الفصل الثاني
لا تنسوا التصويت والتعليق بين الفقرات💙✨
—————
عندما استيقظ الشاب وجد نفسه على سريرٍ يلائم حجمه، وأمامه كرسي وطاولة يلائمان حجمه أيضًا، ولوهلةٍ ظن أنه كان يحلم حتى رأى ارتفاع الغرفة الشاهق. لمح الباب الذي تُرك مفتوحًا قليلًا، فخرج معتقدًا أن هذه فرصته للهرب من هذا المكان، لكن الأمل الذي جاء سرعان ما تلاشى عندما رأى إفليا يصفُّ بعض الكريات الصفراء اللامعة إلى جانب بعضها البعض ويربطها بخيط رفيع.
«لقد استيقظت أخيرًا!» ناداه وسحب علبةً صغيرةً مقارنة بيده «هيا، سنخرج.»
اشمأزَّ الشاب من نبرته الآمِرة «ومن قال أنّي آتٍ معك؟ أنا عائد لمنزلي!»
قهقه العملاق بصخب وأمسك بيد الشاب ليرغمه على ارتداء السوار الأصفر، ثم جرّه خلفه لخارج المنزل دون أي اهتمام بتألمه «لا سبيل لمغادرة البشر من هنا، من الأفضل أن تعتاد على الحياة هنا قبل أن يلتهموك.»
ابتلع الشتائم التي أراد قذفها، وسار مهرولًا إلى جانب إفليا تحت جنح الظلام، لم يرَ أحدًا غيرهما بالشارع، ولم يعلم إن كان هذا من حسن حظه أم من سوئه. توقف إفليا فجأةً ومدَّ يده نحو السماء حيث لا يرى بومقيو، ثم أمسك بنجمةٍ لامعة ووضعها بالعلبة التي قد دسّها بجيب ملابسه.
«لقد التقطت نجمة!» شهق البشري مصدومًا «كيف لم تحترق يدك؟!»
استغرب العملاق للحظة من صدمته، ثم ضحك وكأن أحدًا ألقى عليه دعابة «نسيت أنكم أيها البشر تسمون هذه الأحجار بالنجوم.» مسح الدمعة التي سقطت من عينه إثر ضحكه ثم عاود الحديث «الحجارة التي تنعتونها بالنجوم أبعد بكثير عن أرضكم مقارنةً بعالمنا، أما هنا فهي في متناول اليد نصنع منها ما شئنا من مجوهرات وحلي بسهولة لأننا لسنا ناعمين نحترق بسهولة مثلكم. الطوق حول عنقك مصنوع منها.»
لمس بومقيو العقد منزعجًا من تسمية إفليا له بالطوق، واستغرب من أن هذه الكريات الملساء مصنوعة من النجوم، فقد ظن طوال حياته بأن النجوم ستكون ذات ملمس وعِر خشن، ولم يبدُ له أن هؤلاء القوم يعرفون كيف يغيرون ملمس الحجارة.
توقفا عند بيتٍ ما، وفتح إفليا بابه دافعًا ببومقيو إلى داخله ببساطة. رفع البشري رأسه، ورأى عملاقةً ترحب بإفليا بحرارة، ثم انحنت إلى مستواه وعبثت بشعره متحدثةً كما لو أنها تتحدث مع طفل رضيع «مرحبًا أيها اللطيف، اسمي لُوا، ما هو اسمك؟»
كاد بومقيو أن يجيب لولا أن إفليا تدخل قبل ذلك «أسميته قُطيط.»
ضحكت لُوا «أهو مشاكس؟»
«جدًا.» أجابها ثم سأل «أين بشريُّك؟»
لمعت عينا العملاقة ثم نادت «آيمو! لقد أتى إفليا!»
ظهر شابٌ وردي الشعر من إحدى الغرف وتقدم ناحيتهم. كان يرتدي طوقًا حول رقبته، واثنين آخرين حول قدميه. ربّتت لُوا على رأسه ثم غادرت هي وإفليا إلى غرفةٍ أخرى لتعطيه الشابة أيًا كان ما يحتاج، لم يركز بومقيو بما قالاه.
«هل آيمو اسمك الحقيقي؟ إنه غريب...» خاطب بومقيو البشريّ الآخر.
«إنه ما أُنادى به بهذا العالم.» مدَّ آيمو ذراعيه ثم استلقى على الأريكة بكسل ليأكل ما أمامه من طعام «يعتبر قوم العقّاد البشر حيواناتٍ أليفة لهم.»
عقد بومقيو حاجبيه «وكيف نهرب منهم ونعود لوطننا؟»
«لمَ تريد أن تعود؟» مد الشاب آنية الطعام لبومقيو بعد أن أكل منها «الحياة مريحة هنا، يأتيك الطعام والشراب الذي تريده، سيعطونك ما تريد ويهتمون بك دون أن تثقل كاهلك أية مسؤوليات.» خلل أصابعه بخصلات شعره الوردية «ستعيش برفاهية لم يسبق لها مثيل، فلا أحد لا يحب حيوانه الأليف.»
فضّل بومقيو ألّا يرد على آيمو، وجلس على أريكةٍ بعيدة بصمت ينتظر عودة إفليا مبعدًا نظره عن الشاب الذي استمر بتناول الطعام بلا مبالاة. لم يطُل ذلك كثيرًا، وما إن أتى العملاقان من حيث كانا حتى أشار إفليا لبومقيو ناحية الباب ليغادرا. وبعد أن عانق آيمو بومقيو مودعًا له -بحسب أوامر لُوا- غادر العملاق والبشري عائدين لمنزل إفليا.
بطريق عودتهما قال إفليا بأنهما قد ذهبا للُوا لأجل أن يستعير منها بعض الأدوات لصناعة المجوهرات، لكن بومقيو قلّب عينيه وقال بأن لا أحد يهتم وبأنه لم يسأله أصلًا. لم يعجب ذلك إفليا، وأمسك بأنف الشاب من الجانبين بقوة ليذكره بأنه ملكٌ له ولا يحق له أن يتحدث معه بهذه الطريقة.
حاول بومقيو الابتعاد عنه غاضبًا، لكن العملاق شدَّ قبضته عليه حتى وصلا للمنزل ودفعه بعنف لداخل الغرفة التي استيقظ بها.
«ستكون هذه غرفتك.» تحدث بجفاء «لقد وضعت لك أثاثًا يناسب حجمك كي ترتاح، سأعطيك الطعام ثلاث مرات في اليوم لأنك بشري وتحتاج الغذاء كي لا تموت. سأكافئك بالوجبات الخفيفة إن أطعتني، لكنك لن تريد رؤية العقاب الذي سيحل عليك إن عصيتني.»
حاول بومقيو الهرب مساء تلك الليلة، لكن إفليا أمسك به وربط سلسلة حديدية حول خاصرته وثبتها بجدار غرفته عقابًا له. سمح له الرجل بالخروج معه باليوم الذي يليه دون رباط، ثم ذكَّره بأن اسمه هنا هو قطيط، وأنه سيُعاقب إن استخدم اسمًا آخر.
رأى بومقيو عمالقة قوم العقّاد وهم يتسابقون ليروا من يلتقط النجوم أولًا وكأنها لعبة سهلة، كما أنه رأى منهم من يسير مع بشريين مثله، بعضهم كان مقيدًا كالكلاب، والبعض الآخر كان يمشي حرًا مثله، حتى أن بعضهم حاول الهجوم عليه لولا أن عمالقتهم أمسكوا بهم.
كل ذلك كان مخيفًا ومرعبَا بالنسبة لبومقيو، لكن لم يكن بوسعه غير أن يراقب ما حوله منتظرًا أن تسنح له الفرصة ليهرب من هذا العالم قبل أن يحوَّل هو الآخر لقطعة حلي.
حاول الهرب مرتين بعد ذلك اليوم وفشل في كلتيهما، بالمرة الأولى منعه إفليا من الطعام، وبالمرة الثانية استشاط غضبًا وقيّد يديه بحبل ثخين وعلّقه كما السلسلة الحديدية بجدار الغرفة، وبكل مرةٍ يعصيه بها كان يشعر بالألم الشديد حول رقبته، لكنه لم يُفلح في قطع الطوق الذي تيقن من كونه المسبب لهذا الألم.
لم يحاول الهرب بعدها، صار يطيع إفليا خوفًا من عقابه، صار ينفذ أوامره كحيوانٍ أليف مطيع، وحتى أنه صار يدعو نفسه بقطيط عوضًا عن بومقيو لئلا يشتد ألم عنقه. لكنه رأى بعد بضعة أيام ورقة صغيرة بين الكرسي والطاولة في غرفته، وسرعان ما اكتشف أنها رسالة قد كتبها آيمو بعجلة واضحة.
«يستطيع قوم العقّاد سماع أي شيء تقوله، لهذا بدأت أكتب لك هذه الرسالة عندما أخبرتني لُوا بأن إفليا سيحضر معه بشريًا. لا أعلم كيف انتهى بك المطاف في هذا العالم، لكنني دخلت بيتًا مهجورًا بأحد الأيام ورأيت نفسي بغابة بمملكة العقَّاد فجأة.
عدد العمالقة الذين يعاملون البشر كبشر نادر، فالأغلب يستخدمنا كسلع نادرةٍ تباع بأثمان باهظة. إن غادرت المنزل نهارًا فمن الممكن أنك قد رأيت بشرًا متوحشين يودون الهجوم عليك، ولربما رأيت أنهم هزيلو البنية والكدمات تملأ أجسادهم. أولئك لا يعاملهم العمالقة جيدًا؛ رؤية بشري بحالٍ جيدة تثير غيرتهم وغضبهم.
لُوا تعاملني كحيوان أليف لا مشاعر أو رأي له، لذلك ترى شعري ورديًا والأطواق المبهرجة تعانق قدميّ وعنقي، وعلى الرغم من ذلك أعدُّ تعاملها أفضل بكثير من تعامل إفليا مع البشر. آخر بشري امتلكه قد ضعف كثيرًا بسبب عقوباته، فقد كان يتركه بصقيع الليالي دون ملابس تدفئه، وكان يحرمه الطعام ويضربه حتى تنزف دماؤه.
اكتشفنا كيف نستطيع الهرب من هذا المكان، لكن ضعفه قد حال دون ذلك وأمسكوا بنا. ضربه إفليا حتى فارقت روحه جسده، وأما أنا فلم أرَ الشمس أو الطعام الكافي لشهرين.
عليك أن تهرب حالما تسنح لك الفرصة؛ كلما طالت فترة بقائك هنا زادت إمكانيتهم في تعقب حركتك، فالأطواق تساعدهم في ذلك. عليك الهرب لشاطئ بحر ثافين، ستجد هناك كوخًا بحجمنا نحن البشر، ستستطيع العودة لعالمنا إن دخلته.
لست متأكدًا مئةً بالمئة من نجاح ذلك، لم يستطع أي بشري الهرب من هذا العالم، وأتمنى أنك لن تكون منهم. فات الأوان لأن أهرب أنا، لكنني أتمنى أن تصل لعائلتك بسلام. تحياتي، كاي.»
«وهكذا مرّ الأمر. ما إن عرفت أن البحر الذي خرجت منه يكون بحر ثافين حتى انتظرت حلول الليل، وتأكدت من غرق إفليا بنومه، ثم هربت.» تحدث بومقيو بأسف للرجل أمامه «كنت ما أزال أتألم من العقد ومن ربط إفليا لساقيّ ويديّ، لكن ما إن وصلت للشاطئ وشعرت بأن أحدهم يلاحقني حتى فقدت إحساسي بالألم وأطلقت قدميّ للريح إلى أن وجدت الكوخ.»
«قلتَ أن اسمك بومقيو صحيح؟» وضع الرجل كفه على جبين الشاب وأغمض عينيه. تجاهل استغراب بومقيو بعد فتحه لعينيه، ونهض من مكانه ليخرج شيئًا من مكان ما بالكوخ «كنتُ من البشر أيضًا، دخلت مكانًا لم يكن علي أن أدخله ووجدت نفسي في هذا العالم. لحسن حظي أن أحد حكماء قوم العقَّاد هو من وجدني، وعلمني ذلك العجوز السحر. لا أستطيع بسبب ذلك العودةَ لعالم البشر لأنني لم أعد منهم، لكنني أستطيع مساعدتك في ذلك.»
«ماذا عن كاي؟» سأله بومقيو بحماس «هل تستطيع مساعدته أيضًا؟»
«اترك أمر كاي لي، وفكر بنفسك الآن.» جلس الساحر أمامه ووضع أمامه قلمًا وكتابًا فارغ الصفحات «لكل إنسانٍ يأتي هنا طريقة واحدةٌ فقط للعودة، أي أن الطريقة التي ستعود بها تختلف عن الطريقة التي سيمكن لغيرك أن يعود بها. لقد وقَعت بكتاب، ولذلك فعليك أن تكتب كل ما واجهته هنا بهذا الكتاب، ثم سأرسله لعالم البشر.»
أخرج الرجل سكينًا ليقطع بها الطوق حول عنق بومقيو محررًا إياه منه ثم أكمل «إن قرأه أحدٌ من البداية حتى النهاية فستستطيع أن تعود. لكن يشترط عليه أن يقرأه قبل أن ينتهي اليوم السابع والعشرون من مايو، ذلك لأن الكتاب يجب أن يبقى مفتوحًا كي تنتقل عبر العالمين.»
«لمَ السابع والعشرون من مايو تحديدًا؟ وهل سيقع من يقرأ كتابي به كما وقعت أنا بذلك الكتاب؟» سأل مستغربًا.
«سيكون السابع والعشرون من مايو تاريخًا مهمًا في حياتك إن عدت لعالم البشر بسلام. أما القارئ فلن يصاب بأي ضرر، فأنتَ قد فتحت كتابًا مُرسلًا من أحد العقّاد بهدف اصطياد البشر.» نظر الرجل لخارج نافذة الكوخ ورأى الشمس تكاد تشرق «إن اليوم هو العشرون من مايو في عالمك، عليك أن تبدأ الكتابة بسرعةٍ إن لم ترِد أن تبقى هنا للأبد. لديك محاولة واحدة فقط، لكن تذكر بأنك ممنوع من أن تطلب من القارئ في بداية الكتاب أن يواصل القراءة. هذا هو الشرط الوحيد.» ابتلع بومقيو ريقه، وأمسك القلم بيد مرتجفة قبل أن يبدأ خطّ قصته على الورقة.
لا يصل قوم العقَّاد للسحاب فحسب، بل يتسابقون ليلتقطوا النجوم ويستعبدوا البشر. أنا أكون بومقيو، وأقسم بأن كل ما كتبته هنا حقيقي. اقترب السابع والعشرون من مايو؛ أتوسل إليك... لا تغلق الكتاب.
—————
تمت💙✨
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top