خيانة وتسامح (النهاية)
بعد خيانتك أردت ألا أسامحك، ولكن بعدما رأيت عينيك، فكيف لي ألا أسامحك؟!
____________________
كانت "ياسمينا" جالسة على إحدى المقاعد الموضوعة في إحدى الطرقات في كليتها، كانت تتطلع بملل إلى الأشخاص المارون منتظرة أن يأتي معاد محاضرتها، وإذا فجأة تجد فتاة تقترب منها، فحينما انتبهت لوجهها، تذكرَّتها، إنها تلك الفتاة الَّتي قابلت "حور" في المطعم!
نظرت لها "ياسمينا" باستغراب حتَّى أردفت:
مرحبًا أنا أمل، طالبة مِن الدفعة الجديدة، هل يمكنكِ سؤالكِ على شيء؟
فرَّدت عليها "ياسمينا" وما زالت آثر الدهشة عليها:
تفضلي.
جلست "أمل" بجوارها، ثمَّ قالت:
في الحقيقه لقد رأيتكِ بالصدفه وأنا ذاهبة إلى المدرج، لقد رأيتكِ منذ فترة مع امرأة اسمها "حور"، لقد رأيتكم في المطعم، هل تعلمينها؟
حرَّكت "ياسمينا" رأسها مؤكدة:
نعم، إنها جارتي منذ سنوات طويلة، ولكنَّها تزوجت وسافرت مع زوجها وعادت منذ فترة صغيرة.
تفاجأت "أمل" من كلمات "ياسمينا" هي الأخرى، ثمَّ استوقفتها:
مهلًا ،مهلًا، هل قلتِ أنَّها عادت للسفر فترة بسيطة؟!
رفعت "ياسمينا" حاجبيها، وظلَّت تنظر لها باستغراب، ثمَّ قالت:
أجل.
فقالت أمل بعدما شعرت بالقلق:
حسنُا، كنت أعيش في منزل جدتي بمحافظة "الإسكندرية" منذ سنة، وكانت "حور" تسكن مع ابنتها "لين" في الشقة المقابلة لنا، لا أدري لِمَ تقولين أنَّها عادت مِن السفر منذ سنة فقط، ولكنِّي أذكر أنها كانت تضرب ابنتها ضربًا مبرحًا وجدتي هددتها أنَّها ستتصل بالشرطة، ثمَّ مصت فجأة مِن البناية، في الحقيقة إنها تبدوا غير متزنة نفسيًا!
اقشعر بدن "ياسمينا" مِن حديث "أمل"، ونظرت لها بصدمة، ثمَّ أسرعت وأمسكت هاتفها لتدق على هاتف والدتها.
دقائق ورَّدت عليها والدتها، لتسرع ياسمينا بالحديث:
هل "لين" تلعب مع سدرة؟!
فأجابتها والدتها:
أجل، إنها هنا منذ حوالي نصف ساعة.
فأردفت " ياسمينا" بسرعة:
أرجوكِ يا أمي، تفحصي جسد "لين" الآن، وأخبرني إذا كان جسدها به شيء غريب، سأخبركِ بكل شيء لاحقًا
نادت "شيماء" على "لين" بعدما عجزت عن الوقوف لآلام قدمها، ثمَّ رفعت فستانها قليلًا لتجد بطنها مليئة بالجروح وآثار الحروق، فقالت بعدما شهقت:
إن جسدها مغطى بالجروح وندوب آثار حروق.
أصيبت "ياسمينا" بالصدمة، بدأت ضربات قلبها ترتفع كالطبول، ثمَّ قالت:
وداعًا يا أمي.
بدأت ياسمينا بتذكر جلستها الأخيرة مع "بصير" حيث تنهد بثقل، ثمَّ سألها:
هل تعرفين مقاس قدم "حوراء" "وحور".
في البداية تفاجئت مِن سؤاله، وقبل أن تسأله عن سبب سؤاله الغريب، عاد ليتحدث بانزعاج:
سأخبركِ كل شيء، ولكن أجيبي على سؤالي.
نظرت له "ياسمينا" باستغراب، ولكنَّها تحدثت:
أعلم "حور" منذ عدة سنوات، أتذكر أنَّ قدمها صغيرة جدًا حيث أنَّ مقاسها ستة وثلاثون، ولست أدري مقاس قدم "حوراء"، ولكن أعتقد أنَّه بين التسعة والثلاثين أو الأربعين، والآن لِمَ هذا السؤال؟!-
عاد "بصير" بجسده للخلف، ثمَّ أخذ يفكر بملامح وجهه الحادة:
قالت "حور" أنَّها دخلت إلى غرفة "حوراء" في يوم هروبها، وجُرحت قدمها مِن شظايا الزجاج المتناثرة على الأرض، ولكن كان هناك نعال منزلي مُلقى بالقرب مِن الفراش يكاد يكون أسفله، وعلى الفراش طُبِع بالتراب آثر نعال صغير، وبسبب الزجاج والفراش المبعثر كانت هناك مقاومة،أي أنَّه مِن المحتمل "حور" كانت على فراش "حوراء" في الليل تحاول قتلها، وأثناء مقاومة حوراء، وقع النعال مِن قدم "حور".
فعادت ياسمينا لتسأله:
ألا تبالغ في الأمر؟ إنَّ "حوراء" تعاني مِن الهلاوس.
فأجابها بثقة:
ليست كل ما رآته هلاوس، ربما البعض حقيقي، قالت "حور" أنَّ "حوراء" تخيلت أصوات نابعة مِن منزلنا قبل عودتكِ أنتِ ووالدتي، ولكن بعدما دخلت إلى منزلهم، اكتشفت أنَّ غرفتها بجوار غرفتي، وفي ذلك الوقت كنت موجودًا هنا بالفعل كما تعلمين.
أخذت "ياسمينا" تفكر ماذا تفعل، كانت حائرة وعاجزة عن التفكير، ثمَّ أخذت تضرب بيدها على فخذها، وتهز قدمها، ثمَّ وقفت فجأة، ودقت على "بصير" فآتاها رده سريعًا، ولكنها لم تدعوه يكمل حتَّى أردفت:
"بصير"، لقد كنت محقًا، هناك شيء غريب بحور!
تفاجأ "بصير"مِن قلقها، ثمَّ سألها:
ماذا حدث؟
فأجابتها بينما كانت على وشك البكاء:
"حور" كانت تكذب، لقد عادت للسفر منذ حوالي سنة، وهي غير متزنة نفسيًا، كما أنَّ جسد "لين" ابنتها مغطى بالجروح.
وقف "بصير" بفزع، ثمَّ أسرع بالسير وقال:
حسنًا، أنا قادم، أخبري "حوراء" أن تذهب لشقتنا، حسنًا؟
بعد قليل أنهت "ياسمينا" الاتصال "بحوراء"، ثمَّ خرجت مِن كليتها، واتجهت نحو بيتها، وتركت أمل واقفة خلفها حتَّى أنَّها نست أن تشكرها من قلقها وخوفها، بينما كانت "أمل" تدعو أن يكون كل شيء بخير.
وصل "بصير" إلى البناية، ثمَّ صعد الدرج بسرعة وخفة، وفتح باب الشقة، فوجد لين "وسدرة" يلعبان معًا، فأخذ يتطلع حوله، ثمَّ انطلق إلى غرفة الصالون، ولكنه وجدها فارغة، فأخذ ينادي:
آنسة "حوراء"، يا آنسة، هل أنتِ هنا؟
فنادته والدته بعدما استمعت لصوته، ثمَّ قالت:
لِمَ تنادي عليها؟! كما أنَّها لم تأتي.
وقف "بصير" ثابتًا في مكانه مِن آثر المفاجأة، ثمَّ سمع بطرقات بابه، فأسرع ليفتحه، فوجد "ياسمينا" تقف أمامه بوجه قلق، وما إن رآته أمامها سألته:
هل "حوراء" هنا؟
_لا
تفاجأت "ياسمينا" هي الأخرى، ثمَّ أسرعت تدق باب شقة "حوراء"، بينما اختبأ "بصير" خلف الباب، وبعد عِدة طرقات فتحت "حور" الباب، لتسألها "ياسمينا":
هل "حوراء" هنا؟
فأجابتها بعدم اهتمام:
لا، خرجت منذ قليل، لتشتري شيء.
صُدمت "ياسمينا"، بينما ظلَّت واقفة أمام الباب تفكر أين ذهبت، فعادت "حور" تتحدث:
هل تحتاجيها في شيء، أو تريدين مساعدة؟.
هزَّت رأسها يمينا ويسارًا وهي ما زالت مصدومة، فقالت "حور" قبل أن تغلق الباب في وجهها:
حسنًا، وداعًا.
تفاجأت "ياسمينا" مِن فعلتها، بينما عادت لتجد "بصير" يخرج هاتفه ويتطلع إلى ما حدث عن طريق الكاميرا الصغيرة الموضوعة أمام الباب، وشاهد الفيديو الذي سجلته الكاميرا منذ نصف ساعة حيث الوقت الذي دقَّت به "ياسمينا" على "حوراء".
نظر "بصير" إلى "ياسمينا"، ثمَّ قال:
"حوراء" لم تخرج، إنها ما زالت بالداخل!
كانت تلك الكاميرا الذي وضعها "بصير" أمام الباب بعدما أصبح شخص يزعج البناية بأكملها بطرق الباب ثمَّ الركض، ووضع الأتربة أمام البيوت، هي السبب في اكتشافه أنَّ حوراء لم تخرج، فعلم أنَّ حور تكذب؛ لعدم معرفتها بوضعه للكاميرا، فهو لم يقل لأحد سوى أهله، وطلب من ياسمينا ألا تخبر أحد بتاتًا.
في منزل "حوراء"، كانت مُلقية على الأرض، تتذكر أنها حاولت الخروج مِن شقتها، ولكن فجأة شعرت بضربة على رأسها، جعلتها تسقط، ففتحت عينيها لتجدها في الغرفة السرية الصغيرة الخاصة بوالدها، وأمامها تجلس "حور".
كانت "حوراء" عاجزة عن الحديث بعدما كممت "حور" فمها، فنظرت لها باستغراب، بينما ابتسمت "حور" ابتسامة شابهت ابتسامة "زين"، فتوسعت مقلتي "حوراء" مِن الخوف.
وقفت "حور" ثمَّ أخذت تدور في تلك القطعة الصغيرة حتَّى أردفت:
ربما تتسائلين لِمَ أحضرتكِ هنا، لذلك سأخبركِ، أنا أود الانتقام منكِ يا عزيزتي! أتدرين ماذا حدث لي بعد زواجي؟
رفعت "حور" أكمام ملابسها، لتظهر ذراعيها المليئة بالجروح، ثمَّ ابتسمت بألم وعادت تكمل:
كان زوجي أحمقًا يستمتع بإيذائي، أغلب هذه الجروح هو السبب بها، وتلبعضأنا السبب به، كان أيضًا يقتل الحيوانات ويستمتع بقتلها حتَّى أصبحت مثله أستمتع بإيذاء نفسي، وضرب ابنتي! فذ اليوم اليوم الذي هربتي به مِن المنزل، ليلتها سألتني عن علاقتي بزوجي، أخبرتكِ أنها جيدة، ولكن لقد انفصلنا ولكن بعدما أصبحت مثله! كان كثيرًا ما يضربني، ويعايرني أنكِ رغبتِ بالتخلص مني، ولم يحبني أحد.
صمتت "حور" قليلًا، ثمَّ عادت تكمل:
أجل، لقد أخبرني أنكِ اكتشفتي خيانته لي أثناء خطبتنا، ولكنكِ لم تخبريني، هل كنتِ تكرهيني لهذا الحد، لقد أحببتكِ كثيرًا كنتِ أنتِ عائلتي الوحيدة!
نظرت "حوراء" إليها بأعين باكية، فاقتربت منها "حور"، وأزالت مِن على فمها قطعة القماشة وأردفت:
لِمَ؟!
ظلَّت حوراء تبكي بشدة، ثمَّ قالت بصوت يملئه الندم:
اكتشفت الأمر متأخرًا، قبل زواجكِ بعدة أيام، كنتِ أراكِ سعيدة بوجوده وبزفافكِ، بعد موت والدينا كنتِ تعيسة، ومنذ مجيئه وعدتِ إلى سعادتكِ المعهودة، فكيف لي أن أكسر فرحتكِ؟! اعتقدت أنَّه سيتوقف عن خيانتكِ بعد الزواج، أنا آسفة، لم أكن أدري شيئًا عن معاناتكِ.
أعادت "حور" قطعة القماش على فمها، ثمَّ أردفت بقسوة:
لم يعد هناك وقت للاعتذار، لقد انتهي كل شيء، هل أضيف لكِ شيء؟ أنا مَن وضعت الدماء على سيارتكِ.
عادت "حور" تبتسم كالمختلة، ثمَّ ضمت أيديها بعدما هتفت يسعادة:
أنا لم أستمتع مِن قبل بقتل بشر، أيا تُرى كيف ستكون المتعة؟! ستكون بالتأكيد أمتع مِن قتل الحيوانات.
ضحكت "حور" بشدَّة، ثمَّ قالت:
هل أقتلكِ ثمَّ أقتل نفسي؟ لا سوف أنتظر نزول زوجي السابق، أنا على تواصل مع والدته، تريدنا أن نتصالح، أخبرتني أنه سيعود قريبًا، لذلك سأقتلكِ بيدي اليمنى هذه، ثمَّ أقتله، وبعدها أقرر هل أعيش أم أقتل نفسي.
شاورت "حور" نحو المجمد العمودي، وأردفت:
لقد نقلته مِن المطبخ إلى هنا، الشكر لله أنه عمودي، لم يكن صعبًا في نقله، سأقتلكِ، ثمَّ أقطعكِ، وأضع أجزاء جسدكِ هنا، أليس هذا ممتعًا! بالطبع سأشتري حقن لتجلط الدماء، وهكذا لن تملىء الدماء الأرض، وبالطبع لن تخرج رائحة تعفن جثتكِ، والآن سأذهب لشرائها، وداعًا يا عزيزتي.
شعرت "حوراء" بالألم الشديد على ما وصلت له أختها، وظلَّت تبكي، بينما خرجت "حور" تاركةً الشقة كلها؛ لتجلب الحقنة.
كان "بصير" جالسًا يراقب في الكاميرا ما يحدث، ثمَّ وجد "حور" تخرج مٍن المنزل مسرعةً، فأسرع هو "وياسمينا" نحو الشقة، ظلَّ بصير يضرب بجسده الباب حتَّى فُتح، ثمَّ أسرع يبحث عنها في كل أنحاء الشقة.
بعد مدى مِن البحث، وقفت "ياسمينا" أمامه بحزن وقالت:
لم أجدها.
كان "بصير" مستغربًا؛ فهو متأكد أنها لم تخرج، ثمَّ عاد ليخرج مِن الشقه، ليجد والدته تقف أمام باب شقتهم منتظرة أن ترى حوراء بعدما أخبروها بما يحدث، فانطلق "بصير" نحوها بعد قال "لياسمينا" القفة تفكر أن تغلق البا، وقال لها:
لم نجدها.
حزنت "شيماء" عليها، وشعرت بالقلق، وأخذت تدعوا ربها أن ينجيها، ثمَّ رفعت رأسها، وتوسعت عينيها وقالت:
الجيران الذين كانوا يسكنون هنا قبل والدي "حوراء" أتذكر أنَّهم كانوا يكسرون في الجدران ويفعلون شيئًا في أحد الغرف، هذا الأمر منذ حوالي أكثر مِن خمسة عشر عامًا، أخبرتني المرأة أنهم كانوا يفعلون غرفة أخرى صغيرة، ليخزنوا بها بضائع الأرز والقمح.
التمعت أعين "بصير" ثمَّ اقترب منها وقال:
ألا تدري أي غرفة؟
فقالت:
لا، ولكني أذكر أنَّ الغرفة أصبحت أضيق غرفة في المنزل.
تذكرت "ياسمينا" الغرفه الأضيق بالفعل، فقد رآت سابقًا غرفتي "حوراء" "وحور" ولم يتبقى سوى غرفه والديهم الَّتي رآتها اليوم، فأسرعت تركض وبصير يركض خلفها حتَّ دخلت إلى الغرفة المقصودة.
ظلَّ بصير يبحث في الغرفة، حتَّى وجد مقعد عريض فحركه قليلًا، فوجد بابًا طوله لم يتعدى الخمسين مترًا، فأخرج "بصير" سلاحه النار، وضربه به، ليُفتح الباب، فنزل "بصير" بجسده ليجد "حوراء" ملقية على الأرض.
تفاجأ "بصير" مِن حالتها ثمَّ صرخ:
وجدتها!
دخل "بصير" لتلك اللي الغرفة الصغيرة وتبعته "ياسمينا"، ثمَّ أخذ يزيل الحبال التي أحاطت بجسد حوراء.
عانقت "ياسمينا" الَّتي تبكي بشدَّة، ثمَّ ساعدتها في الخروج، ولكن بسبب الضربة التي أخذتها "حوراء" على رأسها، كانت تجد صعوبة في الحركة، فقرروا أخذها إلى المستشفى.
نزلوا جميعًا مٍن البنايه، وقد واجهت "حوراء" صعوبة بالوقوف مِن تعبها، ثمَّ اتجهوا نحو سيارة "بصير"، وقبل أن يصعد "بصير" لسيارته، وجد "ياسمينا" تقف أمامهم وهي مصدومة ، تتطلع إلى السيارة لتجد حوراء، فنظرت إلى "بصير" بخوف، ثمَّ أسرعت تركض.
اتبعها "بصير" كي يمسكها، فهو لا يود أن تهرب، وقد كان ركضه سريعًا بالنسبة لها، فحاولت هي الإسراع أكثر، ولم تنتبه إلى تلك السيارة القادمة، لتظهر أمامها فجأة وتصدمها، فارتمى جسدها بعيدًا مِن قتل الصدمة، ومرَّت السيارة بجوار جسدها الملقى على الأرض.
اقترب منها "بصير"، فوجد الدماء تحيط بها، وانتبه إلى ذراعها الأيمن الذي يبدوا أنَّ السيارة عبرت عليه، فحملها، وأسرع بنقلها هي الأخرى تحت بكاء وصرخات مِن "حوراء".
بعد مرور أسبوع، كانت "حور" على قيد الحياة، ولكنَّها دخلت في غيبوبة، لتغيب عن الوعي لمدة لا يعلمها إلا الله، فوقفت "حوراء" تحمل "لين" بين يديها بعدما قررت الاعتناء بها حتَّى تستعيد "حور" وعيها.
ربطت "ياسمينا" عليها ولم تقل شيء، وعادوا جميعًا إلى منازلهم وكل منهم حزين عما حدث "حوراء"، بينما "حوراء" قررت أن تحارب حزنها، وأمضت وقتها في الذهاب إلى صالة رياضية لتفقد وزنها، والاعتناء "بلين" كابنتها.
مرَّت شهور أخرى، وما زالت "حور" في غيبوبتها، وفي ذلك الوقت جلست "شيماء" "وياسمينا" مع "حوراء"، نظرت لها "شيماء" بحب وقالت:
مبارك لكِ على النقاب.
فرَّدت عليها "حوراء":
الله يبارك فيكِ.
حمحمت "شيماء" ثمَّ غمغمت:
اسمعي يا "حوراء"، "بصير" يود الزواج منه، وقبل أن تجيبي بالرفض أو القبول، فعلاقتنا ستظل كما هي، لن يؤثر رفضكِ على علاقتنا، ستظلي مثل ابنتي "ياسمينا".
تفاجأت "حوراء"، وشعرت بسعادة بالغة ممزوجة بالخجل، ولكنَّها أردفت:
هل هو يود ذلك؟!
فرَّدت عليها "شيماء" بعدما هزَّت رأسها:
أجل، هو مَن أخبرني بذلك، والآن سنترككِ لنفكري في الأمر.
وقفت "حوراء" أمام الباب تودعهم، ولكنَّها رآت "بصير" صاعدًا على السلم، فأسرعت نحوه تسأله:
لِمَ تود الزواج مني؟
شعر "بصير" بالخجل هو أيضًا، ولكنَّه ردَّ عليها:
أريد امرأة صالحة تستكين أرواحنا لبعضنا، ونكمل ما تبقى لنا مِن حياة معًا في مساندة بعضنا على إبتلاء الدنيا، والمساعدة في الوصول إلى الجنة.
كادت "حوراء" أن تدمع عينيها المختبئة خلف نقابها، ولكنَّها قالت:
ولكني سمينة، لم أفقد الكثير مِن وزني بعد، قد أظل هكذا!
فابتسم وهو يغض بصره:
المرأة لي ليست مجرد جسد، أخبرتكِ أنِّي أود امرأة صالحة.
فعادت لتسأله:
ألن تؤذيني بكلماتكِ؟
فأجابها:
أنا مَن اخترتكِ، وأنا مَن أردتكِ، وأعدكِ أنَّي سأحاول دائمًا أن أكون خير الزوج.
_ لن أتخلى عن "لين".
_ستكون مثل ابنتي.
ستمتد الخطبة لسنة، لا أحب التسرع.
فأجابها بعدما ظهرت عليه السعادة:
إذًا أنتِ موافقة؟
فابتسمت "حوراء" بخجل شديد، واحمرَّ وجهها بأكمله، وعجزت عن الحديث، فابتسم "-بصير" لخجلها، بينما أصرعت "ياسمينا" الواقفة منذ البداية تبارك لهم.
بعد مرور شهور كان "بصير" جالسًا في مكتبه، ثمَّ وجد رجل متوسط الطول يدخل إليه، فنظر له "بصير" منتظرًا إياه أن يتحدث بعدما أمره بالجلوس.
ثواني حتَّى قال ذلك الرجل:
هل تعرف رجلًا يُدعى زين؟ كان قُبض عليه لمحاولة قتل فتاة اسمها "حوراء".
حرَّك "بصير" رأسه، فأكمل ذلك الغريب:
كان مريضًا نفسيًا، ولكنَّه خرج مِن المصحة النفسية بعدما تم معالجته منذ وقت قريب، ودخل السجن ليكمل عقوبته،في الحقيقة أنا أحد أقربائه، وقد جعلني أبحث عن تلك الفتاة لأعتذر لها بدلًا منه، وعلمت أنها خُطبت لك، وأخبرته، وهو يتمنى أن تزوره في السجن.
نظر له "بصير" باستغراب، واردف:
لِمَ أفعل هذا؟
فرَّد عليه:
مِن أجل شخص مريض ندم على ما فعله وقرر التوبة، أرجوك، أنت لا تعرف حالته، لقد فكرت كثيرًا قبل المجىء لكِ، كنت أخطط للذهاب له بمفردي اليوم والكذب عليه بأنك رفضت دون أن أحاول معك.
نظر "بصير" إلى ساعته، ثمَّ قال:
حسنًا، لنرى ما في الأمر.
بعد مدة كان "بصير" جالسًا أمام "زين"، كان مختلفًا عما رآه مِن قبل، فبدى أضعف وأكثر حزنًا وندمًا، مدَّ له "زين" برسالة، ثمَّ أدمعت عينيه وقال:
أرجوك أعطي هذه الرسالة إلى حوراء، لقد اخترت أن تعطيها أنت الرساله؛ لأنني علمت أنها خُطبت لك، أعتقد أنَّها تكن لك بعض الحب، لذلك سيكون مِن الجيد أن تأخذها أنت، أخبرها أنِّي نادم، وانِّي لو عاد بي الزمن لم أكن أفعل بها ما فعلته، أخبرها أنِّي كنت مريضًا، أرجوك اجعلها تسامحني.
ربط عليه "بصير" بشفقة تحزن لحالته وقال:
أؤمن أنَّها ستسامحك، لا تقلق.
بعد قليل خرج "بصير" مِن السجن، وذهب إلى منزله، وانتظر قدوم "ياسمينا" لتذهب معه إلى "حوراء"، فلا يجوز أن يختلي بها في مكان بمفردهم.
وفي الساعة الخامسة مساءً، كان "بصير" جالسًا أمام حوراء، مدَّ لها الرسالة، ففتحتها لترى ما بها:
إلى الآنسة حوراء، أنا زين، بالطبع تذكريني، إذا وصلتكِ هذه الرسالة الآن فاعلمي أنِّي شُفيت مِن مرضي، واعلمي أنِّي نادمًا لدرجة أنَّ الندم يكاد يقتلني، أصبحت خائف مِن الموت وهناك مَن هو لا يسامحني على فِعل فعلته، فأرجوا منكِ أن تسامحيني.
ابتسمت "حوراء" بعدما قرأت رسالته، ثمَّ أردفت بفرحة:
لقد شُفي إذًا، في الحقيقة، أنا لم أحمل له كرهًا حتَّى بعد ما فعله، أحيانًا أتسائل ماذا فعلت به الحياة ليصل إلى هذا الحد، أنا متأكدة أنَّه كان وحيدًا، قد لا أنسى، ولكني مِن كل قلبي أسامحه.
مرَّت الأيام ولتصبح سنوات، وها هي "حوراء" تجلس حاملة ابنتها الصغيرة "ليان" مع الجدة "كريمة" يشربان الشاي معًا كما اعتادا منذ ثلاثة سنوات، وأثناء حديثهم دقَّ هاتف "حوراء"، وحينما رَّدت آتاها صوت لم تألفه:
السيدة "حوراء" معي؟
فأجابت:
أجل.
فعاد ذلك الصوت يخبرها:
لقد استيقظت أختكِ "حور" اليوم مِن غيبوبتها.
أدمعت أعين "حوراء" مِن السعادة، وشعرت بضربات قلبها ترتفع، ثمّ قالت:
سآتي فورًا.
_ولكن رجاءً زوري الطبيب الخاص بحور؛ لتعلمي حالتها
أغلقت "حوراء" الهاتف، فسألتها "كريمة" بعدما رآت تلك السعادة الَّتي زينت وجهها عن سببها، فرَّدت عليها "حوراء":
لقد استيقظت "حور"، استيقظت أخيرًا.
خرجت "حوراء" مِن شقة "كريمة" وذهبت في شقتها الَّتي كانت في المقابل، كان مِن الصدفة أنَّ أحد الجيران قرر نقل مكان معيشته، فباع "بصير" شقته القديمة، واشترى هذه.
دخلت "حوراء" إلى الشقة، ثمَّ نادت على "بصير" الذي شعر بالقلق حينما وجدها تنادي عليها وتبحث عنه، وما إن رآته، أسرعت نحوه، وغمغمت بسعادة:
لقد استيقظت حور، هيا استعد لنذهب لها.
بعد قليل كانت حوراء في المستشفى تستعلم مِن الطبيب حالتها، فأجابها الطبيب:
إنها الآن بخير، ولكنَّها تعاني مِن فقدان جزء مِن ذاكرتها، فقدت من ذاكرتها حوالي خمس سنوات.
وكأنَّ الله أنعم عليهم بهذا النسيان، فهي ستنسى كل شيء، ستنسى كل ما ألمها سابقًا، وتعود حور القديمة السعيدة، تلك الفتاة النقية المحبة مِن الجميع.
وقفت "حوراء" أم غرفة "حور"، ثمَّ قالت له بامتنان:
انتظر هنا قليلًا، أريد الحديث معها.
اومأ لها رأسه، فدخلت "حوراء" إلى الغرفة، لتجد جسد "حور" الخالي مِن ذراعها الأيمن ممتد على الفراش، رفعت "حوراء" نقابها، وبكت عينيها مع ابتسامة شفتيها، وأخذت تقترب منها ببطىء وهي تتذكر كل الذكريات السعيدة بينهم.
ابتسمت "حور" حينما رآتها، ثمَّ عانقتها بقوة، وأخذا يبكيان معًا بشدة، ظلَّت "حوراء" تقبلها وهي تبكي حتَّى أردفت:
اشتقت لكِ كثيرًا.
فرَّدت حور عليها بحب وهي تضع يدها عل كتفها الخالي مِن ذراعها:
ماذا حدث.
بكت "حوراء" أكثر وأردفت:
لا بأس، سنحاول تركيب ذراع صناعي لكِ.
ظلَّت "حوراء" تعانقها حتَّى قالت "حور":
ماذا حدث في هذه السنوات، أحاول التذكر، ولكن لا أستطيع.
فُزعت "حوراء"، وأردفت برفض:-
لا، لا تحاولي التذكر، كان الماضي مؤلمًا.
تفاجأت "حور" مِن رفضها المبالغ به، فعادت لتسألها:
هل آذيتكِ في هذا الماضي.
فأجابت بحزن:
كلانا آذينا بعضنا.
_ يا له مِن ماضي بشع! أنا آسفة.
فرَّدت حوراء بعدما ابتسمت:
كان بشعًا بالفعل، وأنا أيضًا آسفة، أتعلمين لقد تزوجتي وأنجبتي فتاة عمرها الآن ست سنوات، ولكنكِ انفصلتِ عن زوجكِ، ولكن لا تحزني؛ كان رجلًا سيئًا.
قامت "حوراء" وفتحت الباب، ليدخل "بصير" والأطفال، ركضت "لين" نحو "حور" وعانقتها بشدة، فبادلتها "حور" العناق وقالت:
إن وفيت بوعدي مع خالتكِ، سيكون اسمكِ "لين".
فابتسمت "حوراء"، ثمَّ هزَّت رأسها، وحملت ابنتها لين، واردفت:
وهذه هي "ليان" كما اتفقنا سابقًا على تسمية أولادنا، وهذه هي "سدرة" في نفس عمر لين، هي ليست مِن رحمي، ولكنَّها ابنتي الأكبر، وهذا "بصير" زوجي، هذه هي عائلتي، وأهلًا بطِ في عائلتي، ستكوني أنتِ الفرد الجديد في العائلة.
النهاية
تمت بحمد الله
آراء؟
نقد بناء؟
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top