(25)
( بعد الليل)
الفصل الخامس والعشرون
بقلم نهال عبد الواحد
كانت قمر في أشد مراحل الضغط النفسي، البدني والعقلي؛ فقد أزفت الآزفة وجاء يوم الإمتحان، ويوم الإمتحان يُكرم المرء أو يُهان.
أما عنها فهي تستذكر من القصاصات المتبقية والتي فيها الكثير من الأجزاء قد فقدتها، ولم يكن أمامها سوى أن تجرّب وتتوكل على الله ومهما كانت النتائج ستكون أفضل من اللاشيء!
دخلت الإمتحان الأول وكان في مادة اللغة العربية، واستطاعت حل البعض واجتهدت في حل البعض الآخر من الذاكرة حيث قد سبق لها إستذكاره.
وخرجت من الإمتحان و هي لا تدري ماذا فعلت! هل أخطأت أم أصابت؟
وبينما هي على حالتها إذ جاءها صوت تعرفه وتألفه حق المعرفة يناديها: جمر، يا جمر.
فالتفتت مسرعة لتجد شريف يتقدم نحوها بوجهه الباش كما اعتادت عليه، لكن هناك شيء مختلفٌ فيه و طارئٌ عليه لم تتمكن من التعرف عليه!
فأجابت مبتسمة: مُرحب يا أستاذ!
_ طمنيني يا جمر، حليتي زين!
فتنهدت بقلة حيلة: مش عارفة يا أستاذ، في حاجات كان ورجها ضاع فما راجعتش عليها ولاجيتها جت، يعني مثلًا سؤال النصوص كله أنا ما ذاكرتش النص دي وجاوبت بالبركة!
_ و فين المشكل، ما سؤال البلاغة بيكون نص ولا تعرفي عنيه أي حاجة وبتحليه برضو، ولا إيه!
فأومأت برأسها أن نعم وهي تجيب: عنديك حج يا أستاذ، ربنا يعدلها ف الباجي.
فقدم إليها عدد من الأوراق وهو يردف: خدي دول يا جمر، دي مراجعة لغة إنجليزية عرفت أتحصل عليها، خديها عتنفعك، وربنا يسهل بالباجي عحاول أدبرلك اللي أجدر عليه، بس ما تواخذنيش لو ما عرفتش أتحصل على ورج!
_ كتر خيرك يا أستاذ، جميلك والله فوج راسي، وبعدين يعني حضرتك عملت كَتير كنّك خلفتني ونسيتني!
_ عيب عليكِ اللي عتجوليه دي، ويلا همي روِحي على طول.
فأومأت برأسها أن نعم واستأذنت وانصرفت بينما هو وقف يحدث نفسه: خلفتك و نسيتك! ولا عمري أنساكي ابدًا يا جمري إنتِ، يا رب تمم بخير وتجرب البعيد!
ثم انصرف، ومرت باقي أيام الإمتحانات بنفس قدرتها على الإستذكار، لكنها لم تراه بعد ذلك، ربما تمنت رؤيته فعلًا لكنها تعلم جيدًا أنها فترة إمتحانات و كونه معلمًا يجعله مؤكد مشغول، وربما لم يستطع تدبير المزيد من المراجعات لباقي المواد فاستحيى أن يقابلها باللاشيء ويأتيها بخفي حُنين.
لكنها قد اشتاقت إليه وذلك البعد قد آلم قلبها لدرجة كبيرة، لم تكن تعلم أنه منهك في إعداد البيت بالكامل وتجديد أجزاء منه ليصبح ملائم لعش الزوجية.
وتزامن في هذه الأيام أن آمال على وشك الوضع وقد اشترطت على زوجها أن تلد في المشفى ومهما تدخلت أمه أصرت ألا تقوم بتوليدها الداية، وكانت تذكره بما حدث لقمر وترهبه أن تفقد هي الأخرى طفلها فانساق خلف رغبتها ضد رغبة أمه، وذلك قد جعل ناقوس الخطر يدق عند الفوزية!
وذات يوم شعرت آمال بآلام المخاض فاتصلت بزوجها من هاتفها المحمول، فقد أجبرت زوجها أن يشتري لها هاتفًا جوالًا من أحدث التقنيات وقد لبى لها رغبتها وعندما سمعت فوزية بثمنه غشّي عليها؛ كيف يفرط في مبلغ كهذا من أجل قطعة بلاستيكية، لحد قولها!
اتجه محمد بزوجته وكانت أمها قد وصلت توًا وذهبت معها وبالطبع فوزية وبناتها ذهبن للمشفى ليحضرن الولادة وتستقبلن الوليد الجديد.
وتصادف أن من قام بتوليدها نفس ذلك الطبيب والذي عندما خرج من غرفة العمليات ليقابل أهل المريضة تفاجأ بهم فتبدلت ملامحه واشتعلت ملامحه غضبًا عندما تذكر ما فعلوه بالمشفى مع قمر ، فهمّ بالإنصراف.
فناداه محمد: يا دَكتور، يا دَكتور، الجماعة جابت إيه!
فنظر إليه باستنكار وأجاب: ولد.
فزغردت جميع النساء اللاتي كن موجودات، وصاحت أمها: طبعًا لازم يكون واد مش بتي هي اللي خلفته.
فصاح فيهم الطبيب: بس يا وَلية منك ليها، الغاغة دي تعملوها ف بيتكم لما تروِح المريضة لكن هنا دي مستشفى محترمة.
فصاحت فيه فوزية: طب يا بتاع المِشتِشفى المحترمة إوعي يوزك عجلك وتاجي تحاسبنا على المدعوءة الجديمة.
فنظر لها باستنكار ولم يعقب وانصرف من أمامها قبل أن يقدِم على قتلها!
فتململت فوزية على مضض قائلة: وجفت الفرحة ف حلجنا إلهي ما تفرح يا بَعيد!
فتابع محمد: يامّي بزياداكي، عايز أروح أشوف ولدي...
وبعد قليل دخل الجميع لغرفة المريضة بعد قامت بتنظيفها ممرضتان ولفّت كلاً منهما على كل الموجودين لتأخذا بعض النقود بمناسبة المولود، وبحسن نية وقفتا أمام فوزية فصاحت فيهما: جرى إيه منك ليها، تنّك تدوري على كل واحد شوية واعبي في جيوبك وبس!
فأجابت الممرضة وهي تخرج من جيبها مبلغ زهيد وتجيبها بكسرة خاطر: أهو والله يا حاجة ده اللي خدناه وبس.
فأجابت بصياح: وبس!
فمدت يدها وأخذتهم منها قائلة: مش عاجبينك هاتيهم يلا فوتي!
فأجابت الممرضة بانكسار وبصوتٍ يخالطه البكاء: خلاص يا حاجة ماعايزاش حاجة.
فصاحت فوزية مرة أخرى: ما تغوري بجا.
ووضعت النقود في جيب بداخل صدرها بينما خرجت الممرضة مكسورة الخاطر، فنظرت إليها آمال متأففة ثم نظرت لأمها، وكان الجميع يتبادل حمل الطفل حتى قالت فوزية وهي تحمله: عجبال ما عبد الحفيظ يكبر وتفرحي بيه وتكوني خوتيه بصبيان كتير...
فأستوقفتها آمال: عبد الحفيظ! هو مين دي؟!
فأجابت فوزية بسعادة: ولدنا دي!
_ ومين جال إني عسمي عبد الحفيظ؟!
_ هي الأصول إكده، الواد على اسم جده!
_ وأنا عسميه وليد.
فصاحت فوزية: وليد دي إيه الإسم المايع دي!
_ أنا أمه وأنا اللي تعبت فيه وأنا اللي عسميه، ليكِ شوج ف حاجة يا خالتي!
فصاحت فوزية في ابنها: شايفاك ساكت يعني ياابن بطني!
فأجاب: ععمل إيه يعني! ماهو ولدها و من حجها تسميه.
_ بجى إكده! يا خسارة تربيتي فيك، همي يابت إنتِ وهي..
وغادرت فوزية وبناتها غاضبات...
أما قمر فقد انتهت من إمتحاناتها وفي انتظار ظهور النتيجة، ولم تخرج من البيت منذ آخر يوم للإمتحانات إلا للحظات تشتري طلباتها من جوار البيت وتعود مسرعة تلازم غرفتها، وونيسها الوحيد تلك الكتابات المنشورة في الجرائد بقلم شريف فوّاز.
كانت كتاباته تلمس قلبها، تحرّك إحساسها وتحلّق معه لأعلى في السماء، وكثيرًا ما تشعر أنه يحدثها ويوجه لها الكلام ثم تعود مسرعة تنفض عن رأسها مثل تلك الأفكار الساذجة.
وذات مساء طرق باب البيت ويبدو أن عبير كانت تعلم من الطارق من استعداداتها في البيت والطبخ المميز وأيضًا هيئتها المميزة.
وقفت خلف الباب فتحت بقدرٍ وجيز يسمح بدخول الآتي، ولم يكن الآتي سوى ضياء زوجها، فتصافحا وتعانقا.
_ كيفك يا خوي؟ إتوحشتك كَتير يا جلبي!
_ كيفك إنتِ وكيف جمر و العيال؟! ماحدش جه يسلم عليّ يعني!
قالها وهو يتلفت حوله في كل اتجاه، فأسرعت عبير تجيبه بدلال: كلهم ناموا، وبعدين يا راجل هو اللي يغيب شهور عن بيته عيعاود يشتاج لأخته وللعيال!
_ عنديكي حج.
_ خلاص اطلع فوج اتسبح عبال ما أسخِّن الأكل وأجيلك.
وبالفعل صعد الاثنان ودخلا للغرفة، فخلع ضياء ملابسه، اتجه للحمام فأغلقت عبير عليه الباب من الخارج وأوصدته لتضمن ألا يدخل لقمر.
ذهبت مسرعة تسخّن الطعام وعادت سريعًا تحمله في صينية ثم فتحت الباب برفق، وما أن أنهى حمامه وخرج حتى نادته بهدوء ليجلس فالطعام ساخن ولو تُرك سيبرد.
ثم أغلقت باب الغرفة وأوصدته وهي تقرأ نيته في الذهاب لأخته عقب تناول طعامه، فخلعت ملابسها لتكشف عن ملبس داخلي قصير للغاية ومكشوف يظهر منحنيات جسدها بالكامل ومفاتنها الأنثوية المثيرة ووضعت عطرًا فواحًا.
جلست جواره بهيئتها هذه وبالطبع كان يتطلع إليها محملقًا في كل إنشٍ بها، وفي لحظة وكانت تتصنع تقديم الطعام لكنه بالطبع لم يمد يده على الطعام بل نهض واقفًا ممسكًا بيدها ويجذبها نحوه ويسير بها لفراشهما؛ حيث لقاء بعد فراق أشهر ملئ بالرغبات الخاصة جدًا.
أما قمر فقد كانت في غرفتها لا تعرف شيئًا عن مجئ أخيها من سفره، كل ما تفكر فيه هو أن الغد ستُعلن نتيجة الثانوية العامة وستذهب لإحضارها من المدرسة.
وقد فارق النوم جفنيها وأقسم أن يزورها لكنها مع ذلك لم تنتبه بمجئ أخيها ولا لأي أصوات تخرج من الغرفة المجاورة.
ربما لأنها شغلت نفسها بقراءة تلك الخواطر والأشعار من جديد وسافرت بين الكلمات وجمال التصوير.
وجاء الصباح واستعدت قمر لتخرج متجهة إلى المدرسة لتحضر شهادتها وتجني نتيجة تعبها...
......................
........................................
Noonazad 💕❤💕
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top