نتائجُ ببالي خاطرة
تآلفتْ أرواحُ النباتاتِ وتناسقتْ بزهو، منتظمةً بينَ ثنايا المباركاتِ والترحيب، عُلّقتْ أطرافُ الأزهارِ في الأركانِ وغطى الأفق حمرةُ الغسق.
اجتمعنَا اليومَ مُعلنين أسماءَ من كتَب أجملَ الخواطر، ومن كان في بالهِ حروفٌ تناسقت بكمالٍ كما تناسجت حُمرةُ الغسقِ بالأفق.
كلماتٌ كان لهَا تأثيرٌ ساحرٌ وسط النفوس؛ بسببِ ترابطِ فكرتها وتلاحمِ مبناها.
ففائزتنا بالمركزِ الثالثِ هي hielo_01 بخاطرتها «حمامَةٌ».
مباركٌ لكِ فوزكِ، ودامَ قلمكِ نابضًا.
أمّا عن نقدِ خاطرتكِ فها هو:
نقد - حمامة.
يُقال أنّ الأفكار تصنع الثّورة، وأنّها خالدة لا تموت، فلو أنّها كانت فاسدة فهل هذا سبب تداعي الكون اليوم؟
شملت الفكرة الرّئيسة لهذه الخاطرة دعوة الكاتبة إلى التحرّر من التّقاليد القديمة والأفكار البالية وسعيها لنيل الحريّة، ولعلّها فكرة شبه منتشرة في أدب الخواطر عدا أنّ طريقة عرض الكاتبة لها منحها شيئًا من التميّز، فابتدعت بذلك عن المُبتذل والمُعتاد بقليل رغم أنّه كان بمقدورها ابتكار قالب جديد لهذه الفكرة وتخلّيها عن رمز الحمامة الذي عادةً ما يقترن بكلّ حديث عن الحريّة، فلو أنّها جعلت الفكرة مُبطّنة بحيث تتحدّث عن صراع داخليّ مثلًا بين نفسين تعيشان داخل شخص واحد، أحدهما يشير للقديم والأخرى للجديد مع إبرازها للوعي الغائب وطريقة كلّ منهما في انتهاج الحريّة لكان هذا ليكون مميّزًا، عدا أنّ الخاطرة لا تزال تتّسم بتلك الجاذبيّة الغامضة، فكان هذا اقتراحًا موضوعيًّا.
أن التحمت هذه الرّئيسية بفكرة ثانوية شملت الحريات الزّائفة التي يؤمن أصحابها أنّها الحريّة المرجوّة وكانت الكاتبة لهذا معارضة، ارتباط ملحميّ شديد جمع بين أطراف قضيّة واحدة تجسّد مفهوم الحريّة وتأثير الفكر البشريّ على القيود المفروضة تحت ظلّ التكامل المنطقيّ وردّ فعل الإنسان المتخبّط على كلّ سجن وقضبان تحاول قمعه، ثمّ انجرافه خلف ما لا يكاد يكون تحرّرًا مطلقًا.
فإنّها كانت مُستنبطةً مباشرةً من الواقع الأليم الذي يجسّد أشكال التحرّر الزّائفة الفاسدة فاتّسمت الخاطرة على إثر ذلك بواقعيّة حادّة ومنطق مُلفت مع عرض مباشر لأحد مقتطفات حياة القارئ اليوميّة التي يشهد عليها كلّ يوم، ربّما بشكل سطحيّ، لقد سلّطت الكاتبة الضّوء على ذلك فكانت هذه شجاعةً منها.
الرّمزية واضحةً ويسيرٌ على القارئ أن يستخرجها ويستوعبها، فإنّها تحمل بين طيّاتها من المعاني الكثير ممّا يتم رؤيته هذه الفترة، من إشارة الكاتبة أوّلًا لحريّة الحمامة وحسدها إيّاها على قدرتها على التّحليق دون قيود تمنعها الذي يرمز إلى غياب الديمقراطيّة في المجتمع الذي تصوّره الكاتبة وكذا انعدام جميع أشكال التّعبير عن الرّأي، تبرز الكاتبة تمسّك المجتمع بتقاليدهم وإن كانت بالية وتودّي بأهلها للهلاك والهاوية، كاشفةً بهذا العناد والسذاجة وأيضًا التّقليد الأعمى المذموم الذي يسير على نهجه الكثيرون.
كما أنّها أشارت أيضًا إلى محاولة فئة أخرى من المجتمع التحرّر من هذه التّقاليد بطريقة خاطئة لم تؤدّي سوى لمزيد من الهلاك، فذكرت من يقوم بما يريد القيام به دون اكتراث أو يهرب وذكرت الذي ينجرف خلف شهواته ورغباته، ولعلّها بالأوّل رمزت إلى الحريّة الشخصيّة التي تمسّ حريّات الآخرين والذي تؤدّي غالبًا إلى هدم المجتمع بتفشّي الاعتداء وعدم الاحترام أمّا الفرار فإنّه يجعل صاحبه يكتئب لعجزه عمّا يعتقد أنّها وسيلة تخوّل له الهرب من هذا الواقع وتحقيق مُراده، وبالثّاني كشفت عن الانحلال الأخلاقيّ وخضوع الإنسان، الكائن العاقل الوحيد لنزوات عابرة مُشينة.
ولعلّها أثبتت وبجدارة أحرفها أنّها ستكون مثل الحمامة التي تريد تحطيم قفصها وإن تأذّت فإنّها لن تستسلم وستقوم بوسعها لتفلت من حبال البلاهة -وربّما كانت استعانتها بتاء التّأنيث في كلماتها إشارة خفيّة منها إلى سياسة الحطّ من قيمة المرأة في المجتمع- بشكل عام كان هدفها من هذه الخاطرة هو إبراز الجانب السلبيّ للعادات القديمة المضرّة والذي يرفض الكثيرون التّنازل عنه.
ولإيصال رسالتها السامية هذه، ولتحقيق دعوتها في التحرّر من كلّ السلاسل الصدئة، استعانت بأسلوب سلس ومفهوم وبسيط الصياغة، خدم غايتها وساهم في التّعزيز من شدّة كلماتها فكان مستوعَبًا ومفهومًا من طرف القارئ، الذي لعلّه بعد هذه الخاطرة سيهمّ في إعمال عقله قبل الخضوع لأيّة إيديولوجيّة فاسدة أو تحرّر شاذّ.
امتازت اللّغة بسلامتها من كافّة الأخطاء الإملائيّة تقريبًا وجملها صائبة التّركيب ثمّ أنّها تشبّعت من علم البديع حتّى ارتوت وفاض منها الجمال اللّفظي، من توظيف الكاتبة لتشبيهات واستعارات ساهمت في توضيح المعنى وتقريبه والتّأثير على القارئ نذكر منها: «زنزانة تقاليد بالية... أمزّق حبال أوامر البالغين... رسميّات تم ربطي بها... ورغبتها كالمغسول دماغه... سجن التّقاليد...» إنشاء غير طلبيّ تمثّل في التمنّي عكس رغبة الكاتبة المدفونة: «كم تمنّيت أن أكون حمامة مثلها أطير بلا قيود... كم أردت التّعبير عن ما بداخلي بكلّ راحة وعفويّة...» وكذا سجع جعل من رنّة موسيقيّة عذبة تتخلّل الأسطر: «الحمامة البيضاء... تحلّق في السماء... بعد عناء... البؤس واليأس...»
لقد كرّرت الكاتبة لفظة «واقع» في قولها: «فالهرب ملجأ مؤقّت من الواقع، حتّى تخرج منه وتكون مصعوقًا بالواقع...» من الأفضل استبدال هذه الكلمة بأخرى حتّى لا يوجد هذا التّكرار، نحو: «فالهرب ملجأ مؤقّت من الواقع الذي ستُصعق به بعد خروجك من هذا الملاذ الوهميّ...»
كما أنّ الهفوة الوحيدة المُلاحظة هو غياب الشدّة في عدّة مواضع فرجاءً تصحيح هذا الخطأ الشائع فإنّ الشدّة حرف وغيابها خطأ إملائيّ.
إصرار الكاتبة على التحرّر من القفص الذي هي مسجونة به مُلهم، عسى أن تحقّق ذلك وتحدث تغييرًا في هذا المجتمع الغافل، لعلٍ صدى كلماتها هذه يعصف بالقلوب ويجعل العقول تزدهر.
مبارك لكِ فوزكِ أيّتها الكاتبة.
فريق النّقد دائمًا في الجوار.
********
نُعاودُ التصفيق مرحبينَ بثانيِ الفائزين وصاحبةَ الميداليةِ الفضية، بخاطرتها التي كانت كنُدفِ الثلجِ وسط صيفٍ حار، kanomero_ وخاطرتها «نُدف».
مباركٌ لكِ فوزُكِ جميلتنَا، دامَ حماسكِ وسطوعك.
أمّا عن نقدِ خاطرةِ ندف:
نقد - نَدف.
الأب سند، النّور الذي يرفس الظلام الدَامس والحصن الذي يقي من الوَهن، فلو أنّه غاب سقطت الأسرة، ولو تغاضى كان أسوأ.
تشمل الفكرة الرّئيسة لهذه الخاطرة الفائزة الأب المقصّر عن أداء أبوّته حارمًا أبناءه من حنانه فلا يمنحهم حقّهم من عطفه ويقابل فلذات كبده بذلك البرود المؤلم، وكانت الكاتبة من ذلك تشتكي، ولعلّ الفكرة مميّزة في نواتِها فإنّها ليست بذلك الانتشار في أدب الخواطر، كما أنّ طريقة عرض الكاتبة لها جعلتها مُبتكرة في قالب مُلفِت أجادت خلقه.
التحمت هذه الأخيرة بأخرى ثانوية جسّدت تأثّر الكاتبة الشديد وحزنها الأليم من طبع والدها غير المبالي هذا، فإنّها ترجوه أن ينعم عليها بلمسة دافئة وبدا أنّه لهذا يرفض.
التحام ملحميّ عميق الأبعاد يثير الوجدان ويخلق نوعًا من الأحاسيس الجارحة، فكان الارتباط شديدًا وقويًّا يعكس منطقيّة النّفس البشرية ومنطق الابن الذي يطمح لفخر أهله باستمرار، قائمًا على هذا التكامل الفطريّ.
أن اتّسمت الخاطرة بواقعيّة عزّزت من صلابة هذا التلاحم فإنّ هذه القضية لعلّها شبه منتشرة داخل نطاق الأسرة بشكل قد يكون خفيًّا أحيانًا كثيرةً ولو تجسّد بأشكال مختلفة كالأب المدمن على الكحول، الزّوج الذي يعنّف زوجته أمام أبنائه أو الأب الذي يملك عشيقة سريّة، جميعها تؤدّي بالأب للتّقصير في واجباته غالبًا، هذه الأحرف مُستنبطةً من الحياة اليوميّة للقارئ، تسلّط الضّوء على هذا فكانت هذه شجاعةً شديدةً من الكاتبة.
رمزيّة الخاطرة واضحة ويسيرٌ على القارئ استخراجها فقد تجسّدت أساسًا في عظمة دور الأب وتأثير تقصيره على نفسيّة أبنائه، عدا أنّ ما خُفي بين الأسطر كان أعظم.
إبراز الكاتبة لتألّمها وحزنها الشديد من والدها يبدو كإشارة منها على دور الوالدين القويّ في تحديد سلوكيات فلذات كبدهم فلو أنّ لهم كلمات مسيئة أو تصرّفات عنيفة فهذا سيكون له تأثير سلبيّ على نفسيّة أبنائهم، فكان تطرّق الكاتبة ولو بشكل غير مقصود منها إلى هذا كان مؤثّرًا.
كما أنّ تعلّقها وتأمّلها بصلاح حال والدها رغم كلّ ما عانته بسببه يفضح دعوتها للحفاظ على صلة الوالدين باعتبار هذا شكلًا من أشكال الإيمان بل كان تسليم أمرها للّه وسؤالها إيّاه تعالى الهداية لأبيها لا يعزّز سوى من حبها الجمّ لوالدها، رغم كلّ شيء.
فإنّها تشدّد على وجوب قيام الأب بدوره في عائلته وأسرته وتحمّله لكافّة مسؤوليّاته المادية من نفقة والأهم من ذلك المعنويّة التي تشمل حبّ ورعاية أطفاله، وكذا تعلّق الأبناء بأهلهم وعدم تركهم مطلقًا فذاك من فضلهم عليهم، فكانت رسالتها هذه بمثابة تشجيع على بناء علاقات أسرية ملؤها الاحترام والودّ والتعاطف، ولعلّها رسالة سامية، فهنيئًا تفوّقها في هذا.
الأسلوب المُعتمد كان مميّزًا بسلاسته وبساطته وتعقيده وقوّته في آن واحد، كان شديد الصياغة، يقترب من أن يكون أسلوب شاعرٍ مرهفِ الأحاسيس أو أديب مخضرم، ولعلّه خدم غايتها بشكل كافي وأكثر، عكس دواخلها، آراءها وأفكارها وكذلك مشاعرها الدّفينة المدسوسة بين الأسطر.
أمّا اللّغة فقد اتّسمت بسلامتها التامّة من كافّة الأخطاء وهنيئًا للكاتبة على ثراء رصيدها اللغويّ واتّساع معرفتها، فقد تشبّعت لغتها بعلم البديع وتجمّلت به حتّى فاضت زخرفة لفظيّة راقية الألحان، منحت الخاطرة بعدًا جماليًا خلّابًا وأجواء مخضّبة بالشجن المُراد تجسيده، من استعارات وتشبيهات، وضّحت المعاني وأثّرت على القارئ وساهمت في نقل الصورة بشكل أبلغ، نذكر منها: «قلب أحمر يضخّ من الحنان... إرشاد العواطف إلى ملامحك... وكأنّني حبيس تابوت يمنع صدايا... أجفاني التي أبت الرّفع من نزيف كلامي... كان المؤرق للقلب... كغريق ترفضه القشّة... صمتك صفحة سوداء... ترنيمة عذاب تمجّها أسماعي...» إضافةً للإنشاء غير الطلبيّ من استفهام يعكس استنكار وعجز الكاتبة وتعجبّ يجسّد حيرتها ورجاءها وغضبها أيضًا، منح هذا بعدًا أعمق لمشاعرها، منه: «ولا تصلني بك أيّ وصال! لو فتحت صدرك لوجدت حجرًا! هلّا كففت عن رميك لي عرض حائط التّجاهل؟ هكذا غدوت! أتراك وغدت لتغدني بأفعالك! أيّا بلغت شدّة التجاجي!» وكذا الجرس الموسيقيّ الرنّان الذي يختبئ بين أحرف هذه الخاطرة والذي خلقه السجع واستخدام المرادفات المتقارب منه: «عوز عن الفهم، عجز عن الإدراك... داخلي كلمة أب، وجعلتها لريح العتاب مهب... لا تصلني بك أيّ وصال... وملّت من الترحال... عرض حائط التّجاهل...»
لافِتة المصطلحات والمفردات التي استعانت بها الكاتبة في هذه الخاطرة ونقطة في صالحها أنّها شرحت معاني الكلمات الصعبة التي وظّفتها فلم تترك القارئ يتخبّط في حيرته وكان فعلًا محبّبًا من طرفها فجزيل الشكر على ذلك.
العلاقة بين الأهل وأبنائهم ليست مجرّد رابطة دموية فإنّها ترتفع عن ذلك وتسمو لتكون علاقةً روحيّة وُجب رعايتها، فكما يكون للأب فضل على أبنائه كان لهم فضلٌ عليه، يبدو أنّ الكاتبة تمكّنت من التّعبير عن ذلك في خاطرتها، ولعلّ القارئ تعلّم اليوم شيئًا.
هنيئًا فوز الكاتبة بالمركز الثّاني، لقد كان هذا مُستحقًّا بجدارة.
فريق النّقد دائمًا في الجوار.
******
معَ آخر المقاعد، من تتوقعون قد يكون الفائز الأول؟
أريدُ رؤيةَ بعضِ الحماسِ هنا!
من يرى العالمَ ببهوتٍ ورمادية نقولُ عنه ذا نظرةٍ معتمة، ولكن العالم فعلًا هو من أصبحَ رماديًا، فكُلّ ما فيه تغيّر وتلاشى، وأصبحنا لا ننظرُ إليه إلّا بنظرةِ «عينانِ رَمادية».
مباركٌ لكِ llBlue_StrangerrII فوزُك بخاطرتكِ «عينانِ رَمادية».
وهنَا نقدٌ لخاطرتكِ خاتمين به جوائزنا لليوم:
تتألم الأغصان ويجفّ ريقها فناءً، حتّى أنّ الورد من فرط شجنه بات باهتًا، لا يتفتّح كأنّما يريد الاختباء وعدم مواجهة الكون حوله، أين تبخّرت مياه الحياة وتداعت الجبال تُربةً... تربةً أخذها بني آدم وأعمر بها فسادًا.
شملت الفكرة الرّئيسة لهذه الخاطرة الفائزة اندثار معالم الحياة في هذا العالم والتلوّث الذي طغى على الطبيعة حتّى سلب منها جمالها الفتيّ فأصبحت رماديّةً لا ألوان تدبّ بين عشبها الذي يقطر فحمًا وشمسها التي تحرق... فكانت الفكرة في جوهرها منتشرةً عادةً بشكل لا جديد يطرأ عليه عدا أنّ الكاتبة خلقت له حلّةً متميّزة في طريقة عرضها لهذا الموضوع الاجتماعيّ الشّائع المُتجاهَل، فاتّسمت الفكرة وعلى إثر إطلالتها اللّافتة هذه بشيء من الابتكار اللّافِت والإبداع الأخّاذ.
أن التحمت مع فكرة ثانوية تجسّدت في احتضار الكاتبة تزامنًا مع اختفاء الطبيعة وتشوّهها وكذا حنينها للخُضرة التي كانت سائدة بحكم أنّها لم تعهد مثيلًا لما أصبحت عليه هذه الدّنيا.
ارتباط ملحميّ عميق الأبعاد، اتّسم بتكامل مثير للاهتمام إذا ما تم النّبش في خفايا ومعاني هذه الكلمات، لقد جعلت الكاتبة رابطةً قويّةً بين هذه الأفكار، رابطة حتميّة.
وكانت هذه الرّابطة الحتميّة ما عزّزت من واقعيّة الخاطرة، إضافةً لكون هذه الأحرف مستنبطةٌ من الواقع اليوميّ المُعاش وما يلاقيه القارئ في حياته اليوميّة من آثار النفايات وانقراض مختلف الحيوانات وذوبان الجليد... قاسية هذه الحقيقة وكانت شجاعةً من الكاتبة أن تفصح عنها بهذه الطريقة.
إنّ الرّمزية التي اختبأت بين أحرف هذه الخاطرة شديدة، حادّة وتكاد تكون مؤلمة، من السهل على القارئ استيعابها عدا أنّه ومع كلّ قراءة جديدة يبصر المزيد من المعاني الخفيّة.
فمقصد الكاتبة من وصفها العالم بالرماديّ بدى مرتبطًا بالطرقات المعبّدة في أوّل الأمر عدا أنّه أيضًا يتعلّق بالكآبة والشجن الشديد الذي استولى على فكرها حتّى أنّها في النهاية استسلمت للمصير.
فإنّ المتحدّث في الواقع لم يكن الكاتبة بل أمكن القول أنّها الحياة، التي تستمدّ طاقتها وحيويّتها من جمال الطبيعة ودفئها، ومع تلوّث هذه الأخيرة وتغيّر مكنونات مخلوقاتها، حيث أصبحت المياه تنهمر من الحديد، والشمس تتسبّب في اندلاع النّيران، حتّى أنّ العصافير لم تعد تزقزق كالسابق! لقد ساهمت هذه التغيّرات في احتضار الحياة أو الكاتبة، حتّى كادت تفارقها، بل أصبحت ترجو التحرّر بينما لم تتمكّن من ذلك، تبتغي الحريّة ولكن تعجز عن نيلها، ولعلّها بهذا تشير إلى هيمنة الإنسان على الطبيعة واستيلائه عليها حتّى لم تعد قادرة هذه الأخيرة على النموّ بالشكل المطلوب، أنى للأراضي أن تتصبّغ بالخضرة؟ وأنى للأشجار أن تعلو بينما يقمعها الإنسان كأنّه يملكها؟ إنّه يسلب منها حريّتها! وبالتّالي حريّة الحياة أن تحيا.
لقد رمّزت الكاتبة لعدم قدرتها على الحريّة بوجوب مواكبة الطبيعة للعالم المتطوّر، أن تتأقلم وتتكيّف مع هذه التغيّرات التي تسيء إليها، إلّا أنّها لم تقدر وهذا ما أدّى بها لأن تحلم بحياة أفضل، نظرًا لأنّ الجميع قرّر تجاهل صياحها، ولقد تميّزت أحلامها هذه بكونها تحمل أنغامًا تراقص روح الحياة، إضافةً للجاذبيّة التي ساعدتها، وهذه إشارة أخرى إلى تلك الفئة التي تحاول بجدّ إنقاذ البيئة ومساعدتها، مستعينةً بقوى الطبيعة الأمّ وبالكون الكبير.
عدا أنّه وللأسف الأحوال تتقلّب، ولا يطول حلم الحياة أن تغدو أفضل فإنّها تستيقظ، وهذا يدلّ على تفشّي التلوّث وفوات أوان العلاج فهذا هو القدر... وحين تعجز عن التأقلم كونها لا تعتاد سوى على الأخضر، تستسلم، لكنّها تترك شعلةً باهتةً، وتتساءل علّها فقط عيناها من تبصر هذه الرماديّة أم لعلّه الواقع فعلًا؟
وكان هذا التساؤل المحزن في النّهاية ما جعل الواقع أسوأ، فالطبيعة والحياة لا تصدّقان ما حلّ بهما من فرط جرائم الإنسان فيهما، فالرمادية إشارة للحياديّة أغلب الوقت لكنّها هنا رمز لاندثار كلّ شيء ولا شيء سوى الفراغ.
رمزيّة تحمل في طيّاتها ما يجعل خلد القارئ يفكّر لربّما سيتوقف عن رمي غلاف الحلوى الصغير أرضًا أو تجاهل الأوراق والنفايات حوله، لقد حملت الخاطرة مغزىً ساميًا أجادت الكاتبة عرضه وإيصاله.
فاستعانت لذلك بأسلوب سلس وسهل، خفيف ويسير الاستيعاب، تمكّنت من خلاله من كتابة رسالتها هذه للبشرية، تصف فيها دواخل الحياة المشتكية العاجزة، فخدم غايتها وكان مفهومًا وبسيطًا، وملائمًا للغاية.
أمّا اللّغة فكانت صحيحة خاليةً من كافّة الأخطاء تقريبًا، امتازت بجمالها سليمة الصياغة وتشبّعها من علم البديع أن فاضت زخرفةً جماليّةً ساهمت في منح الكلمات أبعادًا أعمق ومعاني أوضح وتأثير أقوى، منها التّشبيه والاستعارات: «تعدو كالذّئاب نحو فرائسها... عواء الريّاح... استغاثات قطرات الماء بينما تنهمر من حديد صدئ...» والإنشاء غير الطلبيّ كالاستفهام والتعجّب اللذّان أبرزا دهشة الكاتبة، صدمتها ورفضها التّصديق وكذا آمالها الخائبة نذكر منها: «لمَ ترفض استقبال روحي؟ متى استبدلت زقزقة العصافير بمنبّهات مريعة كتلك! أهي تحتضر؟»
وُجدت هفوات بسيطة شملت غياب الشدّة في عدّة مواضع وهذا خطأ إملائيّ صغير فالشدّة حرف، وكذا فإنّ التقاء علامتي ترقيم أمر غير محبّب وخاطئ: «أهي تحتضر؟.. استقبال روحي؟،» تلك زيادة لا لزوم لها فيجدر رجاءً حذفها، وأيضًا من الأفضل وضع ثلاث نقاط «...» بدل نقطتين عند اقتطاع الكلام أو الرّغبة في خلق فاصل زمنيّ بين حديث وآخر، فبدلًا عن: «أم.. أم أنّ روحي...» من الأصحّ كتابة: «أم... أمّ أنّ روحي...» الثّلاث نقاط تُوضع عند التوقّف المفاجئ أثناء الكلام أو مقاطعة أحدهم أو شيء ما للمتحدّث، كما أنّ الفاصلة المنقوطة « ؛ » تُوضع قبل ذكر النّتيجة أو التّفسير، مثلًا: «لم أذهب يوم أمس؛ كنت مريضًا.» «يجدر عليك قول هذا؛ فلو أخبرته بالحقيقة لما عُوقبت مكانه.» «السهر مضرّ؛ يفقدك تركيزك.»
كما يجدر الاستعانة بعلامات التّنصيص العربيّة « » عوضًا عن الأجنبيّة " ".
نرجو من الكاتبة التوجّه لفرسان اللّغة في حال ما راودتها أيّة أسئلة أو شكوك، وربّما طلب تنقيح لغويّ منهم أيضًا.
في النّهاية، يبقى تلوّث البيئة معضلة كبيرة وشديدة يجهل الكثيرون انعكاساتها السلبيّة، فكان مميّزًا من الكاتبة أن تستعين بهذه الفلسفة العميقة والقالب الفكريّ الجديد حتّى تساهم خاطرتها هذه في نشر الوعي، علّ كوكب الأرض يستعيد نشاطه وحيويّته.
هنيئًا لكِ فوزكِ أيّتها الكاتبة، ودمتِ لنا شعلة تنير سماء الأدب وتسعى لتغيير هذا الكون.
فريق النّقد دائمًا في الجوار♡
دمتمْ جميعًا روحًا معطرةً بالياسمين، ومغدقةً على فريقِ النقدِ بعطرها الفوّاح.
لا تنسوا الانضمام إلى فريق النقد، فأبوابُ الاشتراك قد فُتحت تنتظرُ دخولكم!
إلى لقاءٍ قريب 🖤.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top