البارت الرابع

تجنب الحارس الضربة و ردها عليه بهجوم خاطف، لكن سرعان ما حرك الغريب -أي من فصيلة الغرباء- جناحه السليم لتنشب رياح عاتية قذفت بالحارس بعيدا.

ما عدا أنه استعاد توازنه بسرعة و لم تأثر به تلك الهجمة، هنا تحدث الغريب بينما يلهث بتعب، و قد أحاطه بريق يومض بشدة و كأنه غبار نجوم ملون، و هو يقف في وضعية الدفاع، قائلا بتفاخر و تحذير:

عندما يعلم الظل الأسود أنك هاجمت أحد أتباعه.. ستكون في عداد المفقودين...

لم يأبه له الحارس، فعاود الإنطلاق نحو الغريب و معه زميله الحارس، و في اللحظة الأخيرة حيث ظن أنه قد انتهى، انقض عليهم أحد الخمسة الذين يرتدون الرداء، و قد أفلت رداءه لتظهر ملامحه بعد أن طارت القلنسوة بفعل الرياح الناتجة عن اندفاعه.

عينان زرقاوتان، و شعر بني يلمع تحت أشعة الشمس الحارة، و بشرة أتت أكلها بفعل الحياة فسارت تميل إلى البني الفاتح، و قد كان يرتدي ملابس عادية كعامة الشعب، و يبدوا في الرابعة و العشرين من عمره كأقصى تقدير.

في غضون ثوان فقط استل سيفه الطويل المعلق على خصره، ليتصدى للحارسان بدراع واحدة و قد تسببت شدة الإرتطام في إفلات كل من الحارسين لسيفيهما، تراجعا لوهلة محاولام تدارك الوضع، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد قضى عليهما الشاب ذا العيون الزرقاء في غمضة عين.

تناثرت دماؤهما في الهواء، بينما وقف ذا العيون الزرقاء و هو ينفض سيفه و قد اندثر بريق طفيف حوله، مما يدل على أنه واحد من الغرباء و قد استخدم للتو بريقه لكن بنسبة قليلة، أعاد إدخال السيف بسلاسة إلى الغمد المرصع، ليعتدل في وقفته قبل ان يلتفت باتجاه الغريب صاحب الأجنحة.

تقدم إليه بخطى ثابتة و واثقة، ليقف مقابلا له، ثم امتدت دراعه إلى جيب بنطاله ليخرج منه منشورا مهترئا، يبدوا من شكل و حالة الورقة أنه قديم، أمسك مقدمة الورقة العلوية بيده اليمنى في حين استخدم اليسرى ليثبت نهايتها السفلية.

فاتضحت بالمنشور صورة الظل الأسود بألوان باهتة، لكن الملامح غير واضحة بشكل متعمد فهي تبدوا صبيا أكثر مما هي فتاة، و لن ننسى العصابة التي تعصب عينيها و تحمل ذلك الرمز، و كتب تحتها التالي:

" الظل الأسود يقبل مهمات مقابل مبلغ من المال..
أسواء كانت المهمة قتل شخص و تعقب أحد أو شيء، و يقبل أيضا مهام صائدي الجوائز..
و الأهم أن الفشل ليس احتمالا يندرج ضمن نتائج المهمة.. "

و قد كان الرسم متقنا و الكلمات متراصة بشكل منظم و خط جميل، ليتحدث ذا العيون الزرقاء بعد أن فرد الورقة في وجه الغريب، قائلا بجدية و حزم كما و قطب حاجبيه علامة على الإصرار:

هل هذا هو زعيمك..؟ أتعلم أين نجده...؟

تجاهله الغريب و راح في طريق سبيله، بينما بدأ الناس المتجمهرة تتفرق شيئا فشيئا، و لم يتبقى منهم سوى ذوي الرداء، شعر ذا العيون الزرقاء بالغضب من ردة فعل الغريب فاتجه نحوه بانزعاج بيد أن أحد زملائه استوقفه، ليتقدم الذي يضع لثاما نحو ذا العيون الزرقاء و يهمس له في أذنه، قائلا بعد أن وقف على أصابع قدميه بحكم قصر طوله:

روي.. دعني أنا أحاول محادثته.. إن أعطيتني الإذن طبعا فأنت القائد...

أومأ له روي بقلة حيلة بعد أن تنهد بيأس، ففتح المجال للفتى الذي ظهرت معالم طفولية على وجهه بعد أن نزع القلنسوة عن رأسه مع أنه في السابعة عشرة من عمره، فأبانت عن شعر أزرق بلون مياه البحر الصافية، و عيون زرقاء تميل إلى البنفسجي.

ركض خلف الغريب ليستوقفه، بأن منع عنه الطريق، و قف أمامه و هو مرتبك قليلا ليحادث الغريب بارتباك طفيف قائلا مع ضحكة طفيفة إثر توتره:

عذرا يا سيدي.. لكن جناحك مصاب.. و أنا أستطيع علاجه...

يقاطعه الغريب و هو ينظر بترقب و حذر بينما يتفحص ميان من رأسه حتى أخمص قدميه، ليتحدث بشك و قد اتخذ وضعية الدفاع قائلا بحزم:

و لما ستساعدني..؟ او بالأصح لما علي قبول مساعدتك...؟

رفع الغريب أحد حاجبيه باستنكار، منتظرا إجابة ميان و الذي بعثر شعره الأزرق السماوي بفوضوية تنم على الحرج، استغرق ثوان لكي يستجمع شجاعته و يتحدث أخيرا مع ابتسامة بلهاء:

في الحقيقة.. أنا أعتقد أنه علينا نحن الغرباء مساعدة بعضنا.. "يكمل بجدية" ..كما أن مبادئي تحتم علي مساعدة كل من يحتاج العون و لو من دون مقابل...

يصمت و يدقق النظر باتجاه الغريب و الذي يدعى زين، فجأة ابتسم زين بودية ليس و كأنه ذلك المتغطرس الذي كان يقف بشموخ قبل قليل، إنما انبطح ليجلس باعتدال على الأرض و هو يفرد جناحه المصاب مع أنين ألم خافت، و هو يحادث ميان بانبهار و يمتدحه قائلا:

قل أمثال هذه الأيام.. و سيفخر الزعيم بوجود شخص بقيم عالية ضمن الغرباء...

أرجع ميان دراعه للخلف بينما يحك خلفية رأسه بحرج و قد احمرت وجنتيه بالفعل، بعد أن تدارك نفسه، جثى على ركبتيه مباشرة خلف زين ليدقق النظر في جناحه الجريح.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top