الجزء الثاني

بين حبر وورق: الجزء الثاني

قبضت مايوكا ذراعيها من الخوف وحدقت بالأسد المفترس الذي يقف أمامها وهي متجمدة من الرعب، كانت تنوي الهروب لكنها تعلم سرعة الأسود الفائقة لذا لا مهرب لها، أغمضت عينيها فحسب وانكمشت كالقنفذ وبقيت تنتظر نهايتها المحتومة.

فجأة، سمعت صوت رجل ينادي من بعيد:

-«سيزر، ها أنت ذا، هل عثرت على فريسة جديدة؟»

نظر الرجل لجسد مايوكا الذي يرتجف وحدق بها للحظات وعندما رفعت رأسها شاهدت شكله، كان رجلا أربعينيا طويل القامة أبيض البشرة ويرتدي ملابس تبدو وكأنها بدائية ومن جلد النمور، رفعت جزئها العلوي من على الأرض وبادلته النظرات وكان يبدو متعجبا منها، ثم قال:

-«من تكونين؟»

-«من أكون؟! أنت من تكون؟! ولماذا ترتدي هكذا؟»

-«أنتِ لماذا ترتدين هكذا؟»

-«يبدو أنني وصلت بالخطأ لمكان منعزل في طوكيو سكانه لم يصلهم التحضر والتكنولوجيا بعد»

-«ما هي التكنولوجيا؟»

-«لا تسأل كثيرا، أين أجد أقرب محطة هنا؟»

-«محطة؟! ماذا تكون؟ هل هي نوع طعام؟»

-«انسى الموضوع»

نظرت خلفها فنسيت أن الأسد المتوحش ما يزال على بعد خطوات منها لذا صرخت وركضت بعيدا لتختبأ خلف الرجل، فقال هذا الأخير:

-«ههههههه لا تقلقي، سيزر كائن مسالم ولا يؤذي البشر»

-«مسالم؟! متى كانت الأسود مسالمة؟»

-«لم تكن كذلك أبدا، لكني ربيته منذ كان شبلا فقد ماتت والدته»

-«لا أهتم، ما أزال أراه متوحشا جدا»

-«من أين أنتِ؟»

-«من طوكيو»

-«ههههههه جميل، ما هذا المكان بالضبط؟ هل هي قبيلة من قبائل الشرق أم الغرب؟»

-«طوكيو ليست قبيلة بل مدينة»

-«ههههه لا أفهم أي شيء من كلامك، تبدين وكأنك من عالم آخر، وأيضا ملابسك...غريبة جدا»

-«أوووه تبا! المهم، سأذهب للبحث عن طوكيو، وداعا، شكرا لأنك لم تسمح لأسدك ببلعي بلقمة واحدة»

-«مهلا، الظلام سيحل، هل ستذهبين حقا؟ يمكنك المبيت في منزلي، عائلتي لطيفة وزوجتي تحب الضيوف»

نظرت للسماء فلاحظت احمرارها وشعرت بالخوف فهمست لنفسها:

-«امممم، أظن أنه يجب علي التمهل قليلا»

اصطحبها للقبيلة التي يعيش فيها وكانت بالقرب من الجبال، كان بعض سكانها يعيشون في الكهوف والبعض الآخر في بيوت بسيطة من أوراق الأشجار والغصون والنباتات الحبلية، كانت ملابسهم أيضا بدائية وأرجلهم حافية وجميعهم يحدقون بمايوكا باستغراب ونظراتهم تلك لا تسر البتة.

وصلا أخيرا للكهف الذي يعيش فيه الرجل الطيب فسمعا صراخا قادما من الداخل:

-«آلان هل عدت؟ الأولاد جائعون»

دخلا فوجدا زوجة الرجل وحينها اكتشفت مايوكا أن اسمه آلان، كانت زوجته أيضا إنسانة بسيطة وهادئة ومبتسمة فقالت بهدوء:

-«أهلا، من الضيفة؟»

رد عليها زوجها:

-«أعرفك على ضيفتنا، يبدو أنها ضلت طريقها ولا مكان تبيت فيه»

حدقت بها الزوجة من رأسها لقدميها فاستغربت من ملابسها ولكنها ابتسمت وقالت:

-«تشرفنا، أنا مايا زوجة آلان، يبدو أنك من قبيلة مختلفة جدا، ملابسكم جميلة، من أي حيوان تصنعونها؟»

-«لا أحب ارتداء شيء من صنع الحيوانات البريئة، هذا القماش قطني مئة بالمئة»

حدقت بها مايا للحضات وهي ترمش باستغراب ثم حاولت تلطيف الجو:

-«ههههه قماش قطني ههههههه يالها من كلمة جميلة، أظن أنكم تستخدمون كلمات مختلفة عن كلماتنا»

أدركت مايوكا أن سكان تلك القبيلة بسطاء العقول وغير حضاريين لذا عرفت كيف تتعامل معهم.

من خارج الكهف دخل شاب يبدو وكأنه في نفس عمر مايوكا وكان قاطبا حاجبيه ويبدو من شكله أنه غاضب، حينها قال بصوت حاد:

-«كنت أستمع لكل شيء، لقد طفح الكيل، من هذه الفتاة الغريبة التي أحضرتموها لمنزلنا؟ ماذا لو كانت من الهاجانغ؟»

ردت مايوكا وهي قاطبة حاجبيها:

-«لست من الهاجانغ، ما هو الهاجانغ على كل حال؟ أنا مجرد بشرية تبحث عن منزلها»

-«الهاجانغ هم أعداؤنا ويخططون لمهاجمتنا بأي لحظة»

-«لست منهم، أنا من طوكيو»

-«لا يمكنني الثقة بك، أعلم أن خلفك شيئا ما ولهذا سأراقبك»

ثم خرج من الكهف وترك الجميع في دهشة، حينها قالت والدته:

-«ييرما يشك بكل شيء حتى ضله لذا اعذريه»

-«اسم ييرما غريب، لكن لا بأس، من حقه أن يخاف»

نظرت مايوكا فجأة للجزء المظلم من الكهف فانتفضت من الفزع حين رأت شخصا يقف هناك ثم هرب بسرعة للداخل، فأردفت بنبرة تدل على الخوف:

-«من ذاك؟!»

ردت عليها مايا بينما تضع الحطب للنار ليبقى الكهف منارا لأطول فترة ممكنة:

-«تلك ابنتي، إنها خجولة نوعا ما لذا لن تخرج من هناك أبدا، لا تقلقي بشأنها»

تعجبت مايوكا من أمرها لكنها تجاهلتها وتوجهت للجلوس أمام النار لكي تتدفأ، ومن هناك بقيت تراقب العائلة وهم يطبخون عشاءهم البدائي المكون من الفطر المشوي ومجموعة من الفواكه التي لم تراها طوال حياتها، وبينما هي هناك صارت تتذكر كيف وصلت لهذا المكان، وما كان صادما بالنسبة لها هو تذكرها لقصة الكتاب واللغز والضوء، حينها همست وهي تقول:

-«أيعقل أن ذلك حقيقة؟! أم أنه مجرد وهم أم حلم راودني بالأمس؟»

ردت عليها مايا:

-«هل قلتِ شيئا ما؟»

-«لا، كنت أحدث نفسي فقط»

في ذلك الوقت الذي كانت فيه مايوكا منهمكة بالتفكير كان زعيم القبيلة التي أتت إليها يجلس متربعا على الأرض وأمامه نار تنير كهفه فرمى فيها مجموعة من عظام الحيوانات وأغمض عينيه للحظات وقال وهو يتمتم لحنا غريبا:

-«هناك زائر غريب مختلف سيأتي للقرية، إن لم نتخلص منه ستتم إبادتنا»

حينها تحدثت زوجته:

-«اليوم عائلة آلان أحضرت فتاة غريبة ذات ملابس مختلفة، هل يعقل أن تكون...»

قاطعها وهو يصرخ بغضب:

-«ذلك الأرعن، كيف سمح بإدخال غرباء للقرية؟ الحيطة والحذر واجبان فنحن معرضون لهجوم الهاجانغ في أي لحظة»

-«حتى أنا قلت ذلك»

-«علي الحديث مع ذلك السخيف وجها لوجه»

بعد أن نضج العشاء تناولت مايوكا طعامها ورغم أنه غريب لكنه لذيذ، ثم نامت في فراش من جلد الحيوانات وكانت حياة البدائية ممتعة ولكنها في نفس الوقت قلقة من أن لا تتمكن من العودة مجددا لمنزلها، كما أنها بحاجة لاستخدام الانترنت لكن بطارية هاتفها نفذت ولا يوجد شبكة في المنطقة.

في صباح اليوم التالي استيقظت وهي لا تدري كيف نامت بالأمس من فرط التفكير، كانت متحمسة للغاية لأنها اليوم ستبحث عن طريقة للعودة لطوكيو لذا أسرعت لمقابلة مايا التي كانت تكنس الكهف بمكنسة من أغصان الأشجار وقالت:

-«صباح الخير، هل هناك جبل عالٍ جدا في المنطقة؟»

-«أجل هناك واحد خلفنا، لماذا؟»

-«إن استطعت تسلقه فربما أنظر من حولي وأجد مدينة قريبة وسأذهب إليها وأتصل بالمساعدة»

-«ههههههه ممتاز، لكن ما هي المدينة؟»

-«لا تهتمي، يبدو أن علي تذكر أنكم لستم من مدينتي لذا علي التكلم معكم بأسلوب يناسب بساطتكم»

نظرت لها مايا لعدة لحظات وهي تبتسم ملتزمة الصمت حتى تكلمت مايوكا:

-«سأذهب الآن»

-«مهلا، على أحد أن يرافقك فقد يصيبك مكروه»

ثم نظرت جانبا فرأت ابنها ييرما يقوم بصنع شيء من الخشب

-«ييرما، رافقها، ولا تنسى أن تهتم بها جيدا ولا يصيبها خدش واحد»

-«ههههههه تريدين مني أن أحمي الدخيلة المخادعة؟»

-«نعم أنا آمرك بذلك لذا اذهب معها فورا»

لم يناقش ولم يقل أي شيء بل حمل رمحه وسار أولا ثم لحقت به مايوكا وكان أسرع منها في خطواته لذا اضطرت أن تركض لتجاريه.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top