(الأخير)

( بعد الليل)
الفصل الحادي والثلاثون والأخير

بقلم نهال عبد الواحد

فتحت عينيها قليلًا وابتسمت له قائلة: أربع سنين ما عتصحنيش غير بشعر وكلام يمس الجلب!

فابتسم ولازال يداعبها بطرف إصبعه: ماليش حج يعني!

_ صباح الخير يا جلبي.

_ أحلى صباح يا جلب جلبي!

ثم فتحت عيناها فرأت هيئته المتأهبة للخروج هذه فزمت حاجبيها وتسآلت بدهشة: لابس إكده و رايح على فين الساعة دي؟!

_ مش متفجين عنروح عشان تكشفي!

فنهضت جالسة فجأة و هي تتلفت حولها ثم استقر نظرها نحو النافذة: لا حول ولا جوة إلا بالله! ده النهار طلع! والفجر راح عليّ! إخس عليك يا شَريف إكده تسيبني راجدة يروح عليّ الفجر واصليه جضا!

_ يا جلبي والله صحيتك ما جومتيش، طلعت روحت صليت جماعة وجيت صحيتك تاني برضو ما جومتيش، كنتي غطسانة جامد، يوم عشية كان طويل ومتعب عليكِ، وبعدين من بات كالًّا من عمل يده، بات مغفورًا له....
يعني تكوني نايمة ومرتاحة وأخدتي برضو أجر صلاتك وتلاوتك اليومية كنّك عملتيها ورجدتك دي صدقة من ربك عليكِ، شوفتي بجا يعني أحسن مني كماني....
يلا جومي فوّجي وصلي الصبح والضحى وجهزي حالك عشان نطلع على طول، بلاش تُفطُري عشان أعملك شوية تحليلات بالمرة.

فابتسمت قائلة: ماشي ياابو كريم.

ثم تصنّتت قليلًا وقالت وهي تهمّ مسرعة: كن أمي فاجت وجهزت الفطار كماني!

فأمسك بيدها برفق يوقفها قائلًا: باجولك يا جمر، لما تلاجي أمي عايزة تعمل حاجة سبيها تعملها.

_ كيف دي؟!

_ يا حبيبتي عارف إنك عتعملي برضا، وإنك عتحبيها كيف أمك و زيادة، لكن هي سواعي بحسها زعلانة كونها يعني حاسة إنها بجي ما لهاش عازة.

_ لا والله! مااجصد إكده واصل!

_ عارف والله! وعشان إكده علفت نظرك.

_ حاضر يا خوي.

وهمّت بالإنصراف فأمسكها من يدها مجددًا قائلاً بمزاح: يعني مصحيكِ بجصيدة وبكلام يمس الجلب وفايتة من جاري ولا كأني!

_ ععمل إيه بس! ماانا ماعنديش لسانك الزين دي، ولا بعرف أجول زيك، ماعرفش اجول غير ربي يباركلي فيك يا غالي ويوسع عليك ويزيدك!

_ أديكي جولتي يا جلبي.

فقربت يده إلى شفتيها وقبلت باطنها، فجذبها نحوه وضمها إليه بين ذراعيه الدافئتين وشدد في ضمته ثم شهق نفسًا عميقًا وأخرجه ببطء وقال: ياما نفسي احبسك جوة جفصي دي، وما اخليش حد يلمح طيفك حتى.

فابتعدت قليلًا تتطلع إليه: وأنا كماني، ببجا على نار من ساعة ما تخرج لحد ما تاجي، بخاف عليك م البنات لتعاكسك ولا عينك تزوغ على واحدة منيهم.

_ عيني ما عتشوفش غير جمر الجمر، كيف عتعرف تشوف حد تاني؟!

فقبلت وجنتيه برقة وابتسمت وتركته فوقف يتم ملابسه ثم خرج من غرفته، وبعده بفترة خرجت قمر على أتم الاستعداد، فنظر لها شريف وقال بقلة حيلة: جولت أحبسك أحسن!

_ وأنا مالي يا خويا، إنت اللي عايز تخرِّجني!

فتدخلت نرجس: يا خويا إوعي إكده، صباح الخير عليكِ يا جمر يا حبيبتي.

_ يسعد صباحك يامّي!
فاقتربت وقبلتها بسعادة.

فقالت نرجس: كان نفسي تُفطُري جبل ما تطلعي، بس شَريف جالي ماينفعش عشان التحليلات، ربنا يطمنا عليكِ!

_ تعيشي يامّي! معلهش عسيبلك كريم.

_ واه! دي جوة عيوني ما تخافيش عليه، عفطروا كيف ما عتفطريه بالظبط وعخلي بالي منيه، أمال، ده اعز الوِلد وِلد الوِلد!

_ ربي يبارك فيك يامّي ويديكي الصحة!

فنهض شريف واقفًا وقال وهو يتجه نحو الباب: يلا يا جمر عشان ما نعوِجش.

فنادته أمه: واد يا شَريف، أول ما تلاجي البِشارة رنلي عل محمول.

_ حاضر يامّي، همّي يا جمر.

وخرجت قمر خلف زوجها، و ركبا سيارة شريف الخاصة، وصلا إلى إحدى مستشفيات أسيوط المدينة، دخل الزوجان وقامت قمر بعمل التحاليل المتعددة وكان أولها بالطبع اختبار الحمل، ثم جلسا ينتظران نتيجة هذا الإختبار أما باقي التحاليل فسيجئ شريف في حينٍ آخر ليأخذ نتائجها.

وبعد فترة نادت على إسمها الممرضة فنهض شريف وأخذ الظرف منها ثم سار متأبطًا زوجته التي تلح عليه أن يفتح خطاب التحليل.

وبينما هما هكذا إذ سمعا صوتًا ينادي: جمر! يا جمر!

وقفت قمر وتجمدت في الأرض فجأة؛ فهذا الصوت تعرفه جيدًا وقبل أن تلتفت كان جسدها ينتفض وهي تتشبث بملابس زوجها، ثم التفتت ببطء لتجد من توقعته بالضبط....

أجل!

الزوج اللعين، محمد الزوج الأول والذي لازال يحملق فيها بوقاحته، بينما هي ازداد فزعها وصارت تشدد من مسكتها بذراع زوجها بل تختبيء خلفه؛ فسرعان ما عاودتها ذكرياتها الأليمة معه، بكل أوجاعها و اشمئزازها.

بالطبع كان من السهل على شريف أن يعرف من يكون ذلك الوغد الوقح!

فصاح فيه: جرى إيه يا جدع إنت!

فأجاب بلامبالاة: جرى إيه إنت! حد جه يمِّتك!

فاشتعل شريف غضبًا: دي مرتي اللي عتبحلج فيها دي، إيه مفيش حيا و لا خِشا! كُت عارف إنك غبي، لكن غبي و بَهيمة كماني!

فهمست قمر له لصوتٍ مرتجف: يلا بينا من إهني.

فصاح فيها: إجفي واصلبي طولك! إيه.. ما مشياش مع راجل! و يمين الله لو ما لايمها لضربه عيارين وادفنه مُطرحه!

_ طب خلاص، يلا بينا...

كانت من فزعة قمر منه لم تنتبه لمن كانت مصاحبته، إنها فوزية! أجل فوزية بعد ما قدر عليها الزمن، جالسة بائسة في حالٍ لا تُحسد عليه يجرها ابنها على كرسي متحرك.

فنادتها بصوتٍ ضعيف وشبه مفهوم أشبه بالتهتهة: شو_فتي اللي ج_را_لي! دي ذن_بك يا ج_مر و ذ_نب اللي عم_لته فيكِ، خل_صته فيّ الج_ري_بة بت اخ_تي، سام_حي_ني يا ج_مر....

فأجابت: المسامح ربنا...

فقاطعها شريف وهو يجذبها نحوه وصاح: إنتِ لساكِ عتردي وتاخدي وتدي في الحديت، يلا همّي...

ولم يمهلها أن تنطق بحرف بل جذبها بشدة من يدها و انصرفا.

بالطبع لم يكن ما حدث سوى تأثير سيطرة آمال على مصروف البيت بل وكل البيت فلم تتحمل فوزية صدمة ابتعاد المال عنها وأصيبت بشلل، أما ابنها اللعين هذا فتارة مع أمه وتارة مع زوجته...

ركبت قمر السيارة جوار زوجها المشتعل غضبًا أشبه ما يكون ببركان ثائر، قابضًا على عجلة القيادة ويلكمها من حينٍ لآخر و يصيح: يا خربيت ابوك!

وبعد قليل يلكمه ثانيًا ويصيح: آه يا جزمة يا بن الجزمة...

وكانت قمر ترتجف من غضبه الحاد فلمحها بطرف عينه فصاح: وجال إيه واجفة لساكي عتتسيري مع أمه! مش المَرة دي اللي ساجتك المُر كاسات!

فربتت عليه قمر بيدٍ مرتجفة وتقول بصوتٍ متحشرج من خوفها: بالراحة على نفسك يا خوي الله يستر عليك!

ثم أبعدت يدها عنه وأخذت تفركهما ببعضهما وعيناها تزرف دمعًا، وبعد فترة بدأ يشعر شريف بشهقاتها فأوقف السيارة إلى جانب الطريق وقال: الله ينكد عليك يا بَعيد!

زفر بقوة ثم قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أستغفر الله العظيم!

ثم التفت لقمر فوجدها تبكي بكاءً مكتومًا فجذب منديلًا من أمامه ومسح دموعها ثم ربت على يدها قائلًا برفق: خلاص يا جمر بزياداكي.

ثم صاح: ماهو عصِّبني ابن الجزمة.....

ثم هدأ مجددًا وقال: خلاص بجا ، عتبوظي اليوم ولا إيه!

فهدأت قليلًا ثم قالت بشهقاتٍ تتخلل صوتها: لا خلاص، المهم ما تكونش متضايَج.

_ خلاص يا جمر.

ثم فتح الظرف وهو يحاول التبسم قائلًا: يلا بجا عشان نفتح المستند الأول....

ثم فتح الظرف وأخرج الورقة ونظر بداخلها ثم اتسعت ابتسامته وقال: مبروك يا ام العيال.

فأخذت منه ورقة التحليل وقالت بسعادة: صُح!

_ صُح الصُح كماني! يا سلام عليك يا واد يا شَريف لما تبجى دكتور!

ثم قال: في حاجة عايز اجولها جبل ما أطلع المستند التاني، بس خايف تفهميني غلط....

فقاطعته: هي مين دي اللي تفهمك غلط؟! جول يا جلبي ولا يهمك.

_ عارفة إحساس البني آدم لما يُبجى عنديه نعمة وبعد إكده تروح منيه، وجتها بس عيحس بجيمة النعمة.

فأومأت برأسها أن نعم و تابعت: واللي بتتأخر عليه النعمة وتجيله بعد مرار وسواد طويل، برضك عيحس بجيمة النعمة.

فوضع يده على فمه يكتم ضحكته، فأردفت: هه! عفهمك صُح ولا إيه!

_ صُح الصُح يا جلب جلبي، النعمة والرزج سواعي ربنا عيأخِّرهم عشان نحس بيهم صُح، يمكن لو جم جبل سابج ما عنحسش بيهم إكده، و عشان دايما كل ما تضيج علينا كل ما تنجي فينا روحنا و تخلصها من حاجات كتير ما كانتش عتتغير إكده إلا بكل المحن دي...

ثم ابتسم قائلًا: وعشان الليل مهما طال له آخر ولزمن بعد الليل عياجي النهار والنور عيشرج وينوِّر كل الدنيا، عيجولوا الجمر ما عيبانش نوره إلا وسط الليل، لكن أنا جمري عتنوِّر ونورها عيغطي على كل النور.

ثم مد يده وفتح (تابلوه) السيارة، أخرج كتابًا وأمسكه بيده، ثم ابتسم قائلًا: من أول مرة شوفتك فيها وأنا كل كلمة عكتبهالك إنتِ، و دايمًا كنتي ملهمتي ووحييّ، وحتى بعد جوازنا ما بطِّلتش كتابة، لكن آن الأوان إني آخد بنصيحتك وأجمعهم ف كتاب...

فتهللت أساريرها ومدت يدها فأخذت وما أن وقعت عيناها على اسم الكتاب حتى اغرورقت عيناها وقرأت: قمري بعد الليل.

_ هه إيه رأيك ف إسم الكتاب يا قمري؟!

كانت ابتسامتها ونظرتها إليه أبلغ من أي لغة، ثم فتحت الكتاب وقرأت صفحة الإهداء:

«إهداء إلى أمي؛ ليس فقط لأنها نبع الحنان وأحد أسباب وجودي، بل أيضًا لأنها السبب الأساسي لأجد روحي و قمري، حب العمر، زوجتي وأم أبنائي.»

فرفعت عيناها نحوه بنظرة إجلال وحب وامتنان، فقلّب شريف صفحات الكتاب حتى وصل للصفحة الأخيرة و أراها لها لتقرأها بصوتها:

يَا مَنْ تَنْتَظِرَ الحُّبَ طُوَال عُمْرِكَ

لَسْـتَ وَحْـدَكَ، فَكَـمْ مِّـنْ مُنْتَظِرٍ غَيْرُك

فَرُبَــمَا يَـأتِيــكَ وَقَـدْ لَا يَـأْتِيـــكَ

فَالحُّبُ رِزْقٌ مِنَ الْلَّهِ مِثْلَ المَــالِ وَالوَلَدِ

فَهُـوَ القَائِـلُ وَحَنَـانًـا مِـنْ لَــدُنَـــا

وَالحُّبُ إِهْتِمَامٌ وإِحْتِرَامٌ وتَسَامُحٌ

وَكَـلَامٌ طَـيْبٌ يُـذِيــبُ القُـلُـــــوبِ

وَمَعَ الكَلَامِ عَمَلٌ وَصَبْرٌ وَاجْتِهَــادٌ

وَالحُّــبُ حُـبٌ وَوُدٌ وَ تَـحَـــــــابٌ

فَالحُّـبُ شُــعُورٌ مِـنْ قَلْــبٍ لِقَلْــبٍ

عَلَـى غَيْرِ مَـوْعِدٍ فَلَا زَمَـــــانٍ ولَا مَكَانِ

وَالوُدُ عِنْدَمَا تُعَبِرُ عَنْ هَذَا الحُّبُ

وَالتَّحَابُ أَوْلَى لِأَنَّ بِهِ مِنْ حُسْنُ التَّعَامُلِ

وَهُوَ أَكْثَرَ مَا تَمْلِكُ فِعْلُه بِإِرَادَتِكَ

فِـــإِنْ لَــمْ تُحِبُـــوا فَـتَحَـابُّــــوا

فَــ لَـنْ تُـؤْمِــنُـوا حَتَـى تَحَابُّــوا

(بقلم شريف فوّاز)

هكذا كان موقعًا بإسمه...

فالحب رزق بحق قد يتأخر موعده ليأتي بعد تهذيب وتعديل بداخل النفس، وإن لم يأتي فليس بمقَدّر لك.

ولازال هناك أمثال قمر يعانون في ليلٍ بهيم شديد الحلكة بلا نهار، لازال هناك عنف ضد الأنثى تحت أي مسمّى، حق الزوج، الأب والأخ اللذان يودّان التخلص من عبئٍ لأول من يدفع الثمن! لازال هناك من يربي بناته أن الفتاة خُلقت لتتزوج وتنجب ولا حق لها في التعليم ولا شيء إن لم تكمل تعليمها!

لازالت الأنثى هي المتهم الأول في فشل أي علاقة، لتضطر أن تتحمل وتصبح مقهورة، أو حاقدة تبث سُمّها مثل عبير، أو تتحول لكائن عدواني يدهس بقدمه على كل من حوله مهما كانوا.....

ليت مجتمعنا يمتلئ بالرجال بدلًا من الذكور، فيا أصحاب الشوارب كونوا رجالًا!

تمت✨

سعدت بحسن متابعتكم 🌷
يناير 2020


Noonazad 💕❤💕

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top