(24)

( بعد الليل)
الفصل الرابع والعشرون

بقلم نهال عبد الواحد

على صعيدٍ آخر وفي بيت محمد عبد الحفيظ الزوج الأول، كانت آمال بحجة حملها هذا قد وضعت الجميع كالخاتم في إصبعها وتمكنت بالتحديد من التحكم في فوزية والسبعية وحب السيطرة السائد في شخصيتها.

لكنها لم تجد حلًا حتى الآن لبخلها وغلولها الشديد، لكنها على أية حال لن تيأس؛ فقد قطعت شوطًا كبيرًا في زمنٍ قياسي.

وتشاء الأقدار ويتوفى الحاج عبد الحفيظ والد محمد وكان لذلك صديً شديد في العائلة، حتى وإن كان شخص غير مؤثر لحدٍ كبير فإنه في النهاية زوجها وأبوهم.

وكما هو المتعارف عليه من عادات الحزن والحداد الشديد الإمتناع عن طبخ ألوان طعام بعينها أو تناول الفاكهة والحلوى لأجل غير مسمى! بل وتناول وجبة واحدة تكفي!

بل لربما يمتنعون عن النوم فوق الأسرة وهناك أسر تظل في الخلاء لمدة أربعين يومًا!

لن أتحدث عن ارتداء الأسود تمامًا لأجل غير مسمى بالإضافة إلى النواح الدائم والتفنن في كلماته والعياذ بالله، يمكن إجمالًا أن نقول أنهم يلزمون أنفسهم بتشديدات تبعدهم عن كل ألوان الحياة، لدرجة تصل إنه إن دخل عيد الأضحية لن يضحوا لأنهم بذلك سيسمحون لأنفسهم بالفرحة...  كلها أمور جاهلية ما أنزل الله بها من سلطان يتمسكون بها تحت بند هذا ما عهدنا عليه آباءنا و أجدادنا، إلا من رحم ربك من أصحاب اللُّب الواعي و هم للأسف قليلين!

ربما تناسبت عادات الحداد تلك وجاءت على هوى فوزية، لكن آمال لن يعجبها ذلك الوضع طويلًا وبدأت تضغط بورقة حملها على زوجها...

_ باجولك إيه يا محِمد! أنا مهبّطة وما جدراش نفسي ف حتة فاكهة شوية تفاح ولا شوية موز، الواد عيجراله حاجة!

_ ما يصُحش إكده يا آمال! أبوي لساه ميت بجاله شهر أجوم أجيب لك فاكهة تاكليها!

_ عايز تموتني أنا والواد يا محِمد!

_ لا لا بعد الشر، كله إلا الواد، بس أمي لو عرفت عتطربج الدنيا وتجندلها فوج روسنا.

_ وهي مالها ولا حد عيجولها تاكل، خليها هي ف حِزنها!

_ أخاف على زعلها.

_ لا والله! يعني آكل طين عشان ترتاح إنت وأمك!  طب أنا ما طيجاش وعروح أجعد عند أمي لحد ما الحصار دي ينفك.

وهمت بالوقوف فأسرع بإمساكها قائلًا: طب إهدي إكده الكلام أخد وعطا، وبعدين مش أصول تسيبي بيت جوزك ف الظروف دي.

فشبكت ذراعيها أمام صدرها قائلة: ماليش صالح.

فصاح فيها: ما تطلعيش زرابيني عليكِ.

_ خلاص روح نام جار أمك.

_ هه!

_ إنت مش حزنان وعتحرِّم عليّ الوكل يُبجى كل حاجة ممنوعة، يلا فوت إكده عايزة ارجد.

_ يا آمال...

و قبل أن يتم كلامه كانت قد أغلقت باب الغرفة في وجهه!

بالطبع كان الموقف منتهيًا ولم يطلع النهار إلا وقد ذهب وأحضر ما طلبته، لكن أدبًا له لم ترد عليه أيضًا وتركته يتوسل إليها أمام باب غرفتها!

أما عن قمر فقد عادت للبيت وبدأت تجمع كل الورق الممزق وفي صباح اليوم التالي خرجت إلى الشارع تجمع ما تجده من باقيا أوراق الكتب التي مزقتها عبير حتى إنها لتبحث بداخل القمامة!

جمعت كل ما طالته يدها وبدأت تلصقه بشريط لاصق و هي تبكي بحرقة وتستعوض ربها فيما قد ضاع ولم تتمكن من إيجاده!

وبدأت تستذكر  من بقايا ذلك الورق المهترئ بعضه والمتسخ بعضه بفعل أنه كان بداخل القمامة أو سقط في الشارع وسط طين أو داست عليه الأقدام سواء أقدام آدمية أم أقدام أخرى، فكان الوضع أكثر صعوبة وألمًا.

ومر بضعة أيام على تلك الواقعة وكان شريف يتمنى لو يسمع أي خبر عنها، لكنها لم تخرج من بيتها من يومها وعزمت ألا تخرج إلا إلى لجنة الإمتحان.

وذات يوم وكان يسبق إمتحانها بيومين وكان شريف جالسًا شاردًا كعادته في الآونة الأخيرة وأمه تتابعه بعينيها دون أن تعقب منذ ذلك اليوم الذي دق بابه الخطّاب ليطلبوا خطبتها منه!

كيف تجرأتم واقتربتم من مهجة الفؤاد؟
بل كيف تجرأتم ونظرتهم إليها نظرة الخاطب الراغب؟!
ترى ماذا لو تخطوه ووصلوا إليها؟!
ترى ماذا لو دقوا أبواب أهلها؟!
مؤكد سيوافقون!
هاهي العادات، بما أنها قد تزوجت و طُلِقت، إذن فهي معيوبة وعليهم إعطاءها لأول من يأتي إليها ليتخلصوا من حملها...  ومصيبتاه!
سيخسر حبه الوحيد!
أجل! حبه الوحيد!

ووسط هذا الزحام من الأفكار يسمع دق الباب، تجمعت الدماء في عروقه واحتدت ملامحه ورفع درجات التعبئة القصوى استعدادًا للهجوم، أجل ومن يكون الطارق سوى أحد الخطّاب الذين يلحّون عليه بسماجة، ففتح بقوة ليفتك بمن يقابل...

لكن بمجرد أن فتح الباب حتى وجد أمامه الشيخ مجاهد، فزفر براحة فجأة وتهللت أساريره وردت إليه روحه وارتمي بين أحضانه يعانقه بحرارة ويرحب به أشد ترحاب.

_ حمد الله على سلامتك يا عمي مجاهد، ربنا يتقبل، عاودت ميتى م العمرة؟!

_ يادوب من يامين، كيفك وكيف أخبارك؟

_ نحمد الله، والله ده كان واجب علينا إحنا اللي ناجي و نسلم عليك.

_ يا ولدي ماعتفرجش صدجني، راحة و تجديد، ربنا ما يجطعها عادة!

ثم سكتا قليلًا حيث كان شريف يصنع الشاي، لكن يبدو عليه الفكر والشرود، ثم انتهى من صنع الشاي وقدمه بلا خسائر هذه المرة.

فتابع الشيخ: وعيت للحصُل لجمر!

فأجاب بلهفة واضحة واندفاع: خير جرى إيه تاني! جلبي مشغول عليها وخايف عليها صُح... أجصد يعني إكمن الإمتحانات يعني كمان يامين وهي لا حس ولا خبر، طمني يا عمي الله يستر عليك!

مهما تراجع في حديثه ليعدّله لم يتراجع عشقه ولا أشواقه التي تأبى إلا و تفيض من بين كل الحروف والكلمات!

أطال الشيخ النظر إليه ثم ابتسم وقال: شوف يا ولدي، جالوها ف الأمثال اخطب لبنتك ولا تخطبش لابنك، وبصراحة إنتو التنين ولادي وعايزكم لبعض.

فوجم شريف ط، ثم تسآل: إحنا مين؟!

فأجاب الشيخ وقد اتسعت ابتسامته: إنت وجمر.

فسكت ولم يعقب وتجمد كل الكلام في حلقه!

فتابع الشيخ: مش بس لأنك راجل وجدع وولد أصول صُح؛ كيف واجف معاها وجارها عتساندها وتساعدها! لكن كماني عشان اللي عيحب عمره ما يؤذي حبيبه.

_ حبيبه! إيه الحديت دي يا عم الشيخ!

_ ماله حديتي! عايز تجول مثلًا إنك ما عتحبهاش، ده العشج والشوج عيفط من عينك.

فأجاب شريف على استحياء: إنت برضو اللي عتجول الحديت الفاضي دي!

_ الحب حديت فاضي! ده نعمة ورزج من عند ربنا إنك تلاجي حد تحبه وتشتاج له ويابخته صُح اللي جلبه ربنا ينعم عليه بالحب، ده جال وحنانًا من لدنا، يعني نعمة الحب، ومادام ما عيكون في إطار شرعي يُبجى ربنا عيتمم بخير!

ثم تابع قائلًا: ولا كنّك فاهم إن الحب دي بدعة جديدة، ده سيدك النبي، ما تصلي عليه يا أخي...

فرددا معًا: صلى الله عليه وسلم!

فتابع الشيخ: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان عيحب أمنا عائشة رضي الله عنها وكان عيجاهر بدي جدام أي حد ويجول عنها إنها أحب الناس لجلبه فكان يدللها ويداعبها ويحسن إليها وجول ما شئت من الحنان والحب وما كانش يتحرج إنه يجول إكده أبدًا،
عندك كماني سِتنا زينب الكبرى بنت النبي عليه الصلاة والسلام لما تزوجت أبا العاص وكيف كان بناتهم حب وسعادة متبادلة لحد ما اتفرّج بناتهم بحكم الله بعد الإسلام وجبل ما يسلم أبو العاص، وكد إيه جعدوا حزانى م الفراج والبعد دي، لحد ما وجع أبو العاص ف الأسر جت سِتنا زينب وفديته بقلادة لأمها سِتنا خديجة، وبعد ما هاجرت وحدها  ووجع ف الأسر مرة تانية هي اللي اتشفعت له عند سيدنا النبي، يعني حتى و هو متفرِّج بناتهم كان لسة الحب جواهم، ورجع لها تاني بعد ما أعلن إسلامه، و بعدها بعام واحد إتوفت سِتنا زينب وهو حزن عليها كتير و بكاها كتير، وغيرهم وغيرهم...

يعني الحب حاجة موجودة ومعترف بيها، لكن عنجول إيه للعالم الخلل، اللي عيتجوز الحُرمة من دول عشان تخدم ف بيت أهله وتعشّر كيف البَهيمة وتزرب في عيال، لكن معاملة زينة وكلام طيب يجولك لا، تركبه، و ما يُبجاش راجل، الراجل هو اللي مرته تترعب منه هو اللي يُضرُب ويسب و يلعن، والله يا ولدي كلاتها شنبات وبس مالهاش علاقة بالرجولة...
وتلاجيهم ما يعرِفوش إلا مثنى وثلاث ورباع، والرجال قوّامون على النساء، طب افهموا  معنى الكلام واجروه لآخره، ماهو في خيركم خيركم لأهله، و استوصوا بالنساء خيرًا...

فابتسم شريف قائلًا: والله يا عم الشيخ مجتنع بكل حديتك دي، بس كُت خايف أهلنا يجوموا علينا إكمن يعني سبج لها الجواز!

_ تفكير عقيم، عياخدوا من شرع الله اللي على هواهم وبس!

نفسي ياولدي الجيل الجديد دي يكون أحسن منينا، يغيِّر العاهات دي ياخد العادات الزينة ويسيب العاهات اللي تودي ف داهية دي. 

– ياريت يا عمي.

_ واحد زيك مِتعلِّم ومِتنوِر لزمن يكون غير.

_ إن شاء الله، عنروح نخطبها رسمي بعد الإمتحانات يا عمي وبعد إكده نكتب وتكمل علامها ف بيتها.

_ ياريت ياولدي، يارب تعدي الإمتحانات على خير!

_ يارب يبعد عنيها الخطاب بس أهم حاجة!

فضحك الرجل وأكمل: صدجت، دي الواحد خايف يلزقوها لأي حد.

_ أنا بدي أفهم الناس دي جنسها إيه! مفيش راجل واحد ف العيلة دي يجول كلمة حج! وإيه بت عمها دي!

_ والله يابني العيلة دي ما كانش فيها إلا عمك حسٍان الله يرحمه، لكن من بعده كل واحد راح ف ناحية، وبجت الرجالة تسافَر وتعاود كل فين وفين والحريم أهي بتحكم حكمها المجندل مفيش وسط أبدًا!

_ عفضل على نار إكده لحد ما تخلِّص إمتحانات.

_ الله يصبِرك!

.
فضحكا الاثنان.....

.........................

........................................

Noonazad    💕❤💕

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top