الجزء الخامس (الأخير)
بين حبر وورق: الجزء الخامس (الأخير)
حان منتصف الليل ومايوكا لا تستطيع النوم لذا خرجت من الكهف تنظر حولها، فجأة تصنمت مكانها من الصدمة حين رأت الغابة في الجهة البعيدة تحترق وتلتهم الأشجار.
فجأة تذكرت التلميح الذي في اللغز والذي يقول "تشير الساعة للواحدة ليلا والمكان منير من حولك"
-«النور! ربما سيكون صادرا من الحريق! هذا يعني أنه لم يتبقى لس سوى إيجاد شجرة ذات رائحة عطرة»
ركضت باتجاه الغابة بمفردها دون إخبار أحد وكان الوضع خطرا لكن ماذا عساها تفعل فهي الطريقة الوحيدة لحل اللغز.
همت بشم الأشجار واحدة تلو الأخرى قبل أن تلتهمها النيران وكانت كلها ذات رائحة كريهة أو عادية لذا من الصعب إيجاد الشجرة المقصودة.
نظرت من حولها فأدركت أن النيران تنتشر بسرعة ثم نظرت للساعة فوجدت الواحدة ليلا قد اقتربت.
-«علي الإسراع قبل الساعة الواحدة وإلا سأفشل في حل اللغز»
انهمكت في البحث أما في كهف العم آلان فقد استيقظ ييرما ونظر حوله فلم يجد مايوكا نائمة في فراشها، فجأة سمع صوت فوضى من الخارج وعندما خرج وجد الناس يركضون يمينا وشمالا خائفين يصرخون بعد أن رأوا النار تلتهم الغابة، حينها قطب حاجبيه وشدد على قبضته وقال مكلما نفسه:
-«عرفت من الفاعل»
بينما النار تلتهم الغابة كانت مايوكا تركض جاهدة لتهرب من ألسنتها بعد أن تأخرت بعض الشيء في الخروج من هناك، وبينما تركض رأت ييرما واقفا في طريقها ومعه رمحه ثم قال لها بحدة:
-«كما توقعت، تشعلين النار في الغابة وتهربين، يالك من حقيرة»
-«لم أشعلها»
-«كل الأدلة ضدك، تستيقظين وحدك والكل نيام وتتواجدين في مكان الجريمة، ما من دليل أقوى من ذلك»
-«لكنني حقا لم أفعل، أتيت لأقوم بأمر...»
صمتت حين أدركت أنها في موقف صعب فهي لا تستطيع إخباره بقصة اللغز فهو لن يصدقها.
ثم أردف ييرما بحدة:
-«سيكون عقابك عسيرا»
ركض ناحيتها وباغتها بسرعة فهو ذكي وسريع في القتال لذا لم تشعر بشيء سوى وهو يمسكها ويقيد يديها للخلف.
أخذها للقبيلة فقاموا بربطها جيدا في عمود ووقف الزعيم أمامها بينما الكل مجتمعون عليها، حتى آلان وزوجته مايا شعرا بالخيبة عندما عرفا بالقصة.
قال الزعيم بينما يرفع صوته عاليا ليسمعه الجميع:
-«هذه الفتاة المخادعة التي أمامكم جاءت للقبيلة على أساس أنها تائهة وخدعتنا ثم قامت بحرق الغابة بطريقة شنيعة فماتت الحيوانات والطيور، ألا تستحق عقابا قاسيا؟»
صرخ أحد بين الحشد:
-«لنغرقها في البحر»
ثم صرخ آخر:
-«لا بل لنطعمها للأسود الجائعة»
ثم صرخ شخص ثالث:
-«بل إن ذبحها هو أفضل حل»
تجاهل الزعيم عقابهم ثم نظر لييرما وقال:
-«أنت من قبضت عليها لذا ستختار نوع العقاب»
-«أفضل عقاب هو معاملتها بمثل جريمتها، ما دامت حرقت فعليها أن تُحرق»
شعرت مايوكا بالخوف الشديد وكانت على وشك البكاء بينما الجميع يهتفون سعادة بهذا العقاب العادل، أو لنقل هو عادل في نظرهم هم فقط.
ثم نظر الزعيم لآلان وزوجته:
-«أنتما من أحضرتماها للقبيلة، وأنتما من عليكما تحمل المسؤولية أيضا، لكن بما أن ابنكما كشف الحقيقة فسأتغاضى عن كل شيء»
أحنى الاثنان رأسهما بخجل وأردف الزعيم متحدثا مع كل القبيلة:
-«غدا سننفذ الحكم صباحا، يمكنكم الانصراف للنوم، أما هذه الوضيعة فستبقى مربوطة في العمود طوال الليل»
انصرف الجميع وتركوها فشعرت بحزن عميق ودمعت عيناها لأنها ستموت مظلومة وفي مكان غريب وبعيد عن أهلها.
مع تقدم الوقت بدأت تتعب من الوقوف وصارت آثار الحبل تؤلمها وتتسبب بتورم بشرتها، كان موقفا مؤلما جدا ولا يسعها فعل شيء لتنجو.
فجأة أحست بشخص يسير خلفها ويقترب منها، كانت تسمع خطواته لكن لم تستطع الالتفات له ورؤيته، وضع يديه على الحبال التي تقيدها وفكها بصعوبة لأنها مربوطة بإحكام، وأخيرا استطاعت أن تتحرر فشعرت بالسعادة والتفتت خلفها قتفاجأت بإينو ابنة آلان فقالت متفاجئة:
-«هذه...»
قاطعتها إينو بوضع يدها على فمها وتحدثت بهمس:
-«اشششش سيستيقظون، لنهرب بسرعة»
أمسكت يدها وأخذتها بعيدا بينما الكل نيام ولا يعرفون شيئا عن الذي يحصل.
أما في منزل مايوكا في طوكيو فقد استيقظت أختها ريو من النوم فذهبت لهاتفها مباشرة واتصلت بالشرطة وسألتهم عن أوضاع القضية ولكنهم أخبروها أنهم لم يتوصلوا لأي شيء.
تنهدت بعمق وجلست على الأريكة حزينة فسمعت صوت الجرس يرن وشعرت بالحماس وركضت نحوه ظانة أنها مايكو، لكن عندما فتحته وجدت حبيبها السابق "ميتازوكي" ومعه باقة ورد ويحاول أن يبتسم، ثم قال بتوتر:
-«مرحبا ريو، آسف لإزعاجي لك في الصباح الباكر ولكن لم تردي على مكالماتي العشر الأخيرة لذا قررت المجيء، آمل أنكِ بخير»
خاب أملها وشعرت بالحزن وفي نفس الوقت لم ترد الكلام معه لأنها حزينة بما يكفي، ثم قالت بهدوء وبرود:
-«لا أفهم لماذا تتصل بي ولماذا أتيت لمنزلي، ألم تقل بعظمة لسانك أن علاقتنا انتهت؟»
-«دائما أغضب وأقول كلاما لا أقصده، آسف»
-«تماما كما قالت مايوكا، بأنك ستعود راكضا ككلب لو تجاهلتك، أتعلم كم أنا غبية لأنني تشاجرت مع أختي لأجلك؟»
أغلقت الباب في وجهه بقوة وبقيت تنظر للهاتف بتوتر.
-«إن لم تعد اليوم فسأتصل بوالداي»
في الجانب الآخر كانت مايوكا نائمة في مكان معزول في مغارة صغيرة وعندما فتحت عينيها أدركت أن النهار قد انتصف بالفعل وهي ما تزال نائمة، كل ذلك بفعل التعب.
نظرت عند رأسها فوجدت ورقة شجر عملاقة وفيها بعض الخضروات والفواكه، يبدو أن إينو تركتها لها لتأكلها.
نهضت وتناولت الطعام ثم ألقت نظرة على المغارة من الخارج فوجدتها معزولة في مكان غريب في الغابة.
-«علي البقاء هنا حتى تعود إينو»
استغلت إينو ذلك اليوم في البقاء في القبيلة وعرفت أن الجميع يبحثون عن مايوكا ولا يعرفون بعد من حررها، وبالفعل أبقت الأمر سرا عن الجميع حتى حان منتصف الليل وناموا ثم هربت لمقابلة مايوكا في المغارة.
قالت مايوكا بسعادة:
-«ها أنتِ ذا! البقاء وحدي طوال اليوم ممل»
-«كان علي التأكد من أن أمري لم يكشف، لا تقلقي فهذا المكان معزول وبعيد ولا أحد سيفكر في المجيء له»
-«والآن ما الحل؟ لا أريد البقاء مختفية هكذا»
-«سنرى لاحقا، لكن قبل ذلك أود أن أريك شيئا»
أغمضت لها عينيها وأخذتها لمكان مجهول وعندما وصلتا قالت إينو بحماس:
-«الآن يمكنك الرؤية»
أزالت يديها وعندما رأت مايوكا المنظر أمامها انبهرت بشجرة عملاقة جميلة الشكل ذات ورود وردية زاهية متفتحة وحولها اليراعات المضيئة تطير يمينا وشمالا وتضيء المنطقة لتبدو وكأنها إضاءة مصابيح حقيقية.
ركضت مايوكا للشجرة وصارت تقفز وتدور من جمالها وقالت:
-«رائحة المكان زكية أيضا»
-«إنها من الأزهار، أحب الجلوس هنا في فصل الربيع والاستمتاع بالاضاءة والرائحة العبقة، للأسف لا يمكنني المجيء سوى في الليل لأنني أخاف أن يرى الناس وجهي القبيح»
-«أتساءل لماذا تساعدينني عكس الجميع؟»
-«لأنني رأيتك وأنتِ تغادرين أمس وبالفعل كانت النار مضرمة في الغابة ولا علاقة لك بها»
-«ليت أهلك يصدقون ذلك أيضا»
-«شكرا لك»
-«ها! على ماذا؟»
-«لأنك كنتِ لطيفة معي، ولم تهربي من قبحي، إنها أول مرة يعاملني شخص خارج عائلتي هكذا»
ابتسمت مايوكا ثم جلست تستمتع بالمنظر، فجأة تذكرت أمر اللغز وبأن تلك هي الشجرة ذات الرائحة العطرة لذا صرخت بحماس:
-«أجل إنه الحل»
ثم تذكرت جملة أخرى من جمل اللغز:
-«تشير الساعة للواحدة ليلا والمكان منير من حولك، لؤلؤة واحدة مميزة ستنقذ يومك، تحت شجرة ذات رائحة جميلة، هناك معك شخص لا يمكن الثقة به ولكن تبين أنه الوحيد الذي لن يخذلك»
ثم نظرت لإينو فهي بالفعل الشخص الذي لا يمكن الثقة به لكنها أنقذت حياتها في النهاية، وأخيرا اللؤلؤة الشفافة التي وجدتها في آخر رحلة لها لجمع المحار وقد كانت تحتفظ بها بالفعل.
نظرت للساعة فوجدتها الواحدة ليلا فأخرجت اللؤلؤة من جيبها وحملتها لتنظر من خلالها فرأت ضوءا لامعا يملأ المكان وبدأ ينتشر من حولها شيئا فشيئا، إنه نفس الضوء الذي أتى بها لهناك.
بعد أن أدركت أنها ستغادر أخيرا نظرت نحو إينو وعانقتها لآخر مرة وقالت بحشرجة:
-«سأشتاق لك، إلى اللقاء...»
فتحت مايوكا عينيها بصعوبة فوجدت نفسها في المكتبة والمكان مظلم، نظرت للكتاب الذي على الرف وقطبت حاجبيها ثم أخذته وركضت به نحو سلة القمامة:
-«هذا مكانك، كتاب خطير»
وضعت يدها في جيبها فوجدت اللؤلؤة الشفافة ما تزال هناك، لذا ابتسمت وقررت الاحتفاظ بها للذكرى.
عادت للمنزل في ذلك الوقت المتأخر من الليل وهي في حال يرثى لها، متعبة، متسخة، جائعة وعطشانة، وعندما فتحت الباب وجدت أختها ريو تنتظر في غرفة المعيشة، نظرت كل منهما للأخرى بعدم تصديق ثم ركضت ريو نحوها وعانقتها بحرارة وهي تبكي قائلة:
-«أختي...أنا...آسفة للغاية، الحمد لله...أنكِ بخير، أين كنتِ طوال هذه المدة؟ لقد...كدت أموت من القلق عليك حتى أنني...لم أستطع النوم الليلة»
ابتسمت مايوكا وربتت على ظهرها ثم بادلتها العناق وقالت بصوت منخفض:
-«أنا أيضا اشتقت لك، واشتقت لطوكيو...يا أختي»
النهاية
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top