(28)
(بعد الليل)
الفصل الثامن والعشرون
بقلم نهال عبد الواحد
مرت عدة أيام وقمر في غرفتها منعزلة عن الجميع لا ترغب في مخالطة أحد ولا حتى رؤية أحد، حتى الطعام كانت تختلس النظر وتأخذ لقيمات قليلة تتناولها ثم تعود لغرفتها مسرعة.
أما ضياء برغم غضبه الشديد من أخته إلا أنه يشعر أنها لا تستحق كل هذا الكم من ردة الفعل، هي فقط ذاكرت ودخلت الإمتحان، أي أنها لم تذنب لذلك الحد.
صار يشعر بالتخبط فلا يدري إن كان يزيد من عقابه لها لما تفعله من تصرفات مختلفة عن سائر قريناتها، أم يشفق عليها لما تعانيه باستمرار!
لكنه لازال عند كلمته، سيزوجها لأول من يتقدم لخطبتها، فمهما كان لا بديل للفتاة إلا أن تكون زوجة تحت إمارة رجل يأمر وينهي فيها، وصار يتمنى أن يتحقق ذلك قبل معاودة سفره.
وذات يوم بينما كانت قمر في غرفتها بين وحدتها وبين تلك الجرائد وسطور كتابته التي تعيش بينها، وكيف غرقت بين سحر الكلمات وتفاصيلك العميقة، يبدو أنه قد كُتب عليها أن تتذوق ذلك الحب وتحياه في خيالها فحسب، وصارت تتمنى إن كان حلمًا فلا ينتهي لا بل تتمنى لو تنام نومة بلا استيقاظ، فماذا بالله تفعل في هذه اليقظة القميئة؟!
و فجأة!
دق الباب، دلف ضياء للداخل، تبدو هيئته أنه إما عائدًا توًا من الخارج أو سيخرج، حيث كان مرتديًا جلبابه الصعيدي البني وأسفل منه تظهر الجلباب الأخرى البيضاء وتظهر من الفتحة الأمامية جزء من الصيديري البني من نفس لون قماشة جلبابه وعلى كتفه شالًا ملونًا.
فوجدها جالسة شاحبة إلى حدٍ ما؛ فقد فقدت نضارتها وإشراقها منذ ذلك اليوم، كانت جالسة على فراشها مرتدية إسدال للصلاة يبدو أنها بعد أن أدت صلاتها تكاسلت أن تخلعه وجلست على فراشها بين أوراق الجرائد.
أطال ضياء النظر إليها بينما تعمدت هي ألا تنظر إليه بل وأظهرت تأففها وسخطها من وجوده، تصنعت تصفحها لأوراق الجرائد، فقال وهو و يقلب في أوراق أخرى من الجرائد: هو دي اللي خربتلك عجلك! ما تصدجيش العالم دي، دي عالم فاضية وما لاجياش حاجة تعملها إلا تحرير المرأة وأبصر سخام إيه!
فتابعت بجفاء: إيه اللي جابك عِندي!
_ بجي دي مجابلتك ليّ يا بت أبوي!
_ بس ما تجولش بت أبوي دي!
قالتها بأسلوب ساخط.
_ ما ععلِّجش، خيتي الصغِيرة وماعاخدش على كلامها.
_ طب اتفضل شوف كُت رايح فين!
_ ما رايحش ف حتة، ده في ضيوف جاعدين تحت ف المندرة ومستنظريني، ما عايزاش تعرِفي يطلعوا مين؟!
_ ما عايزاش أعرف حاجة، مفيش حاجة تهمني من أساسه.
قالتها بلا مبالاة وتأفف.
_ دول جماعة جايين يخطبوكي، وجاعدين تحت مع عمامك، وكيف ما جولتلك أول واحد عياجي ويتجدم عجوزك له ياكش بس تعمِري وما تعاوديش تاني وانتِ عاملة زي الجنيه البراني!
فنهضت واقفة فوق الفراش وصاحت: ماعيحصُلش، على جتتي، مش كل مرة تلزجني لأي واحد، فاهم! أنا تميت الواحد وعشرين خلاص يعني بجيت راشدة حرة نفسي وما تجدِرش تغصبني على حاجة، أعلى ما ف خيلك...
وقبل أن تكمل كلمة أخرى كانت قبضته تجذب شعرها وتطرحها أرضًا من فوق السرير ثم انهال عليها بالضرب والسباب من جديد فارتفع صريخها وصوته بالسباب.
فدلفت إليهما عبير مسرعة: يا سواد السواد! إيه اللي جندَلته دي يا راجل! الناس جاعدة تحت وصواتكم مالي البيت، يا مري يا مري! دي الولية أم العريس جال عايزة تشوف عروسة ولدها، عتشوف إيه بس بشندلتها دي! دي أول ما عتشوفها عتسحب ولدها وترمح على برة وتجول يا فكيك!
كانت قمر مبعثرة الهيئة وخصلات شعرها مبعثرة وبعض الدماء تخرج من انفها وجانب شفتها السفلية، فتحاملت على نفسها ونهضت واقفة وهي تمسح قطرات دماءها بطرف كمها وقالت بتحدي: و ديني وما أعبد لنزلهم تحت بشكلي دي وعخليهم يرمحوا رمح!
ثم دفعت عبير جانبًا وهبطت مسرعة وهي تعدل حجابها بقدر ما تستطيع وخلفها يركض أخوها وامرأته ويصيح فيها: إستني عنديكي! رايحة فين يا بت المركوب؟! و ديني لطخك عيارين أخلص منيكِ ما عيكلفوني جوز جنيهات!
لكنها لم تلتفت لأيهما، لم تسمع كل ذلك التوبيخ والتهديد، لم يعد يخيفها شيء، وصلت لباب المندرة و دلفت بهيئتها تلك...
وبمجرد أن وطأت المندرة سمعت صوت أنثوي مفزوع: يا حبيبتي يا بتيّ!
فالتفتت لصاحبة الصوت بعدما طافت بعينيها المتورمتين من أثر البكاء بين كل الجالسين لا ترى سوى خيالات بسبب ذلك الضباب.
لكن صاحبة ذلك الصوت تعرفها عن ظهر قلب، بل سمعتها بقلبها قبل أذنها فاتجهت نحوها مسرعة تدفن وجهها بين أحضانها.
وصل ضياء وعبير إلى المندرة وتفاجئا من هذا المشهد، قمر بين أحضان أم العريس ماذا يعني هذا؟!
لم يندهش ضياء بقدر مااندهشت عبير بل كان الأمر لديها أكثر من مجرد اندهاش، لكن قبل أن تنطق بأي كلمة لمح ضياء الجالس هناك وقد حفظ ملامحه عن ظهر قلب، فصاح فيه: هو إنت!
_ أيوة.
_ وكمان ليك عين تاجي لحد إهني؟!
_ أنا اتحددت مع عم الشيخ مجاهد وهو حَدد معاد وياك.
_ كنّك جاي تصلح غلطتك!
_ غلطة إيه يا جدع إنت! حد يجول الحديت دي!
_ يبجى إنت عتبصبص لأي طالبة عتدرسلها!
_ و يمين الله ما حُصُل جبل سابج ابدًا!
_ تعرف أختي منين؟! وانت لحد علمي جاي من باجور، يعني عتشتغل ف مدرسة ف باجور، يُبجى كيف إنت المدرس بتاعها؟!
_ أنا ما جولتش المدرس بتاعها، و بعدين أنا عارفها من أيام ما كانت عتاجي ف مسابجات أوائل الطلبة عندينا، لكن عمري وجتها ما شوفتها بأي نظرة إلا كونها طالبة متميزة مش أكتر.
_ وإيه اللي عرِّفك طريجها!
_ جابلتها صدفة ف سوج الخضار عتبيع وتنضِّف الخضار وأمي كانَت عتتعامل وياها وعتحبها جوي.
وما أن قالها شريف حتى صاح فيه ضياء: هي مين دي اللي عتبيع ف سوج الخضار يااخينا إنت؟!
وقبل أن ينطق شريف بحرف نهضت قمر واقفة وأجابت بمنتهى الثبات: أيوة ياابو خوه، كُت عطلع يوماتي من فجر الله وأروح سوج الخضار اللي ف باجور وعجعد وابيع خضار.
فصاح بغضبٍ حارق: ياخربيت أبوكِ! عتفضينا على آخر الزمن! لا والله ده انتِ ما عتعمليش حاجة إلا عتفضحينا وبس!
_ طب ما تسأل عن السبب يا خوي ياابن أمي وأبوي، إيه مش كل حاجة وليها سبب ف الدنيا دي!
بدأت عبير تتوتر؛ فلم تتوقع مثل ذلك الموقف أبدًا فقد كان كل شيء يسير في اتجاهه الذي تتمناه، لكن قمر سددت نظرتها نحوها قائلة: كن مرتك ما حكيتلك هي عملت إيه! ولا حتى رجالة العيلة عملوا إيه! بس معلهش عايزة أحذف كلمة رجالة.
فصاح فيها أحد أعمامها: إتحشمي يا بت! كنّك ما شوفتيش رباية طول عمرك!
فتابعت: الراجل اللي كان موجود الله يرحمه! لكن رباني أحسن رباية، الله يرحمك يا بوي!
ثم التفتت بنظرها لعبير مجددًا: هه يا عبير! وإنت بتحكي لجوزك على عمايلي وسخنتيه كيف البابور عشان يهب فيّ جولتيله على عمايلك!
فأجابت بتوتر ظاهر: عمايل إيه اللي عتجولي عليها! بلاش لف ودوران.
فتدخل ضياء: أنا نفسي أفهم كيف تخرجي م البيت و تبهدلي حالك و تشتِغلي؟! هو العند وصل للدرجة دي! ده أنا ببعت اللي يكفيكم و زيادة!
فنظرت قمر وأطالت النظر لعبير التي تمنت لو تنشق الأرض وتبتلعها!
فتابعت قمر قائلة: والله مرتك ما جالت إكده أبدًا! دايمًا عتشتكي م الجلة وكله مفيش مفيش وإني عالة عليهم وكتير عليك تتحملني كل دي، واللي جاي على كد اللي رايح، والبيت ضيج عليهم عشان انا لساتني جاعدة فيه!
فالتفت ضياء لها: اللي عتجوله دي صُح!
فأجابت بصوتٍ مهزوز و هي تتراجع: لا لا يا خوي، هي بس فهمت حديتي غلط.
فصاحت فيها قمر: فهمت إيه غلط! طردك لي و إنت عتجوليلي دي بيتي وما عتحملكيش أكتر من إكده! وعتعايريني اكمني اتطلجت، زي ما كلاتكم عتعايروني بطلاجي! تعرفوا إيه عني وعن عيشتي اللي عيشتها وأنا على ذمة المحروج دي وأهله! تعرفوا كيف إتذليت وإتهانت واتعاملت معاملة ولا البَهيمة!
كانت تتحدث بانفعال وذاكرتها تستحضر بعض من تلك الصور خاصةً لحظات إعتداءاته عليها بإسم زواجه وحقه الشرعي فتتشنج ملامح وجهها تلقائيًا، ربما لم يلحظ تلك التشنجات والملامح المرتعبة على وجهها، لكن شريف قد فطن لها واستشعر معاناتها.
فتابعت: إوعي تكوني فاهمة إني ما كنتش وعيالك كيف فرحانة فيّ كل ما تلاجيني متهانة ومن اول يوم، ليه يا عبير كت عملتلك إيه؟! عملتلك إيه عشان تحجدي عليّ كل دي! مش ذنبي إن سجف طموحي عالي وعايزة أكمل تعليمي، ولا إني بتعامل بالحسنى مع اللي جدامي، كان ممكن تجلديني بدل ما تجوّمي عليّ العيلة كلاتها، والله ما عارفة بعد كل عمايلك دي حتى أكرهك ولا أشفج عليكِ!
فأمسك ضياء بساعد عبير بقوة وهو يرجها بشدة ويصيح بغضب حارق: بجى إنتِ السبب ف كل دي! وكماني عتفتري على أختي وتتهميها وتجلبيني عليها، طب ويمين الله ما انتِ جاعدة فيها وعتروحي ما ابوكي اللي جاعد دي، يلا روحي وانتِ...
فصاحت قمر وهي تتجه مسرعة نحوه: ما تجولش إنك عتطلج مرتك وتشرد عيالك، دي اللي ربنا جدّرك عليه!
_ عايزاني أعمل إيه طيب بعد كل المصايب دي!
_ وكان فين عجلك يا ولد أبوي وإنت عتسمع منيها وتصدج وماتعديش الكلام حتى على عجلك توزنه؟! زي باجي العيلة جالتلكم جمر المطلجة جاياكم تخطف رجالتكم بعد مااتطلجت، الكل جال يا لطيف و طرد جمر المطلجة، صُح مش دي اللي حصل!
ثم تابعت: الغلط عليكم كلاتكم، إنتو اللي لسه عتفرِّجوا بين الواد والبت، و عتعوزوا تخلصوا م البت و تلزجوها لأي واحد ياجي يشيل ، إنتو اللي عتملوا عجولهم من صغرهم وتطلعوهم إن البت مخلوجة ف الدنيا عشان تخدم الراجل وتكون تحت أمره حتى وهي ف بيت أبوها عيخلوها تخدم أخوها ويفضلوه عليها ويدوه كل الحجوج كنّه ولي أمرها، إنتو اللي عتطلعوا البنات ما تفكِرش إلا باليوم اللي تتجوز فيه مش تتعلم وتخلص علامها؛ لأن العلام حداكم حاجة ما لهاش جيمة فمنين ما ياجي العريس تجعد م المدرسة حتى لو عيلة ما تميتش التمانتاشر ولا تعرف ف الدنيا السما م العما، المهم نخلص م الحمل ونجوزها صغيرة، وبعد جوازها تحط ميت جزمة ف خشمها وتتحمل إيش يكون بالذي تنضرب، تتهان، ... يحصل ما يحصل فيها لكن تُنطج ولا تشتكي .... لا ما يصُحش، لا وكمان بجى لو اتطلجت دي تُبجى الطامة الكبرى على حج وطبعًا هي اللي غلطانة...
جولولي دي يرضي ربنا! عتحللوا اللي على هواكم وتحرموا اللي مش على هواكم، الواحد منيكم ياخد البنتة ويعمل ما بداله فيها ولا حد عيجوله حاجة، و طبعًا عيجولك ربنا جال.. واضربوهن...
ربنا جال.. مثنى وثلاث ورباع...
ربنا جال.. الرجال قوامون على النساء..
طب ما تكملوا الآية مرة ف عمركم، مااتجال برضو استوصوا بالنساء خيرًا..
اتجال.. خيركم خيركم لأهله
اتجال.. رفقًا بالقوارير
عتعلجوا المشانج لكل واحدة منينا لو نطجت بحرف، وستنا عائشة كانت عتراجع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، عمره ضربها ولا شتمها ولا عنّفها حتى! ده وجّف جيش كامل عشان يدور على عجدها اللي انجطع ف الطريق...
حرام عليكم كل حاجة عتعلجوها على شرع الله وإنتو ما تعرفوش حاجة عن شرع الله دي..
وأنا بجى غير أي واحدة فيكم وعكمل علامي، وما عجبلش أي غلط ولا إهانة من أي حد مين يكون!
قالت الأخيرة بصياح وهمت بترك المجلس، لكن ناداها شريف: إستني يا جمر .
فتوقفت مكانها فأشار لها بالجلوس وأشار لضياء، فجلس الجميع، فقال: إحنا إنهاردة جايين عشان نطلب يد أختك جمر، كُت اتحدت ويا عمي الشيخ مجاهد بخصوص الموضوع دي من جبل حتى الإمتحانات، وهي ما عِندهاش أي خبر بالموضوع دي، و دلجيتي إحنا جايين ندخل البيت من بابه، وجددت البيت من كافة شيء، و اللي تطلبوه تحت أمركم...
فتدخلت أمه قائلة: جمر دي والله جاعدة ف جلبي ومربعة! و ما تخافش عليها والله! دي بتيّ اللي ما خلفتهاش!
فأجاب ضياء بهدوء: الكتاب عيبان من عنوانه يا أستاذ، وأنا محجوجلك لو كُت كتِّرت ف الحديت وياك!
فأجاب شريف: ما جراش حاجة يا أستاذ ضيا، ما محبة إلا بعد عداوة!
فتدخل الشيخ مجاهد قائلًا: كنّكم عتتفجوا ونسيتم أهم حاجة، رأي صاحبة الشأن!
وهنا لم تستطع قمر البقاء أكثر من ذلك من شدة خجلها من الموقف، وقد كانت تجلس على مقربةٍ منه، فنهض مسرعًا لا إراديًا نحوها...
وقف أمامها مباشرةً فأخفضت نظرها لأسفل في خجلٍ ظاهر، فتابع بهدوء: عايزين نعرِف رأيك يا عروسة.
كانت تشعر بتوتر شديد واضطراب غير عادي ولا تعلم كيف تخبر عن رأيها صراحةً ولا حتى تستطيع كيف ترفع عينيها لترى من حولها!
فتابع شريف قائلًا بنفس هدوءه: ترضي بيّ يا جمر، ترضي بيّ زوجك على كتاب الله وسنة رسوله وبما يرضي الله!
فهمست: عليه الصلاة والسلام !
وكأنه قد تبدل حالها، فكيف ذلك وقد كانت منذ لحظات فقط تناطح الجميع وتتحدث بمنتهي الثبات والقوة.
فنهض ضياء واقترب قائلًا: صحيح يا بت أبوي كُت ناوي أجوزك لأول واحد يتجدملك، لكن دلجيتي عاخد رأيك وماعجبركيش على حاجة، و عتشرِّط عليه كماني تدخلي الجامعة وتكملي علامك كيف ما تحبي، هه جولتي إيه يا بت أبوي!
فهمست مقتربة من أخيها: يُبجى كيف ما تحب يا ولد أبوي!
........................
........................................
Noonazad 💕❤💕
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top