البارت السابع
كان يقول آخر جمله بنبرة عميقة حملت كل أنواع الجدية، لكنه سرعان ما غير ملامحه للمعتادة و يغط في نوم عميق، بينما ترك الآخرين هائمين في حيرتهم مما تلفظ به توا.
و لم يكن بيدهم من خيار، فليس بإمكانهم المجازفة بعد أن كادوا يلتقون بالظل الأسود أخيرا، لدى قرروا أن يستريحوا أيضا، و أن يتناوبوا على للحراسة كل بضع ساعات.
و هكذا مر الليل، دون أن يرخي أي منهم دفاعاته، على الرغم من أن الغابة تبدوا هادئة جدا و كأن لا حياة فيها، خاصة في الليل؛ ما إن أشرقت الشمس و بادرت تسرب خيوط أشعتها الذهبية لتداعب جفون النائمين، فتح زين عينيه ليدلكهما ببراءة، بينما هو نصف نائم لا يريد التخلي عن كسل النعاس هذا.
في حين بدأ كارلوس بإيقاظ البقية نظرا إلى أنه آخر من كان يحرس ليلة أمس، نهضوا جميعهم و وقفوا باعتدال، بينما كانت هيلين تمدد جسدها بعدم ارتياح لتقول بنبرة متذمرة طغى عليها طابع الإنزعاج:
النوم على الأرض ليس مريحا.. أرجوا أن زعيمكم يملك منزلا ملائما نرتاح فيه...
وجهت جملتها الأخيرة إلى زين، الذي ابتسم ببلاهة ليردف بفخر و بعض من التعالي و الغرور الطفيف:
ليكن بعلمك.. الزعيم هو أثرى شخص في العالم.. إنه من عائلة...
لم يتمكن من إنهاء جملته لأن حصاة صغيرة قذفت لتستقر بمنتصف جبينه، مما جعله يرتد للخلف إلى أن كاد يسقط من شدة الضربة، في حين كان يقف بشموخ، على غصن شجرة سميك، شاب يبدوا في التاسعة عشرة من عمره، بشعر أحمر ناري تتلاعب به نسمات الهواء الصباحية، و عيون حادة ذهبية اللون تتلألأ خلف نظارته الدائرية ذات الإطارات السوداء و النقوش الحمراء القانية.
كان تحديدا على شجرة قرببة خلفهم لكنه كان يقابل زين وجها لوجه، ليردف بنبرة هادئة و مؤنبة في الآن ذاته بينما يوجه الكلام لمخاطبه القابع يفرك جبينه بغيض:
هناك حدود للثرثرة يا زين.. سليستيا لن تسر بما تفعله أبدا...
ما إن سمع ذلك الإسم حتى تجمد مكانه ليحاول تبرير موقفه و قد كان الإرتباك باديا عليه لدرجة أنه لم يكد يجد كلمات لينطقها، قائلا بنرة يشوبها التوتر و الخوف:
س.. سام.. أنت لن تخبر الزعيم صحيح..؟ إنها مجرد زلة لسان و لن تتكرر.. هيا أولسنا جميعنا إخوة...؟
رمقه سام بنظرة استصغار قبل أن ينبس بلامبالات و استخفاف قائلا بعد أن استدار ليغادر:
لست أخا لأي منكم...
ثم هم بالقفز بخفة بين الأشجار الكثيفة الموزعة على جانبي الطريق الغابوي، بينما أرجع زبن يده خلف رأسه بحركته المعتادة و هو يبعثر شعره الكثيف ليتنهد بارتياح، لكن كايت ردت بغيض و غضب:
ياله من فظ.. ألا يعرف هذا الغر معنى التواضع...؟
ليسرع زين بحركة خاطف لم يتوقع أحد أن تبدر منه، ليضع يده على فم كايت كي يغلقه، و قد غلف وجهه نوع من الجدية الحازمة، و هو يتحدث محدرا إياها بقوله:
أصمتي سيسمعك.. سام أكثر شخص مقرب للزعيم.. حتى إنه يناديه باسمه على خلافنا جميعا.. و إن أغضبته...
لم ينهي جملته ليترك لها حرية تخيل أسوء ما قد يتبادر إلى ذهنها، لتتراجع للخف ما إن فعل زين، لكنها حقا بدت مقتنعة بكلامه ففقط ارتباكها و ابتلاعها لريقها بصعوبة جعلها تأخذ فكرة عن مدى خطورة المحيطين بالظل الأسود، فما بالك به شخصيا..؟
ما علينا، تجاهل زين ردة فعلها ليكمل سيره و الجميع يتبعه من الخلف، و قد كانت هيلين و ليام يحاولات مواساة و تهدئة كايت المضطربة، مر ما يقارب ساعة و بضع دقائق من السير المتواصل مع تذمرات هيلين اللانهائية.
و ها قد وصلوا أخيرا، فهاهم يحدقون ببوابة القرية المحاطة بسور كبير يمتد بما يكفي ليخفي ملامح القرية عمن بخارجها، تقدم زين إلى حارسي البوابة الضخمة، ليضع يده على جبينه و يسحب خصلات شعره للأعلى، مما سنح للحارسين رؤية تلك العلامة الغريبة التي تحملها الظل الظل الأسود، بيد أن هذه تبدو أقل وضوحا و ترميزا.
ما إن شاهد حارسي البوابة جبينه حتى ابتسم أحدهما و هو يقترب منه، ليلف دراعه حول رقبة زين و هو يفرك رأسه بقبضته بقوة، ليقول بنوع من المداعبة:
ليس عليك أن تريني الختم يا زين.. فمن لا يعلم عنك.. خاصة بعد الفضيحة...
أنهى جملته ليتبعها بضحكة عالية، بينما ازرق وجه زين و ابتلع ريقه بمشقة، ليردف بخوف يتملك كل أوصاله:
أ.. أية فضيحة وليام...؟
ابتعد عنه وليام، ليمد دراعه الأخرى باتجاه مدخل القرية، قائلا بابتسامة عريضة و نوع من الترحاب:
تفضل لتكتشف بنفسك...
أتشمت بي...؟
قالها زين بسخط، ليستجمع قوته قبل أن يخطوا أول خطوة نحو الأمام بشجاعة، لكن سرعان ما تبددة هذه الشجاعة، حين سمع صوتا أنثويا ثنائيا، يصرخ باسمه من بعيد:
زين.. أيها الوغد انتظر حتى نمسك بك...
ليظهر مجسمان لفتاتين تبدوا إحداهما في الخامسة و العشرين بشعر أسود حريري و عيون بنية، بينما الأخرى كانت تشبه زين لحد كبير فهي توأمه الأصغر، و كلتاهما ترتديان نفس الفستان البرتقالي الطويل و الذي تنتهي أطرافه بالأصفر الفاتح.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top