٢
"الخَـير يُخلَـق مِـن ضلُـوع الشَـر، والحقائـق هي شقائـق الكَـذب"
ڤِـي، الخَـادِم المُخـلص لعائلـة ڤيرنـون والذِي كَـرَّس نفسهُ لتعلِـيم بونيلَّا وإيلَّا اللتَـان تحملَان اسم العائلـة بِـهَذِه اللَـحظـة؛ كَـان يقضي مساءًا مُعتادًا بتلقِـين الإبنة الأكبَـر ما يلزمهَـا مِـن درُوس الشِـعر والأدَب الفرنسِـي.
ورُغـم حُبـه الچَـم الذي يكنهُ لمَـن تصغرهُ بخمسـة أعوام إلَّا أنهـا كَـانت أكثَـر مَـن يُسبب لهُ الغضَـب والحِـيرة علَـى مدار حياتِـه.
تنَـهَـد ببُؤسٍ يـوجِه رأسهُ المُتعَـب لأسفَـل فأنسَـابت بعضٌ من خصلَات شِـعره بِـفعل الحَـركَة لتجعل مظهرهُ غَـير مُرتبًا.
دفعت يديه كلا واجهتـي الكتَـاب ليغلقهُ ثُـم يضعهُ فَـوق طاولة خشبيـة كَـان بها بعضٌ من الكُـتب التِي ينوِي تدريسهَـا اللَـيلَة، ولَـكِن يبدُو أن أملهُ الخائِـب أرهقُ ترائبهُ بالفِـعل.
ولأنهُ شغُـوف بمَّـا يفعَـل قررَ أن يُعطِـي محاولَـة أُخرَى للأمَـر، ويعِـيد ترتِـيب مظهرهُ وخصلاته المتمرة مُستخدمًا يدَيه قَـبل أن ينظُـر بالعدِيد من مشاعره إلَـى الفتاة التِـي كانت تبدُو وكأنهَـا بعالمٍ أخَـر.
كَـان رأسُها مُرتميًا للأسفَـل، ومُقلتَـيهَا ساكنَـة لا يَـفر لهَـا رمـش فإن نظَـر لهَـا أحدٌ لظَـن أنها احتمالين لا يُـوجَد لهَمـا ثالِث؛ امَا أنهَـا چُـثَة لَـم يَرِق قلب أحدهَـم ويُمرر كفيَـه فوق وجههَـا الجامد ليُغلق جفنيها من أجلهَـا، أو أنهَـا نائمـة بعينين مفتُـوحتَـين.
ولأنهُ الإنسَـان الأقرَب لمعرفة سلُـوكهَا كَـان يعلَـم أنهَـا حية ومُـستيقظة.
"إيلَّا، هل تستمعِـين لِـي؟" تَـحدَث أخيرًا وعلَـى عكَـس مَا يُعلِـن فقَـد كان يُخفِـي، كَـان يُخفِـي غضبهُ لأنهُ أراد أن يستمع لسببها قبل أن يغضَـب عليهَـا ويُعاتبـها.
عندما نجَـح بجذب انتباهها هيَّ انزلَـت رأسهَـا وحدقَـت عينيهَـا ذَات اللَـون الخربزِي بِـه.
هَـيهَات، أكَـان يُفَـكِر حقًا أن يغضَـب عليهَـا ويعاتبـها؟
مَـهلَك يَـا قاسِ القَـلب أين ذَهب رُشدَك؟ كَـيف لتلك الفكرة الهوجَـاء أن تَـعبُر بالِك؟ أكنتُ سأتسبب بوضَـع اللَـوم والحُـزن بتلك العيُـون الصافيـة؟ أين ذهبَـت فطنتِـي؟ سريعًـا مَـا آنَـب نفسهُ وذمهَـا وبسُـرعَة أسرَع سبقهَـا تلاشِـي غضبهُ وتدَاخل الضَـوء إلَـى ضباب غيظَـه الذي غطَـى عقلهُ قبل لحظَـات.
"انا استمِـع، وكُـنت أُفَـكِر بمَـا قرأتهُ علَـي" ردَّت إيلَّا، وردَّت إلَـيه السَـكِينَة فِـي قَـلبِه.
يكَـاد يُـقسِم أن صَـوتهَـا الشجَـي كَـان مَـا يَـتِم وصفهُ بكُـل شعرٍ قرأهُ.
إلَـيه كَـان صوتهَـا نَـسِيم المسَـاء وهيئتهَـا هيَّ الشَـمس.
أيُسمَـح لِـي برُؤيتهَـا حقًا؟ مَـرة أخرَى أخَـذ صوتهُ الداخلِـي يتحدَث وقَـبل أن يطُـول بِه الطرِيق إلى أكثر من فكرة وسؤال هو تحمحم وقرر استئنَاف عمله.
"أتمانعِـين أن تُشاركِـينِي بأفكارك عن النص الذِي قرأتهُ عليكِ سابقًا؟" طلَـب فكَـان القبُـول منهَـا وأعتدلَـت في جلستهَـا ومَـرة أخرى حدقَـت بِـه.
"إن كَـان الخَـير يُخـلق من الشَـر حقًا، ألَّا يعنِـي هذَا أن لا وجُـود لشخصٍ طَـيب بالواقِـع؟"
فضلًا عَـن عاداتهَـا التي كَـانت تُصَـنَف بالغريبَـة فكَـانت أفكاراهَا أيضًا غريبَـة.
"وكَـيف هذَا؟" عَـقد حَـاجبيه في تساؤل واستسقَت عينيـه من الفضُـول كفاية لترَاه هيَّ.
"لأن لِـكُل انسَـان تَـعرِيفهُ الخاص عَـن الخَـير وإنـهُ لَـمِن المُـقزز أن يَـضِع كُل إنسَـانٍ معيَـار يتماشَـى مَـع اخطائِه كَـي يكُـون ملاكًـا وسط مجمُـوعَـة مِـن الشياطِـين، وكُـل إنسانٍ أثِـم يحكُـم علَـى آخَـر إن شَـاهد به الذنبَ...هذَا مُحَيِّـر" شَـاركتهُ إيلَّا قدرًا من أفكارهَـا بهدوءٍ راسِـخ لا يهتز ولا تشـوبه مشَـاعرها المُتخبطـة.
صَـمت ڤي لوهلة يُفكِـر فلَـيس مظهرهَـا وصوتهَـا وتصرفاتهَـا ما تُثِـير الإهتمَـام، بَـل وأفكارهـا أيضًـا.
هُـو تبَـسم بوجههَـا ورفَـع كَـفه ليضُـم رأسهُ إلَـيه، وكَـان هذَا مُحيرًا لهَا كفايَـة فظلَـت تُحدِق بِـه بالمُقابِـل، وإحقاقًا للحَـق كَـان هذَا مَـشهدًا يَـستِحق أن يُوضَع بلَـوحة ذَات ألوانٍ باهيَّـة.
همهم وأومأ برأسِـه ينظُـر للأسفَـل "مُـحقَة بحديثك، وأنتِ تلمِـيذة جَـيدة حقًا...تأكدِي من أن تتبعِـي أفكارَك وتُشاركِـيهَا مَـع مَـن يستحقهـا"
"أتستَـحِق الأفكَـار أن أشاركهَـا بحرص؟" سألتَ ترفَـع حاجبيهَـا فكَـان منهُ الإيمَـاء وقَـام عن مقعده يستقِـيم.
"كثِـير من النَـاس مَـن يتبـع أهواءهُ الخَـاصـة ويلطخُ الحَـق بالبَـاطِل في كَـذبة أختلقتهَـا نفسهُ السيئَـة ثُـم يزينهَـا ببعضٍ من إيحاءات الظُـلـم والمنادَاة بحَـقِه الذِي سُـلِب منه..ولا يتوقَـف الأمر هُـنا بَـل إنهُ يزرَع تِلك الكذبة الفَـاسِدة بأخرُين مِثله، وبطريقة أخرَى يدُس أشواك الشَـعور بالشفقة في نفوس أخرِين وهكذَا تبدأ النبتَة الفاسدِة بالتكَـون ومَـن يرَى الزهُـور بهَـا فسيذهـب ورَا عَـبير المدح وإستحسَان تلك المجموعة من الفاسدِين حتَـى يعلق ويصير أحد الجذُور أما مَـن ينتبِـه للأشواك ويُـحذرهُم منها فسيعلَق أيضًا ولكَـن بكلامهم السَـيء ونعتِـهم لمُتبـع الحق بالظالِـم والشرِير، لذَا إن انتبهتِ لتلك الأشواك فعليكِ أن تبتعدِي فقَـط...ليعلق من يعلق ولينجو من ينجـو؛ لأن كُـل انسانٍ يتحمل نتيجة افكاره بالنهاية"
صمتت الفتَـاة لثوانٍ تُـحدِق بهَـا فِـي معلمهَـا الذِي يبدُو وكأنهُ أكتفَـى من التدرِيس لليوم
"يالهُ مَـن حدِيثٍ بهَـي وجمِـيل، اتسائل ماذَا يعنِـي"
قهقه الآخَـر وألتف ينظُـر لها مرة أخَـيرَة "أُرِيدك أن تُفكرِي كمَا فعلتِـي قبل قليل وأن تخبرينِـي بما توصلتِـي إليه في جلستنَا سويًا المرة المُقبلـة، أما الأن فسيتوجَـب علَـى توديعك لأن لدَي عمـل أقوم بِـه مع والدِك"
_______________________________
سمعتو عن هدُوء ما قبل العاصفة؟
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top