الفصل | 13
ليل الخير خفافيشي 🌚🌜
كيفكم! اشتقتولي شوي!
بما انو الفصل الماضي انتهى بلحظة نارية كان لازم اتأخر شوي لاني عارفة رح تستنو حتى لو نزلتو العام الجاي 😂 شريرة صح!
بمزح بس انا مرضت شوي لهيك ما قدرت عدل الفصل ولحقو بالموعد المحدد 💔
اعتبروه هدية عيد الحب بما انو بكرا 😍😍 كامي يحبكم كثيرا 😭
في مين بتواعد هون!! 😂😂
انا عانس باي ذ واي 🌝
akcent passion 🎧
Enjoy 💕
-
هِي الَّتي استعارت مِن ثكنة الفِتنة أسلِحة فتّاكَة، مُقتدرةً على بهتِ أعتى الجباِرة، فخرَّت دروعي بعجز، ووجدتُني لها مُستسلِمًا بدوني.
وبعِنادِ مُقاتلٍ أشمٍّ تاريخُه خاوٍ مِن الهزائِم، وإن لحِقت بِه لعقَرها حتَّى فاضَت دِماؤُها وغسلت انتِصارَها، فنالَ الحربَ، كثيرًا ما اعتَمرتُ البُرودَ وتدجَّجتُ بالقَسوة، وباريتُها بنظراتٍ مسنونة، وأحقادٍ مكنونة، لكِنِّي قلَّما أفلحتُ في بريِ طُغيانِها؛ فيها كُلِّي يتهاوى كأوراق الزهر التي امتنع عنها المطر، كالضَّحايا في ساحةِ الوغى!.
خِلتُ أنَّها سرقت بصري مِن صُندوقيه المُوصدين، ما إن خطوتُ في بِقاعِها، اليومَ أعي أنَّها قد استرقَّته فخدَمها، ووصمَت أعناقَه بالافتِتان فصارَ مُلزمًا بالانحِناء لها كلَّما مرَّت بجِواره، بل وما ينحني ولا يُنادي في ليالي السُّهاد سِواها.
كثيرًا ما تمنيتُ لو تُمسح ذاكِرتي لأختبر لذّة المرّة الأولى، إلا شفتيها، فكُلّ قبلاتِنا تُضاهي الأوّل مرّة، كأنَّي أتفرَّغُ مِن أشتاتِ الأمسِ الثَّقيلة بمُجرَّد ما أرسو في سواحِلها، وأشحَن أُخرى، ذلِك لأنِّي لا أسعُ ذكريين، ثُمّ أعودُ إليّ هنيئًا.
هِي المالِحة، تجعلُني ظمِئًا؛ فمِن بعدِ أن أطعَم ثَمراتِها الشهيَّة المُغمَى عليها كُثُبَ أنامِلي مُتدثِّرة بثراها، جُلَّ ما طابَ لذوقي كرجل، أجنَح إلى واحاتِها عسى أن أرتَوي، رغمَ أنَّها كالمُهلِ تشوي صُلبي، وتصهَر صلابَتي!.
لا تزالُ مقامًا يسيرًا، كُلّ ما فيَّ يشتَهي السَّير عليه، أمَّا العسير فهُو الظَّفر بتأشيرةِ السَّفر إليها مِن نفسي المُتغطرِسة؛ أوّل خُطوة، لأنَّها كخاطِرة خفيفة، تُرفرِف بسماءِ عقلي مُغرِّدة، تجعلُ صدري مغمورًا في الإلهام، وأنامِلي مُترعةً بالرَّغبة لأسرِها في ورقة، لكِنَّي وبجُبنٍ أهابُ مُواجَهة القلمِ، خِشيةَ أن تخذُلَني الكلِمات.
لم أدرِ حينَما لقفتُ كفَّها بينَ يدي واقتَدتُها إلى كونِي الموبوءِ كيفَ ستُغادِره، أراضيةٌ أم شجيَّة؟ أسليمةٌ أم سقيمَة؟ هل سأظلُّ ذاتِي أم أنِّ هيئَتي ستُدمَّر بعينِها ذاتِيًا، لأنِّي أغربُ مِن كُلّ أعجوبةٍ قد رسمتها الحياةُ على ضِفاف طريقِها؟.
رغمَ ذلِك عزمتُ على عرضِ أسوأ ما لدَيّ أمامَها، وكشفِ ندبِ روحي الَّذي يبتَلِع عواطِفي بفمٍ مُغلق، لئلَّا تُدينَني ذاتَ يومٍ وحينَما تُسلِّط الأنوارُ على رُكني السَّحيم، بالتنكُّر على شاكلةِ رجلٍ حنونٍ ما بقيَ مِنه فِيَّ إلَّا غُثَّة، ولئلَّا تتقهقرَ أميالًا بعدَما يبوح لها الزَّمن بميولي السَّريريَّة، بحيثُ يغدو الوقوف مكتوفَ الأيدي مُستحيلًا!.
توغَّلنا في بُؤرةِ الإثم الَّتي لطالَما ألَّفتُ فيها سيمفونيَّات الألمِ، على أسارير النِّساء حدَّ الانتِشاء، واقترفتُ الجرائِم في أجرامِهنَّ بينَما أنا معصوبٌ بالرَّغبة، لا أرى سِوى الخِلّة في نفسي تسوِّل لها الانحِلال، والعِلَّة في روحي، تسألُني بلسمًا. حينئذٍ انشقَّت كفِّي عن يدِها، وتركتُها خلفي حائِرة الطَّلعة، فديكور الحُجرة عادِيّ كديكوري، وأجواءها كتومةُ مِثلي، لا توشي عمَّا تُكِنُّه في سريرتِها المُنطفئة، كالنَّجمِ الأجوف.
الحائِط الَّذي ينتحِل هويَّة الخِزانةِ قُبالَتي، ما هُو إلَّا سِردابٌ يُضمِر بداخِله ذخائِر جُنوني، جُنونٌ يُزعزِعُ اتزّاني فأتداعى على أثراء القوارير، كامرئ في طابورٍ مُزدحمٍ عجز عن الصُّمود في وجهِ الزَّخَم، جُنونٌ أُفرِغه كُلِّ ليلة على ضحيّة، لمُتعتِي الشخصيَّة!.
بزرٍّ وحيد يتوسّطُها، قرَعَته سبّابَتي للتوِّ، انفضَّ ذِراعاها مُفتضحين ما تُؤويه. انعطفتُ ناحِيةَ مينِّي، فإذا بِها تُحدِّق باندِهاشٍ وقد تشقّقَ إصرارُها الَّذي خِلتُه مختمرًا بمُحيَّاها، لابُدّ وأن السِّياط النّاشِبة بسكَّة التَّعليق في قفا الخِزانَة، وما يُحيطُ بِها مِن رفوفٍ كرفوفِ مكتبة، بيدَ أنَّها مأهولةٌ بمتاعٍ ساديِّ، لم تشهد له مثيلًا مِن قبل، قد تكفَّلوا بإنذارِها عمَّا ينتظرُها بينَ خنادِق الرَّغبةِ، الَّتي لن تقِيَها شُرورَ غاراتي، لن ألومَها لو انتَخبت التّراجُع عن ترشُّحِها لولايةِ سريري طوال الغسَق، لأنَّه وعِرٌ على صبيّةٍ يافِعة مِثلها.
قاطعتُ شخوصَها بجفوة.
" تعرَّي. "
نقلت عدَستاها إلى عِمارَتي وجوَّلتهُما بينَ أزقَّتي مُشكِّكةً في جديَّتي، اهتزَّت لوهلةٍ حينَما التَمستها في ملامِحي، لكنَّها امتَثلت لأمري دون أن تفتعِل معي جِدالًا لا فائدة تُرجى مِنه. شاهدتُها بصمتٍ وهي تتخلّصُ مِن ثيابِها أمامِي، صمتٌ أبياتُه أجداثٌ لقصائِد مدّاحة، قتَّلتُها، رغم أنِّي ما قويتُ على قمعِ معاني انبِهارِي بحُسنِها عن بِكرة أبيها، فاستوطَنت مُحيّايَ طوائف طوائف، عجِز جفنايَ الوانيين عن نفضِها.
بعد أن التقطتُ مِن الطّاوِلةِ الزُّجاجيّة قِناعًا أسوَد يوحي مظهرُه بأنَّه قناعٌ للنَّوم، لكِنَّه مُفوّضٌ بسلب البَصر، لتغدوَ كالضَّرير المُتوجِّس مِن الضرِّ الَّذي يُضمِره الظَّلام، ردمتُ المسافَة بينَنا بخُطواتٍ تعمَّدتُ التلكّؤَ فيها، لتأجيل الوُصول.
وحينَما مثلتُ كُثبَ بُنيانِها على قُربٍ لستُ نِدًّا لتحدِّيه، مُسوِّلًا لنظراتي أن تُبحِر في عرضِها، غطست رأسُها بينَ ترائِبي فجأةً، فتَوارى مُحيَّاها في أضلُعي، وتشبَّثت أصابِعها بقميصي الَّذي طلَّقته مِن أزرارِه سلفًا، كأنّها خلَعت الجُرأة وثِيابَها، إذ أرى لها فُلانةً لم يسبِق وأن داهَمت عيني، مزيجٌ مِن العَذراءِ الَّتي اغتلتُها ذاتَ ليلة، وعلى شرفِها أدينَا نخبَ الشّغف، وبينَ الطِّفلة الَّتي أراها عليها، مهما غالَت في التبرُّجُ بالأنوثَة.
بدَت وأنَّها لن تُفارِقَني لذلِك تكفَّلتُ بفصلِها عنِّي، حتَّى يتسنَّى لي اعتِناقُ الصَّرامَة.
" هُنا سأكونُ المُتفرِّد بالسَّيطرة، أي أنَّك ستُسلِّمينني زمَام نفسِك، وستُدلين لي بالخُضوع المُطلق. ثمَة بعضُ القوانين الَّتي عليكِ التقيُّد بِها خِلال عُهدةِ ِإِدارَتي لكِ، ولو انتهَكتِ أحدَها فسوفَ تُعاقَبين. "
زحفت أنامِلي على رقبتِها، تتبعُها نظراتِي المُنوَّمَة.
" لستُ الرَّجلَ الَّذي لطالَما عرفتِه، وكما أنا غريبٌ عنكِ تغرَّبي عنِّي ولا تلفِظي اسمي، لا يسعُكِ لمسي، ولا القيامُ بأيِّ نُسُكٍ إلَّا بإذني، ولا يُسمَح لكِ بالاعتِراض على ما ستلقينَه مِنِّي، وكُلَّما بلَغ بكِ الألم أشُدَّه تذكَّري أنَّك مَن طلبتِ. "
عينايَ اللَّتان تعثَّرتا بمفاتِنها واجَهتا صعوبةً في القِيام.
" مفهوم؟ "
بربكةٍ أمضَت على ميثاقٍ لا تعلَم مِثقالَ ذرَّةٍ عن غراماتِه.
" مفهوم سيِّدي. "
رغم دُكنةِ لُؤلؤتيها كانتَا تلمَعان، كما تلمعُ هِي بينَ غمائِم اللَّيالي، ورغمَ وُجومِ ثغرِها لا يزالُ يصمُّني فلا تنفُذ إليَّ سِوى غِوايتُه.
أسدلتُ العِصابَة على وجهِها رويدًا رويدا حتَّى غربت مُقلتاها المُفترستين عنِّي، كآخِر شُعاعٍ مِن يومٍ مُحتضر، كبصيصٍ خمَد ما إن كمَّدته يد، وما فتِئ غُبارُهما عالِقًا بخُلدِي كالوَحمة، لقد اشتقتُ انعِكاسِي فيهما مُنذ الآن!.
أدرِي أنَّ الارتِباكَ يلطِم خُلدَها، فها هِي ذا تصُبُّه على شفتِها السُّفلى، غير عابِئةٍ بالبصيرِ الَّذي جلَدته فِتنتُها مِن كُلِّ حدبٍ وصوب، بل وزادَت مِن عيارِها كأنَّ ما يندفنُ بانحِناءاتِها غيرُ كافٍ. خلَّصتُها مِن أسرِ قواطِعها، فقط حتَّى أأسرها لوهلة، دونَ أن أنالَ مِنها ما قد يودي بي إلى السَّكر، فأحيدَ عن صِراطي المكدود.
سُرعان ما نزحتُ عنهَا وخطوتُ في مدَارِها، وأمطَرت يدي على ترقوتها لمسات حارِقة، أضنت سحائِبها، حتَّى احتجبتُ بظهرِها.
وجدتُني وفي فجوةٍ مِن الغفلة أنهارُ على كتِفها، وأزفّ إليه قُبلًا مُترفة، لأنِّي وكُلَّما خُضت جسورَها المُعلَّقة لا أعبأ بمَدى ثباتي، بقدرِ ما أعبأ بإدراكِ الجانِب الآخر لها، ولعلَّ ما أُريدهُ أن أعيثَ فيها الفَساد بأنامِلي، كأيِّ رجل.
انفِلاتِي مِن سيطَرتي أفاضَ سُخطي، ولأنَّها الَّتي بسببِها تنازَعت خفقاتي، ومِن أجلِها تسيَّبت أنظِمتي، ونهشت الجلبَة مِن وقاري، قيَّدتُها بالسَّرير، ونكَّلتُ بِها أبشَع نكالٍ قد تصوَّرته حينَما أحاطَت بما في جُعبتي بصرا!.
لم تسُرَّني أذيَّتُها، ولا الإصغاءِ لآهاتِها الَّتي خطَّت سلالِمها أدواتِي الغاشِمة، كما سرَّتني يومَ صنعتها يدايَ شخصيّا.
قالت لي ذاتَ مرَّة أنَّ العُدوانَ سبيلُ المنبوذين، وما أنا بمنبوذٍ في أحيائِها البُرجوازيّة، حيثُ يذيعُ الدِّفء مِن نوافِذِها ذيعان العُطور، رغمَ الوحَل العالِق في قاعِي، ورغمَ العواِطِف الرثَّة الَّتي تُبطِنني، رغمَ لكنةِ عينيَّ السُّوقِيَّة في الردِّ على ودّها، ولو جاءَني على شاكِلةِ قصيدَة، ورغمَ أنِّي رجلٌ ناهِبٌ لم يعهدِ العَطاء، أو الوفاء.
وربَّما ذلِك ما جَعلني أنكِس برأسي لأراها، وأطوِي عودي لألامِسَها؛ إذ زرتُ جسَدها وهُو طريحُ الألمِ، ثُمَّ نفَّستُ عن مجرَّتيها المكبوتَتين، وأزلتُ الأصفادَ عن مِعصميها المُتورِّمين. لم تُؤنِّبني، بل ركبت أنامِلُها وجنتيّ، شطرٌ مِنها انحازَ يُداعِب خصلاتِي المُنسدِلة بحُريَّة، فيما أرسَلت مقُلاتاها باقاتٍ حافِلة بالنُّعومَة، احتضنتُها بشوق.
لحظَتها أدركتُ أنِّي قد اشتقتُ للمساتِها، لنوتاتِها حينَما ترنُّ في أذنيّ، كترانيم الملائِكة تحثُّني على اقتِفائِها إلى الجنَّة، وإلى الخُضوعِ الَّذي يعمُّ مُقلتيها كُلَّما جئتُهما، دونَ أن أفرِضه أو أن أنسِب انعِدامه إلى عِقاب حتَّى.
للمرَّة الثَّانِية أشاهِدُها على ارتِفاعِ لهفة، لهفةٌ طائِلةٌ بحجمِ عُقلة، للهبوطِ في مدرَّجِها والتجوُّل بينَ مناطِقها السِّياحيَّة، وللمرّة الثَّانية أقعُد إلى مأدبةِ جسدِها مُتجرِّدًا مِن الأدَب، حيثُ طاوعتُ أوامِرها الصّامِتة حتَّى غشيني الشّلل مِن روعِها ووعورتِها، وتدحرجت في مُنحدراتِها بلا هوادَة، حتَّى غرقت في يمِّها المَليء بالملذَّات.
تشبَّثت بظهري كالعُباب حينَ يُعانِق أجسامَ ضحاياه مِن كُلِّ جنب، كاليمِّ لا يصمُد أمامَه أحدٌ إن قرَّر لقمَه، مهمَا بلَغ مِن الشدَّة حتَّى الجبابِرة، وكمَا هضم أنفاسَ فِرعون هضَمت أنفاسي. رغم أنِّي طاغيةُ زمانِي أخفقتُ في النَّجاة، فشبَّت كالسُّوس في تاريخي، لا كأنِّي الَّذي يدفعُها إلى شفا الهاوِية كُلَّما بعثَها الشَّوق إليَّ.
وخاتِمةُ الغرقِ أن طفا كلانا بِجوارِ الآخر، فقير الأنفاس، يتصيَّدها بين التَّنهيدة والأخرى، كسيحَ الجسد، هاجِدا!.
سُرعان ما اندَسَّت في حُضني مُلتحمةً بي، كأنِّي لم أنهاها من أن تقرَبني، لكنِّي صُمت عن مُحاسَبتِها، وصُنت الهُدوء بيننا، لأنَّها أوَّل إطلالةٍ لها على حقيقَتي... ولفرطِ ما أرهقتُها عطِبت، وغفت على الفور.
لم أصطبِر بجِوارها إلَّا قليلًا، فبعد مُضغِ هضَمها الزَّمن، فررتُ مِن السَّرير، مِن أنفاسِها الجارِحة الَّتي راحت تلدغُ أديمي بانتِظام، ومِن لمستِها الدّافِئة الَّتي تقطُن أعاليَ خافِقي، كذا خصلاتِها الكثَّة المُحتشِدة قُربه.
حملتُ شعرِي على ارتِفاعٍ مُعتبرٍ مِن عُنقي بربطة فحميَّة كانت بانتِظاري في حُجرتي، ثُمَّ ألقيتُ مَراسيَّ كُثبَ الحائِط الزُّجاجيّ، وأشعلتُ سيجارة راحَت تئِنُّ بينَ إصبعيَّ بصمت، وتسكبُ على شرَفي دُخانًا رماديًّا كالضَّباب ساعات الفَجر، كان تكاثُفه مِن حولي يزدادُ كلَّما اقتَحمتُها وسرقتُ أبناءَها لألهى عن همِّي، بل الأصحُّ أنِّي بادلتُهم برقائِق من عُمري، ربَّما ساعات، أو حتَّى أيّام، مَن يدري، فغادَروا ثغري ناقِمين.
" أهذِه إحدى بناتِ العُلبة الَّتي صادَرتها مِنِّي؟. "
تخلَّلت ترانيمُها الفردوسيَّة سمعِي؛ لم أجسَّ لها نبضًا مِن قبل أن تنطِق، إذ وقعت في حالةٍ مِن الشُّرود واقِفًا، ولأيِّ أحدٍ القُدرةُ على إردائِي جُثَّة بلا شقاء.
استحرمتُ النَّظر إليهَا رغمَ وساوِس الزُّجاجِ الَّذي انعكَست عليه، كحوراء انزَلقت مِن السَّماءِ على شاكِلة بشر، مِن شأنِها أن تفتُن أيَّ رجلٍ يهوى الألَم، جميلةٌ كجَمالِه المُضمَر في المضيقِ بين أساه ومرارتِه، لاغِية لا يفقَهُها الكُلّ.
في ظرفٍ لم أُحصِ أمَده، قمعت ما بينَنا مِن حواجِز هوائيَّة واصطفَّت بجِواري، حينئذٍ فقدتُ السَّيطرة على عينيَّ الّلَّتين قفَزتا مِن حافَّتيهما إليها.
" تُذَكِّرني بمَن يخُطُّ على عُلبِ السَّجائِر الَّتي ملأَها بيديه أنَّ التَّدخين مُضرٌّ بالصحَّة. "
الآن ونظراتِي مُستقرَّةٌ على جسدِها المُتدثِّر بقميصي القصير، وعيتُ أنَّ ما لمحتُه مُنذ قليلٍ ليسَ سِوى توطئةً للحُطَمة، فها أنا ذا أهرُب قبل أن أذوب.
" لأنَّكِ ما تزالين صغيرة على اختِصار الطَّريقِ إلى الموت، أخذتُها. "
انتزَعت السِّيجارةَ مِن مُلكي، بعدَما خِلتُ أنِّي قد سددتُ السَّطر بنُقطةٍ ثخينةٍ لا تنزاح، ثُمّ دفنتها بفمِها، وشفطَت أُكسيدَها بإتقان، رغم أنَّها لا تزالُ مُبتدئةً في فُنونِ التَّقبيل، لو أنَّ ما بينَ قُضبانها شفاه رجُل!.
" أتظنُّ أنَّ الموتَ الملفوفَ في سِيجارة أشدُّ مِن الموتِ الَّذي يسرحُ في جفنيك؟. "
استَرجعتُها مِنها، وعلى أثرِ شفتيها داسَت شفتيَّ.
" أتيتِني عازِمةً على الانتِحار، وما عادت فيّ نيّةٌ لردعِك، فلترقُدي بسلام. "
سعيتُ باستِماتةٍ إلى تجاهُلها، والاندِماجِ في ملمَح المدينةِ الَّتي تُحاكِي السَّماء أعلاها، لم أتوقَّع أنَّها ستأتمِن ظهرِي على رأسِها، وتقترِض ذِراعاها خصريّ بِلا إذني، أو أنَّ ما ألَّف بينَنا وترسَّخ في ذاِكرتينا سيترُك شخصَها بِلا تحريف، نسيتُ أنَّ هذِه الطِّفلة خليّةٌ تسكُنها ثُلّةٌ مِن النِّساء أظلُّ جاهِلًا عنها، حتَّى تقرُص بصري.
موقِنٌ أنَّها شعَرت بالرَّعشةِ الَّتي بثَّتها فيّ، دونَ الحاجةِ إلى توثيقٍ مِن أنفاسي المُتحشرِجة، وعلمت أنَّها هدَّت دعاماتِي بلمسة!.
" أنتَ كالسِّيجارة بينَ شفتيك، مُضرٌّ بالصِّحة، فأنا الَّتي أقتادُكَ إليَّ، لكِنَّك المُستفيدُ، إذ تُبارِحني وفي دُخانِك قضماتٌ مِنِّي، وحولي تغزِل سحائِبك، وتتشفَّى بانهِياري، ورغمَ أنَّك كُنت صريحًا مُنذ البِدايةِ حيثُ واصَلت تحذيري لحِمايَتي، إلَّا أنِّي عانَدتُ الحقيقة مِن أجلِ بضعةِ لحظاتٍ مِن النَّشوة. "
في لجَّةِ السَّهوِ غرقت وهذيت.
" السِّيجارةُ تذوبُ كالشَّمع بعد أن تمنح مُتعاطيها سلامًا لحظيًّا، تُبتَر بمُرورِ الزَّمن، وتغدو بلا نفع، ثُمَّ توأد تحتَ الأقدامِ قبل أن تموت حتَّى، لا كأنَّها قد جمعتها وإيّاهُم علاقة حميمة ذاتَ يوم، كذلِك العلاقات العاطِفيَّة. "
سُرعان ما تداركت نكستي، ولقَّمتُ فوهِي بعيارٍ ثقيلٍ مِن الدُخان، في حين تهادى الكلِم مِن ثغرِها بنعومَة.
" لكِنَّهم يهرعونَ لنيلِ مثيلٍ لها بمُجرَّد ما يهزُّهم الحنين... صحيحٌ أنَّها تموت، لكِن ليسَ قبل أن تزرَع في أرحامِهم جنينًا للموت، باسمِ الإدمان!. "
أسقطتُ ذِراعي الَّذي تسكُنه السِّيجارة بجوارِ فخذي، التفتُّ إليها، وبأنامِلي الفارِغة عانقتُ ذقنَها واعتنقتُ نظراتِها الكافِرة.
" تُجيدين التَّلاعُب بالكلِمات. "
" أنا لا أتلاعَب، بل ألعبُ بصِدق. "
ماكِرةٌ هِي، إذ انتهَزت غِيابَ وعيي لتسطُوَ على موطِنه، قبل السّيجارةِ الَّتي ما تنبّهتُ أنِّي قد فقدتُها حتَّى تأبَّطتها شفتاها. أفلتُ ذقنها باستِنكار، في حين شفطَت مِنها جُرعة صغيرة، لفظَت بقاياها مع زفيرِها بتلكُّؤ.
" كِلانا مِن مواليد المُعاناة، لذلك أعلَم كيفَ تتهيَّأ لكَ نفسك في مِرآة الماضي، عوجاء عرجاء، رغم أنَّكَ لا تُشبِهها. "
وقَفت بجانِبي مُواجهةً الحائِط الزُّجاجيّ، ثُمَّ استلَّت رشفةً أُخرى مِن جُبِّ المرض، لمرَّةٍ أقسَمتُ أنّها الأخيرة، وبينَما يتصاعدُ دُخّانُه كأنَّ في سريرتِها حريقٌ فتَّاك قالت:
" لأنَّك كأضواءِ المدينة، جميلةٌ رغم أنَّها مِن صُنعِ البشَر. "
ولأنَّكِ نارٌ بلا دُخّان، أحترِق فيكِ بِلا ألَم، وما أعي على ما أصابَني إلَّا بعدَما أتفحَّم، وأتشتَّتُ بينَ حناياكِ كالرَّذاذ الأبكَم.
" أرى أنَّكِ في كامِل قواكِ العقليَّة والجسدِّية؟. "
انحنَت كعودٍ ذابلٍ بينَما تضمُّ بطنَها بذراعيها.
" أشعُر أنَّ أحشائي مثقوبةٌ يا رجُل. "
لم أعثُر على تعبيرٍ مُلائِم، تُبهِرني حينَما تتصرَّف كما لو أنَّها مُعتادةٌ على استِضافةِ الرِّجال في دورِها، رغم أنِّي أوَّلُ من يعتبُ أبوابَها مُلحِدًا.
دخَّنتُ عسى أن تُهاجِرنِي مع أَسرابِ الأوَّار بِلا عودَة، لكن الرَّماد انقَشَع ولا تزالُ كالجُرح تضُخُّ فيَّ الرَّغبة، رغبةٌ لأن نظلَ كما نحنُ الآن، في أُنس.
قاطَعت صمتِي بشيءٍ مِن الارتِباك.
" أنتَ لم تُعطِني ردًّا واضِحًا حتَّى الآن، هل أستطيعُ المكوثَ بمنزِلك ريثَما أتدَبَّر أموري؟. "
" لا بأس، فأنا لا أُقيم فيه برتابَة على أيَّة حال."
في صوتِها المُتنازِل التمستُ خيبَة.
" ماذا عنَّا؟. "
انسقتُ إلى مُحيَّاها السخيّ بالضَّلال، والشكُّ مُتراكِم بينَ حاجبيّ.
" لا أزالُ غير مُقتنعٍ أنَّك راغِبةً في خوضي، أم أنَّك الَّتي لم تقتنِع بحقيقَتي بعد؟. "
حينَما بلغَ فيَّ الإنهاكُ أشدَّه، على إثرِ حرارة مُقلتيها الَّتي تُنضِجُ الثَّمرة في لُبِّها، حمَلتني قدَماي إلى الطَّاوِلة وسَط الغُرفة، هُناك حيثُ تستقِرّ مِنفضَة السَّجائر، والَّتي غدَت مرتعًا للُفافَتي قبل أن تستنفذَ كامل عُمرها.
" أنا أقسى مِمَّا أبدو عليه، وما اختَبرتِه اليوم ليسَ سِوى بصيصًا عمَّا ستُواجهينَه لو أنتِ عاندتِ، ثُمّ أنِّي رجلٌ صعبُ المراس، كثيرُ العقبات، لن يسعُك الوثبُ مِن فوقِها مُعافاة لا كشخصٍ، ولا كامرأة!. "
قصَّت ما مددتُه بينَنا بخطواتٍ أنثويَّة.
" هل أنتَ واثِق أنِّي سأعجزُ عن تخطِّيها كامرأة؟. "
انسلَّت يداها عبرَ نافِذَة صدري المواربة، بعدَ أن اقتَنصت ذِهني وألهته بِها، ثُمَّ تآلفتا حولَ عُنقي، وعلى كاهليَّ ركنتا كامِل ثِقلها... كسرتُ مِن طولي لأضاهِيَها، واستَساغَت يداي الوقوعَ في مُنحدريها.
" أنسيتَ بهذِه السُّرعة أنِّي ذوَّبتُ مِراسك بقُبلة مُنذ قليل؟. "
بعدما زرَعت ألغامَها فيّ، حزمت أمتِعتَها وهمَّت بمُفارَقتي، لولا أنَّ شفتيَّ انهالتا على إحدى علامات الملكيَّة الَّتي صنعتُها في المُنعرَج بينَ عُنقِها وكتِفها بالقُبل، فغُرت وإيَّاهما ها هُناك، مُفترسًا عبقَها بشراهَة، وغمغمت.
" ماذا تُريدين مُقابِلك؟. "
مِن بينِ النّبرات الكامِنة في دهليزها، انتقت أكثَرها إغراءً لرجلٍ عالقٍ بذكرياتِ جسدِها، رجُلٌ لا تزالُ أغاريدها تدُقّ أذنيه، وتكسِر صبرَه.
" سأحصُل على كتِفان، ظهر وصدر، لن أحتاج المزيد. "
ترجَّلتُ عن عِنقها المُترفَة بالاستِناد على عكَّازِ الصَّبر الهشّ، ثُمَّ نظرتُ إليها مُتسائلًا عن مقصدِها.
عبرت سمائِها المُخضَّبة بالشَّفق ضِحكةٌ خفيفة، قبل أن تُحكِم وثاقي مُتهكِّمة.
" أقصد الواسِطة، الحِماية، ودبٌّ لأحتضِنه ليلًا. "
تقلَّصت المساحة بينَ حاجبيَّ بنقمٍ سببُه نعت الدُبّ، ونيّتِها في الاستِيلاء على حِصَّتي الخاصّة مِن اللَّيل، لأنِّي لستُ رجُلًا يُعير وقتَه لامرأة دون مُقابِل؛ ولاشكَّ في أنَّ دهاءَها قد هداها إلى هذِه الخِصلةِ الَّتي تقطُنني، إذ عرَّتني مِن ذراعيها.
" لا يُعقَل أنَّك كُنت تُفكِّر بطرحِي خارِج غُرفتِك بعد أن تخلُص مِنِّي؟. "
ارتدَّت بخطوةٍ إلى الوراء مُعترضة.
" لم تحزِر حضرة الجِنرال، لستُ شخصًا قد يقبَل بالمهانَة. "
أضافَت بتحدٍّ.
" وأمرٌ آخر، أنا هُنا عشيقتك، لا عاهرتك!. "
وكَم راقَتني الرَّعشةُ الَّتي جلجلت ركائِزها رغمَ العداءِ المكنونِ في محارتيها السَّوداوين، حينَما نزل إبهامِي بثغرِها!.
" وهل أنتِ واعيةٌ كِفاية بمعنى العشيقَة؟. "
عجيبٌ كيفَ تُزاحِمني على السَّيطرة وتُلقِي الأوامِر، وعجيبٌ كيفَ أنَّها تُلامِس أوتارِي البَكماء. ربَّما لأنَّها طائِشةٌ تدَّعي الحِلم! وربَّما لأنَّها تحلُم.
" لتصحيح معلوماتِك، أنتِ لن تبرَحي منزِلي حتَّى أُصرِّح لكِ بذلِك، أجلُ بقائِك يعتمِد على عُمرِ علاقَتنا، فمتى ما انتهَت، ينتَهي، وينصرِف كُلّ مِنَّا في طريقِه بسلام... أرجو ألَّا تفتَعلي صِراعًا بسبب إرثِ الذِّكريات حينَها. "
" حاضِر، أجاشِّي. "
ما خطبُها لتُوزِّع عليَّ الأحضانَ بهذا الجُود؟ أنا أمنعُ نفسي عن نهبِ المزيدِ منها بعُسر!.
-
على أعتابِ فجرٍ لم يحتلِم، وقُبيلَ أوانِ الصُّلح بينَ السّماءِ وشمسِها المُتثائِبة الَّتي بعثت بوفدَها الأصهَب إلى الأرض، نِمت وبينَ ذِراعيَّ جُثمانُ زهرةٍ استبحتُ قطفها، عدا أنِّي أبيتُ سحقَها بقدمِ الجفوة، بعد أن اشتممتُها بانتِشاء في لحظةِ حاجَة كما لطالَما فعلت، وزججتُها بزِنزانَتي، رغمَ يقيني بأنَّها ستذبُل هُناك.
لم يسبِق لي وأن سقيت العِبادِ عواطِف تُخوِّل ألبابَهم العيشَ فِيّ لمدًى بعيد، لأنِّي رجلٌ جافٌ، مهما حفَروا فيه لا تفيضُ ينابيعُه.
أكذِب لو قُلت أنِّي ما استسغتُ تبادُلنا الجنسيّاتِ والإقامَة في إطارٍ مُشترك، ففي وطنِها صادفتُ راحةً هجَرتني، لم أظنّ ولو لثانيةٍ أنَّها قد هبطَت فيها دونَ سِواها، وطنٌ لا يُقدِّس أهلُه الكمالَ، ولا يُعدِمون كُلَّ مُعتلّ، إذ توكَّلت عليَّ، ورغم أنَّها كانت مُزدِحمةٌ بالفِتنة، لم تُقاطِعني حينَما قطعتُ مُفترقاتِها برعونة كاللَّهب..
أم أنَّها نزعةٌ قلبَت وطَني رأسًا على عقِب، فلاءَمني!.
غمِضتُ بسلام، كأنِّي أحتضِن عقِب أُمنية اضطرمت ولا تفتأ تضطرِم لأجلي، مُنشدةً لظى حنونًا، كأنِّ الحياةُ تتودَّدُ إليَّ بِواسطتها بعدَ دهرٍ مِن العداوَة، تُبشِّرُني بأنِّي مُقبلٌ على الجنَّة، وربَّما هي الطَّريقُ المُترفَة إلى الجحِيم؟.
" أجاشِّي، سيِّدي، بيكهيون. "
بعثَتني جلبتُها مِن ميتَتي الهانئة إلى الحياةِ الحمِئة أشتاتَ آدميّ، كطاعنٍ في المنايا يستصعِب هزَّ مفاصِله، فأننتُ باستِنكار.
" زوجتُك على الوَرق ستُحرِق الهاتِف إن لَم تردَّ عليها قريبًا، ولو حادثتُها أنا نِيابةً عنكَ فسوفَ تُحرِقها كلِماتي... لن أكتفيَ بوضعِ صرصور في طَعامِها هذِه المرَّة."
عمَدتُ على تجاهُلِها، لكِنَّها ما طفِقت تطِنُّ بجوار أُذني، وتطرُق بلمساتِها العاتِيَة ظهري العاري الَّذي يعلو بصرَها مُذ أنِّي أفترِش بطني.
" وعيتُ وقد توضَّع على الشّاشَة خمسُ اتِّصالاتٍ فائِتة مِنها، هذا السَّادِس، لاشكَّ وأنَّه أمرٌ طارِئ حقًّا، فلتنهض أيُّها الكوالا. "
سحبتُ يدي اليُسرى مِن تحتِ الوِسادَة وطرحتُها بجانِبها. سُرعان ما اهتَدت إلى غايَتي، وملَّكتني الهاتِف، أدنيتُه مِن أذني، لكِنَّ ما تبادَر على سمَعي كانَ رنينه، فاضطررتُ لأن أعيدَه إليها، لعلَّها تفهَمُ بالإشارة ما أرمي إليه.
" إلـــهي صبرَك. "
وضعته بكفِّي بعدَما شقَّت نافِذَة الاتِّصالِ بينَنا بذَكاء، حينَها رصصتُه إلى أُذني، وبنبرةٍ مُستاءةٍ نطقت:
" ماذا؟. "
رغم قصورِ وعيي إلَّا أنِّي استطَعتُ القبض على ضحكاتِها الفارَّة.
" كُنت مُتيقِّنةً مِن أنَّك نائِم، ألا تزالُ مصابًا بمُتلازِمة الدُبّ؟. "
صمتُّ لعلَّها تسكُب ما في جُعبتِها دون أن ننحازَ إلى شِجارٍ عقيم، لكِنَّها لقِمت مِن وقتِي مِدرارًا ولم تسترسِل، علِمتُ أنَّها سافَرت بالزَّمن إلى الماضي، كما تفعَلُ في كُلِّ مُحادثةٍ نُجريها، ورجَوتُ ألَّا تُعكِّر صفوي وأنا لم أبتدِئ يومِي حتَّى.
ما لبِثت وأن قالت برِقَّة:
" يزداد نومُك ثِقلًا خِلال فصل الرَّبيع، لا أدري ما إذا كان السَّببُ غُبارِ الطَّلع، أم أنَّها مُجرَّدُ عادةٍ سيِّئة شببت عليها. "
غمغمت، ولم ترتشِف مقلتاي النُّور بعد.
" لم أرُدّ لأسمَع هذا الكلَام التّافِه. "
انبَثق صوتُها مُرتاعًا.
" لا تُقفِل الخطّ. "
لم أكُ سأقفِل، على الأقلِّ ليسَ بالسُّرعةِ الَّتي ظنَّتها، فكُلِّي مُخدَّر لا يقوَى على الحراك... أمهلتُها بعضًا مِن صبري، ولحُسنِ الحظِّ لم تستنزِفه.
" لقد كانَ أبي في المنزِل مُنذ قليل، قدِم على أملِ أن تُغادِرا إلى الثَّكنة سويًّا؛ بحوزتِه لكَ نبأٌ هام لم يكشف لي عنه، أخبرتُه أنَّك هُناك، اتَّصلت كي لا تتفاجأ بُرؤيتِه أمامَك، أو ترتبِك فتنفلت مِنك الأكاذيب. "
" حسنًا. "
هذِه المرّة أُرغِمتُ على نفض الكسَل المُتحجَّر بجسدي، حيثُ سلَختُ شِرايين الظَّلام في بصري، وأنهيتُ المُكالمةِ شخصيًّا، ثُمَّ جلستُ على مضض؛ البعضُ يستعسِر الاستيقاظ، أمَّا أنا فأستعسِر مُفارَقة السَّرير بعد الاستيقاظ!.
ما كِدتُ أنسى ليلةً هوجاء لا يزالُ حُطامُها مُتكدِّسًا حولي، حتَّى رشَّت عليَّ مينِّي نغمَها، بغيرةِ أنثى، تفشَّت بينَ حاجبيها.
" لِم اتَّصلت؟. "
نهضتُ مِن مكانِي وما جازفتُ بالنَّظرِ إليها.
" الأمر لا يخصُّك. "
أخذتُ حمّامًا سريعًا، وحينَما عُدت إلى غُرفتي متدثِّرًا بثوبٍ طويل، وجدتُها ماكِثةً على السَّرير بعُبوس. توجَّب عليَّ أن أغضَّ بصري عنها كي لا أنحازَ إليها، وأتخبَّط حتَّى القاع، فتتكسَّر إرادَتي، وأتناسى عمَلي المُلحّ.
حفرتُ المسافَة نحوَ غايَتي المُندسَّة بدُرجِ المِنضدة؛ ألا وهِي المُجفِّف، وصلتُه بالمِكبس المُجاوِر لمثوى السَّرير، ثُمَّ افترشته على أُهبةٍ لتهذيبِ الرُّطوبَة في شعري، لكِنِّي شعرتُ بِها وهي تزحَف ناحيَتي، قبل أن يرِدني صوتُها.
" سأُصفِّفه مِن أجلِك. "
أملتُ عُنقي ببضعةَ درجات، حتَّى يتسنَّى لعيني تصفُّحها.
" هل تظُنِّين أنِّي عاجِزٌ عن خِدمة نفسي؟. "
" لا علاقةَ للقضيَّة بقُدرتِك أو عجزِك، كُلّ ما في الأمرِ أنَّ خِدمتِي لكَ لن تقتصِر على السَّرير... سيِّدي. "
مُنذ ثوانٍ جاهَرت بالولاء، وها هِيَ الآن تأمُرني كشريف.
" هاتَه. "
ناولتُها المُجفِّف مِن فوقِ كتِفي، دون أن أتكبَّد مشقَّة الالتِفات، أدرِي أنِّي لن أكونَ ندًّا لها وهِي مُتفتِّحةٌ أمامِي كالزَّهرة الشذيَّة، تأمُرني بالعَدوِ إليها، كما أنَّها ستختصِر عليَّ الوقت، مهمَا راوغت، فذراعٌ واحِدة ليسَت كاثنتين!.
أنامِلها بثَّت الخُمولَ في روحي ما إن لاطَفت فروةَ رأسي، رغمَ أنَّها بطورِ التَّجفيف لا غير. فورَ انتِهائِها مِن المهمَّة الَّتي أوكلَتها لنفسِها، أخلت بيننا بعضَ المِساحة، حيثُ ارتَمت على السَّرير، فقط حتَّى يسعَها إدراكُ الدُّرج، وإرجاع المُجفِّف إلى حُضنِه، غير مُكترثةً لِما انكشَف مِن جسدِها، أمام رجلٍ ما انفكَّ يشتهيها.
التَحفتُ بذلةً داكِنة الزُّرقة، ثمَّ جمّعتُ خُصلاتي على شاكِلة تُفَّاحة وانصرَفت، لم أكُن أمتلِك الوقتَ الكافِيَ لتناوُل الإفطار، أتجاوزُه في كثيرٍ مِن الأحيان على أيَّة حال، لكنِّي احتجتُ كوبَ ماء، يُرطِّبُني لأنَّها موسمٌ حارّ.
ركنتُ كُثب بارِ المَطبخ، أرتشِف السَّائِل الشفَّاف المحبوس بالكأس، وهي خلفي. حينَما انحَدرت عينايَ صوب الأرض، لمحتُ حقيبتها الصَّغيرةَ الَّتي أحضرتها معها بجوارِه، هِي هُناك مُنذ الأمس، لاشكَّ وأنَّها نسيتها بفضلي.
" هل جميعُ أغراضِك وما تحتاجينَه في الحقيبةِ الَّتي جلبِتها معك؟. "
انحنت لالتِقاطِها.
" لا يزالُ هُناك شُرذُمَة مِن ثيابي، عالقة في الوِحدة الَّتي أتشاركُها مع رينا، كذلِك زِيّي المدرسيّ، وأدواتي. سأطلبُ مِنها أن تُحضِرها إلى الثَّانويَّة، حينَما ألتَقي بِها، فأنا لا أريدُ رؤيةَ أيّ فردٍ مِنهم. "
" لا داعِيَ لأوصِيَك بعدَم فتحِ البابِ لأيِّ وافِدٍ يطرُقه، أليسَ كذلِك؟. "
نكسَت رأسَها بتفهُّم، وبعدَ أن فرزتُ كلِماتِي مِنها اطَّردت.
" يُمكِنك التَّصرُّف بُحريّةٍ في غِيابي، سأمُرّ عليكِ مساءً. "
أسَرتُ نظراتِي المُتلهِّفةِ لتدقيقِ ما خططتُه بالأمسِ على صفحتِها الخاوِية، ودببتُ مُستهدِفًا بابَ الشقَّة، على بُعدِ مسافةٍ مُعتبرةٍ مِنه استوقفَني لحنُها.
" أجاشِّي."
استَدرتُ، فأخلَت ما بينَنا مِن فراغ، وأعدمت السُّؤالَ وهُو لا يزال علَقةً في شفتيَّ بقُبلة مهينَة، رغمَ أنَّها أصابَت خدِّي، هبَّت عليَّ بخِفَّة ثُمّ انفضَّت مِنِ حَولي بعدَ أن زرعَت الشَّوق في لُبِّي. كُلَّ لِقاءاتِنا كرشفةِ مِن المُدامَة، خاتِمتُها مرارَة.
كُنت غاطًّا في مُقلتيها الوثيرَتين، مُكبًّلًا بإرهاقٍ أزليٍّ يُخامِر أوصالِي كُلَّما جرت نظراتي بينَ تقاسيمِها، لأنَّها امرأةٌ خطِرة.
ارتدَّت عنِّي بخُطوة، أمتُّها، إذ استعمرتُ خصرَها.
" قبِّليني كما ينبَغي. "
ما خِلتُ أنَّها ستَهوي عليَّ باندِفاعِ شِهابٍ في ذروةِ تألُّقِه، يبذل كُلّ ما اختَزنَه مِن شغفٍ في فضاءِ البُعد، لا يدري أنَّها لحظاتُه الأخيرة، ثُمَّ يُذكَر على أنَّه باهِر، لكِنَّها لم تلفِظ فيَّ أنفاسَها الأخيرة عقِب الاصطِدام كلُثمتِها، بل وجدَت الطَّريقَة لتُبعَث على غير سجيَّة، وغير شاكِلة في مُقلتيّ، كأنَّها الفضاءُ عينُه!.
وما نفتأ سُفلى أنقاضِ رغبةٍ ثخينة، لا نُسقى مِن الضِّياءِ شيئا.
انثنيتُ بمقعَد السيَّارةِ، ثُمَّ هديتُها إلى مقرِّ الثَّكنة العسكريَّة، والَّذي يفصِله عن وكرِ خلوتي مسافةٌ زمنيَّة محسوسة. ما ألقيتُ بالًا لقوانين المُرور، ولا لإشاراتِه، لم أراعِها في أوقات الوسع، لن أراعيها في أوقاتَ الضِّيق بالطَّبع.
ما قالته إن ها عجِز عن تحريكِ هدبٍ مِن أهدابي حتَّى؛ أنا لا أخشى مُقابلة الفريقِ الأوَّل مهما أسأت بحقّ ابنتِه، فلا نَدمٌ أشوَك ينمو بباطِني؛ بذورُه دمعُها، ولا عارٌ ينجَلي على خِلقتي، أو خجلٌ مِمّا أُضمِره لأجلي فقط.
وإن انهمرت عليه الحقيقةُ الكاوِيةُ ذاتَ يومٍ استظلَّ مِنها بسُدَّة الصَّبر، لأنَّنا كزوجيِّ أعمِدة كُلٌّ مغروسٌ في ضفَّة، لا يستقيمُ جِسر المصلَحة القائمة بيننا إلَّا بكلينا، ولو بُتِر أحدُنا ارتدَّت أطماعُ الآخر بصدرِه. لذلِك لا أتوانى في انتِهازِ حُريَّتي، والتَّحليقِ حيثُما راقَني الجوّ، رغم أنّي على الورقِ مُقيَّدٌ في أرضٍ غدَت قِفارًا.
بما أنَّ الحارِس دفينُ مقصورتِه ذاتِ الواجِهة الزُّجاجيّةِ على معرفةٍ بهويّةِ سيّارَتي، جَعل العارِضَة الحائِلةَ بينَ المركَز وبينَ الطَّريق تقوم أوتوماتيكيًّا، قبل أن يخبِط مُؤشِّر سُرعتِها الصِّفر، حيثُ عبرتُ إلى الدّاخِل دون إعاقات أخرى.
ركَنتُ إلى الرَّصيف كُثُب المبنى الإداريّ، ثُمَّ ترجّلتُ بتروٍّ، كأنِّي جاهِلٌ بالموعِد الأعمى الَّذي ينتَظرُني في المكَتب. خطوتُ على بِلاط الرّواق بسُموّ، وكُلّ مَن يمرُّ بجِواري مِن الجُنود يؤدِّي التحيَّة العسكَريَّة احتِرامًا لي.
لم يصعُب عليَّ ادِّعاء الصَّدمة لرُؤيتِه يتصدَّر مكتَبي كأنَّه إرثه، إذ سبق وأن مرَّنتُ ملامِحي لتنفُذ بي في المواقِف مهما صلُبَت وضاقَت ثغراتُها، حتَّى وإن وقَعت على حينِ غُرَّة؛ الوقوفُ أمامَ الكاميرا يتطلَّب الحيلة.
" أنتَ تُباغِتُني كثيرًا هذِه الأيَّام، أتبتغي القبضَ عليَّ مُتلبِّسًا في جريمةٍ ما؟. "
تنحَّى عن منصِبي باسِطًا قامَته المُتوسِّطة الَّتي تسودُها بزَّةٌ زيتِيَّة، وتفاقَمت خُطوطُ الموتِ في سحنتِه عِندما ابتَسم.
" ربَّما لأنِّي شِبتُ على سجيَّة الجُنود وصُقِلت فيَّ سِماتُهم، أعجَزُ عن الانحِلالِ في مُستَقبلي كسِياسيّ. "
لم تسمَح شُكوكُه للصَّمت بأن يبنِي أعشاشَه بيننا.
" أخبَرتني إن ها أنَّك اتَّجهت إلى الثَّكنة مُنذ مطلعِ النَّهار، لكِنِّي أرى أنَّك قد وصلتَ للتوّ!. "
وبينَما قدَماي تقترِفانِ القُربَ، بُحت له عن جنين حقيقةٍ يقطُن خُلدي، حقيقةٌ لم تُبصِر النُّورَ بعد، لكِنَّ الوِلادة قدرها ولو آجِلًا.
" اضطررتُ لأن أعرجَ على منزِل سيهون مِن أجلِ مسألةٍ طارِئة، ليسَ بقادِرٍ على حلِّها سواه، ولم أشأ إقلاقَها، فمُجرَّد ذِكر سيرتِه ينُمّ عن مُشكلة. "
" لم أخل يومًا أنَّ ذلِك الفَتى الخامِل سيعودُ علينا بالمنفعَة. "
سُرعانَ ما أوشى لي عن سِرِّ مجيئِه.
" لقد تلقَّينا دعوةً مِن قبل وزارَة الدِّفاع، للالتِحاق بالوَفد الَّذي سيحضُر قمَّة السَّلام بين الكوريَّتين، لدَى نظيرتِنا الشَّماليَّة يومَ غد، سنمكُث هناك ليومين على أقلِّ تقدير. "
قُلت بتهكُّم:
" لا أظنّ أنّ الرَّفض خيارٌ وارِد. "
سأنفصِل عن طِفلَتي وأنا لم أسُدّ رمَقي لَها بعد، يا لِهذا الجُور!.
-
أظلُّ أزلُّ بأحجارِ وجودك فأهوي ذليلةً على رُكبتَيَّ، وأفِلُّ برذاذِ الفِتنة في جفنيك فينهشُ الصَّدأ مِن إرادَتي، وأكِلُّ ما إن تُطبطِب أنامِلُك الهيفاء على جوارِحي، أنا الَّتي لم أخل يومًا أنِّي سأرهَنُ لأيٍّ كان إحدى حُجراتِ قلبي!.
لقد تكبَّدتُ في حرب الوحدة آهاتٍ جمَّة؛ كُلَّما اشتَبكت ونفسي السَّقيمة الَّتي لا تزالُ على سجِيَّتِها السَّاذَجة تدعونِي إلى مُبايَعة الثِّقة ثانِيةً، رغم أنَّها تصرُخ ما إن أبدِّل ضِماداتِ جِراحِها القدِيمة، جِراحٌ أبت أن تلتئِم، فخِطتُها لئلَّا تُبقِّع دِماؤُها ثيابِي.. وتابَعتُ أحمِل بداخِلي وجيعةً أعمَتني عن الكُلِّ، فما أبصرتُ سوى كِفاحي البائِس.
وعقِب انفِطارٍ أليم، صدَمتني الحياة بملاذٍ لم ينبُذني، مُذ ولَجته بتُّ أشعُر بالانتِماء لها، انتِماءٌ ضمُرَ حينما انقَطع عنه مدَدُ الحنانِ الَّذي كانَ مصدرُه الوحيد والديّ، ارتَحل عنِّي معهُما، وانقَرض نسلُه يومَ منحتُ ثِقتي لمَن لا يستحقُّها مُقابِل لحظاتٍ مِن الأمان الزّائِف، والرَّبتات المُتنكِرَّة بالمِسوح.. أيُشبِهني؟.
هُو ليسَ حنونًا لكِنَّه دافِئ كألسِنة اللَّهب أبدًا لا تُطبطِب، وليسَ ودودًا لكِنَّه أَمين كالسِّرداب، لا يدخُله أي ضرّ، هُو ليسَ مِعطاءً ولكِنَّه مُثمِر ولي الخيارُ في أن أنهبَ مِنه أيَّان غفلتِه وانبِهارِه، أو أن أكتَفيَ بِما انهارَ مِن فُروعِه!.
كان مُعظَم جسدي المُنهَكِ مِن حملتِه السَّالِفة، غارِقًا في حوضِ الاستِحمام المُعبَّأ بالمياه السَّاخِنة، والفُقَّاعاتُ النَّاصِعة ثائِرةٌ حولَه.
كُلَّما اجتازَت عدسَتاي إحدى أطلالِ مجازِره البنفسجيَّة، الَّتي أجهل ما إذا كانت نِتاجَ غاراتِه الشَّفويَّة أم أنَّها نِتاجُ أدواتِه السَّاديَّة، سهوت واستذكرتُ لمساتِه العُدوانيَّة، كأنَّه يهابُ الخسَارة، ثُمَّ نظراته اللَّيِّنة كأجنِحة الفَراش، فجحظت مسامُ جسدي، وتسلَّل الزَّمهرير إلى عمودي الفقريّ، هُو يُصيبُني بأزمةٍ هُرمونيَّة خانِقة!.
لفظتُ آخر أنفاسي مُتموِّجة؛ إذ ما يزالُ يقطعُ حوضي كرِياحٍ جنوبِيَّة عابِثة. شطفتُ ما التَصق بي مِن صابون، قبل أن أثِب خارِجَ الماء، التَقطتُ مِن الخَطّاف مِنشفة بيضاء، كفَّنتُ مِساحةً مِن جسدِي بِها، ثُمَّ انتعلتُ خُفًّا أسوَد كان مُستقِرًّا تحتَها، رغم أنَّه يفيضُ عن مقاسِ قدميَّ الضّئيل، بسببِه عانيتُ في المشي قليلًا.
ألقيتُ بنفسي على حافَّة السَّرير بعشوائيَّة، فانطَوت ساقاي ولامست قاعاهما القاطِنتين بالخُفّ الأرضيَّة. ما حظيتُ بِه مِن استِرخاء فرَّغ صهريج طاقتي، ومع أنِّي لم أُخطِّط للنَّوم انجرفتُ إلى أعماقِه. استفقت واللَّيل يستَوطِن السَّماء، كانت السَّاعة تُشير إلى الثَّامِنة ومعِدتي تهضِم خواءَها، لقد فوَّتُ كُلَّ ما في اليومِ مِن وجبات!.
سمحتُ لنفسِي باستِعارةِ أحدِ قُمصانِه البيضاء المُعلَّقة في الخِزانَة، قبل أن أُلبِّيَ نِداء الجُوع، وأقتفيَه إلى المَطبخ؛ لسوءِ الحظِّ، لم أجِد في الثلَّاجة سِوى صفًّا مِن قوارِير المِياه المعدنيَّة، وعُلبتَيّ تونَة، إضافةً إلى الكثير مِن الخضروات واللُّحوم الطَّازَجة، الَّتي أجهلُ كيفيَّة توحيدِها لتُصبِح وجبة صالِحةٍ للأكل.
فقري جعَلني أدوس كِبري وأتبنَّاهُما، حيثُ اصطَحبتُ شوكَة، وانزويتُ على الأريكَة في غُرفةِ الجُلوس، أُراقِب شاشَة التِّلفاز بشرود، مُتسائِلةً عن سببِ تأخُّره، هل قابَل زوجَته؟ هل سيقضي اللَّيلةَ معها؟ أم أنَّه قد انشَغل بغيرِنا؟.
ما كادَ الضَّجرُ يُفتِّت مِزاجي حتَّى عزَف البابُ لحنَ مجيئِه، ورغمَ الشَّوقِ الَّذي تكدَّس بفُؤادي كما يتكدَّسُ الدَّمع في المآقي متصيِّدُا الفُرصَة للهرب، قيَّدتُ نفسي، كأنَّه ليسَ طارِئًا يستَدعي مِنّي التخلِّي عمَّا بيديَّ والهُبوب إليه.
لم أسمَع صوتَ البابِ يُؤصَد، ولكِن ها هُو ذا يتوطَّدُ على مشارِف الأريكَة بأُنفة، ما تزال طلعتُه مُشذّبةً مِن العُيوب كأنَّها غنيّةُ عن الزَّمن والتَّعب، عدا أنَّ مُلاءَة وجهِه الَّتي اعترَك فيها أشخاصٌ كُثر طوال اليوم تجعَّدت، والنُّور في عينيه خَفت كنارٍ تُرِكت لتَخمد. عُذرًا على هفوَتي يا سيِّدي، فقد كانَتا بهذا الانطِفاء مِن قبل، الأصحُّ أنَّ بُنيانَ جفنيه الأبيّ قد تصدَّع!.
لمحتُ بيدِه كيسًا قمحِيَّ اللَّون، بذَر فيَّ الأمَل، فوقفت بحماسة مُتربِّصةً بمحارِمه.
" ماذا يُوجَد بالكيس؟ أهُو شيءٌ يُؤكَل؟. "
بعدَ عُهدةٍ أفنتها عنياه في مُوالاة جسَدي المُحتجِب بدِثارِه، حنثت نظراتُه وحادَت عنِّي سالِكةً سبيلَ الطّاوِلة الَّتي تسكُنها عُلبتان خاوِيتان.
" الثَّلاجَة ستنفجِر لفرطِ الحُمولة الَّتي تختزِنها، لكِنَّك انتقيتِ التَّونة كوجبةِ عشاء! أم أنَّكِ لا تُجيدين الطَّبخ؟0 "
تمتمتُ لنفسِي المُتضعضِعة بعُبوس:
" إنَّها اتِّحادُ وجبتين أيُّها القاسي."
ما لبثت وأن رفعتُ رأسي في وجهِ سُخريتِه، بثِقة انجلَت في الفجِّ بينَ حاجِبيّ، غيرَ مُكترِثةٍ لفجواتِ النَّقص في بلاطي.
" لقد حزرت، لم يُعلِّمني أحد، فمِن أينَ آتي بالمَهارة؟. "
سكتُّ أُرمِّم مغازِلي، قبل أن أحيك على طرفِ ثغري حاشيةً لن تروقَه.
" المهارةُ لا تأتي بينَ عشيّةٍ وضُحاها، الوصَفات لا تنصبُّ كالوحيِ مِن رحِم السَّماء، وحياتي ليست هيِّنةً لأجترِع السمَّ مِن تحتِ يديّ مهما اشتدَّ بي السَّغب. "
" وتُريدين أن تكوني امرأة يَسعُني الإحاطةُ بخصرِها، كوني امرأةً أوّلًا. "
طعَن في أنوثَتي دون تردُّد بكلم ممجوج، وابتِسامةٍ لعوبة انحازَت إلى أحدِ شدقيه وقاطَعت الآخر، بينَما مُقلتاي تختنِقان في فضائِيه الشَّاحِبين.
لم يُفسِح لي مجالًا حتَّى أنتزِع خناجِره وأدقَّها بصدرِه، إذ مجَّت يدُه الكيسَ بحُضني.
" خُذي. "
تمدَّدت أمواجُ مُحيطيه على شطَيَّ لوهلة.
" بقيَّة الأكياس في الخارِج، أدخليها. "
وسَّعتُ شرخَ الكيس حتَّى أُبصِر ما في أحشائِه، فإذا بِه قِماشٌ مُتضرّجٌ بالحُمرة، حينَما لقفتُه بينَ أنامِلي تبيَّن لي أنَّه فُستانُ سهرة.
غادَر الجِنرال مُباشرةً بعدما عبَّأ سطرُه بما ودَّ الإدلاء به، بدا لي وكأنَّه يلوذُ بالفِرار مِن قدرٍ شائِنٍ يُحدِق بِه، وفُضولي لم يُؤيِّد لحاقي بِه، أيّا يكُن، الجوابُ مُتربِّع عِند كعبِ الباب، هُناك حيثُ مثلتُ مُلجمة الفاه؛ إذ لمحتُ زُمرًا مِثله مصفوفةً باستِهتار، وما أزَّم مِن حالِي هُو امتِلاؤُها بالملابِس، كمٌّ لم أحلُم بامتِلاكِه قطّ!.
اصطحبتُ الأكياسَ الَّتي تخطَّى عددُها العشَرة في شوطَين، ثُمَّ فرزتُها بذُهول الواحِد تلوى الآخر بينَما أثوي الأرضيَّة المُسجَّاة بسجّادةٍ رماديَّة، وما خدَش أنوثَتي هِي ثِيابُ النَّوم الزَّهريَّة ذات القالب الطُفوليّ المَطويَّة بأحدِها، قميصٌ نُقِش عليهِ دُبّ، وسِروالٌ قصير مُرقَّط، إلى أيٍّ مدًى يحطُّ مِن شأني ذلِك الرَّجل؟.
لقد أحضَر الكثير، ما يفوقُ حاجَتي وستر عُريَ أيَّامِي المُقبِلة، للنَّوم، للحياة، لسهراتٍ لن أُدعَى إليها على الأغلب، وأدوات استِحمام نسويَّة، حتَّى أنِّي حصلتُ على ملابِس داخليَّة مُطابِقة لمقاسي، كأنَّه أخذَه ليلَة الأمس بعُذر الوِصال!.
بمُجرَّد ما خطا خارِج غُرفتِه دونَ أن يُبدِّل في مظهرِه شيئًا، انتفضت.
" ما القِصَّة خلفَ ملابِس النَّوم الوردِيّة؟ لا يُمكِنك الارتِشاف مِنّي كامرأة، ثُمَّ مُعامَلتي كطِفلة لم يسبِق وأن ساقَتك إليها مُغيّبًا. "
لثَّمت قدماه الأرضيَّة برتابة، ويدُه متشبِّثة بحقيبة مُتوسِّطة الحجم، أجَّلتُ الحديث عنها، ونهشت انتِباهه بسُؤالٍ خجول.
" كيفَ تنبَّأت بمقاساتي؟. "
استَكانَ على مسافةٍ جسيمة مِن موقِفي، وما تنازَل عن كِبره لينظُر إليّ.
" لم أتنبَّأ بِها، بل قدَّرتُها. "
أبدتُ الفارِق بينَنا على مهل، ثُمَّ قيَّدتُ فكَّه وأدرتُه إليّ... كان يُفترضُ أنَّ ثُقبيَّ الأسودين سيبتلِعانِه، ولكِنَّ مُحيطاه هُما اللَّذان اختطفاني مِنّي!.
" لاشكَّ وأنِّي أفتُنك إلى درجةٍ يصعُب إدراكُها، حتَّى تُصيبَ عينُك مقاساتي مِن رِحلتين فقط، يستحيل أنَّك ذا نظرةٍ خارِقة. "
سعيتُ إلى تعجيزِه، غير أنَّ بأرفُفِه الحيلةَ لكُلِّ عِلَّة.
" بل ولأنِّي مررتُ بالكثير مِن النِّساء اكتسبتُ الخِبرة لتمييزِ قوامِهنّ، تمامًا كخيَّاطٍ قضى شطرًا مِن حياتِه بينَ جسدٍ وشريط!."
هل تفاخَر بإنجازاتِه السريريَّة أمامي للتوّ؟.
ناوَر اليابِسة المُفخَّخة الَّتي حطَّ عليها كِلانا، وارتَحل عائِدًا إلى موضوعِنا الأساسيّ؛ ألا وهُو الثِّياب، حيثُ ناظَر الأكياسَ بجُمودِه المعهود.
" ما مِن داعٍ للإرسال في طلبِ بقايا أغراضِك الَّتي لا تزالُ في الميتَم، لستِ بحاجةٍ إليها بعدَ الآن، لعلَّها تنفَع غيرَك."
بينَ الامتِنان، والحُزن حُبِست كلِماتي فما ذاعَ لها أيُّ صدًى، حزينةٌ لأنِّي مُمتنَّة لهُ، ولأنِّي لولاهُ لافتَرسني الشَّارِع، ولأنِّي رغمَ ما أدَّعيه مِن مُكنة، لا أساوِي شيئًا أمامَ بطشِ الحياة، فبِأيِّ عتادٍ أصدُّها وما لي بيتٌ يُؤويني ولا مالٌ يستُرني؟.
صمتُّ حتَّى ارتطمت نظراتِي بحقيبتِه مُجدّدًا، لم أستسِغ تأجيل السُّؤال أكثَر مِن ذلِك، رغم أنَّ الغُصَّة في حُنجرتي كادَت تنقضُّ على صوتي.
" أرى أنَّك قد حزمت أمتِعَتك، هل أنتَ راجِع إلى منزِلك في المُجمَّع العَسكريّ؟. "
" سأُسافِر في رِحلة عمَل خارِج البَلد."
غطست يدُه في الجيبِ ثُمَّ طفَت نُصبَ عينيَّ مُكتنِفةً قُصاصةً ما؛ بِطاقة ائتِمان!.
لفرطِ ما تألَّمت اكتَحل جفنايَ بالحِدَّة.
" أنا لا أتسوَّلُ مِنك مالًا!. "
أشاحَ بوجهِه ذاتَ اليمين مُتجهّمًا، ورَدني فحيحُ أنفاسِه حينَما سحَبها، يليهِ هُبوبُها المكين حينَما نفَثها في الجوِّ مُحتقِنةً بالانزِعاج.
" ليسَ الوقت مُناسِبًا لحساسِيَّتك الزَّائِدة، ما عُدتِ قاصِرًا ليتسنَّى لي كفالتُك بموجب القانون، لكِنِّي سأفعَل ما دُمتِ مُقيمةً في منزِلي... لا تضطرّيني إلى تبنِّيك رسمِيًّا. "
قبضتُها مِنه، ولأنَّ سوءَ فهمي كادَ يفتن بيننا، قيَّدتُه بذراعَيّ مِن دُبر، وفي بِضاعةِ ثغري أخفيتُ اعتِذارًا صادِقًا.
" سأُمارِس معَك طُفولَتي متى ما سمَحت لي الظُّروف إذًا."
كُنت متيقِّنةً أنَّه سيتَعامَى عن دوسي لذاتي وهروعي إليه، ويدحرُني إلى الخلف، إلَّا أنَّه نافى جميعَ توقُّعاتي وسكَن حيثُما استوقفتُه، كأنَّه يُخبِرني أن أروِيَ عاطِفتي الضالَّة الَّتي لن يؤويها، ولو انهارت عليها أسقُفها.
" هل لك أن تُعِدَّ لي وجبة قبلَ ذهابِك، رجاءً؟. "
فكَّ عُقدَة حُضني، قبل أن ينعطِف ناحِيتي.
" وضِّبي الملابِس في خِزانَتي، ريثَما يجهَز العَشاء. "
انكسَر خطُّ فمِه، ونشزَ عن السِّياق بغتة.
" أيّتُها الأُنثى مكسورةُ اليدين. "
هل كانَ مِن المُهين بحقيّ أن أطلُب العشاءَ مِن رجُل؟.
-
أحيانًا نشعُر بالغُربةِ في كنفِ الوَطن، إذ تهجُره سِماتُه الَّتي ربطَتنا بجِذع حُبِّه، وأدامَتنا عليه، فيتعرَّى مِن مُسمَّاه، ويغدو قِطعة الأرضِ الَّتي هُو عليها، قِطعة أرضٍ لطالَما قدَّسوها رغمَ أنَّها ميِّتة، ونسوا فضل الأحياء!.
لقد تساقَط يومان مُنذ أن ارتَحل دونَ أثرٍ يُذكَر، هُو فُتات اصطِدامِ ماضٍ مقيتٍ بحاضِرٍ يحتضِر، وربَّما ثمرةُ خطيئة، مشيج مِن الموت والحياة، والمولود مِن رحِم القدرِ أجرد، فكُنت أحيكُ له خفقاتِي في كُلَّ عشيّةٍ بارِدة، ولا أزالُ أُحصي الزَّمن لمجيئِه مِن مغرِبه ليقضَّ غُربَتي، فالوحدة تحاصرني مِن كُلّ حدبٍ وصوب، وبينَ الطُرفةِ والأخرى أتساءَل ما إذا كانَ الحنينُ يلدَغُه كُلَّما وقعَ سهوًا في جُحر الذِّكرى ويُغالي في جَرحِه، وما إذا قبَض وحشُ النّقص على فُؤادَه، وألقاه في زاوِية الوحشة، هل يفتقِدُني؟.
أمامَ مِرآة الحمَّام مثلتُ أتأمَّلُ اقتِران الزِيِّ القشيب بجسدِي؛ لعلَّه السَّببُ في استِعدادي لخوضِ غِمارِ المَدرسة على غِرار العادَة؛ فاليوم هُو الأوَّل.
لم يجلِب لي بيكهيون مساحيقَ تجميل، كأنَّه رافِضٌ لأن أتحلَّى بِها، لذلِك غادرتُ المنزِل خاليةً مِن أيّةِ رتوش، مُفتقرةً إلى حقيبتي، ومُذ أنَّ الفاصِل بينَه وبينَ غايتِي أجلُّ مِن الفاصِل بينَها وبينَ الميتَم استغرقتُ وقتًا أطوَل للوصول.
لم يتغيَّر أيّ شيء، كأنَّ التَّاريخَ يُعيد نفسَه؛ العديدُ مِن الطُّلابِ حبَّذوا الانصِهار بالمبنى جماعات، البعضُ في الخارِج بانتِظار رفاقِه، أمَّا أمثالي فمُستقلّون بأنفسهم. نخَر اللَّجبُ السُّكون الَّذي عشَّش بينَ الأركان لأمد، حيث جاشَت ضحكاتُهم وأحادِيثهم وتضاربَت، وأفطرت ألسِنتهُم الَّتي صامَت عن الغيبةِ على سيرَتي؛ لقد ظفرتُ بالنَّصيب الأعظَم مِن انتِباهِهم، ووشوشتهم... أجزِم أنَّهم أمضوا عُطلةً مُسلِّية!.
" كيم مينِّي. "
قدَّني مِن شُرودي صوتٌ أجشّ؛ الأُستاذ كيم جونغ إن.
استَدرتُ وانحنيتُ لهُ على مضَض.
" صباحُ الخير. "
أدركتُ أنَّ شهيَّته مفتوحةٌ للمشاكِل مُنذ بِكرة اليوم، حينَما جمَّع ساعديه بصدرِه.
" إنَّه اليوم الأوَّل، لكِنّي لا أرى حقيبَتك، ألِهذه الدَّرجة أنتِ مُستعدَّة؟. "
لم أتوانَى في ردِّ الصَّاعِ بلهجةٍ ساخِرة ونظراتٍ جوفاء، لا احتِرام فيه.
" كما كنتَ أنتَ مستعدًّا يومَ زفافِك، إلى درجةِ أنَّك نسيتَ أينَ وضعت الخاتمين!. "
لقد أخذَ للتوِّ صدمةَ عُمره؛ ذلِك ما أعرَبت عنهُ ملامِحُه المَخطوفة، وبعدَ أن تغرغر حرفُ الكافِ في فمِه لبُرهة نطَق بوضوح.
" كيف علِمت؟. "
" قابلتُ صديقَك الَّذي أرسلته للبحثِ عنها في المكتَب يومَها، لكِنّه عادَ خاويَ اليدين، هل تذكَّرت مضجعها أم أنَّك اضطرِرت لاقتِناء زوجٍ آخر؟. "
تفكَّكت ذراعاه وصفَّت كُلٌّ مِنهما على جانِب، أمَّا ثغرُه فسعى إلى تقويم العِوج الَّذي ألمَّ بصورتِه المِثاليَّة في عينِ طالبَتِه بارتِباك.
" القضيَّتان مُختلِفتان، لن تدري عن ربكةِ يومِ الزَّفاف حتَّى يحلّ عليك مثيله."
عِند ضواحِي النِّهاية؛ نِهايةِ هذا الحديثِ الَّذي لا طائِل مِنه، ظهرت رينَا بجِواري كنُقطةٍ مُحبَّبَة، وبِدايةٍ لفقرةٍ جديدة، حيثُ عانَقت أنامِلها ذراعي.
" لقد كُنت أبحثُ عنكِ. "
بجزعٍ ثنَت ظهرهَا ما إن التَمست هويَّة المُشيَّد قُبالَتي.
" أستاذ كيم، مرحبًا. "
ترفَّعت عن انحِطاطِها بتوتُّر بثقته فيها هيبتُه، لو شهِدت على ما أصابَه مُنذ قليلٍ، وكيفَ راحَ يُبرِّر كطفلٍ اتُّهِم زورًا، لما فكَّرت في التَّنازُل لهُ جِهارًا مرَّة أُخرى!.
أشرتُ إلى الحقيبةِ المُنحدِرةِ مِن أصابِع يدِها اليُمنى، والَّتي لم أعرف عن وجودِها إلَّا مُنذ ثوانٍ معدودة، ثُمَّ رقَّصتُ حاجِبي بانتِصار.
" ها قد وصَلت حقيبَتي، أعتقِد أنَّنا على ما يُرام الآن!."
حمحمَ جونغ إن بإحراجٍ قبل أن يُخلِيَ البِقاعَ مِن وجودِه الضارّ، لقد كادَ لي الخَسارةَ بنيّةٍ أعي أنَّها حسنَة، لكِنَّه من ذاق مرارتَها، كيفَ لبيكهيون أن يُصاحِب رجُلًا أبلهًا مِثله؟.
عجيبٌ هُو القدر، فذات يومٍ طرحتُ السُّؤال معكوسًا؟.
استلَّت رينا وعيي مِن الغِمد الَّذي أنمتُه فيه، مسرورةً ببادِرتِها.
" علِمت أنَّك ستقعينَ بورطةٍ دونَ حقيبتِك، لذلِك تطوَّعتُ مِن تِلقائي لإقلالِها لكِ. "
لفرطِ حماسِها كادَت تُلبِسُني الحقيبةَ كما لو أنَّنا مُقرَّبتان، لكِنِّي انتزعتُها مِن منبتِها وزرعتُها بظهري فُرادى. ما أثار انفِعالي حفيظَتها، ولا كسَر بخَاطِرها الَّذي لم تُضمِر فيه سِوى الخير، بل بادَلت خُشونتي وإيَّاها باللِّين كالأزَل.
" بقيَّة أمتِعتك محزومَة، فلتمرِّي لأخذِها متى ما تسنَّى لكِ الوقت لذلِك."
همهمتُ كإجابةٍ ونثرت خطواتي قُدمًا بوتيرةٍ فاتِرة، أمَّا رينا فاحتذت بي، وما انفكَّت تقتحِم مِساحَتي الشَّخصيَّة وخلوتي المُؤقَّتة؛ حيثُ رثَتني بأسى.
" إلى أيِّ مدًى بلَغت قسوتُهم لينفوكِ على أبوابِ اللَّيل، إلى شارِعٍ لا يرحَم أحدًا؟. "
بعد مُهلةٍ وجيزةٍ مِن الصَّمت جاءَتني كلِماتُها في غيرِ قالب، بعتَب.
" ماذا عنكِ؟ كيف استَطعتِ الامتِثالَ بذلِك اليُسر؟. "
" لقد أنفقتُ حِصَّتي مِن العُمر هُناك، آن الأوان لأمضيَ في حالِ سبيلي، ثُمَّ أنِّي موقِنة بأنَّ جيسي لم تتردَّد ولو للحظةٍ في فضحِ سِرّي أمامَكم، قائِلةً أنِّ الشَّوارع لن تلتَهمني، لأنَّ لديَّ مآلٌ أبيعُ نفسي مُقابله."
سُرعانَ ما استهدفتها عيناي بطلقاتِهما.
" وهُو ما يُفسِّر انعِدام أسئِلتك، رغم أنَّكِ بالعادةِ نبعُها."
ولأنِّي أصبت سجَدت نظراتُها بالأرض، بينما أحلتُ قِبلتِي إلى البِنايةِ المُنضويةِ على الصُّفوف الدِّراسيَّة بلامُبالاة.
" أيّ كانَ ما هذَت بِه مِن حمى الغيرة فهُو الحقيقة، أنا على علاقةٍ برجُل، وهُو ذاتُه مَن لجأتُ إليه ليلتَها، وصحيح أنَا مُقيمةٌ عنده. "
مالت عدَستاي نحوَها، وقد استنمَ أحدُ شدقيّ تهكُّمًا... كانت ما تزالُ مُطأطِئة الرَّأس.
" بشِّريهم."
لاحظتُها تسترِق النَّظرَ إليَّ، بالأصحِّ إلى زِيِّي المدَرسي الَّذي يبوحُ قماشُه اللّامِع بصريحِ العِبارةِ أنَّه حديث، قبلَ أن تضخَّ ما تجمهر في بالِها بحالميّة.
" جليٌّ أنَّ هذا الزِيَّ جديد، لاشكَّ وأنَّه يعتنِي بكِ بإخلاص. "
ابتَسمت رغم جهلي عمَّا يدفعُه للعِنايةِ بي، هل لأنِّي عشيقَتُه حقًّا؟.
كانت هذِه أوّل مرَّة ألِج فيها المَدرسة بصحبةِ أحدهم، غالِبًا ما أنسلُّ مِن الميتَم قبل رينا فلا تُدركني، وإذا ما رأيتُها تظاهرتُ بأنَّها غريبةٌ عنِّي رغم مُحاولاتِها.
وبينَما نحنُ نتمشَّى جنبًا إلى جنبٍ قالت بارتِياب:
" المُدير مُختفٍ مُنذ يومين، ولا أحدَ يعلم مكانَه، حتَّى أنَّه لا يرُدّ على هاتِفه. "
امتصَّ الأُفق السَّحيق بصري وتمتمت.
" حذَّرتُه أنَّه يعبث مع الشَّخص الخطأ. "
-
اكيد الفصل مناسب لعيد الحب ومافيه نكد او شي ينزع المزاج 😂
شو رأيكم بالفصل!
أكثر جزء عجبكم وما عجبكم!
بيكهيون!
مينّي!
رينا!
كاي!
سيهون ما ظهر بس هو رجل المهمات الصعبة لو ما فهمتو يعني ايدين الجنرال بينفذ الشغلات القذرة بمكانو 🌝😂
لماذا يعامل بيكهيون ميني بلطف!
*لا تجي وحدة تقول ما يعاملها بلطف هو لطيف بطريقة مهيبة ونقطة 😂*
هل سيعيش معها ام يعود الى منزله!
ما الذي سيحدث بعد عودته من السفر!
لماذا اختفى مدير الميتم!
رح اطرح سؤال حساس، متملك او تعري؟ 🏃🏃
بشوفكم بالفصل الجاي 😂
دمتم في رعاية الله وحفظه 🍀
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top