الفصل | 14

هلا بالخفافيش السوداء الانيقة 😎

كيفكم! مشتاقينلي صح! 😂😂

مو معقول يعدي عيد ميلادي من غير تعري بما انو الفصل كان جاهز واحسها قريبة على قلبي جدا لابتدي فيها سنتي😍😍

هدية لكل شخص ظل جنبي رغم اني كاتبة حقيرة بتتأخر كتير 😭😭 بحبكم ❤

بحب نبهكم الفصل فيه صدمة عُظمى، ما صارت من قبل وحاسة رح اتشتم مثل ما صار من 3 سنوات 😂😂😂

اقرأو حتى تعرفو عن شو بحكي 😎

Enjoy 💕

-

لا أثقَل مِن وعد، على كاهلٍ تصدَّع لفرطِ ما أوفى!.

وفي زمنٍ سائِر بنيه أشَرافُ حديث، تكادُ جيوبُ ألسِنتهم تفيضُ لزخمِ اللُّغة، ولو خوِيَت جيوبُ بناطيلهم، وشُلَّت سواعِدهم، لا فرقَ بينَ مُتخمٍ ومُعدم، كُلّ مَن هبَّ ودبَّ يحلِف، سقطَت سومَة الكِلمة، وغدا التَّصديق ضربًا مِن ضُروبِ المُحال.

لم يعُد العَهد بمثابةِ الرُّوح في منالِ الجسَد، كأخٍ أنجبته شفَتان، دِماؤُه مُحرَّمة، ولو انهمَرت دقَّت ساعةُ الخَجل وتراقصت سكراتُه، ولفظَت الأهدابُ أنفاسَ عزِّها الأخيرة مُتَدثِّرةً بالثَّرى، إلى أمدٍ لا يُرى، وتمنَّت الأوجُه أن تُنسَف ملامِحُها لتُقيمَ أُخرى.

بل مُجرَّد عابِر ثغرِ لم يستسِغ سُخونَة الجوِّ وراءَ أسوارِه فتسلَّقها وهربَ، رصدته أُذن، وترصَّدته عينٌ في موسِم الإيفاء لكِنَّه ما جاء، ثُمَّ وبجفونٍ وقحةٍ لا ترِفّ ولا تُطرف، كأنَّ الخَجل يتمزَّق على شفراتِها، ببساطةٍ يستبيحونَ اللِّقاء!.

لأنَّ الكلِمات تفورُ كُلَّما حمِيَت الصُّدور ثُمَّ تفتُر، كنِطاف تُبارِح جُحورَها إذا ما نغزتها الرَّغبة ثُمَّ تفنى في أفلاكِها هباءً، عدَا الرِّجال أولئِك الَّذين يأبَون إلَّا دسَّها في موطنٍ نشأت بعيدًا عنه، ولا تخترِق الكلِمةُ جِدار الاستِهتار السَّميك الَّذي يحولُ بينَها وبينَ الوطَن، إلَّا لو أطلقَها أولئِك الَّذين ما يزالون على سجيَّة البواسِل، لا يُخلِفون.

وفي هذا الزَّمن الَّذي يحُفُّه المُرتدَّون، يلوذون بمِلَّةٍ ثُمَّ يحيدون، أخِفّاءُ كالغُبارِ لا يثبتون، كانَ هُو رجُلًا أصيلًا كآدَم، مُتأصِّلًا في الرّأي كجذورِ النَّخيل في الرَّمل، ورغمَ تقلُّباتِه المزاجيَّة إلَّا أنَّ أعماقَه لا تُشبِهه كما لا يُشبه لُبّ المُحيط قِشره!.

كان رجُلًا مُخلِصًا كالأجل، مهما تأجَّل حلَّ، ذلِك أوانُه، ووعدُه كالطَّلقة لا يبرُد فيها بارودُها حتَّى تُردِيَ القولَ على رصيفِ الفِعل مُنجزًا.

هُو الَّذي غزَل وعدَه حولي، بعدَما كانت خُيوطه أثيرًا غير مُنجلٍ، ملفوفًا حولَ بكرَة النِّسيان، تباهَت بِه شفتاه في موقفٍ مِن المواقِف، ووسِعه التبرُّؤ مِنه لو شاء، ما كُنت لأُعرِض عنه، لقد اعتاد انتِظاري أن يتوكَّل على الثِّقة ثُمَّ يُجازى باللَّاشيء حتَّى خاصَمها، وتعلَّم أن يتواكَل، بالأصحُّ تآكَل لفرطِ الخيباتِ، وبقيتُ فُرادى.

ورغمَ أنِّه صمَّمَه على قوامي يومَ عرَّتني الحياةُ مِن كُلِّ سُلطة، وسلَّطت عليَّ أضواءَها، حيثُ خُتِم بنُقطةِ مُشرِّفة ثُمّ طُوي، لا يزالُ يخيطُ لي الحِمايَة مِن الفَراغ، كأنَّه يحفِر النُّقطة الَّتي أدركَها كما نشَد، إلى ما خلفها مُكلِّفًا نفسَه دينًا لم يسبِق وأن اقتَرضه مِنِّي، إذ رآني بحاجتِه خارِج نِطاقِ ما وعَدني بِه، أم أنَّ خيوطُ وعدِه لا تنتهِي أبدًا!.

هُو ليسَ مُجبرًا على تزويدي بِما لم يتضمَّنه حِلفُنا، لكِنَّه ولسببٍ ما يُزوِّدُني برعايتِه!. هل أنا مُقابِلٌ يُشبِعه، أو يُنصِف اهتِمامَه القيِّم بي؟.

لا أعلَم ما غرَّه بي ليغدِقَ عليَّ بعاطِفته البارِدة الَّتي ورغمَ كسادِها فيه حدَّ اليُبوس تَملؤني، فهُو بئرٌ عميق، غِطاؤه شفتاه، ولعلَّ الحياةَ لفرطِ ما استقت مِنه شرِب ماءَه ونضب، ما أعلمُه أنَّه بينَ الالتِفاتَة والأُخرى ينفُذ في صدري كعيارٍ قاتِل، مُجتازًا ترائِبي، ويتوطَّن، فحتَّى مشارِطُ كِبريائي اعتَذرت عن نشلِه، خِشية أن يأخُذَ مُهجَتي وإيَّاه.

وحينَما خلعتَ عنِّي وجودَك، أدركتُ أنَّك قد كُنت في فُؤادي ثخينًا!.

هي أربعةُ أيّامٍ اقتطَفها الزَّمنُ مِن بُستانِ الحياة، وشيَّدها في آنِيتي القاحِلة، فظلَّت وقوفًا كزهورٍ لا حولَ لها ولا قُوَّة، حتَّى ذُبلت وانكسرت ساقاها. لم أنفكَّ عن ارتِيادِ المدرسة كما ينبغِي دونَ خليل، فشبيهُه تخلَّى عن وعدِه بمُجرَّد ما رأى حقيقة المرأةِ الَّتي أنا عليها، امرأةٌ تُعطي الهوى مجَّانًا لرجلٍ مِن خارِج جيلها، رُجلٌ غائِب.

وحدَث أنَّ الشَّوق تولَّاني، بينَما أنا جالِسةٌ على الأريكَة الجِلديَّة بساقين مطويَّتين أُفقيًّا، أنبُش في دهاليزِ الماضي الرَّخيم، واقتادَني إلى الاتِّصالِ بِه في وقتٍ مُتأخِّر مِن ليلة الأمس، حيثُ رطَّب صوتُه المُشبعُ بالسُّخرية مسامِعي المُتحرِّقةِ لَه.

" ما الَّذي جعَلكِ تقرعين نافِذتي ليلًا، أهُو الحنين؟. "

حينئذٍ كُلُّ ما تحجَّر في بِركي تبخَّر، فهذيتُ مِن شدَّة الظَّمأ.

" أيُّ حنين هُو الَّذي سيربو في أربعةِ أيَّام فقط؟ لقد كُنت بصدِد الاتِّصال برفيقَتي رينا مِن أجلِ أشيائي، دُست رقمَك بالخَطأ لا غير. "

" سأُقفِل إذًا، ولا تُفكِّري بإزعاجِ هُدوئي ثانيةً بالخطأ، مفهوم؟. "

لطَمت موجاتُه خِلجاني باحتِدام كأنَّها عازِمةٌ على كسرِ هذا الوِصال الرّفيع بيننا، رغم أنِّي سلختُ مِن أوتارِ كِبريائي لأُؤلّفه، وما حدَث آنذاك أنِّي قد نشزتُ عن الأريكة بتحريضٍ مِن الخطَر، وهتفت بنبرٍ مُنحدرٍ عسى أن أردَعه.

" تمهَّل قليلًا، بما أنِّي وصلتُ إليكَ فلا شكَّ وأنَّه القدر، صحيح؟. "

صمتَ لمُهلة، إذ شهِدت فحوى عُذري على حُمقي أمام إبائي، فقيَّد فمي، وخِلال صومي اللَّحظيّ كانَت الأحاديثُ تتغرغر فيه بحفاوة، حدَّ أن استعسرتُ إحصاءَها. سُرعان ما زَلَّ لِساني بإحدى أحجارِ الحقيقة في صدرِي.

" المنزِل موحشٌ بدونِك. "

ورغم أنَّ في ملكوتي كلمٌ لُبَد لم أُفرِج إلَّا عن حُثالة قومي خارِجَه بانفِعال.

" أقصِد أنِّي لم أعتَد على البَقاء بمُفردي مُذ أنَّ الميتَم لا يخلو مِن آلِه، هذِه المرَّةُ الأولى الَّتي أضطرُّ فيها لصدِّ وحشةٍ حقيقيَّة. "

وعيتُ أنِّي وفي سبيلِ أن أوئدَ دوافِعي كأنَّها موبوءَة، أتخبَّط بين الحماقَة والأخرى، كان عليَّ أن أكِنّ وأنتهِزَ المضيقَ الَّذي فتحتُه بينَنا في آنٍ خانِق لأصِلَه، لعلَّ هفوتي تعودُ عليّ بمنفعة، لكِنّ الشَّوق عارَك أغاريدي، وأخفتَها.

" كيفَ حالُك؟. "

بصوتٍ مُلبّدٍ قال:

" ذِكراك تُرهقني، تجعلُني أكرهُ تأدِيَتك."

ارتَخت الانقِباضات الَّتي عاثَها الارتِباكُ في صدري، وتنافَرت شفتاي.

" أنتَ لا تكرهُ تأدِيتي ولن تكرهها، بل تكره نفسك لأنَّها تغدُر بِك وتميلُ إليّ، وستكرهُها أكثَر... ربَّما تخشى أذِيَّتي!."

سبحَت بي قدميَّ حتَّى الحائِط الزُّجاجيّ، هُناك حيثُ لاذَ بنفسِه مِن فوضى أُخدودٍ نشبت على سريرِه عقِب ثاني ليلةٍ لنا.

"لماذا تأخُذني على محملِ الذَّنب؟ كُنت لأنتهِيَ بينَ أحضانِ الكثيرين غيرِك لولاك، فالثَّبات على صِراط مُستقيم صعبٌ على أمثالي. "

" شيءٌ في عينيكِ يجعلُني موقِنًا أنَّك تستحقِّين أفضَل مِن رجلٍ مُتنقِّل، حِلٌّ بجسدِك أن يكون مشروعَ حبّ، لا مأوى رغبَة. "

كان ظفر إبهامي أسيرًا لقواطِعي، والابتِسامةُ مخامرةٌ لثغري طوالَ عُهدةِ حُكمه للأثير، وحينَما خلفَه لِساني الَّذي حلَف على تطويعِه، خارَت يدي على الحائِط، ورسَمت أنامِلي على الزُّجاج بعشوائِيَّة، كصبيٍّ يُخربِش.

" أُريدكَ أن تُفكِّر بي دائِمًا على أنِّي المرأةِ الَّتي شبَّت فيكَ يومَ انعكَس شُعاعُها بزُجاجِك المنثور، المرأة الَّتي انحنيتَ لتراها مِرارًا، ظهرُ كِبريائِك سيُؤلمِه إذا ما واصَل القِيامَ عنِّي بعدَ كُلِّ نكسة، دَع ذِكراي تغمُرك، ولتطفو على ظهرِها..."

ما إن تناهيتُ إلى أقاصِي السَّهو حتَّى نفَّستُ عما كبتُّه بإرهاق.

" أُريدُك كرجل، بيكهيون. "

مرّةً أُخرى صمَت، كأنَّه يتدَاركُ بوادِر هزيمَته.

لكِنِّي لم أتشبَّه بِه، بل ضربتُه وهُو في أضعفِ حالاتِه، وعلى حافَّةِ جُرفي راقصةٌ حافية مِن الأحقاد، رغم زيفِ ألحاني.

" لو شِئتُ أُضرِمك بلِساني وما لكَ مِن جُبٍّ يُخمِدك، لكنِّي أخشى عليكَ العواقِب، لذلِك كُفَّ عن اختِلاقِ المشاكِل بيننَا، وخلق المهازِل. "

علِمتُ أنِّي قد رميتُه في أتونِ الذِّكرى الَّتي اجتَنب الطَّوافَ بحوافِها، وأدرِي أنَّ الصَّهد والسُّهاد لن يهجرا مجلِسَه قريبًا...

لم أجحد عليه بالسُّخرية، فلو أنَّه مكاني لما جَحد.

" ليلة ساخِنة تعيسَة شمسُها أنا، سأُقفِل. "

كانَ ذلِك أوَّلُ وآخِر حديثٍ نخوضُ فيه مُقتحمين مصارِع الفُراق الموصَدة بوجهينَا، ولو أنَّه قد أطلَح أكثَر مِمّا أصلَح، فبدَل أن يُخلُوَ قفصي الصدريّ بعدَ ذلِك مِنه، وأذوقَ الهناء احتشدَ فيه المزيدُ على شاكِلة خواطِر جارِفة. لعلَّه في أرضِ التَّفكير قفصٌ مكين، قُضبانه عيناه، وأنا الَّتي دُست شِراكه مُنذ أوَّل خُطوةٍ رميتُها فيهما.

بينَ تلافيفي يترقرق كزمزم ساقيًا شِغافي اليباب وممرَّاتِه العطشانة، وبعواميدي المُكنَّاةِ أضلُعًا يتمسَّك كغُصنٍ بجبل، كالصَّدأ بالحديد، أمَّا مُقلتاه فبيتٌ شِعريّ لا بابَ له، مُؤثَّثُ بالبَلاغة، بينَ شُقوقِ جُدرانِه العتيقة تتوارى معانٍ ذهبيَّة لا تطالُها الأيادي، وجدتُه سانِحًا فولجته لأنهبَه، لم أدرِ أنّهما تنهبان أنفاسَ مَن كادَ بهِما النَّظر!.

يومئذٍ اضطجَعتُ على الأريكَة أُطبطِبُ على أيسَري الَّذي هيَّجه اتِّصال، ونكأ جُروحَه المُوجِعة، أراهن أنَّ حالَه لم تُنافِ حالي، حيثُما كان.

فلو أنَّ لهُ كبرياءً لُبدًا قد يُغنيه عن أيِّ عُذرٍ واعتِذار، فأنا كالقَبر لا ينفعه فيه إلّا ما أوتى، وربَّما يضُرّه، فكُلُّ ما صنعته يداهُ فيّ يُحاسَبه الشَّوق عليه.

لا يزالُ ذِكرى لطيفَة تذرُّها اللَّحظات في وجهي دونَما مراعاةٍ للتَّوقيت، ذِكرى عابِثة كغُبار الطَّلعِ أيَّان الرَّبيع، تتغَلغل في فُؤادِي حتَّى يعطِس، فتلمَع عيناي المدرَّعتين بطبقةٍ رفيعةٍ مِن العبراتِ الصَّديقَة، وتندّى شفتيَّ الجافَّتين بابتِسامة.

اقتَحمتُ المنزِل بتملمُل كأيّامٍ خلَت ولم يملأ حُضوره رِحالَها؛ فليسَ فيه ما قد يُلهِب حماسَتي، وبينَما أنا أستعِدُّ لخلعِ حذائي، إذ أرسلتُ ذراعي إلى الأسفَل، اصطَدم ناظريَّ بزوجٍ مِن الأحذية الكلاسيكيّة يخصُّه، على أرصِفتها تقعُد بعضُ الأترِبة. نسيتُ فجأةً ما كلًّفتُ يدي بِه، ونصبتُ قامَتي باندِفاعٍ، ثُمَّ توغَّلتُ إلى أحشائِه.

وعقِب خيبتين تكلَّلت مُقلتاي بمرآه؛ لاقيتُه في غُرفةِ النَّوم، صريعَ السَّرير الأدهم، مُحلًّى بطقمٍ فخمٍ ما يليقُ بمقامِ الموتِ الأصغرِ الَّذي اختطَف وعيه مِنِّي قبل أن أعِي عليه، لا يعلوهُ سِتار يقيه لفحاتِ الهواءِ المُنبعثَة مِن النَّافِذة، ووجههُ مغموسٌ في وسادَته المنفوشة، بدا كجُثمانِ استُشهِد في ساحَة الحرب إذ أتته الطَّعنة مِن دُبر، كأنَّه ناورَ الإنهاكَ طوال السَّفر، فاغتالَه ما إن شارَف على مسقطِ رأسِه ولفَظ آخر نوره.

لم أُهدِر هذِه الفُرصة الَّتي دَعتني إلى الاقتِراب منه والاقتيات عليه، رغم أنَّ الحظَّ خبَّأ سماءَه عن بصرِي، لا بأسَ مِن التطرُّب بأنفاسِه.

ارتَكنتُ بجانِبه على مسافةٍ مُحتضِرة، ومدَّدت بطنِي على السَّرير مِثله، حيثُ انهالَت عليهِ نظراتِي الواصِبة، دون أن تترُكَ فيه شِبرًا غير مأهول، تلتها لمساتِي الضَّريرَة الَّتي تفسَّحت بينَ مرافِقه بحُريَّة، فلا حرَس مِنه ليمنَعها. حينَما ضيَّعني الاكتِفاء، أزحتُ فروعَ شعرِه عن رقبتِه، ودفنتُ على ثراها لُثمَة ترحيب، لن يَعلم عنها.

أسهَب في الغيابِ عنِّي كما لو أنَّه لم يشبَع مِنه، حتَّى غدا استِراق القُبل بلا مُحاكمات ولا عقوبات هيِّنًا، هززتُه لعلّه يستفيق مِن همودِه، ولكِن لم ترفَّ لهُ شفة. سُرعان ما أوحى لي سُكونُه هذا بفِكرة لقهرِ المَلل، جلبتُ مِن الدُّرجِ ربطَتين زرقاوين، ثُمَّ تربَّعتُ وسَط ظهرِه، قسَّمتُ خصلات شعره إلى طائِفتين، وصنعتُ له قرنين.

لم أتوانى ولو للحظةٍ في توثيقِ هذِه الذِّكرى بصورة سيلفي، التقطتُها مِن هاتِفي الرثّ، قبل أن أفرِشه على كفِّي وأُعاينَها بدقَّة، ليسَت ذاتَ جودةٍ عالية كجودةِ الواقِع، ولكِنَّها واضحةٌ كِفاية، رغم أنَّ لي مِنها في ذِهني نُسخةٌ مُنمَّقة لا تُضاهيها نُسخة، حتَّى الأصليَّة ككُلِّ ذكرياتِنا معًا... أرجو ألَّا يهتدِيَ إليها حينَما يكتشِف ما أصابَه!.

اختزَل نُواحُ الجَرس مُتعتِي، إذ ذاعَ كناقوس الخَطر، يحُثُّني أن أنأى عنه، فتوازنتُ على يسارِه بأدب، ورجرجتُه.

" أجاشّي، شخصٌ ما على الباب. "

خمَّنتُ أنَّه لن يستجيبَ لي بُسهولة، لذلِك ارتأيتُ أن أربَح مبلغًا مِن الوقت، حيثُ هرعتُ إلى مقرِّ الشَّاشَةِ في الرِّواق أتحرَّى هُويَّة الطَّارِق، ثُمّ أُبتُ إليه وبِحاوِيتي مُضغةُ معرِفة، وعكَّرتُ صفوَ الصَّمتِ الَّذي تضمَّنه لبُرهة.

" إنَّه صاحِب ملهى القمَر الدَّامي، أوه أو شيءٌ مِن هذا القبيل. "

توالَى رنين الجَرسِ يتخلّلُه رِجسُ فمِي، وهزهزةُ يدي لكتِفه.

" جلجلتُه تُصيبني بالصُّداع، إن لم تُعالِجه فسأضطرُّ لفِعل ذلِك شخصيًّا، حينئذٍ سنصير مكبًّا لسُخريتِه، مُذ أنَّه على معرفةٍ سالِفة بي، وأجزِم أنَّك ستقبِض النَّصيب الأكبر مِنها مُذ أنَّكما على تواصُل دائِم، ولستُ أهدِّد!. "

بمُعجزةٍ إلهِيَّة دبَّت الحرَكة في جسدِه، إذ رفَع رأسه عن الوِسادَة، ورمَقني ببُلهٍ كأنَّه يتساءَل: مَن أنا؟ أينَ أنا؟ كيفَ وصلتُ إلى هُنا؟.

" صاحِب الملهى على الباب."

أضمَر جفناه جوهرتيه الضَّامرتين بداخِلهما ثُمَّ انفَطرا لزامًا، ونازَعت يدُه الآدميَّة جاذبيَّة الفِراش، حتَّى ربا بخُمول، مُستفهِمًا.

" كم السَّاعة؟. "

وكَم جاهدتُ عُبابَه الوهميَّ إذ بغى، لئلَّا أضِلّ عن السِّياق!.

" الرَّابِعة. "

حينما لم تتزحزح علامَات الاستِفهامِ عن مواضِعها أضفتُ بتأفُّف.

" مساءً. "

وبينَما هُو مُربِّعٌ على السَّرير بجِذعٍ مائِل، دلَّكت أنامِله الممشوقَة مُحيطيّ عينيه لعلَّها تنقض عُقدَه. بعدَ صراعٍ مرير مع حاجاتِه، وازَن حُمولةَ جسدِه على قدميه، وما نسِيَ أن يفحَّ سمومِه الشَّفويَّة عليّ، مُنذِرًا.

" إيَّاكِ أن ترمِي خطوة واحِدة خارِج الغُرفة، ولا تصدري أيَّ صوتٍ ينُمّ عن وجودِك ما دامَ هُنا، فما ينقُصني إلَّا رجُلٌ ذو لِسان امرأة. "

كان يُسبِّحُ بسبّابتِه في الفَراغ، وبينَ جفنيه نظراتٌ مُظلِمة مِن شأنِها أن تُفزِع الغِربان، يظُنّ أنَّه هِتلر، لكِنَّ شعره لم يخدِم المَفهومَ الَّذي انتَهجَه وإيَّاي، لأنَّه أكسبَه مسحةً بريئة، تُشبِه إلى حدٍّ كبير الأزرق؛ حبيسُ إطاريه الشَّائِكين.

انكَمشَ جفنُه الأيسرُ كأنَّ شُكوكَه ربطَت حِبالَها حولَ أهدابِه جمعاء، ساعيةً إلى مُطابقةِ جانبيه حتَّى يغمضا، وانتَظر آن انفِلاتي بصبر... وأنَّى لا يشكُّ بأمري واهتزازُ شفتيّ المُقفلتين بإحكامٍ يوحي بأنَّ ثمة مُصيبةً تُطبَخُ أسفَلهُما!.

سُرعانَ ما استسلَم عن تفسير الظَّاهِرة المُتمخِّضَة فيّ، واتَّجه إلَى حتفِ رجولتِه، حيثُ سينالُ هديَّة التَّرحيب الثَّانية، والوجبة الرَّئيسيّةَ على مائِدة مكري. وخَزني الذَّنبُ حيالَ سُمعتِه المَهيبة لوهلة، لكِنّي كسرتُ ذِراعَه دونَما شفَقة.

أنا أشيطُ شوقًا لرُؤيةِ ملامِحه حينَما ينفجِر اللُّغم الَّذي زرعتُه برأسِه في عينِ زائِره، ويُقطِّع غُرورَه إربًا إربا. ما كُنت لأفوِّت مشهدًا مُثيرًا كهذا، لذلِك خالفتُ أمرَه بلا أسف، وانبعثتُ خارِج الغُرفة عقِبَ إسفارِه عنها بمسافةٍ آمنة، قادِرةٍ على كتمِ سِرّ اقتِفائي لآثاره، ثُمَّ جثوتُ وراءَ جِدارِ المَطبخ ذي النَّافِذة العريضة، عديمةِ الكِساء، والمُطلَّة على الرِّواق، حيثُ ستولَد الفاجِعة؛ أفضلُ منطِقةٍ للتجسُّس... وها هُو ذا يفتَح الباب.

" ما اللَّعنة؟ هل امتصَّ التَّعبُ صوابَك حينَما نفذت مِنه طاقتُك؟. "

كانَ صوتُ الضَّيفِ مُقلقَلًا، ومَن ذا الَّذي قد يصمُد أمامَ طرافَة مظهرِه بتسريحَة القَرنين؟.

" لستُ في مزاجٍ صلبٍ لهزلِك. "

أتى ردُّ بيكهيون مُتبرِّمًا كما هُو المُتوقَّع مِنه، أتخيَّلُ جفناهُ وهُما مسبَّلان بصفةٍ غاوِية، ورأسُه مائِلة قليلًا، جاهلة عمَّا عشَّش فوقَها.

" أكُنت نائِمًا؟. "

" وقعتُ في النَّوم بمُجرَّد ما وضعتُ رأسي على الوِسادة. "

لم يُبالِغ الصَّمتُ في طُغيانِه، فقد جثَّته سُخريةُ الآخر.

" ثُمّ قُمتَ وبرأسِك قَرنين!. "

كادَت الضِّحكةُ تُمزِّق أواصِر صمتِي وتوشي عن مخبَئي لولا أنِّي كمَّمتُ فمِي بكفيّ حتَّى استرجعتُ تماسُكي...

ما تفتأُ كلِماتُه مُتَّسِمة بالغُموض، كتلميحات.

" أشعُر وكأنِّ الأرض قد زُلزلت مِن تحت عينيّ حدَّ أنِّي ضيَّعتُ الحُروف الَّتي اكتنَزها بالي مُنذ آونةٍ قصيرة. "

" ما الَّذي جاءَ بِك؟. "

بدا وأنَّ صبرَ بيكهيون يوشِك على النَّفاذ، هذا وهُو لم يتفطَّن بعد إلى ما يرمِي إليه صديقُه، والَّذي أمسَك عن التَّوضيح.

ترفَّعتُ عن الأرضِيَّة بُغيةَ استِراق النَّظر مِن فجوةِ الحائِط الفاضِحة، فرأيتُهما راسِيين قُبالَة أحدِهما الآخر تفصِلُهما مسافة نسبيَّة، ما دعاه بيكهيون إلى الدُّخول، ولا هُو فرضَ نفسَه على بيتِه، كأنَّ خطبَه لا يستَدعي القُعود.

انزلقَ مِن سبَّابتِه حلقٌ دائريّ، يتشبَّثُ بمُحيطِه عددٌ مِن المفاتيح الحديديَّة، نجم عن احتِكاكها ببعضِها البَعض طنين.

" أتيتُك بالمفاتيح. "

مسَّ التَّخاذُل منكبيه قبل أن يستَرسِل بتملمُل.

" هل نسيتَ الجُرذ الَّذي طلبت مِنِّي اصطِيادَه مِن أجلِك قبل رحيلِك؟ هُو حبيسَ القبو في منأًى عن خطِّ المشاكِل، لكِنَّك بحاجةٍ لاتِّخاذِ حُكمٍ بشأنِه قريبًا، فإطعامُه يستنزِف مالًا كما تعلَم، وقد أنفقتُ عليه أكثَر مِمَّا يستحِقّ!. "

كُنت موقِنة أنَّ لبيكهيون يدًا في اختِفاء المُدير عن الأنظَار، فقد استخفَّ بنُفوذِه، وما هُو برجلٍ يُسامِح الاستِخفاف إذا ما خدَش سيرَته.

ما لَم أُحِط بِه عِلمًا هُو المَدى الَّذي صباهُ أذاه، حتَّى تطرَّق إليه صاحِبُ الملهى بفخر، بينَما تراقصُ سبَّابتُه حامِلةَ المفاتيح. انصبَّ في سمعِي، وكانَ صادِمًا للغاية؛ لم أسمَح لخيالاتي بالتَّمادي، رغمَ سمَاحة الأبواب.

" لقد تكفَّل رِجالي بتصديع فُؤادِه مع زخَّاتٍ مِن العُنف احتِرامًا لعُمره، حتَّى أنَّ أحدهم استَذكَر والده وأجهش بالبُكاء، كلِمةٌ واحدةٌ مِنك ستهدُّه بالكامِل. "

" سأتفرَّغ لأمرِه اللَّيلة. "

لسببٍ ما شعرتُ بانقِباضٍ ودودٍ في صدري، ربَّما نبرتُه الحازِمة الَّتي لا حِوَل فيها، وربَّما شوائِبُ التَّعبِ المُتكدِّسةِ فيها على شاكِلة بحّةٍ طروب!.

همَّ الأطولُ بالرَّحيل حيثُ غيَّر قِبلتَه إلى البابِ وصَرف مِن أجلِه بِضعةَ خطوات، لكِنَّه التفتَ فجأةً كأنَّه نسِيَ في محفظتِه كلامًا هامًّا مُهدِّدًا سِري... كِدتُ أقعُ ضِمن حُدودِ بصرِه، لكِنِّي تمكَّنتُ مِن التَّواري في الوقتِ المُناسِب.

" بالمُناسَبة، تسريحةٌ جميلة. "

ما إن صمَّ أذُنَ البيتِ لئلَّا تُفشِيَ عن سرائِره، حتَّى صاحَ مُناديِا اسمي، كما لو أنَّ الحُروفَ تغلي بجوفِ فمِه، مِن قيظِ السُّخط!.

" كيم مينِّي. "

دريتُ أنِّي قد جنيتُ على نفسي عاقِبةً ليست بحميدَة، هوَّنت مِنها رعونتِي سلفًا كإبليسَ حينَما يُهوِّن الخطايا بعينِ آدم، ليصعدوا سُلَّمها درجةً بدرَجة، وعظَّمها أوانُ مُواجَهة النَّتائِج، غير أنِّي تمسَّكتُ بأعصابي وقطعتُ طريقَه، حيثُ تعاضَدت يدايَ مِن وراءِ ظهري، كأنَّها لحظةُ وداعٍ آسية، مَن يعلَم، فقد يُزهِق روحي؟.

" ما الَّذي تُريده، أجاشِّي؟ "

كانَ شعرُه مُنسكبًا على ناصِيتِه بفوضويَّة، وما تفتأ أنامِله تُبعثِره مُفسدةً ما تبقَّى مِن أطلالِ جُرمي، ثُمَّ مِن فلقةٍ أحدثتها هبَّاتُه الغيرُ مَدروسَة بينَ خُصلاتِه بانَت لي عينُه اليُمنى، ناقِمة، كُلُّ شِعابِها تقودُ إلى مصير واحِد؛ الهَلاك.

" ما الَّذي أريدُه؟. "

أماطَ المسافَة بينَنا رُويدًا رويدا، كأنَّه يمتحِن صُمودي الواهي، وما بخَلت موجاتُه الصَّوتيَّة في تقليبِ قلبي بما اختزنته مِن شرّ.

" أتدرينَ ما أكثَرُ سِمةٍ سعيتُ للحِفاظِ عليهِا بينَ الجميع؟. "

لم يسأل بحثًا عن إجابَة، إنَّما ليُخرِّب وثاقي بنفسي، إذ صاغتها شفتاه بعُسر.

" اعتِباري. "

سُرعان ما زعزعت الأهوالُ الكامِنة في عينيه سُكوني، فتقهقرتُ إلى الوراء، تزامُنًا وإقدامه.

" لكِنَّكِ شظَّيتِه للتوّ!. "

بئسًا للذِّكرى الَّتي دغدغَتني في موقفٍ حرِج، غير موقفها.

" لقد بدوتَ جميلًا. "

رصَّ الوَيلُ فكَّيه، وتوعَّد.

" حبَّذا لو تشِي باليدِ الَّتي تطاوَلت على شعري بينَما أنا غافٍ، هذَا إن لم تشائِي خسارةَ الاثنتين بمُجرَّدِ دخولِك في نِطاقِ لمسي. "

لم يخطُر لي وقتَها إلَّا انتِعالُ الحَذر والفِرار بعيدًا عن مُتناولِه، حتَى وإن تشبَّهتُ بالأطفال، فانتهى بي المَطافُ في غُرفةِ الجُلوس مُحتميةً بالأريكَة المُنفرِدة، بينَما هُو قُبالَتي يُحدِق بي بعدوانيَّة، وخزانُ صبرِه يُحابِي النَّفاذ.

" تعالي إليّ مِن تِلقاء نفسك لو رِدت الخُروجَ بأقلِّ الخسائِر، حسابُك سيتضاعَف، لو كُنت الَّذي يُمسِك بكِ. "

لا يُمكِنني تسليمُ نفسي له وأنا غيرُ داريةٍ بِما يحيكُه لي في ذِهنه، لا يسعُني حتَّى الجزمُ ما إذا كانَ مقلبًا مِنه أم أنَّه جادٌّ حقًّا!.

راوَغت بلِسانِي، لكِنِّي كثيرًا ما وقعتُ في حُفرِ الارتِباك المُندسَّةِ بينَ الكلِمة الضَّاحِكة والأخرى، وعجزتُ عن استِمالة الاتِّزان إلى صفِّي.

" فلتهدأ قليلًا ولنتَحدث دون تهديدات كي لا يعضَّنا النَّدمُ لاحِقًا، حسنًا؟. "

حينَما انعَطف مُحيَّاه إلى الجانِب على أهُبةٍ لوأدِ زفرةٍ حانِقة بالهواء الغفير، انتهزتُ الفُرصة لتوسيع الفارِق بينَنا، وركضتُ إلى غُرفتِه دونَما أن ألتفِت خلفِي، لعلِّي أُفلِح في طمرِ المنفذِ ببابِه قبل إدراكِه لي، والاختِباء ريثَما يهود.

غير أنّ سُرعتي ما أسعفتني على إنقاذِ نفسي فلو جازفتُ بالاستِكانةِ ولمِّ شمل الباب بإطارِه لقاطَعني باقتِحامِه، ولاقتَطع قدميَّ مِن أرضِهما، لذلِك انحازَت أطماعي إلى الحمَّام، كان أملِي الوحيد لتضميدِ جُروح الارتِياعِ في فُؤادي.

تدهورتُ بضعةَ خطوات وبصري مُعلّقٌ على هيئتِه المُضطرمة الَّتي عبَرت أُفقَ البابِ بتلكُّؤ للتوّ، والأخاديد المُنتشرِة برقبتِه، كذا ذِراعه البشريَّة. كانَ مُوقِنًا بأنَّ العدَّ التَّنازُليّ لهزيمَتي قد بدأ مُنذ أن وطأتُ هذا الحيِّز مُعتبر الحَجم، فنِصفُ الابتِسامة المُستلقِية على أحدِ شدقيه كأنَّها مبتورة، لم تنشب مِن العَدم طبعًا.

ما لبثتُ وأن استدرتُ بكلِّي مُواجِهةً بابَ الخَّلاص، وهرولتُ صوبَه عازِمةً على غلقِه بعد اندِساسي ضِمنه، لكِن بمُجرَّد ما لامَست أنامِلي مِقبضه، حتَّى انزلقت مِنه، سويًّا وقدميّ، وارتَطم البابُ بالحائِط مُحدِثًا ضجّةً عالية.

ولأوَّل مرّةٍ نفرتُ مِن قُربِه ذُعرًا، أنا الَّتي لطالَما وقفتُ في وجهِ أعصابِه بشُموخ، بينَما أروي هِذه اللَّحظة الجافَّة بضحكات فاتِرة.

" لنكفَّ عن هذِه المهزلةِ الآن، ونحلَّ الخِلاف بيننا بعقلانيَّة، فما فعلتُه لا يستحقُّ مِنك إهدار الوقتِ في الغضبِ على أيَّةِ حال. "

استكَّ سمعِي مِن شدَّةِ صُراخِه.

" لستُ أمزَح معك. "

وقتَها أدركتُ أنِّي قد تماديت، كانَ عليَّ الاكتِفاء بالصُّورة، فما ربِحتُ مِن صنيعي إلَّا غضبَه، وتداعِيًا مُحتملًا لعلاقتِنا الَّتِي لا أعمِدة لها!.

كُنت على وشكِ كسر خوفي والمُثول في مدارِه، لكِنَّه سبِقني إليّ، حيثُ قيَّدَت أصابِعه مِعصميَّ بتعسُّف، واجترَّتني نحوَه، كأنَّه لم يلمَح في مُقلتيَّ الاستِعداد على تلقِّي حُكمِه برحابةِ صدر. انفلتت مِنِّي آهةٌ مُتوجِّعة لم تُحرِّك فيه وترًا، كعازفٍ تحكُمه مقطوعة، مقطوعة سُخطٍ أبى إلَّا أن يُتمَّها، ولا أدرِي إلى أيّ قِمَّة سترتقي!.

كاَنت سحنتُه صحراويَّةً كتومَة عِندما تريَّث قُبالة المِغسلة، وعصَف بيديَّ حتَّى استقرَّتا أسفَل الصُّنبور، قبل أن يُريقَ مِنه الماءَ السَّاخِن... كردِّ فعل طبيعيّ مِن دواعي الألَم استنفرَت، وحاولتُ الفِرار مِن استحكامه الجائِر لي.

" هل فقدَت صوابَك؟ هذا مُؤلِم. "

نازعتُ قبضتيه باستِماتةٍ لعلِّي أُفلِح في الإفلات، لأنَّ يديّ لم تكونا الوحيدتين على حافَّة الاحتِراق، بل حتَّى مآقيّ.

" توقَّف. "

وبينَما تلسَعُ أنيابُ الماء جِلدي الَّذي ما صمَد كثيرًا في وجه التورُّم، فتخضَّب بالحُمرة، اتَّقدت في حُنجرتي بكوة.

" لم أقصِد المَساسَ باعتِبارِك صدِّقني، كُلّ ما أردتُه هُو تنفيذُ مقلبٍ أنتَ بطلُه ترحيبًا بعودتِك، لم أعلَم أنَّك ستُجرح... "

ارتَخى وثاقُه حولَ يديَّ حينَما تعثَّر بصرُه بمدينتيّ المنكوبَتين على إثرِ طوفانِ دُموع، ولأنِّ الحرارَة ما عادَت ذاتَ وقع محسوس على جِلدي الَّذي اعتادَ عليها، لم أُنجِدهما مِنه.

" آسِفة. "

رأيتُ جفناه يهتزَّان، قبل أن يتنَازل عن مِعصمَيّ.

" غادِري. "

حينَما زجَّ بظهره في مرآي شعرتُ كما لو أنَّ الحياةَ هِي الَّتي تولَّت عنِّي وهمَّت بالرَّحيل دوني قبل أن يُوافِيني الموت حتَّى، كأنَّها حكَمت عليَّ بالمُكوث حبيسَة هذِه النُّقطة عديمة المُسمَّى، مِن فراغٍ أعزَل، ريثَما تنتَهي الدُّنيا، لذلِك امتنعتُ عن الرَّحيل قبل أن يلينَ حديدُه، ويميعَ في قالبِ كفيّ كالأزَل، وإلَّا فما سوفَ أتنفَّس.

" أنا لن أُغادِر ما دَام وجودِي يُثير حفيظَتك، لا عواطِفك. "

قذَفتني عيناهُ بجِمار الغضَب، دونَ مراعاةٍ لكِفاحي رغم أذاه.

" لستُ شخصًا يُتقِن التَّفاوُض ساعات النَّزاع، ولو وُجِد مخرجٌ آنذاكَ فستردِمه انهياراتُه العصبيَّة، لذلِك لا تُحاوِلي. "

تناءَيتُ عن المِغسَلة، واقتَحمتُ حُجرة الاستِحمام الزُّجاجيَّة، لئلَّا تنجَح مساعيه في دفعي خارِجًا، ثُمّ قُلت برَجاء:

" الحديدُ يُطرق ساخنًا، وإلَّا فلن يُصغي للضَّربات، كذلِك القلب."

انهالت خطواتُه على الأرضيّةِ بقصفٍ يوحي أنَّه قادِمٌ ليُحارِبني مِن أجلِ رأيِه المُتزمِّت، الَّذي لا يقبَل النِّقاش، لكِنِّه وقبل أن ينالَ مِن مِعصمي كما نوى حينَما مدَّ ذِراعه نحوي، فتحتُ صُنبورَ الماءِ على رأسِه مُفشِلةً مُؤامَرته ضِدّي!.

ذُهِل مِن فعلتي وجحَظت عيناهُ بينَما تتفقَّدانِ ما لحِق بِه مِن بَلل، لكنَّ الكلِمات توفيت عِند ضواحي ثغرِه برصاصِ ثغري الَّذي اختَرقها بغتة، فلا مكانَ للكلِمات في مجلِسنا حينَما يضيق أُفقه، ويغدو كُلّ وافِد شفةٍ مشبوهًا، ولو طهُر معناه، مجلسٌ حدُّه مقعد وحيد، بطرفيّ صِراع، لا يحتَفي إلَّا بالقُبل كحُجج، وحتَّى ولو بلَغت الكلِمات في الحبكةِ منزِلةَ كِتابٍ مُقدَّسٍ فما سوفَ تُثني إرادةَ رجُلٍ اعتنقَ الخطايا!.

لأنَّه رجُلٌ لا يرتدُّ عن خطأ إلَّا بخطيئة مُترفة الأجواء، تُهوِّن عليه ملامَة كبريائِه حينَما يلتقِطه مُتلبِّسًا في برِّي، ينبُش عن جُبٍّ يروي رمقَه.

ومُنذ أوَّلِ وهلةٍ ناهزتُ فيها مدارَه وهبطتُ على كوكبِه بجسارة، أقاسِمه ذاتَ الغِلاف حتَّى غزت قطراتُ الماءِ جسدي بدماثة بدأً مِن هامَة رأسي، أكانَت هِي الَّتي اقتَادت أوصالي إلى حلبِة الارتِعاش حيثُ راقَصتها، أم أنَّه ملمسُ وجنتيه المبلولتين الَّذي اقتَحم مسامَ كفيّ المُشتاقين لرسمِ الوَسن على لوحتيه الزَّرقاوين؟.

هُو رجلُ الأسلِحَة الثَّقيلة الَّتي شلَّت أبدانًا وأرعَبت أوطانًا، أسلِحةٌ لا يُسمَع لها صيتُ أمامِ دويّ الرَّغبة، ولو اغترَّ بِها وعليَّ شنَّ حملاتِه الشَّفويَّة حاقِدًا أتلفتُها بقُبلة، الآن أدرَك أنَّها تُعيقُ حركَته أكثَر مِمَّا تقيه شرِّي، فتعرَّى مِنها الواحِدة تلوى الأُخرى، مُبيحًا لصدرِه استِقبالَ الموتِ اللَّحظيّ باستِسلام، فذوَى عُوده حتَّى ثوى ثراي.

لطالَما نفَّذتُ إلى دواخِله مِن لُثَم، كما ينفذُ السَّيل خارِج سدٍّ منيعٍ مِن ثُلم، حتَّى وإن بلَغ قدُّها قدَّ خُرم الإبرة فزاغت عنها الأبصارُ استِخفافًا، ظنًّا أنَّ دُموعَها الوديعة لن تسحَق أحدًا، لتلقمهم في الأخير، ولطالَما شمَّر على سواعِد إبائِه، وبكفَّيه العارِيين صدَّني لبُرهة، لكنَّه وبمُجرَّدِ ما أفوق مُكنتَه ينضمُّ إليّ، ويُشاطِرني الانجِراف مُرغمًا!.

وها هو ذا يجدِل ذراعيه حولَ خصريّ بنفسٍ مُتأزّم، كالأزمةِ الَّتي بعثتُها فيه لعلّها تطغى على غضبِه، حينئذٍ تبرّأتُ مِن موقفِي ووثبتُ إلى حُضنِه بلهفة، جِئتُه مُتغرِّبةً لا جِنسيَّة لي فيه تكفلُ لي حقَّ الإقامَة، وما هُو برجلٍ كريمٍ يُلجِئ كُلَّ مُشرَّد، ولا تأشيرة مِنه قد تشفعُ لي أمام مَردتِه لحظَة يُبعثون كالعثرةِ في طريقِي، آملة أنَّهم عليهِ سيتمرَّدون، ورغم انفِطاره ما بين رفضِه وقُبولِه توطًّنتُ فيه، ووطَّدتُ ساقيَّ خلفَه.

سُرعان ما ترنَّحت يداهُ بينَ أصقاعي المُستتِرة، كأنَّهُما نسِيتا خارِطتي، فالتَبست عليهما طُرقي، ومن الزَّاوِية إلى الأخرى يتنهَّد كمُنهك بينَما يتوغَّل في فمِي، هُو ذلِك اليمُّ الَّذي رغمَ جبروتِه تتحكَّمُ فيه رِياحٌ لا كيانَ لها، ولا هيئة!.

عندما كفَّ عن سكبِ حِبرِه بينَ أروِقَتي، تصفَّحتُ مُحيَّاه الَّذي تسكُنه ألفُ رواية، وبيتاه اللَّذين يأويانِ أكثَر مِن قصيدَه، فكانَ النُّعاسُ ولِيَّه، خُصلات شعرِه مُنقسمة، مموَّجة، بفعل الماء ولاشكَّ أنَّ مظهري يُشبِهه إلى حدٍّ ما، وأساريرُه مُلبَّدةٌ شأنَ الزُّجاجِ المُحيط بِنا، إذ محا البُخارُ شفافيَّته، كأنَّه عازمٌ على حجبِ أفعالِنا.

" هل أقنعتك رشوتي لتمنحَني فيكَ المنصبَ الَّذي أطمحُ إليه؟ أم أنَّك بحاجةٍ إلى المزيدِ مِنِّي حتَّى تنظُرَ في طلبِي؟. "

داسَت أصابِعي خدَّيه، لكِنِّي مَن بدوتُ مُنداسَة، أتحشرج.

" يسعُني منحُك كُلَّ ما تُريده، رغم أنَّك آذيتَني للتوّ، ورغم أنِّي لم أعفُ عنَك بعد... لنقُل أنَّنا قد صِرنا مُتعادِلين. "

شعرتُ بيديه تزحفَان على ظهرِي الَّذي احتَشد فيه قِماش قميصي الأبيضِ وعانَق حناياه بشغف، كأنَّه يلوذُ مِن البَلل بالفِرار.

" لم أكُ أبحَث عن التَّعادُل في عِقابي لكِ، لا يزالُ فحمُ الغيظِ في صدري يشهَد على احتِراقٍ لمكرِك أطفأتِه بقُبلة، بل كُنت أبحثُ عن عدلٍ لروحي حُلتِ بيني وبينَ تحقيقِه... أنتِ تُتقِنين التَّلاعُب بأعصابِي. "

" وأنتَ تُؤذيني دائِمًا، سِجلُّكَ باتَ أسود. "

حتَّى الخندقُ بينَنا ما استسغتُه فردمتُه بقُربي، وانتهكتُ مِساحَة ناصيتِه دونَ إذنه، في حين تنهَّد هُو كالمَغلوب على أمرِه.

" في الحقيقة أردتُ الانتِقام مِنك لأنَّك لم تُنفِق عليَّ ولو اتِّصالًا واحِدًا رغم حيازتِك لرقمِي!. "

لم أكُ أدرِي أنَّ مُشاكَسة أنامِلي لأذُنِه ستهدُّ تماسكَه، وحتَّى عِندما دريت لم أتوقَّف... يسرُّني رُؤيتُه ركُامًا بينَ يديّ!.

" لقد خشيتُ أن يجمعَك كِبرياؤُك بالنِّسيان في غيابي، فيُصالِحك رغمَ إعراضِك عنه فترات حُضوري، أو يعثُر على فُؤادِك أعزب، مُعرّضًا لنفحات الأهواء، فتُخاصِمني مِن أجلِه... أدري أنَّك تمقُت انحيازَك إليّ."

" وهل خِلتِ أنَّ ذِكراكِ ستسمَح لي بالتَّوبَة؟. "

بالكادِ كانَ جفناه واثِبين كأنَّ أعمِدتهما رثَّت، ككلِماتِه.

" كُلَّما عزمتُ على انتِشالِك مِن تفكيري ومُبايَعة غيرك أومضت لقطاتٌ مِن ليالينا في ذِهني، وتذكَّرتُ اللذَّة الكامِنة في اشتِباكاتنا، فاحترقتُ رغبةً بتِكرارِك. "

نفثَ زفرةً شكَتني إليّ، بينَما ينجرِف نحوِي كقاربٍ لا أشرِعة له قد تُديمه على صِراطه، وفي كُلِّ بُقعةٍ مِن بِقاعِي أوقعت شفتاه متاعَهما.

" لا تتَّبعِي وإيَّاي مِثل هذِه الحِيل المُلتويَّة، فما شهِدت عليه اليَوم ليس إلَّا شرارةً مِمَّا أنا قادرٌ على إلحاقِه بك. "

سُرعانَ ما سلَّط انتِباهه على عينيّ صامِتًا كعادتِه، ولأنَّ الكثيرَ كانَ يجري في رأسِي مُنذ زمنٍ عجزت عن حبسِه بجوفي، وسألت:

" هل أنتَ وراءَ اختِفاء المُدير؟. "

أضفتُ رغمَ الاستنكار البادِي على مُحيَّاه.

" كُنت الوحيد في دائِرة الشًّبهة حينَما أطلعتني رينا عن أنَّه مُختفٍ، لأنَّ يداكَ ليستا خاضعتين لاستعمار الصَّمت الَّذي يحكُم شفتيك!. "

لم يحصُد كلامي سُنبلةً مِن اهتِمامِه كأنَّه بغيرِ عالم، يستَمِع إلى غير سيمفونيَّة!.

" مقالِي منبوذٌ في مقامِنا هذا، أليسَ كذلِك؟. "

باندِفاعٍ قدَّت قواطِعُه شفتِي السُّفلى.

" اصمُتي قليلًا. "

" سمعًا وطاعَة. "

أزاحَ ياقَة القميص عن عُنقي النديَّة، ثُمَّ وسَّع شُرفَته مُرحِّلًا أزرارَه عن دورِها حتّى بانَت ترقوتي، هُناك حيثُ نزحَت نظراتُه وعلى كواهِلها حِملٌ ثقيلٌ مِن وعيه، مودِيةً بي إلى التلثُّم الصَّمت.

أقسَط أُمنيةَ مُقلتيه في تدبُّري، لكنَّه لم يكُن ذلِك الرَّجُل الَّذي قد يكتَفي مِن امرأة بنظرة، ولا الرَّجُل الزَّاهِد في الرَّغبة، لمُجرَّد المُراءاة!.

وما لبِث أن وزَّع عليَّ قُبلا مِن ضريع، تُجوِّع، محشوَّةً بأنفاسِه المُنهارة، مِلتُ جانِبًا مُؤيِّدة، واعتصرت أنامِلي قميصه الَّذي لم يُتِح لي الفُرصة للإطاحَة بِه، فوسطَ هذِه الغوغاء حتَّى صرخاتي دُقَّت وشابهَت الأنين!.

فجأةً قطَع هُطول الماءِ، وأنزلني عن متنِه، ثُمَّ أوشَح جسدِي الَّذي التَحمت سرابيلُه به منشفةً بيضاءَ عريضة، ورغمَ أنَّ نظراتِه قد تضرَّعت بقائي، توّاقةً للسيَّاحَة بينَ نُصبي الُأنثوية، خلَد إلى الاغتِراب، ودفَعني إلى الخارِج برِفق.

لم أُصرّ مخافَة أن أُخرِّب ما لأمناه للتوّ، وسِرتُ نحوَ الخِزانَة مُخلِّفةً آثار قدميّ على الأرضيَّة، إضافَة إلى فُتاتِ ماء، كأنِّي غيمةٌ مُترعةٍ بالذَّخيرة، فاضَت مِن مسامِها دونَ سُلطانِ مِنها. سحبتُ ثِيابَ نومِي الاعتِياديَّة، المُكوَّنة مِن فردين؛ قميصٌ وسِروال قصير ورديَّين، واستَبدلتُ زيِّي المدرسيَّ المبلول بِهما بعدَما جفَّفتُ نفسي.

على مسافةٍ مِنها كانت حقيبتُه مركونة، بانتِظارِ شخصٍ ليُفرغَها مِن راكبيها، ومُذ أنِّي سأُعانِي المَلل في غِيابِه تطوَّعت، لم أجِد الكثير بينَ أحشائِها، غالبيَّتُها قطعٌ تحتاجُ التَّطهير، نقلتُها إلى غُرفةِ الغسيل وكدّستُها بالآلَة، وبينَما أنا أُفتِّش جيبيّ بنطلونِه مخافة أنَّهُما يختطِفانِ نفيسًا ما، عثرتُ على بِطاقةِ هويَّتِه، والعجيبُ أنَّ صورتُها مُتبرِّئة مِن القُبح الَّذي يسكُن العدَسة ما إن تدرِي أنَّها بصددِ التِقاط صورةٌ لبِطاقة الهويّة!.

حبرتُ طريقَ العودةِ نحوَ صدفتِنا المُشتَركة دونَ أن تُعتِق مُقلتاي البِطاقة، اكتشفتُ أنَّه مِن أنجالِ حزيران، كما أنَّه يفوقُني بعشر سنتمترات. تمدَّدتُ على سريرِه بكسل، ثُمَّ رُحت أُحصي السِّنين الممتدّةِ بينَ سنةِ ميلادِه والسَّنة الحاليَّة بحثًا عن عُمره الحقيقيّ، لكِنّ الفارِق صدَمني، فتناءى ظهري عن مسقطِه، وكاد فكِّي ينفلتُ مِن محلِّه.

بمُجرَّد طُلوعِه مِن الحمَّام مُرتديًا ثوبَه تهافتُّ إليه محكومَة بالدَّهشة.

" هل أنتَ في الخامِسة والأربعين مِن العُمر حقًّا أم أنَّ بحِساباتي خللٌ ما؟. "

حينَما لمَح بطاقة هويَّتِه بينَ يديّ انحلَّت عُقدة حاجبيه، وانتَزعها مِن مُلكي بجفوة.

" ماذا إذًا؟. "

تأكيدُه يدُلّ على أنَّه ليسَ مُهتمًّا بفارِق العُمر بينَنا، مِثلي، لكِنِّي صففتُ يديَّ إلى صدري، وتظاهرتُ بالعَكس لإزعاجِه.

" لا أصدِّق أنَّ زهرتي قد اخترقها عجوز. "

انتحبتُ بدراميَّة.

" أعِد إليَّ قُفلي، وما أخذتَه مِن مناقِبي على الفور. "

قلبَ عينيه بضجرٍ قبل أن يسيرَ باتِّجاه الخِزانَة، في حين لحِقتُ به.

" لا يُمكِنني النَّوم مع رجلٍ مِن الجيل الَّذي يسبِق الجيل الَّذي يسبِق جيلي بعدَما علِمت حقيقتَه... "

فجأةً وجدتُني مُحاصرةً بذراعيه، مُتَّحدةً بجسدِه.

" الوقتُ قد تأخَّر على التَّراجُع. "

للتوِّ لفَتت إحدى علاماتِ الكِبر في مُقدِّمة شعرِه انتِباهِي، وما توانيتُ في الإشارةِ إليها.

" أليسَت هذه شعرة بيضاء؟. "

قرَّرتُ التوقُّف قبل أن يتحوَّل مُزاحي إلى شِجار مرَّة أُخرى، حيثُ طوَّقتُ رقبَته بذراعيّ.

" أنتَ مَحظوظ بي لأنِّي أميل إلى الرِّجال الأكبَر سِنًّا؟ "

الأصحُّ أنِّي أميلُ إليك.

-

ينصبُّ الوقتُ مِدرارًا كالشلَّال وأنا بينَ تقاسيمِها!.

وقد قيل أنَّ اللَّحظات تخِفّ وترفُّ بفُتور نسمة ربيعيَّة، كأنَّها تتفرَّغ مِن غمامِها الَّذي عزمَ على الإمطارِ غُممًا، ومِن الزَّمهريرِ المندسِّ في حُرقة الشَّجن، إذا ما تحصَّنا بمُحيَّى الشَّخصِ الصَّحيح، ولو أمطَرت فما هِي لهُ بمُنازِع...

لكِنَّها الشَّخصُ الخطأ، بل هِي بحدِّ ذاتِها خطأ أسرفتُ في اقتِرافه، إذ ما ألبِث أن أتوبَ عنه حتَّى يرمِيني الحنين على حِجره مُغيّبًا، وما أكادُ أحيدُ عن جوهرتيها حتَّى يرُدَّني الَّطمعُ إليها تواقًّا لأختلِس مِنهما النَّظر بنَهم، أدري أنَّها خطأ، سهلةٌ هِي مِثله، فلِم تتهيَّأ لي صعبةً كالصَّواب، هنيئة كطعمِه؟ أم أنَّ هذِه الحوراءُ لي ابتِلاء!.

ما لا يسعُني إنكارُه أنَّ الدَّقائِق في حضرتِها تتقافَز برشاقَة فلا أشعُر بمُرورِها، كأنَّها ليسَت ذاتَها الدَّقائِق الَّتي سمِنت لفرطِ ما لقَّمته لها الحياةُ مِن غُصص، واعتادَت على التَّهادي مِن جِواري بتلكُّؤ، كأنَّها وبِحرارتِها صهَرتها!.

تحتَّم عليَّ الارتِحالُ بعيدًا عنها، وعن رغبَتي المُلحَّة لَها، رغبةٌ هِي مَن استأجرتها لتُزهِق وعيي، رغمَ أنِّي شِئتُ لو أقضِيَ في نُزلِها ما فاتَني مِن اللَّيالي المُتراكِمة لعلِّي أختصِر عليها الوجيعَة، ورغمَ لهفَتي لرُؤيةِ الخجَل يُهاجِمها وهِي عالقةٌ بينَ ذراعيّ فينتقِم لي مِنها، هِي الصبيَّة الَّتي لا تخِرُّ جسارتُها إلَّا حينَما أخلعُ عنها دروعَها.

وبعدَ التِئام شملي بمَلابِسي اللَّيليّة المُشتمِلة على سُترةٍ جلدَّية، قميصٍ أسود، وبنطلونٍ يُشابِهه سُقت سيَّارتِي إلى ملهى سيهون؛ في القبوِ الَّذي تكتنِفه واجِهتُه الخلفيَّة يتواجَد ضالَّتي؛ مُدير المَيتَم الَّذي أوهَمه الجَشع بأنَّه مُؤهَّلٌ لابتِزازي، فأجهضتُ نيَّتَه وهي لا تزالُ في الرَّحِم... يحدُثُ أن يهلِك البعضُ في السَّاحةِ السِّياسيّة بحِبالٍ كانت ألسِنتهُم مَن فتلها، وها هي ذا حِبالُه ملتفَّةٌ حولَ عُنقِه، قبل أن يُلوِّح بِها أمامِي حتَّى.

أزَحتُ البابَ الحديديّ عن طرِيقي بعدَما فككتُ أسرَه، وتوغَّلتُ على مهل في الغُرفة المُظلِمة الَّتي عجَّت جُدرانُها برُفوفِ الخَمر، وخَوِيَ لُبّها إلَّا مِن كُرسيّ خشبيٍّ رُبِط إليه مُدير المَيتم، بينَما أصابِعي الآليَّةُ المُختبِئة بداخِل القُفَّازِ الجِلديّ مثنيّةٌ حولَ مِلفّ، حوَّلتُه إلى لُفافةٍ رغمَ رسميَّتِه، ولأنَّ الصَّمت الطَّاغيَ كان حليفي، بدا وقعُ قدميّ مهيبًا، وهُو ما أصلَح انتِكاسَ رأسِه وأقامَها، ثُمّ ما إن انجَلت هيئَتي لعينيه حتَّى تأتأ مفجوعًا.

" الجِنرال بيون؟. "

تذبذب نفسُه حينَما تلثَّم ثغري بابتِسامَة دهماء.

" بل ملاكُ الموتِ يا عزيزي. "

وقفتُ خلفَه مُباشرة، كي لا تُرشِدَه نُجومُ مقلتيَّ إلى مِزاجي المُستقرّ فيشعُر بالأَمان ويمكُر، رصفتُ ساعديَّ إلى صدري، وبلُفافةِ الورقِ المُتوطِّدة بنِهايةِ الأيمَن، نقرتُ على الأيسَر... كانَ الوهجُ المتسرِّب مِن بينِ قُضبانِ فتحةِ التَّهوية يُفصِّل ملامِح الغُرفة.

" لقد اكتشفتُ حديثًا أنَّك قد طرَدت الفتاةَ الَّتي حذَّرتُك مِن أن تقربَها حتَّى تعثُر على مأوى، لمُجرَّد أنَّها على علاقةٍ معي، ومهما اجتهدتُ في تفسير خُطوتِك المُتهوِّرة لم أصِل إلى نتيجة أُخرى، عدا أنَّك خطّطَت لاستِخدامِ الحقيقةِ كسِلاح ضِدِّي. "

رغمَ أنِّي لم أُعلِن النِّهايةَ بعد إلَّا أنِّي لم أقطَع كلامَه، ربَّما لأنَّ ارتِجاج نبرتِه راقني.

" واثِقٌ أنَّك قد توصَّلت إلى نتيجةٍ مشوبَة مُذ أنِّي أُلت إلى مكانٍ كهذا، فلتفكَّ قيدي، ولتُصغي إليّ، سأشرَحُ لكَ كُلَّ شيء. "

أعلَم أنَّه سيختلِق الأكاذيبَ مِن العَدم، وما أنا بغبيٍّ لأمنحه التَّصديق!.

فصلتُ ذراعيَّ عن بعضِهما البعضِ، وبفوهَة المِلفّ الارتِوازيّ لاطفتُ مُحيطَ عُنقه، بينَما أبرحُ ظِلَّه وأنتقِل إلى مُقدِّمتِه... عليهِ أن يكون ممتنًّا لأنَّ ما احتكَّ بجِلده هُو محضُ فوهةٌ مِن ورق، لا فوهَة مُسدَّسي، رغمَ أنَّه بجيبي.

" هل شعَرت بالمهانَة لأنَّكَ عبدٌ مأمورٌ لي تعيشُ تحتَ رحمتي، وتقتاتُ على الفُتاتِ الَّذي أُلقيه لكَ، كالحَشرة ليسَ بمُلكِك غيرُه، فانتهزت الفُرصَة لردِّ الصَّاع، ما إن دُستَ نُقطةً مِن نِقاطِ ضعفي سهوًا؟. "

مِن قفصِي الصَّدريّ فرَّت زفرةٌ هازِئة، وبسطَت أجنِحَتها بطلاقَة..

" لا تكُن سخيفًا، حتَّى وإن دُستَني فلن يُمكِنك سحقي، أخبرتُك أنَّك ومُقارنةً بي حشرة، كانَ عليكَ أن تقنَع بما منحتُك إيَّاه، لا أن تغرزَ مِجسّاتِك في لحمِي وتُحاوِل امتِصاصَ دمي، ها قد انتَهى بِك المطافُ مُبلّطًا بكفيّ!. "

حرَّك يداهُ ذاتَ اليمين وذاتَ الشّمال نافِيًا، والخوفُ يفرِم صوتَه.

" أنتَ مُخطِئ يا بيكهيون، لم أُفكِّر ولو لثانِيةٍ في ابتِزازك كما تدَعِّي، وما استخففتُ بِك قطّ، الجميعُ يدري أنَّك مُخيفٌ تقشعِرّ الأبدانُ لمُجرَّد وجودِك... لقد كانت نِيَّتي صافيةً وهِي أن أنتزِع الشَّظيَّة مِن طريقِك قبل أن تُؤذيك. "

لم أصمتُ لأنِّي رضيتُ باقتِناء كلِماتِه الباليَة، إنَّما لأقلِب عليهِ الطَّاوِلة لاحِقًا، لكنَّه اعتَبر صمتي علامَة على الرِّضا، واستأنف الحديث.

" كُلّ همِّي الحِفاظُ على سُمعَة الميتَم لأنَّه مصدَرُ رِزقي الوحيد، وانهِيارُك سيضُرّها بشكلٍ بليغ، فلِم قد أُقِدم على هكذَا مُخاطَرة؟. "

ضربتُ مؤخِّرة رأسِه بالمِلف، مُذ أنَّ الحائِل بينَنا جيلٌ لا غير.

" ألست كبيرًا على الكذِب؟ إنَّه عيبٌ بحقِّ الشَّيبِ في رأسِك!. "

تحاذَق قائِلًا:

" ورائِي أُناسٌ مِن السُّلطات العُليا يحتاجونَني، سيستبطِئون غِيابي، ويشرعُون في البحثِ عنِّي خوفًا على أسرارِهم مِنِّي، تدرِي أنَّك لستَ الجِنرال الوحيد الَّذي أتعامَل معَه، واختِطافي لن يصُبَّ في صالِحك. "

" هل خِلتُ أنَّك ستفلت بفِعلتك؟ أم خِلت أنِّي سأخشاكَ لمُجرَّد اكتِشافِك عن العلاقة الغير الشرعيَّة الَّتي تربِطني بفتاةٍ مِن المَيتم؟. "

حينَما أدركَ أنَّ كافَّة السُّبل غارقةٌ في الهلاك، حفَر لجُثمانِه جدثًا مِن الصّمت، لعلَّه يتَّقي مِن الهفواتِ المُحتملة، فلا يتضاعَف عذابُه، فيمَا أخرجتُ الأوراقَ مِن سِجنها، ووازيتُها بوجهه، بحيثُ تستطيع عيناه لقفَ مُحتواها.

" أتدري أنِّي لو دفعتُكَ بسبَّابَتي فقط لوقعتَ إلى الحضيض؟. "

صرفت نظري عنه لوهلةٍ قبل أن أُمليَ عليه قراري بحزم.

" لقد استُبدِلت إدارةُ الميَتم، أمَّا أنتَ فستغرُب إلى بوتشون. "

" شُكرًا لك "

وسِعَني إطلاقُ سَراحِه، لكِنِّي حبذَتُ اللَّعِب بأعصابِه حتَّى تلفِظ مُهلتِي أنفاسَها الأخيرة، وغادَرت تتبعُني صيحاتُه المَذعورة. بعثتُ برسالةٍ لسيهون الَّذي لا يبعُد عنِّي إلَّا ببضعةِ جُدرانٍ أُعطيه الإشارةَ ليتصرَّف، أدري أنِّي لو ولجتُ الملهَى ثُمَّ برحته دونَما أيَّة غنيمة فسوفَ يُراوِده الفُضول، وما أنا بقادرٍ على رَضِّه.

قدت السيَّارة إلى مطعمٍ مشهورٍ حيثُ اقتنيتُ العشاء، مُذ أنِّ التَّعب المُتراكِم في جسدِي لن يُلايِنني على التَّسوُّق أو الطَّبخ، كما أنِّي متورِّط معَ طفلةٍ لا فائِدة تُرجى مِنها، ذراعاها مُجرَّد ديكور... لا أُنكِر أنَّهما تبرَعان في نحتِ الرَّغبةِ مِن طميِ الغَضب كُلَّما سفحَ في صدري، كأنَّها لا تكتَسي أنوثَتها إلَّا على أعتابي لِزامًا، وربَّما تتعرَّى مِن شخصِها المعهود فتبانُ الأنثى المُتوارية خلف دفَّتيّ سنِّها الصَّغيرة، ولكُلِّ مقامٍ مقال!.

استهدفتُ المنزِل حامِلًا كيسًا بُنيّا، كادَت الفراشات تنبثِق مِن مقلتيّ مينّي لحظةَ أعلمتها الرَّائِحة المُتصاعِدة مِن ثغراتِه أنَّه شيءٌ يُؤكل، حتَّى أنَّها لم تُسعَد لرُؤيتي بذاتِ القَدر... أم أنِّي أجهضتُ سعادَتها دونَ أن أعِيَ عنها؟.

نهضتُ عن الطَّاوِلة قبلَها، ثُمَّ جهَّزت ميدانَ النَّوم لاستِقبالِ ظهري، وأوصدتُ جفنيَّ مُتلقِّيًا ضرباتِه برحابة. لم ينبَرِ مِن عُمرِ الزَّمن إلَّا القليل حتَّى قرعت قدماها الأرضيَّة بخِفَّة، ظنًّا أنِّي في قرارٍ مكين. واصلتُ التَّمثيل، لكِنِّي حينَما شعرتُ بانخِفاضٍ في الجانِب الأيسر للسَّرير، شرَّعتُ جفنيَّ، فإذا بِها مُستلقيةٌ تتأمَّلُني.

تحلَّى ثغرُها بالعُبوس، في حين غارَت سبّابتُها بخدِّي.

" أخبرتُك أنِّي سأنامُ معَك، لِم أنتَ مُستغرب مِن مجيئي؟. "

لم أكُ أحتَوي على طاقةٍ كافيةٍ لتطريز العُدوانيّة في صوتي، لذلِك أعدتُ عينايَ إلى غياهِب الظَّلام، وقُلت بشحوب:

" لا تتَحرَّكي كثيرًا، ولا تتحدَّثي، وإن كانَ بمقدرِك عدَم التنفُّس فلا تتنفَّسي. "

" تتحدَّث وكأنَّ إبليس بجانِبك، ألهذه الدَّرجة تخشى عليكَ مِن رِجسي؟. "

حينَما طالَ سُكوتي استقرَّت على صدري باستِرخاء.

" قضاءُ الأيَّام الأولى وحيدةً في منزلٍ غريبٍ عنِّي مُضنٍ، كانَ على غيرِ شاكِلته معَك، كأنَّه انتهَز غِيابَك ليُكشِّر عن حقيقتِه البشِعة. "

انقلبتُ على جنِبي الأيسَر وقيَّدتُها بقدمي، كانت عيناها لحظَتها كمُرتزقتين، هي تُجيدُ جعلِي غافِيًا على قيدِ اليَقظة!.

" سأغيبُ ليومين آخرين. "

ما أزال لم أألَف النَّوم بينَ ذِراعيّ امرأةٍ بعد استِهلاكِها، الفارِق أنِّي لم ألمِسها اليوم لصالِحها، لكنَّه غدا مُريحًا بمُجرَّد ما هجرني الوعي.

وقد هضمت الحياة هذين اليومين بعُسر؛ يتوجَّب عليَّ المبيتُ في منزلي الزَّوجيِّ مِن حينٍ لآخر، كشكليَّات لا أكثَر ولا أقلّ، فلستُ وإن ها النَّزيلان الوحيدان بالحيِّ العسكريّ، وأيُّ غيابٍ مُطوَّل سيطعنُ في صورتِنا المِثاليَّة أمامَ العيان!.

لم يُتِح لي الزَّمنُ بعد أن أنتفِع بالمرأة الَّتي بوَّأتُها منزلي مِن دواعي الضَّرورة، وربَّما مِن دواعي الابتِلاء لأفقَه ما هي، كأنَّه يسعَى لفصلِنا رغم أنَّه استَماتَ لجمعِنا كُلَّما أقسمَنا أنَّها المرَّة الأخيرة. أُريد رؤيتَها والشُّعور بالكمالِ في مُقلتيها، فجُرح النَّقص ينتقِض في ذاتِي إذا ما قربت مركَزه، التَّواجُد حولَها يُرهِقني، ويُزهِقني.

عقِب انتِهاء واجِباتي في الثَّكنة سعيتُ إلى المنزِل، مُتستِّرًا عن شوقٍ مُتخَم، بل ومُكذِّبًا إيَّاه، لكِنَّه كان أكبَر مِن أن أُخفيَه أو أكتُمَه، تفاجأت حينَما وجدتُ البابَ مفتوحًا، وتجمَّعت كُثبان الاستِغرابِ بينَ حاجبيَّ بسماعِي لصوتِها العالي.

" تشان أمرتُك أن تُغادر، أنتَ ستتسبَّب لي بمُشكلةٍ معَ المالِك... لقد استقرَّت علاقتُنا للتوّ، ولن أسمَح لكَ بهزِّها. "

" لن أغادِر قبل أن أرى العاهِر الَّذي بِعته نفسَك. "

"لِم يخالُ الجميعُ أنِّي أبيعُه نفسي كأنِّي المرأة الوحيدة الَّتي تُقابِل رجُلًا خارِج الإطارِ المشروع؟ أم أنَّها في حالاتٍ غيري تُسمَّى حُبّا، وفي حالتَي تُسمَّى دعارة؟ هل مِن غير المَسموح ليتيمَة بالدُّخول في تِجارةً عاطِفيَّة؟ هل مِن غيرِ المسموحِ لي بأن أُحبّ؟. "

اندَفعت إلى الدَّاخِل بانفِعال، حينئذٍ لمحتُ شابًا مُتوسِّط القدّ، أشقَر الشَّعر بحُلَّة الثَّانويَّة واقِفًا قُبالَتها، بينَما يداها تقبِضان على حافَّتيّ كتفيه.

" ما الَّذي يحدُث هُنا؟. "

-

شو رأيكم بالفصل!

أكثر جزء عجبكم وما عجبكم!

القرنين 😂😂😂😂 دا من المشاهد يلي اعطتني حافز حتى اكتب الرواية الى جانب مشهد البرميل بالفصل 5 😂

بيكهيون!

ميني!

سيهون!

كيف ستكون ردة فعل بيكهيون بوجود تشان!

ردة فعل ميني وتشان!

ما الذي سيدور بين الثلاثة!

كيف سيتصرَّف بيكهيون مع ميني، وكيف سيعاملها!

ما توقعاتكم للفصل القادم!

عرفتو الصدمة يلي حكيت عنها فوق ما!
😂😂😂😂

انصدمتو من عمر الجنرال صح! 😆

ما حبيت حطو بالمقدمة حبيت اعملها مفاجأة بس اليوم رح حطو 🌚

مريض نفسي كانت اول رواية فيها بيكهيون بالثلاثينات كان 32 وتشان 37 والناس وقتها كانت مفجوعة ومو مصدقين اني طالعتهم كبار هيك😂😂😂😂 عالأقل طلعت الأولى بشي 😯

حبيت تعري تكسر سقفها 😎 ما في افخم من الرجل الاربعيني 😭 العقد الرابع هو المفضل عندي والثالث يجي بعدو 👵

طبعا مافي باي بلد جنرال بالثلاثينات خلينا عاقلين وحبايب اوكي! 😂👌

خذلكم زوم لوجه زوجتي الحلو، عقمو ابصاركم لعل وعسى تفهمو سبب ذوبان الجنرال الأربعيني قدّامها 😂

اهتمو بحالكم ولا تنسو الاجراءات الوقائية من الفيروس الله يحميكم 😭🏃

سي يا بالفصل الجاي 😍

بكرا في مفاجأة 😎🎁🎀

دمتم في رعاية اللَّه وحفظه 🍀

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top