُ بالرَّفضِ موعِدًا... لاشكَّ وأنَّ فُروعَ حبِّه قد غمَرتني حتَّى أخفَت عنِّي لُبِّيَ الضَّرير، لأنَّ الحبَّ إكسير الحقيقة، كل من يُسقى مِنه يعودُ إلى ذاتِه مِن قبل أن تمسَّها أيادِ الحياة، على يديّ ساقيه.
بينَ ذِراعيه يتقلَّصُ عُمري، وأختزِن مِن حنانِه البارِد ما أستطيع بلا حِساب، قبل أن يفرَّ مِن ملكوتي، كهذا السَّحر السَّاحِر الَّذي يفتقِر إلى هلاليه... بذِكرِهما، ها قد رصَّعا مُحيَّاه، إذ انفلق جفنيه كاشفين عنهما.
" توقَّفي عن العَبث. "
كذبت.
" خِلتُك نائِمًا. "
على حينِ غرَّة جلستُ مُحتضنةً مطلعَ اللِّحاف إلى صدري، رغم أنَّه قد رأى مِنِّي حتَّى ما خفِيَ عنِّي.
" تذكَّرت الهديَّة، سأُحضرها على الفَور. "
مُذ أنَّه لم يمُدد ذِراعَه ويمنَعني، أو يتحرَّك لِسانه عن صمتِه المَعهودِ ويُبقيني أسيرةَ جُوارِه، مضيتُ في قَراري، ومِلتُ بجسدِي نحوَ الأرضيَّة حتَّى كِدتُ أنهارُ عليها، ابتِغاء نيلِ قميصِه الَّذي يفترِشُ أحدَ أشبارِها.
وثَّقتُه بجِرمي الَّذي فرَغ للتوِّ مِن سردِ جريمةٍ لذيذةٍ على صفحةٍ خالِدة، بحبرٍ شفَّافٍ لا تضبِطُه العُيون، بل الجَسدُ وحدَه مَن سيحتفِظ بِها بينَ أرفُفِه، وسِرتُ بخطواتٍ حثيثَة، لعلَّها مُثيرةٌ للسُّخرية بعدسةِ رجلٍ شهِد على انبِعاثي كأنثى عاتيَة، طيَّرت عقلَه في لحظاتٍ ساهيَة، انكَشفت حقيقَتِها، ليُدرِك بأنَّه من كانَ ضعيفًا!
هُو رجُلٌ شحيحُ اللِّسان، نضوبُ المآقي، رجُلٌ عديمُ الاتِّزان كثيرُ الانزِلاق، على كاهِلهِ ألفُ نكبةٍ ونكبَة لكنَّه كالجُلمودِ لا يهون، وآهاتِه يدفِن، في مآقيه أكثَر مِن بكوة، لكنَّه بيدَاءٌ سماؤُها لا تهتِن، هُو رجُلٌ لا ينطِق إلَّا بألَم، لا لألَم، كأنَّه رسولُه، ورغمَ طبعِه الَّذي ما يزال راسِخًا على سُلَّم الزَّمن ولن يزول، لكنَّه معِي رحيم ولوما قال، يتعرَّى مِن ذاتِه المُشوَّهَة رُويدًا رويدا، ويخونُ مبادِئه ليعيشَ فيّ، خادِم الصَّمت ذاك سيِّدي.
جلبتُ العُلبة المُضمَرة بغلافٍ فيروزيّ كخرزتيه، ثُمَّ رجعتُ إليه وعلى ثغري ندبٌ بهيج. قعَدت بجانِبه، في حين قوَّم ظهره، واستَلمه عنِّي على مضَضٍ كأنِّي أزعجتُ خلوتَه، مزَّق الغِشاءَ المُرهَف واللَّامبالاة مُرتسمةٌ على وجهِه. جفَل ما إن اطَّلع على مُحتواه، وظلَّ بصرُه شاخِصًا إليه، دونَ أن ينطِق بحرف.
بعدَ أن باحَ لي عن هوايتِه الَّتي أُجبِر على مُفارَقتها، ارتأيتُ أن أُحضِر له كاميرا فوريَّة. خشيتُ ألَّا تروقَه هديَّتي، أو أن تُزعِجه، ولفرطِ الارتِباكِ جرت كلِماتِي بسُرعة.
" ليسَت باهِظة للغايَة، أعلَم أنَّ إمكانيَّاتك تخوِّلك اقتِناء كاميرا أحسن منها بأشواط، لكنِّي وددت المُساهَمة لكَ ببعضِ الشَّغف، آمِلةً أن يصِلك. "
حينَما بخَل عليَّ بما يجولُ في خُلدِه وتَركني عالقةً في حُفرةِ الانتِظار، زحفتُ نحوَه على رُكبتيَّ، حتَّى شارفَ الفاصِل بينَنا على الانعِدام، لم أكتفِ بذلِك، بل صعِدت قدميه بجُرأة، عالمةً أنَّه لن يستاء، وطوَّقت خدَّيه بأكاليلي.
" ليسَ عليكَ أن تستمرَّ في التَّعاسَة الَّتي فرضَتها عليك، لمُجرَّد أنَّها نهبَت مِن جسَدك شِلوًا لن يُعوَّض، ولا أن تدفِن تحتَ ثرى الماضِي أحلامًا كانت لك كالقنادِيل ساعات الفراغ، لمُجرَّد أنَّها تُذكِّرُك بأيَّامِ اكتِمالِك، لا يزالُ القمَر جميلًا مهما شُطِر، وأنا سأكونُ شطرَك المَفقود، فلتخِطني بِك، رغمَ أنِّي قِماشٌ مِن غيرِ جِنسك. "
لطَّفت ابتِسامةٌ صادقةٌ ثغري، برُؤيتي لهُ يُكابِر لصدِّ مشاعِره عن وجهِه.
" هل تأثَّرت؟ "
بكِبرياءٍ قال:
" لا تنتَظري أن أُكافِئك بحُضنٍ ومِدرارٍ مِن الامتِنان. "
" أنتَ بِئرٌ ناضِبة، توقَّفتُ عن رميِ دِلائي بقاعِها، وتوقُّع الامتِلاء مُنذ زمن. "
قُربي مِنه لوَّث نِيَّتي البريئَة، ومزَّق توقِي لهُ مِن بعدِ أن رقعتُه، فدفنتُ في ثغرِه قُبلة مُلتهِبة، كُنت موقِنةً أنّه لن يدَعني أفلت مِنه إذا ما دخلت، وبالفِعل أسرَني لأمد، لكنِّي استَطعتُ أن أتسلَّل خارِجَ كهفِه إلى النُّور.
" ألن تُجرِّبَها؟ "
أوشَك على الهُروب، والتَّحجُّج بضيقِ الوقت، غيرَ أنِّي ترجَّلت عنه، وجثوتُ على مسافةٍ مِن مجلِسه، مُخلِّلةً أصابِعي العَشر بشعري؛ مُنذ أن رفعتُ ذِراعيَّ، انحَسر القميص عن مُستواه، فبانَ الكثيرُ مِن جسدي، وشفَط أنفاسَه مِن رحِمِها بِلا حِساب.
" التقِط لي صورة، ولتُخلِّد ليلتَنا هذِه. "
سُرعان ما استَسلم لإلحاحِي، وحطَّ العدَسة فوقَ عينِه مُتردِّدًا، بصعوبةٍ التَقط أوَّل صورة، كأنَّ شللًا لحظيًّا طرأ على سبَّابتِه، ثُمَّ اندَفع يحصد ما تيسَّر له مِنها دونَ عناء... لم أثبت على وضعيَّة واحِدة، بل غيَّرتُها لأكثَر مِن مرَّة، بآخِرها طرحتُ ظهري على الفِراش، وأبرزتُ ساقي العارية مِن تحتِ الغِطاء لرشوةِ بصرِه.
" أنا جيِّدةٌ في اتِّخاذِ الوضعيَّات، أليسَ كذلِك؟ "
ظلَّ يسترِق مِنِّي الصُّور دون الإدلاءِ بمديح ٍيُذكَر، رغمَ أنِّي استمتُّ لإبهارِه، واقتِيادِه لخفضِ العدسةِ، وتطويقي بجناحيه. ما لبِث وأن أماطَ الغِطاء عنِّي، ثُمَّ انحنَى على قاعِي، وارتادَت نظراتُه أرفُفي بلهفَة طاغية.
" هل لي بِك؟ "
حبرتُه لهُ موافقَتي برموزٍ شفويَّة، وحدَه القادِر على فكِّها، فاستَلم زمامي، وبينَما يرقُد حُطامُه في قعرِ ثغري، تمتم.
" أنتِ مِلكي. "
رغمَ ضوضائِنا الَّتي لا ترحَم الأثير، إلَّا أنِّي سمِعتُه بوضوحٍ يُعلِنني إحدى مُستَعمراِته، ربَّما أكونُ الوحيدَة، فهُو ليسَ برجلٍ قد يضُمُّ كُلَّ بُستانٍ يانِع إلى أملاكِه، ولا رجُلًا قد يتبنَّى عواطِفَ امرأة حبلَت بِها مِنه، بل يُجهِضها.
لم أعُد أريد أن أملأ ذراعيه فحسب، بل كُلَّه!
-
أنفقَت الحياةُ مِن جيبِها ما يُناهِز الشَّهر، معَ كُلِّ يومٍ فارَق كفَّيها المُتشقِّقين لفرطِ ما شحَّت، غنِمتُ قِسطًا مِن الدِّفء، دِفٌ ما حلُمت بِه مِن بعدِ ما شمَّعَ الموتُ أسواقَه إلى الأبَد، وفي مزادِ الصيفِ رفَعت حرارَتها. مُنذ أن التقيتُ به صارَت لِساعاتي قيمة مُقتدرةٌ على ابتياعِ أصواعٍ مِن الحُبور، أُبادِله إيَّاه كُلَّما استَضافَني في حُجراتِه العاطفيَّة، وأكرَمني مِن لمساتِه الحَنون، هُو الَّذي يمتلِك صدرًا بوسع الكون، لكنَّه لا يسعُ أيًّا كان.
كُنا مُتلازِمين كالعُشَّاق، مُتحدين كما النَّسيج، مُحتذيينَ باللَّهفة كأنَّا مِن دونِها ضالُّون في بيداءٍ مِن المَجهول، نتناوَش بينَما ننبِّش على آبارِ الاكتِفاء الَّتي لم نُدرِكها؛ لعلَّها محضُ خُرافاتٍ لفَّقها الأوَّلون، فتوهَّمنا وجودها بأرضِ الحبِّ، وصدَّقناه. كانَ لي السَّماءَ وجواريها، كُلّه مُسخَّر لاحتِوائي رغم أنِّي أدنَى مِنه مقامًا.
آبَ إلى المنزِل بعدَ موعِد العشاء بحُكم عملِه، أحيانًا تتراكَم عليه الأعباء بحيثُ يغدو النَّظرُ إليه ضربًا مِن المُحال، وأحيانًا تُهوِّن عيناي مِن أشغالِه فيتحاشاها ويأوي إليّ، ثُمَّ يُعاتِبني على الفجواتِ الَّتي أعيثُها في حِرصه!
الآن، بتُّ أكبِّلُه بمرآي بلا أغلال، رغمَ أنَّه رجُلٌ مُتحرِّر، فيجِدُ نفسَه مُرغمةً على ارتِيادي، كُلَّما نفدَ ما في خزّانِه مِن الجُرعات. كِلانًا مرميٌّ في سعير، ولوما اشتَركَ في ذاتِ المُسمَّى فكِلانا يَطعَّمُ مِن زقُّوم لا يُسمِن الأفئدة، بل وما يُشبعها، ثُمَّ يُسقى مِن مُهلِ الشَّوقِ الحميم الَّذي يحرِق أحشاءَها، وإذا ما غطَسنا في أغوارِ بعضِنا البعض، فلن نخمَد إلَّا لنشتعِل مِن جديد، اشتِعالًا جليلًا، لا يُقارَن بأسلافِه.
المَللُ يقيِّدُني بالأريكَة الَّتي كثيرًا ما حوت اضطِراباتِنا العاطفيَّة، وانكِساراتِنا الضَّارية، رأسي هاجِدةٌ على الوِسادَة الصَّغيرة المستنَدة إلى رُكنِها، وعينايَ سائِحتان في سواحِل الذِّكريات، تلقُفان أصدافَها بينَ الخُطوة والأخرى.
بيكهيون يحظى بحمامٍ مُنعشٍ مُنذ دقائِق في خلوة؛ لقد نهاني عن مُشاركتِه بحُجَّة أوهى مِن خيوطِ العنكبوت، ألا وهِي رغبتُه في إراحَة أعصابِه، ألستُ الَّتي لطالَما أنزلت الرَّخاء بجسدِه، مهما كانَ مُتعبًا، بلمسة؟
ناكِر الجميل ذاك!
وبينَما أنا أتنهَّدُ مُحصيةً ما لبِثَه بدوني، صدَر صوتُ القُفلِ الآليِّ للباب، مُعلِنًا عن زائِر، لا بل مُقتحم. انتَفضتُ مِن مكانِي، وما كِدتُ أنزحُ عنه قيدِ خُطوة، حتَّى امتلأت عينايَ بهيئتِها البغيضَة، هِي المرأةُ الَّتي تفوزُ بوسامِ الوقاحَة كلَّما نازَلت الماضِي لأجلِ رُؤيتِه، قدِمت في أوجِّ أناقتِها، على أهبةٍ لإلقاءِ تعاويذِها، ببلوزةٍ رفيعةٍ ذات أذرُعٍ فضفاضَة وكُمَّين ضيِّقين يتوسَّطُهما زرٌّ زُمرُّديّ، كتنُّورتِها الفاضِحة.
صُدِمت كِلتانا بالأُخرى، فهِي العاجِزةُ عن فهمِ لُغتِه المُعقّدةِ، المُنقطِعة عن مُطالعتِه، لم تظُنَّ أنَّه في بيتِ قصيدِه يُواري امرأة، وأنا المُلمَّة بأنَّ أسوارَ الجفاءِ الَّتي شيَّدتها المواقِف بينهُما عاليةٌ، ذُهِلت مِن تسلُّقِها لها.
" ما الَّذي جاءَ بكِ إلى هُنا؟ وكيفَ علِمت عن كلِمة المُرور؟ "
" كيفَ لن أعلَم عنها وقد شهِدتُ على كُلِّ طُرفةٍ في حياتِه، بدأً مِن طيشِه الشَّبابيّ، وحتَّى الرُّشد الَّذي ما يفتأ طورَ البِناءِ فيه، كُلّ انقِلابٍ ذاتويّ وما انجرَّ عنه مِن سُنَن، وكُلّ محطَّةٍ عاطفيَّة استَبقت الحبّ؟ لقد نزلتُ هُنا أوَّلًا! "
نفَضت عدستيها مِن وجودِي، وأذِنت لقديمها المُودعتين بقلبِ حِذاءٍ راب الكعب بالتَّوغُّل باختِيالٍ كأنَّها المالِكة.
" لم أدرِ أنِّي سأعثَر على حُثالتِه قبلَه. "
فارَت الدِّماء في وجهي لوهلة، بيدَ أنِّي شفطتُه مِن كُلِّ أثرٍ للغضَب؛ لأنَّه أحيانًا يُعرِب عن الانكِسار، وببرود قلت:
" أنا أعيشُ هنا، معَه. "
هجَعت خُطاها في محطّةٍ غيرِ مسبوقة. إن دلَّ صمتُها على شيءٍ فهُو احتِراقٌ داخِليٌّ عظيم، لم تقوَ الكلِماتُ على إخمادِه، انبَعث دُخانه مِن مُقلتيها مُتوعِّدًا بالويل، في حين انتَهزتُ الحربَ المُقامَة على شرفِ الغيرة بِداخِلها، لأزيدَها وطأة.
" لا أظنّ أنَّه سيكونُ راغِبًا في رؤيتِك؛ لقد كان يومُه شاقًّا. إن رغِبت في تعويضِه عمَّا ارتكبتِه بحقِّه في الماضي مِن إهمال، فتواريك عن ناظريه هُو الكفَّارةَ الأمثَل، لا المُطالبَة بِه بدافِع الغُرور، ألم تعِ بعدُ أنَّك كالغُصَّة في حياتِه؟ "
مُذ أنَّ بصري المُفعمَ بالسُّخريَة مُحيطٌ بِها كالهالةِ حولَ القمَر، لم يخفَ عنِّي تضاربُ فكَّيها، وانكِماشُ أنامِلها حولَ مُقدِّمةِ حقيبتِها الصَّغيرةِ مِن الغيظ...
" لن تُعلِّمني فتاةُ البارِحَة كيفَ أتصرَّف مع زوجِي الَّذي أحفظُه ككفِّ يدي، لا بلِ الرَّجل الَّذي أعرِفه مُنذ سنواتٍ مديدة. "
سُرعانَ ما نفَّست عن تنهيدةٍ تُحاكي القهقهة، ورصفت فُروعَ شعرِها خلفَ أُذنِها، ثُمَّ رمتني خلف قُضبانِ عينيها.
" لا تَدعي دوامَك بجِوارِه لوقتٍ طويل يوهِمُك بأنَّك قد نِلت فيه الخُلود، لأنَّه رجُلٌ يعيشُ عُمره في أكثَر مِن دُنيا، ما إن يفنَى في إحداها حتَّى يُبعَث في الأخرى كمولودٍ مِن جديد، فارِغًا مِن أحبَّتِه، أنتِ لن تكونِي أبديَّة فيه. "
سِرتُ ناحيَتها والثِّقة في عينيَّ كالمِشعلِ الوهَّاج.
" بل هُو رجلٌ مِن طبقاتٍ عدَّة، وقد انخَفضت مكانتُك فيه، حتَّى سكَنت الطَّبقة الدُّنيا... وأنتِ المُلامَة الوحيدَة. "
وربَّما هُو رجلٌ من عدَّةٍ دُنًى، كُلَّما أنهَت النَّكبات إحداها بخيبة، حزَم ثُلَّة مِمَّن رشَّحتهم المواقِف العصيبَة لتعميرِ فِردوسِه؛ فُؤاده الأسوَد، ثُمَّ ابتدأ دُنيا أخرى، كالصَّفحةِ العذراء، خاويةً مِن أولئِك الَّذين توفّوا فيه، لأنَّه رجُلٌ عسير المعشَر.
في ظرفٍ ضئيلٍ تناهيتُ إليها، وأملتُ رأسِي بقيدِ صبر.
" غادِري فهُو ليسَ موجودًا. "
ضربت بكلماتِي عرضَ التَّجاهُل، وأوشكَت أن تصبَّ خطواتِها في مسارٍ آخر غيرَ الَّذي أسدُّه بقامَتي، لولا أنِّي توطَّدتُ في مَدى بصرِها بإصرار. بالأسفل، بجوارِ أردافي تحديدًا، تعوَّجت أصابِعي كأنَّ الغضبُ بنيرانِه كمَّشها.
" غادِري قبل أن يحدُث ما لا يُحمَد عُقباه. "
تشرَّع جفنايَ، حينَما أنشبَت براثِن يدِها على كتِفي الأيمَن، ووميضُ الحِقدِ بين جفنيها يلِف بغيرِ انقِطاع.
" اسمعيني أيَّتُها السَّاقِطة الصَّغيرة، أنتِ محضُ نكِرة في حَياتِه، لا أحدَ سيعترِف بِك، وصمتِي حتَّى اليوم لا يعنِي أنِّي سلَّمتُ للهزيمَة طواعية، بل لِثقتي أنَّك مُجرَّد نزوةٍ سيُلقي بِها في حاويةِ النِّسيان، ما إن تفرغ مِن قيمتِها. "
رغمَ الغاراتِ الَّتي شنَّتها ضدِّي ورغمَ خسائِري الرُّوحيَّة، أنجبتُ بسمةَ نضالٍ سامية، لأنِّي صاحِبة الحقّ، ومُحالٌ أن أُهان.
" مُنذ متَى لم يُقم بزِيارتِك؟ أليسَ ذلِك سبب مُبادرتِك هذِه؟ "
انزلقَت يدُها مِن حافَّة كتِفي حتَّى ثوَت فخِذها بغيرِ حيلة، خباءُ ملامِحها الَّتي اشتَعلت كالقناديل مِن صوَّان الاعتِداد مُنذ لحظاتٍ، أوحى لي بأنَّ مائِي قضى عليها... كانت عُقيلاتُها سانِحةٌ لزِراعةِ الحقيقةِ المُرَّة.
" بينَما أنتِ مُتشبّثة بعودِ مُعتقداتِك الهشَّة كونَه رجُلٌ لن يرسُوَ على برّ، جعلتُ مِن نفسي مُحيطًا لا برَّ فيه، لذلِك ما عادَ قادِرًا على إيجادِ طريقٍ للخُروجِ مِنّي، ولذلِك سطوت على كامِل وقتِه، حتَّى الحصَّة الضَّئيلة الَّتي كان يُزكِّيها عليكِ. "
تنحَّيتُ عنها بشِبر.
" اخرجي، فلا مَكان لكِ في قلبِه. "
بكبرياءٍ أقامَت رأسَها، مِن ثمَّ خنَقت ذَقني.
" ربَّما خسِرتُ مكانِي بقلبِه، ولكنَّ مكانِي في حياتِه راسِخٌ لا يُمحى، حتَّى وإن عجزتُ عن استِمالتِه بالَّتي هِي أحسن، بكلمةٍ مِنِّي سأُخليهِ مِن الجميع، ومِن ضمنهم أنتِ، ربَّما تمتلِكين ودَّه، لكنِّي أمتلِك النُّفوذ! "
رويدًا رويدا أخذَت هذِه المُلاسَنة ترتقي إلى جِدال، احتَدم فارتَقى بدورِه إلى هوشٍ طاحِن. علت أصواتُنا، واشتَبكت أيدينا اشتِباكاتٍ عنيفة لا تنمُّ عن نِهايةٍ قريبة، مُذ أنَّ كِلتانا مُتمسِّكةٌ بمُعتَقداتِها المتزمِّتة، مُستعدَّةٌ للتَّضحيةِ بأنوثتِها في حلبةِ الصِّراع والمُجاهدَة مِن أجلِ إثباتِها، كالبواسِل، كرجلٍ لا نصيرَ له إلَّا عزَّة نفسِه.
" بيكهيون لن يعودَ إليكِ مهما فعلتِ.. "
" لن يطولَ الأمرُ قبل أن تنعكِس صورتُك على مراياه عاريةً مِن الفِتنة، حينئذٍ ستُدرِكين أنَّك قد كُنت مُنذ البِدايَة لا شيء، ولكنَّ غُرورَك أعماكِ، لن تُخضِعه طِفلة. "
صرخت إن ها بحُرقة مُقاوِمةً قبضَتي.
" ابعِدي يديكِ القذرتين عنِّي. "
انتزَعت مِن يدي ذِراعَها الَّتي أمسكتُ بِها سلفًا، بُغيةَ طردِها خارِج المنزِل، ودفعتني بِقوةٍّ لتوسيع المَجالِ بيَننا، فاختلَّ توازُني. صرختُ بفزعٍ بينَما أتهاوَى إلى الوراءِ، أُجدِّف الفضاءَ بذراعيّ لعلِّي أُغيثُ نفسي. سُرعان ما اصطَدمَ مِعصمِي الأيسَر بحافَّة الطَّاوِلة، شعرتُ أنَّه تهشَّم، ورحَّبت الأرضيَّة الصَّلبة بظهري.
ما أعارَتني تِلك المرأةُ أيَّ قلق، رغمَ أنَّها مَن تسبَّبت لي في الأذيَّة، بل واستغلَّت غِيابي عن طريقِها لتنتهِجه دونَ تقاعُس.
في لحظةٍ كتَّفت الغيرَةُ فيها بصيرَتي، واجتاحَ الغضبُ صدري مُجلجِلًا أصقاعَه جرَّاء ما اقتَرفته، وما ستقترِفُه قُبالَته إن هِي لاقته، انحازَت نظراتِي نحوَ قارورةِ المشروبِ الماكِثةِ على الطَّاوِلة؛ والَّتي انتقيتُها شخصيًّا، بينَما أنتظِر طُلوعَه مِن الحمَّام لنسهَر سويًّا. الآن أراها كأمل؛ المنجاةُ الكامِنة في مأساة. لم تمتلِك كلمتي أيَّ تأثيرٍ على نفسي، حينَ أبَت إلَّا الانقيادَ وراءَ ما آمنت بأنَّه العدَالة. لم يمضِ وقتٌ طويلٌ حتَّى التقطتُ الزُّجاجَة، وداهمتُها مِن دُبر، ثُمَّ كسَرتُها على رأسِها دونَ أن يرِف لي جفن.
" فلتموتي، أيَّتُها السَّافِلة. "
-
I'm saying, "hey lola!"
She can get a little jealous
Oh loca, she can be a drama
but her soul is pure 🎼
-
الفقرة الانجليزية من اغنية لولا 😂 كتير تمثل ميني بالفصل ده 👻
شو رايكم بالفصل!
مش مناسب لرمضان عارفة 😂 كنت رايحة اجلو للعيد بس ايديّ حكّوني 😖
اكثر جزء عجبكم وما عجبكم!
بيكهيون!
ميني!
إن ها!
سوجين!
الشلة الساقطة!
يلي صار بالاخير 😂
خبرتكم من قبل انو ميني مجنونة شوي حتى ما تنصدمو 🌚😂
ما الذي سيحدث لإن ها!
ردة فعل بيكهيون!
هل سيحافظ على علاقتك بميني ام ينهيها!
مو باقي كتير على رمضان 💔 الله يتقبل منكم الصيام والقيام وصالح الاعمال ❤
الفصل القادم بعد
250 فوت
600 كومنت
دمتم في رعاية الله وحفظه 🍀
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top