(29)
( بعد الليل)
الفصل التاسع والعشرون
بقلم نهال عبد الواحد
_ كيف ماتحب يا ولد أبوي!
همست بها قبل أن تسرع تاركة المكان وهي في قمة خجلها!
تبعها شريف بعينيه ونبضات قلبه طبول تقرع لكنه تدارك نفسه مسرعًا؛ فالوقت غير مناسب ليسمح بفيض مشاعره بالفيضان، وعاد جالسًا مكانه وابتلع ريقه متصنعًا الهدوء: هه يا أستاذ ضيا، طلباتك!
فجلس ضياء هو الآخر ونظر لعبير فانطلقت تاركة المجلس هي الأخرى، ثم أجاب: ما تواخذنيش يا أستاذ شَريف، إنت جاي تخطب أختي وجاي لحالك! فين بجيت عيلتك ولا انت...
فقاطعه شريف: لا طبعًا أنا مش مجطوع، عمامي موجودين وولاد عمي كماني، لكن كيف ما عمي الشيخ مجاهد وعّاك إننا أصلًا م البداري يعني مسافة كَبيرة جوي من إهني لهناك، أنا جيت ويا أمي نتحدتوا في الموضوع ونتفج وبعد إكده عشيع لهم ياجوا إهني نجرا الفاتحة ونجيب الدهب، وعل الأغلب الفرح عينعمل هناك ف البداري ف بلدنا.
_ ولما انت م البداري إيه اللي جايبك إهني!
_ جالي تعيني ف باجور فنجلنا أنا وأمي وأبوي الله يرحمه، ويمكن بعد إكده ننجل لأسيوط نفسها لو بعد الدكتوراة إتعَيَنت ف الجامعة.
_ إن شاء الله!
فقالت الأم: طب والله فكرة الفرح ف البداري زينة جوي، نعجد ونعمل الليلة وبعد إكده العريس ياخد عروسته عل بيت وحديهم وأنا تنّي جاعدة شوية ف البداري فترة إكده.
فالتفت إليها شريف فتابعت: أيوة هو دي الكلام المظبوط، وبعد إكده إبجو تعالوا خدوني، هو يعني أنا عروح فين؟!
تم ذلك اللقاء بكل تفاصيله وطلبات الزواج بما هو متعارف عليه في أعرافهم.
وبالفعل بعد عدة أيام جاء شريف بأعمامه وأبناء عمومته لقراءة الفاتحة ثم ذهبوا معًا جميعًا لشراء الذهب، واتفقوا بالفعل على أن يكون عقد القران وحفل الزفاف في بلدة أهله؛ ليوافق التقاليد.
كما أن ذلك قد وافق هواه فلم يعد بحاجة للدخول على عروسه كأداء واجب ثم النزول لإكمال الليلة وسط رجال العائلة، بل متى يريدان يذهبان تاركي المكان لمكان آخر تمامًا دون أي إزعاج.
كان كل شيء سريعًا، فعقب شراء الذهب لم يعد متبقيًا سوى أسبوعٍ واحد على الزواج؛ أي منذ مجيئه لطلب خطبتها حتى موعد الزواج لم يكمل ثلاثة أسابيع، خاصةً وقد انتهى من تجهيز كل شيء وقد ذهب ضياء، أعمامها وأبناء أعمامها لرؤية بيت الزوجية عيانًا، وبالفعل وافق ضياء على هذه السرعة لينتهي من هذا الأمر قبل سفره.
أما عن قمر فكانت كالمغيبة؛ فمن كثرة تمنيها له عندما حدث ما ترجوه لم تعد مصدقة، بل لم تعد مدركة إن كانت يقِظة أم تحلم، حتى إنها لا تستطيع تحديد كل مشاعرها الآن!
تولت عبير وبنات عمها فرش أشياءها من جديد؛ فلا يمكن لها التواجد في بيت الزوجية إلا يوم دخلتها.
وبالطبع لم يتقابل العروسان إلا يوم قراءة الفاتحة وقد أخذ بطاقة العروس يومها لتجهيز أوراق العقد، ولم يتقابلا بعد ذلك.
وجاء يوم الزواج وكانت هذه المرة قد صحبتها نرجس بنفسها لتأجير فستان زفاف مناسب لها كما حجزت لها صالون تجميل في مدينة أسيوط نفسها؛ فكان أكثر رُقيًّا من ذلك السابق.
وتكرر نفس المشهد عند بيت العروس من عربات الأجرة الواقفة لتركب فيها نساء العائلة المزينة ببهرجة وأبناءهم وأخرى للرجال، وانطلقوا جميعًا لمكان صالون التجميل.
وصلوا جميعًا فكان في الانتظار شريف في حلة سوداء رائعة مهذب اللحية ومصفف شعره بحرفية فبدا بهيئة أكثر مدنية.
سلم على أهل العروس من الرجال كما سلم أقاربه على أهل العروس، ثم اتجهوا جميعًا لداخل الصالون.
وبعد قليل خرجت العروس ووجهها مغطى متأبطة عريسها الذي تعمّد ألا يدقق النظر بها؛ لا يريد لمشاعره أن تظهر الآن.
أما عن قمر فمنذ أن كانت بداخل الصالون طوال اليوم وشريط زفافها الأول يتكرر أمام عينيها رغم اختلاف تفاصيل اليومين، وكلما صرفت تلك الذكرى أتتها من جديد، وكأنها قد نسيت أن شريف هو أمنيتها والوحيد الذي تحرّك له قلبها، لكن ماذا لو تحوّل بعد الزواج ليكون مثله مثل كل من حولها؟ و يعاملها مثلًا ببهيمية بحتة!
ظلت هكذا شاردة لم تشعر بالطريق ولا حتى بتلك العينين التي تسترق النظر إليها من حينٍ لآخر، يود لو يخبرها أنه يقرأ قلقها هذا!
وصل العروسان لبلدة العريس ليجدون بيتًا كبيرًا فاخرًا مزدانًا بالمصابيح الملونة، الزينات وسرادق ضخم مملوء بالمدعويين، حتى سرادق الطباخ كان كبيرًا أيضًا وكميات الطعام التي تقدم للمدعويين رجالًا ونساءً كميات مهولة.
لم يكن شريف قد أخبر أحد من أهله أن قمر مطلقة، حتى عندما جاءوا وقت قراءة الفاتحة لم يخطر ببالهم مثل هذا السؤال، خاصةً وأن ملامح وهيئة قمر طفولية، لا تدل إطلاقًا إلا أنها آنسة صغيرة.
لكن بالطبع الأمر قد انكشف وقت عقد القران وارتسم رد الفعل على وجوه الجميع بشكلٍ واضح؛ فبدوا أكثر انزعاجًا أن ابنهم سيتزوج من مطلقة، وصمة العار! وبدأ يسمع همهمات وتمتمات بردود أفعالهم، لكنه تصنع التجاهل واللامبالاة.
لكن كما نعلم أن نساءهم لا يمكن أن تسكتن عن مثل هذا إطلاقًا، فقالت لها عمته بحدة وعي تقوس شفتيها بعدم رضا: بجي إنتِ اللي واد اخونا اتجوزها! مطلجة!
فأجابتها نرجس: مالكيش صالح إنتِ، جولي مبروك أجليها.
_ كيف رضيتِ يا نرجس إن ولدك الوحيد يتجوز واحدة كانت متجوزة جبله وهو مش أول راجل يدخل عليها؟!
_ رايدها وعايزها وأنا كمان عحبها وعداها بتي، لو كلمة مبروك تجيلة على جلبك يبجى كفياكي حديت ماسخ!
فتأففت المرأة ونهضت، وكان كل هذا على مسمعٍ ومرأى من قمر، رغم أنها بدت اليوم رائعة الجمال، بفستانها المتناسق، المناسب لحجمها مع طريقة تزيينها الهادئة بلا صخب جعلت منها حورية حقيقية، وهذا التاج الموضوع فوق رأسها توّجها سلطانة، لم تعلم أنها أصلًا متوّجة كسلطانة قلبه.
انحنيت نحوها عبير مقربة وهمست إليها: الولية عمته دي شكلها محراج شر.
فنظرت قمر أمامها ولم تعقب، فتابعت عبير: كنّك لساكي زعلانة مني، طب والله فرحنالك بجد يا جمر.
فتنهدت قائلة: عارفة، باين عليكِ .
_ طب جولي إنك سمحتيني يا بت عمي.
_ سامحتك يا عبير.
قالتها بطريقة جافة.
_ بس مش حساها يا جمر خارجة من جلبك.
_ أكدب عليكِ لو جولت خارجة من جلبي، لكن مع الوجت عروج وأنسى، إنسِي يا عبير إنسِي، دايمًا المشغول بغيره بيبجى عنديه وجت كَتير فاضي، حاولي تشغلي وجتك وساعتها ما عتلجيش وجت تنشغلي بيه بغيرك.
فتابعت قائلة: بس المرة دي إنتِ فعلًا جمر، طب والله جمر والفستان عياكل منيكي حتة! مش زي المرة اللي عدت.
_ سايج عليكِ النبي ما تفكريني! سيبيني عمالة أشيل الذكرى السودة دي بالعافية.
فهمست لها: عتنسيها، المرة دي هو عشجك بجد.
فأطالت لها قمر النظر ثم أخفضته ولم تعقب، وبعد فترة ليست بالطويلة جاء العريس ليصحب عروسه ويذهبا تاركين الفرح وذاهبين لبيت الزوجية.
عانقت نرجس كلًا منهنا عناقًا حارًّا بدمع عينيها، ثم انصرفا ومعهما أهل العروس ليقوموا بتوصيلها لبيت الزوجية.
ولازال الصمت سيد الموقف بينهما حتى وصلا أخيرًا لبيتهما، ودعهما الجميع وانصرفوا، فلم يعد أهلها بحاجة للإنتظار خاصةً وهي ليست بِكرًا!
دلف العروسان للداخل وصعدا على السلم الداخلي وكانت تتطلع من حولها وهي ترى هذه التجديدات التي قام بها شريف بالفعل، بالإضافة لتجديد كامل للمطبخ ودورات المياه، وأدخل حمامًا بداخل غرفة النوم والتي بدت رائعة وحديثة من الخشب الزان البني الداكن.
والستائر في غرفة النوم من الشيفون جمع بين اللونين البيج والبنفسج الهادئ، وكانت السجادة أيضًا خليطًا من اللون البنفسجي.
وبينما كانت قمر تتطلع لما حولها بدقة تفاجئت بشريف يقول: متوضية يا جمر كيف ما وصيتك!
فأومأت برأسها أن نعم وهي تجيبه بخفوت: أيوة وصليت العشا كماني.
فأومأ برأسه أن نعم وهو يحضر سجادتي الصلاة ويفرشهما أرضًا، بينما هي سحبت إسدال للصلاة كان معلقًا وارتدته فالفستان ضيق من الأعلى.
بالفعل صليا معًا ركعتين، كان كل منهما يدعو بالتوفيق وصلاح الحياة.
وبعد التسليم نهض شريف ونهضت أيضًا قمر وخلعت إسدالها علقته ولازال التوتر بادٍ عليها، يهاجمها من ذاكرتها مشهد هجوم زوجها الأول عليها وكيف كان ينهل منها بحيوانية مقززة! فتغمض عينيها وتهز رأسها بسرعة كأنها تصرف تلك الفكرة عنها، كان شريف يتابعها ويقرأ ذلك الرعب في عينيها.
كانت تحاول إخفاء ما بها عبر تطلعها للغرفة، فسألها: هه عجبتك!
فأومأت برأسها أن نعم وهمست قائلة: بصراحة الأوضة وكل التجديدات جميلة جدًا يا أستاذ شَريف.
ففتح عينيه على وسعهما معقبًا: أستاذ يا جمر! أنا بجيت جوزك.
فابتلعت ريقها وأومأت برأسها أن نعم، فتابع: أنا عايزك تطمني تمامًا يا جمر، أنا جدمت ورجك وعنستنى ونشوف عتجيلك كلية إيه وعتكملي كيف ما تحبي!
فتهللت أساريرها وقالت بسعادة أشرقت وجهها: صُح فعلًا يا أستاذ شَريف!
فرفع حاجبيه قائلًا بتوعد مصطنع: تاني أستاذ، يبجى مفيش فايدة لازم تتعاقبي.
فاختفت ابتسامتها ووجمت ثم قالت بقلق: عتعاقب!
_ طبعًا، ولازم تتعودي إن أي غلط له عقاب.
نظرت إليه ولم تعقب، لكن بدأت عيناها تتغرغران بالدمع، فخشى شريف أن يتطور الموقف فسارع قائلًا: بوسيني.
فوجمت وفرغت فاها، فأعاد الكلمة: باجول بوسيني، دي عقابك.
تلون وجهها باللون الأحمر من شدة خجلها وفركت أصابعها بعضها ببعض، فرغم كونها قد سبق لها الزواج لكن ليس لديها أي فكرة عن كيفية التعامل، وبعد تفكيرٍ طويل وصمتٍ عميق كان شريف يجاهد نفسه لألا يضحك، قالت: طب اجعد ع الكنبة دي.
فزم حاجبيه بعدم فهم لكنه جلس، فتابعت: وخلي يدك جارك.
_ ما اربعهم أحسن!
_ يبجى أحسن، وغمض عينيك كماني.
ففعل كل ماقالته بتسلية، فاقتربت منه بحذر وقبلته من رأسه بسرعة، ففتح عينيه قائلًا: إدي! ده إنت لو بتبوسي واد أخوكي عتبوسي أحسن من إكده، لا ما ينفعش، أدي عملك بإتقان.
_ هه!
_ أدي عملك بإتقان ، واديني أهو مربع يدي ومغمض عيني .
فأعادت الكرة من جديد لكن من سرعتها تعثرت في طرف فستانها وكادت تسقط فأمسك بها من خصرها ثم أجلسها على رجليه.
وكانت في شدة خجلها، أما هو فكان يتابعها و يحملق بكل إنش فيها، كم هي جميلة! كم هي بالفعل قمر!
فقالت محاولة التغلب على خجلها: عتفكرني بابوي الله يرحمه و هو عيحطني على رجله إكده وأنا صغيِرة.
_ طب ما أنا أبوكِ وأخوكِ وجوزك وحبيبك، لما تغلطي عحتويكي كيف بنتي الصغيِرة، ولما تحبي تحكي وتفضفضي عتلاجيني أخوكِ، أما لما تعوزي حضن حنين تدفي فيه فماعتلاجيش غير حضني أنا.
كم أخجلتها بشدة تلك الأخيرة!
فالتفتت إليه تنظر إليه وتحملق في ملامحه، تلك الملامح التي كثيرًا ما سهرت تحملق فيها عبر صورته الصغيرة بالجريدة، لكن هاهو أمامها، فابتسمت وقالت بتلقائية: شكلك حلو ف البدلة.
_ وإنتِ جمر ف الفستان.
_ أول مرة آخد بالي من لون عينيك، كنّها عسلية ورموشك كماني طوال وحلوين جوي سبحان من صور!
_ سبحان من صور!
دي أنا اللي اجولها من شكل الجمر اللي بين يدي، لكن لو عايزة تعاكسيني ماعِنديش مانع طبعًا!
فابتسمت بخفة ثم نهضت وحملت فستانها واتجهت نحو المرآة أمام طاولة التزيين، كانت تتفحص عطوره الخاصة؛ فتمسك بكل زجاجة وتفتح غطاءها وتشمه بسعادة، حتى أمسكت إحداهم واتسعت ابتسامتها بشكل ملفت، ثم وضعت القليل بين يديها وفركتهما معًا وأخذت تشمها وهي مغمضة العينين.
فتحت عينيها فوجدته خلفها مباشرةً ثم تسآل: للدرجة دي عجباكي!
_ أصل أبوي الله يرحمه كان عيحط من النوع دي، بحبها جوي.
_ عتحبيها جوي!
قالها بنبرة مختلفة قد أصابتها بقشعريرة سرت في بدنها، رفع عينيه لذلك التاج ومد يده يفكه بهدوء، ثم فك حجابها بهدوء شديد، فظهر شعرها فجذب ذلك المشبك الذي كان يمسكه فانسدل لأسفل كتفيها بقليل فأخذ يخلل أصابعه برقة بين خصلات شعرها ووجهه مبتسمًا وقال: يعني عجباكِ عيني ورموشي! أنا بجى عاجبني كل حاجة فيكِ... عينيك طيبتك... أخلاجك... طبعك... كل حاجة.
_ إيه عتشعِر جصيدة ف جمالي يعني!
_ ومين جال إني ما كتبتش عنك؟! كل كلمة كتبتها من يوم ما ظهرتي ف حياتي كانت من جلبي ليكِ انتِ.
_ من جلبك!
_ كنّك ما حستيش!
فسكتت، فتجرأ و ضمها إليه وتابع هامسًا لها: ما حستيش بكل إحساسي... بشوجي ليكِ... بإهتمامي... بغيرتي عليكِ... عايزة تجولي ما حستيش بكل دي!
فأبعدها عنه برفق و نظر في عينيها هامسًا: ماحستيش! إني بحبك...
ثم أكمل: أيوة بحبك وبتمناكي من زمان، ونفسي بس ربنا يجدرني أسعدك واعوضك عن كل الوحش اللي كان ف حياتك، ععرفك إنك إتجوزتي راجل بحج.
فأومأت برأسها أن نعم بسعادة، ثم أكمل بمكر: بس الأول لازم تتعملي لما أجولك تبوسيني تبوسيني كيف...
فاقترب منها وقبل خدها برقة شديدة كادت تفقدها و عيها فضمها إليه، وبعدها بدأ يشعر بيديها تشدد عليه في ضمتها له، بينما هي بدأت تشعر بأصابع خفيفة تعبث في سحائب فستانها وما كانت لحظات حتى سكتا عن أي كلامٍ مباح...
.......................
........................................
Noonazad 💕❤💕
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top