البارت الأول
في زمن بعيد تكون فيه الغلبة للأقوى، و لتكون قويا تحتاج للسلطة و الجاه.. في زمن القادة الفاسدين و الثوار الطاغين.
كل ما هو غريب أو جديد، إما تجرى عليه التجارب أو يقضى عليه، في كلا الحالتين النتيجة واحدة، هؤلاء هم البشر باختصار، جل ما يستحوذ فكرهم هو الطمع و الرغبة العارمة في فرض السيطرة بطريقة أو بأخرى..
لكن.. ليس دائما ما يحصل الإنسان على ما يطمح إليه بشكل تام "فليس كل ما يتمناه المرء يدركه" و نظرا إلى أن قاعدة الحياة تفرض تواجد الشر، فلابد أن يتواجد الترياق المضاد ألا و هو الخير.
بيد أننا أحيانا نخلط بين الطرفين، و لا نفرق بينهما، نظل ننتظر زلة خطأ واحدة لننقض على البريء، و نسلبه حقه في الحياة.
و إن يكن؟ يقولها الجميع دون أن يدركوا أتهم ببضع كلمات يشردون و يصيبون و يقتلون.. أشخاص لا ذنب لهم، بل تلك نعمة و أردوها نقمة، فما بالك إن ثار المظلومون على الظالم أو بالأحرى على الظالمين..
أن تخلص البشرية من فيروس متطفل أو اثتين، ليس بالمعظلة صحيح؟ بل إنه نوع من التنقيح كوننا لا نحتاج أشخاصا عديمي الإنسانية في عالمنا.
في هذا الزمن بالتحديد شهد العالم أكبر ثورة لم تحدث على مر العصور السابقة، ثورة الغرباء أو ذوي القدرات البراقة، كما ينعتهم البعض بالوحوش الملعونة.
لقد كان أول ظهور لهم منذ قرون مع أعداد صغيرة لا تكاد تلحظ حتى، و مع ذلك أقدموا على إبادتهم واحدا تلو الآخر، أسواء صغيرا كان أم كبيرا، أنثى أم ذكر، لا يرون في الأمر فرقا همهم الوحيد أن يخلصوا العالم من لعنة البريق كما يدعون.
و توالت السنوات و العقود تتسابق، و تعلم خلالها الغرباء كيفية تمويه أنفسهم و الإندماج مع الأشخاص الطبيعيين، و كأنه لا وجود للبريق بداخلهم، طالما توارو عن الأنظار و اختبؤو، حشية أن يلقوا حتفهم.
و ما هذا سوى بالهين، فاللاحق أعظم بكثير، لم يعد عديموا الرحمة و الإنسانية هؤلاء يكتفون بقتل الغرباء و تخليصهم من عناء كونهم منبوذين، إنما تسربت إليهم أفكار جهنمية، مفادها أن يستغلوا تلك الطاقة الزائدة لدى الغرباء، أو ما تناقله الغرباء باسم البريق، و أن يجروا عليهم تجارب و التي هي عبارة عن تعذيب حتى الموت.
كأنهم لا يملكون ذرة شفقة اتجاه هؤلاء المساكين، هكذا مات أغلب الغرباء، مع أنهم لا يرجون سوى العيش بسلام كأفراد طبيعيين، فكونك تملك قدرة خارقة للطبيعة لا يعني أنك ستستخدمها ضد من حولك.
أنشؤوا العديد من مراكز التعذيب تلك بعنوان "مراكز العلاج"، و ذهب إثر ذلك العديد من الضحايا، الغرباء يدطهضون و يسلبون من حقوقهم، و قد كان أغلبهم من الأطفال، فبمجرد أن يتم اكتشاف بريقك تحبس و تعاني إلى أن تلفظ آخر أنفاسك، و ذلك طبعا رغما عنك، فكل من يعمل بتلك المراكز أوغاد و ينظرون للغرباء بتعال و إذلال، و لا يرأفون بكونهم لا يذنبون في الموضوع.
و بأحد المراكز خاصة، تقف فتاة بجمود بأعلى قمة شجرة شامخة لا تبعد كثيرا عن المركز، تبدوا في التاسعة عشرة من عمرها، فستان حالك السواد و شعر أبيض يميل إلى الرمادي تتلاعب به الرياح بينما ينعكس عليه ضوء القمر الساطع، نصف وجهها العلوي معصوب فلا تظهر عناها، إنما رمز غريب منحوت على العصابة بشكل مواز مع جبهتها.
ظلت تحدق بالمركز ذا الحجم المهيب، لثوان و هي تتفقد كل شبر بتمعن، و على الرغم من أنها تعصب عينيها إلا أنها تتربص كلبوءة تتربص بفريستها، ذلك المبنى ذا التصميم الغريب و المبتكر، يحتل مساحة شاسعة داخل هذه الغابة المقمرة، و حوله العديد من الحراس بسيوفهم و سهامهم يقفون بكل كبرياء و كأنهم بفتخرون بما يجري في الداخل.
ظهرت أطراف خطوط غريبة سوداء تطل من تحت عصابة "الظل الأسود"، و في غضون لحظات من اختفائها الملاجئ، سقط العديد من الحراس دون مقاومة، في حين ظهرت الصدمة و ملامح الهلع على البقية، لكن أوان الندم و التراجع قد فات، فقد طرحتهم أرضا بالفعل، و بحركة من يدها فقد تشكلت موجات و تيارات هوائية حطمت الباب الحديدي الضخم.
تتقدم بضع خطوات، ثم تتوقف وجها لوجه مع كتيبة من الجنود المسلحين، و بعد صمت ثقيل دام لثوان، تخترقه "الظل الأسود" و هي تتحدث بنبرة صوتها المبحوحة، و التي تعبق بالثبات و يشوبها القليل من السخرية قائلة:
يال وقاحتي نسيت طرق الباب.. أرجوا أنكم لا تمانعون...
تردد صدى صوتها في أنحاء الممر الواسع، و لم يصدر من بعد صمتها سوى أصوات شهقات و تنفس ثقيل لدى البعض ممن لم يستطيعوا تنظيم تنفسهم، ليتشجع أحدهم أخيرا و يتقدم قليلا و هو يحاور "الظل الأسود" في محاولة منه لمفاوضتها قائلا و ارتجاف لم يستطع كتمانه يسري في أنحاء جسده:
أنت.. الظل الأسود.. صحيح..؟ ما رأيك أن نتحدث بروية..؟ أنت قوي و نحن نحتاج إلى الأقوياء في صفنا.. لا نريد قتل أشخاص أبرياء جدد.. هيا يا رجل انضم إلينا...
على الفور تلقى جواب "الظل الأسود" و التي قالت ببرود تام و نية تخلوا من الرحمة و تدل على ما ستفعله بهم لدى أردفت قائلة و لا تزال واقفة في مكانها بكل ثقة:
إجابة خاطئة.. لست رجلا بل أنا فتاة...
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top