البارت السادس
تدخل زين ليتحدث بنفس الإرتباك، بعد أن دار برأسه في المكان كأنه يتأكد أن أكدا لا يتجسس عليه:
حقيقة، الظل الأسود ليس الزعيم.. كل ما في الأمر أننا كبرنا على مناداته بتلك الطريقة.. لدى اخترنا لقب الزعيم تجنبا لمناداته باسمه...
رفعت كايت أحد حاجبيها باستغراب بينما ضمت دراعيها نحوها بنوع من الإحتجاج، لتردف قائلة بتساؤل:
و ما هو اسم زعيمك هذا بأية حال..؟ و عن أي طريقة تتحدث...؟
تنهد زين بيأس و معالم الخوف تكتسح وجهه ليتحدث برهبة بينما يتذكر اللحظة التي ينطق بها في جمل متقطعة قائلا و لا زال الإرتباك و التردد يلازمانه:
لا أستطيع إخباركم.. فآخر مرة أي قبل اثني عشر سنة.. عاقبني الزعيم لأنني أفشيت خطته لتحرير أحد أكبر المراكز.. و قد حرمت من التحليق لأسبوع كامل.. و لن تتصورو ألم قبضته...
قال آخر كلماته و هو يفرك رأسه من الأعلى، و كأن ألم الضربة ما يزال معششا بين خصلات شعره، ظهر الإرتباك على كل من هيلين و ميان اللذان ابتلعا ريقهما بمشقة، بينما تحدث روي و هو يفصح عما استنتجه من خلال تحليل كلام زين:
إذن لابد أن زعيمك فقد قوته هذه.. نظرا لكونه اعتزل قبل عشر سنوات بالضبط...
تنهد زين ليبعثر شعره الأسود الفاتح بفوضوية، فجأة ظهرت ملامح جدية و حازمة على وجهه، ليقف باعتدال، و هو يحدق بعينيه البنية في اتجاه روي، بنظرات ملؤها الحقد، ليردف بعد أن أبدى اعتراضه حول كلام غريمه:
إن لم تكن على دراية بما جرى أو ما سيجري.. فيفضل أن تقفل فمك يا هذا.. و بالمناسبة، فالزعيم لم يستخدم حتى هذه اللحظة سوى عشرة في المئة من قوته.. أي ما يعادل ضعف قوة الغرباء مجتمعة.. و لا زال يتمتع بهذه الطاقة الهائلة.. لدى لا أسمح لك أن تنتقص منه أمامي...
أنهى كلماته الحادة و هم ليغادر ناحية الغابة، لكن ميان استوقفه و هو يحاول إقناعه باصطحابهم، بعد أن أمعن زين النظر به عاد ليبتسم من جديد و هو يبعثر شعر ميان الأزرق بيده في حركة مداعبة ليتحدث بودية قائلا:
مؤكد ستثير انتباه الزعيم.. حسنا هيا بنا إذن...
و انطلقوا خلفه بحذر، و على الرغم من محاولة زين كي يعرف غرضهم من مقابلة "الظل الأسود" إلا أنهم أبوا الإفصاح عن السبب الرئيسي، عدا كونهم يحتاجونه بأحد المهمات.
بعد مدة من السير، اختبأت خلالها الشمس بين أطلال الجبال، ليحتل مكانها القمر بارزا وسط السماء المرصعة بالنجوم؛ كان زين يسير في المقدمة و خلفه البقية، بطريق مستقيم و حولهم أشجار من كلا الجانبين مما يوحي على أنهم حاليا في الغابة و ليست أي غابة، بل إنها الغابة التي تعتبر آخر حاجز نحو قرية الغرباء التي هي تحت حماية الظل الأسود.
فجأة توقف زين، ليرجع يده للخلف و هو يفرك مؤخرة رأسه بحركته المعتادة، قبل أن يتنهد بتعب، و يلتفت إليهم، و قد كان الخمسة الذين خلفه ما زالوا يرتدون رداءا يخفي ملامحهم، بيد أن هذا لم يمنع ظهور ملامحهم المستغرب، أما البعض منهم فقد كان بوضعية الإستعداد للهجوم ظنا منهم أن شيئا ما قد حدث، أو أن زين تراجع عن كلامه، لكنه ما إن التفت إليهم حتى بدت على وجهه ملامح التعب و الإرهاق، بينما يقول و هو يتثائب بنعاس شديد:
أيمكننا أن نكمل السير في الغد..؟ أنا متعب نوعا ما.. كما أن حدود القرية لن تفتح قبل شروق الشمس...
تقدم إليه كارل أو بالأحرى كارلوس ببنيته الضخمة، ليمسكه من ياقة قميصه بعنف بينما هو يصك على أسنانه بنفاذ صبر قائلا بنوع من التهديد:
أتحاول مماطلتنا يا هذا..؟ سنكمل الآن، أتسمع...؟
في حين كان زين يحدق به ببلاهة و وجه بريء كأنه لم يستوعب بعد ما قاله كارلوس، لكن بعد برهة استطاع فيها زين ترتيب أفكاره، دفع يد كارلوس التي تشد على ياقته، و عدل من ملابسه، ليتجه نحو شجرة كبيرة و منحنية بزاوية قليلة، ثم انبطح ليتكئ عليها بإنهاك و قد أحاط نفسه بجناحيه.
في البداية لم يتدخل أحد عدى كارلوس، لكن عندما أبدى زين عدم اهتمامه لهم، تدخل طرف ثالث و هو القائد روي، ليقف أمام زين بشموخه المعتاد كمن يحمل هيبة رجل في الخمسين و ليس في العشرينات فقط، ليستلم دفة الحديث قائلا:
أعطنا سببا وجيها للتوقف الآن...
قالها بلهجة آمرة، ليرفع زين يده و هو يشير لهم بيده في اتجاه الطريق الذي يسلكونه، ثم أردف قائلا و النعاس يكاد يتغلب عليه:
أخبرتكم من قبل تغلق الحدود عند المغيب.. يمكنكم الذهاب إن اردتم القرية لم تعد بعيدة.. بضعة كلمترات أخرى و ستصلون.. لكن.. لا أضمن سلامة أحدكم فالحراسة مشددة دائما.. و لن يترددوا في قتلكم حين يشعرون بالتهديد...
كان يقول آخر جمله بنبرة عميقة حملت كل أنواع الجدية، لكنه سرعان ما غير ملامحه للمعتادة و يغط في نوم عميق، بينما ترك الآخرين هائمين في حيرتهم مما تلفظ به توا.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top