الجزء الأول

بين حبر وورق: الجزء الأول

يقال أن خير صديق في الأنام هو الكتاب، وأنه إن ملكت من معرفة الكتب وعلومها أغنتك عن سنوات من الجهل والهفوات.

نحن في زمن أصبح فيه الذي يهتم بالعلوم ويناقشها فيلسوف، والذي يكرس وقته للدراسة مملا ورتيب، والذي يبدي عشقه للكتب ويطالعها باستمرار "دود كتب".

هكذا الحال مع بطلتنا "مايوكا أوغو" عاشقة العلوم والكتب، فمنذ طفولتها تعشق القراءة وتكرس كل أوقات فراغها للمطالعة في شتى العلوم والآداب، وبسبب عشقها هذا فالكل يدعونها بدودة الكتب ويعاملونها على أنها مملة وبالكاد تجد أصدقاء يهتمون لها حقا، لكن حتى هي لا تلقي بالا للأصدقاء فصديقتها العظمى هي المكتبة وأصدقاؤها المؤنسون الصغار هم الكتب.

الآن مايوكا في العشرين من عمرها وهي ترتاد جامعة "طوكيو سايتوكو" كلية علم النفس الإكلينيكي وحلمها أن تصير طبيبة نفسية لأنها مهتمة بالمجال منذ سنوات.

سارت عقارب الساعة ببطء مشيرة للساعة الرابعة مساءً وهو وقت خروج الطلاب من صفوفهم وعودتهم للمنازل.

تثاءبت مايوكا بتعب بعد أن مرت بيوم مليء بالمحاضرات الشيقة المتعبة ،جمعت أغراضها وتوجهت نحو مخرج الجامعة واستقلت الحافلة للعودة للمنزل.

أثناء تواجدها بالمنزل سمعت تذمر أختها "ريو" المتكرر وهي تحاول الاتصال بصديقها ولكنه لا يرد على مكالماتها فقالت بحزن:

-«أووووه ليس مجددا، إنها المرة المليار التي ننفصل بها بطريقة مثيرة للشفقة»

عبست مايوكا بوجهها وجلست تتابع التلفاز غير آبهة للنيران التي تحرق صدر أختها، ثم أردفت ريو بعد أن حدقت بالهاتف لدقائق:

-«هل يعقل أنه مع فتاة غيري الآن؟ هل ارتبط بهذه السرعة ونسيني؟ هل يعقل أنه جاد قي انفصاله عني؟»

اكتفت مايوكا بالاستماع فقط فعادة حين تتدخل في علاقات أختها العاطفية ينتهي الأمر بشجار حاد بينهما، ثم قالت ريو:

-«بالطبع ليس جادا، سأرسل له فورا وأخبره أنني أفتقده وأريد مصالحته»

حملت هاتفها وما كادت تلمس الشاشة حتى أوقفتها مايوكا ممسكة بذراعها قائلة:

-«هل أعطيكِ نصيحة؟»

-«احتفظي بها لنفسك، دائما نصائحك تزيد الطين بلة»

-«نصائحي تزيد الطين بلة لأنها واقعية، ثم ما مشكلتك؟ لا تريدين سماع الحقيقة المرة؟ أنتِ صغيرة وتفكيرك منحصر في قوقعة العواطف»

-«سأفعل ما يحلو لي، اهتمي بشؤونك»

توجهت ريو نحو المطبخ لتحضر شيئا تشربه، ولأن مايوكا حريصة على أختها صرخت عليها من غرفة المعيشة معطية رأيها في الموضوع:

-«في علم النفس البشري الممنوع مرغوب، تجاهليه لفترة وتظاهري أنكِ تجاوزتِ أمره ولو لم يعد لكِ بعد أسبوع بنفسه لن يكون اسمي "مايوكا أوغو"»

-«حسنا فهمنا أنكِ تدرسين طب النفس، لا حاجة للفلسفة المستمرة في كل مواضيع الحياة حتى تذكرينا»

ضج المكان بالتيارات السلبية الصادرة من كلا الأختين، هكذا الحال دائما كلما أبدت مايوكا رأيها بحياة ريو العاطفية الفاشلة، هي عنيدة وأختها الكبرى تحب تقديم النصائح لها لأنها تعرف كمية الهفوات والأخطاء التي ترتكبها.

ذهبت مايوكا للمطبخ وفتحت الثلاجة باحثة عن شيء تملأ به بطنها الذي نهشه الجوع، حملت علبة عصير ليمون وموزة وأخذتها لغرفتها وبقيت تحدق بها لدقائق وتكلم نفسها:

-«عصير ليمون 7 سعرات حرارية، وموزة 47 سعرة، هكذا لن يزيد وزني، ممتاز»

أخذت تتصفح هاتفها بهدوء بينما ترتشف من عصيرها فاستوقفها منشور جديد وهو عبارة عن إعلان لافتتاح أضخم مكتبة في طوكيو في ركن قريب من منطقتها وهي تضم نسخا من أعظم المؤلفات العالمية والنادرة، صرت قبضتيها بحماس وهي تتشوق لهذه اللحظة التاريخية التي ستزور فيها هذه المكتبة الجديدة لتأخذ من مناهل العلم ما تحتاجه وتنتقل لمرحلة جديدة.

خرجت من غرفتها فوجدت أختها في غرفة المعيشة تتابع مسلسلا بوليسيا فجلست بجانبها تتابعانه معا، بعد دقائق تحدث مايوكا قائلة:

-«عرفت القاتل»

ردت عليها ريو بتجهم:

-«لا أحد سألك»

-«أنا جادة، هل ترين "كرستينا"؟ لقد استخدمت يدها اليسرى لحمل الكوب والقاتل أعسر لأنه أطلق النار بيده اليسرى كما ذكرت الشرطية»

اشرأبت ريو نحو أختها الكبرى قاطبة حاجبيها بغضب عارم وقالت:

-«ألم أطلب منكِ أن تبقي لسانكِ داخل فمك؟ لماذا خربتي علي متعة المسلسل؟ لا أريد منكِ إفساد أي شيء بعد الآن بفلسفتكِ المزعجة»

-«وما المشكلة في أن أعطيكِ رأيي في شيء معين وأساعدكِ في تحليل الأمور؟ ألستُ أختكِ الكبرى التي يجب أن تعطيكِ من خبراتها؟»

-«لا أحتاج شيئا منكِ فشخصيتكِ لئيمة ودائما تتفلسفين في أشياء لا تعنيك، دعيني أفعل ما أريد وكفي عن إظهار نفسكِ ذكية مثقفة»

من سوء حظ مايوكا أنه يتم فهمها دائما بشكل خاطئ على أنها تدعي الفهم والثقافة ولكن الأمر غير صحيح فهذه طبيعتها المعتادة في حبها للتعليق على كل الأمور ودقة ملاحظتها لكل شيء يستحق التدقيق.

في صباح اليوم التالي توجهت بطلتنا للمكتبة الجديدة وتجولت بين رفوق الكتب بحماس متمنية أن ترى ما يجذب انتباهها وبالفعل وجدت عشرات الكتب التي تعبر عن اهتماماتها وميولها وأخذت تتصفحها واحدة تلو الأخرى ملقية نظرة عامة عليها لتقرر أيا منها ستأخذها وأيا منها تتركها للمرة القادمة.

على رف إحدى الخزائن لمحت كتابا مهترئا قديما قارب غلافه على التآكل والغبار متراكم عليه كما لو أنه لم يُقرأ من دهور.

قادها فضولها لإمساك الكتاب فتفحصته من الخارج وبدا غريبا ومرعبا لدرجة أنها كانت ستعيده لمكانه في أي لحظة، لكن ما أسفر عن فضولها هو عنوان الكتاب "أحجية العالم البدائي"

فتحت أول صفحة فوجدت عبارة مكتوبة تقول:

"هل أنت قادر على حل الأحجية؟ هل تستطيع الخروج من المغامرة حيا؟ إن كنت كفؤا للتحدي فواصل قلب الصفحات"

تحمست لمعرفة قصة هذه الأحجية وارتفع الأدرينالين في جسدها فقلبت الصفحة، وأيضا وجدت عبارات مكتوبة بخط صغير تقول:

"حين تدخل هذه المغامرة لن تستطيع الخروج منها إلا بعد حل اللغز"

"اللغز يقول: تشير الساعة للواحدة ليلا والمكان منير من حولك، لؤلؤة واحدة مميزة ستنقذ يومك، تحت شجرة ذات رائحة جميلة، هناك معك شخص لا يمكن الثقة به ولكن تبين أنه الوحيد الذي لن يخذلك"

قطبت إحدى حاجبيها متعجبة لما قرأته ثم قلبت الصفحة، فجأة ظهر نور ساطع من الكتاب يخطف الأبصار ويبث الرعب في النفوس، أخذها بلمح البصر فاختفت من المكان وانغلق الكتاب ثم عاد لمكانه على الرف.

فتحت مايوكا عينيها فشعرت بأن رؤيتها ضبابية ولم تستطع أن تلمح أي شيء من حولها، كل ما كانت تراه هو اللون الأخضر المنتشر بكل مكان والذي تسبب باستغرابها.

زحفت شيئا فشيئا لتلمس أي شيء قريب منها ولكنها شعرت بشيء ناعم كالفرو أمامها، تلمسته قليلا من أسفله للأعلى فأحست برأس عملاق وأسنان حادة وأنياب ضخمة، شيئا فشيئا اتضحت الرؤية أمامها فانصدمت مما رأته، كان هناك أسد ضخم البنية يقف على بعد سنتمترات منها، والأسوأ أنه زأر في وجهها بكل قوة فتجمد جسدها من الخوف وصارت ترتجف ولم تستطع حتى الوقوف والهرب بعيدا.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top