النجاة
وبدون سابق إنذار تتيقن أنَّ لا ملجأ ولا منقذ سوى الله، فتبدأ بالاقتراب منه مجددًا بعدما طال بعدك، فتخطوا نحوه خجلًا مثقلًا بهموم الحياة، لتجده في المقابل يجذبك نحوه أكثر، ويضاعف تلك الخطوات، ويخرجك مِن ذاك العسر الذي وقعت به.
____________________________
واليوم ترى "حوراء" "زين" متأنقًا كالرجل في ليلة زفافه، يقف بشموخ رافعًا لرأسه، يتطلع إليها بنظرات هوس وجنون، وعلى ثغره ابتسامته الَّتي اعتادت رؤيتها حينما كان مستمتعًا بالتفكير في طريقة قتلها.
ارتعشت أقدام "حوراء"، وارتجف جسدها وهي ترى وحشًا يتخذ هيئة إنسان يقف أمامها، وتقابلت أعينها الَّتي حلَّت بمقلتيها رجفة مع مقلتيه الثابتتين، فابتلعت تلك الغصة الَّتي بداخلها بصعوبة بالغة.
وفي تلك اللحظة كأنَّ الوقت توقف، كلاهما يقفان أمام بعضهم، لا تفصل بينهم سوى مسافات ليست كبيرة، يتطلعان إلى بعضهم بنظرات مختلفة، فساد الصمت المكان، وسكنت أصوات الشفاه، وخرجت لغة العيون، لتتحدثا عن رغبتهم.
كانت عيون أحدهما منتظرة نهاية هذا الأمر حيث تنتهي أنفاسهم مِن هذا العالم القذر، ويذهبون حيث اللاعودة، والعيون الأخرى منتظرة أن يأتي لطف الله، وينقذها كما أنقذ الكثير مِن قبلها.
اقترب منها "زين" وأزال عنها قيودها، وتلك القطعة الَّتي كممت شفتيها، وأخيرًا قطع ذلك الصمت صوته الذي ظهر هادئًا:
تفضلي الفستان.
فرَّدت عليه "حوراء" والدموع في مقلتيها، ونبرة صوتها تظهر عليها الارتجاف:
هل لي بطلب؟
فأجابها "زين" بعدما ابتسم:
تفضلي يا عزيزتي.
فسألته وهي تحاول أن تتماسك:
ألن ترفض؟
فأجابها وهو ينظر لعينيها:
كيف لي أن أرفض شيء لعروستي وفي ليلة زفافنا؟!
صمت "زين" منتظر أن يستمع لطلبها، وبعد لحظات مِن الصمت تحدثت "حوراء" قائلةً:
هل ترشدني للمرحاض؟ أريد الوضوء، أريد أن أقضي تلك الصلوات الَّتي لم أصليها منذ اختطافي، هل تسمح لي؟
تفاجأ "زين" مِن مطلبها، في البداية توقع أن تطلب مشاهدة فيلم للمرة الأخيرة، أو تطلب خاتم أو رواية، ولكن أن تطلب منه أن يسمح لها أن تصلي لم يتوقعه بالمرة! فاجتاحه شعور غريب وجع وألم في القلب لأول مرة يزوره، ولكنه قال:
حسنًا، ولكن إن سمعت لكِ صوتًا لن تكون نهايتكِ مرضية!
خرجت "حوراء" مِن تلك الغرفة الّتي ظلت محبوسة بها كالسجين، وتتبعت خطوات "زين" المرشدة، وحينما وصلت للمرحاض فتحت صنبور الماء، وبدأت بالوضوء.
اختلطت دموعها مع الماء، وبدأت تبكي، وجسدها يهتز مِن كثرة البكاء، ولكنَّها تماسكت حتَّى أكملت وضوءها، ثمَّ خرجت مِن المرحاض لتجد "زين" يقف أمام الباب منتظرًا خروجها حاملًا معه إسدال، وما إن رآها مدَّ يده لها بالإسدال، فالتقطته منه وعادت مجددًا إلى الغرفة الَّتي ظلَّت محبوسة بها.
ارتدت "حوراء" الإسدال بأيدي مرتعشة، تشعر بأنها لم تصلي منذ زمن، تشعر ببعدها عن ربها، إذًا أهذا هو شعور اللحظات الأخيرة؟! بعدما كانت تؤدي الصلاة؛ لأنها فرضًا، لِمَ هي الآن تود أن تصلي لبقية عمرها؟ لقد تمنت الموت سابقًا عِدة مرات، ولكن لِمَ حينما أصبح يطاردها أرادت لو استطاعت الهرب منه؟!
كان شعور غريب يحتل فؤادها قبل جسدها، شعور بالخوف والرهبة مِن لقاء الإله، أيا تُرى ماذا فعلت لتتمنى لقاؤها سابقًا؟ لقد مضت آخر فترة مِن حياتها في الشكاء والبكاء، لم تكن راضية عن حياتها وتكرهها، فماذا الآن؟! بالتأكيد لو عادت لها تلك الحياة الحزينة لاقتربت أكثر مِن ربها، ولأكملت حياتها وهي تبذل ما بوسعها لتكون امرأة صالحة.
بدأت "حوراء" الصلاة بعبارة: الله وأكبر، وكم آثرت بها تلك العبارة لأول مرة، كم أنَّ الله كبيرًا، أكبر وأعظم وأعز مِن أي شيء في الكون، ثمَّ بدأت صلاتها بسورة الفاتحة حيث تبدأ بحمد الله واطرائه، وبعده الثناء عليه بصفاته حيث هو الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته جميع الخلق، ثمَّ التذكير باليوم الآخر حيث الجزاء على جميع الأعمال، وتمييز وتخصيص الله بالعبادة والتوكل عليه في كل أمورنا، والدعاء بأن يرشدنا إلى الطريق الصحيح حيث نسير على طريق الإسلام حيث الطريق الذي أنعم به على الأنبياء وجميع المؤمنين، والابتعاد عن الطريق الذي سلكه المغضوب عليهم، ثمَّ أكملت صلاتها.
ولأول مرة تستشعر بمعاني القرآن الكريم ، وكم كان عظيمًا وجميلًا! هي تدري أنَّه عظيم، ولكن هذه هي المرة الأولى الَّتي تشعر عظمته بقلبها، وتدرك معانيه جيدًا.
سجدت "حوراء" ثمَّ أخذت تبكي مِن جديد كأنَّها لم تبكي مِن قبل، وأخذت تدعوا ربها قائلةً:
اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا، اللهم ارزقني الفردوس الأعلى بدون حساب وبدون سابقة عذاب، اللهم أنقذني وأخرجني مِن هذه المُعضلة، أعلم أنِّي عصيتك كثيرًا، وضيعت الوقت الذي أنعمت عليَّ به، ولكن هذه المرة أنقذني، فليس لي سواك، أنت منقذي يا أرحم الراحمين.
أدت "حوراء" جميع صلواتها الفائتة، ولم تتوقف عن الصلاة، بينما كان "زين" يراقبها ويختلس النظرات وهي تصلي بإسدال والدته المتوفاة، فوجدها تأخذ وقتًا طويلًا في السجود، شعر بالفضول وأراد أن يعرف ماذا كانت تدعي، وحينما وجدها انتهت مٍن آداء العديد مِن الصلوات، دخل الغرفة بسرعة قبل أن تبدأ مِن جديد، وسألها باستغراب:
ألم تنتهي بعد؟!
فأجابت "حوراء" والخوف ما زال يسير بداخلها:
كلا، لقد انتهيت.
مدًّ يده لها بالفستان، فالتقطته منه بأيدي مرتعشة مهتزة، ثمَّ قال هو:
أمامكِ نصف ساعة بالكثير، فلا يستحق الأمر تأخير، سأكون بانتظاركِ أمام الباب.
خرج "زين" مِن الغرفة، بينما ظلَّت "حوراء" واقفةً حائرةً تتطلع إلى الفستان بحزن وخوف، لا تدري ماذا تفعل، فظلَّت حوالي خمس دقائق كل ما تفعله هو النظر إلى الفستان، وبعد تردد في التفكير، ها هي تخلع تلك الملابس المُتسخة، وترتدي الفستان.
لم تواجه صعوبة في ارتدئه؛ لكِبر حجم الفستان، وحينما انتهت لم يشغل بالها أنَّ الفستان قد ناسب جسدها بعدما كانت تعاني في اختيار ملابسها، فكيف إذًا بالمعناة في إختيار فستان عرس بهذا الحجم؟!
بعدما انتهت مِن ارتداء الفستان، أمسكت الوشاح الأبيض وقامت بلفه حول شعرها بطريقة مُبعثرة وغير منمقة، ثمَّ وضعت فوقه وشاح أبيض آخر شفاف خاص بالفستان، لينتهي الأمر، وتبدوا كهيئة العروس في ليلة زفافها.
انتهت "حوراء" وظلَّت جالسة على الأرض وهي خائفة مِن ذاك الجنون الذي يحدث حولها، وبعد عِدة دقائق سمعت بطرقات على الباب اتبعها دخول "زين" الذي لم يُؤذن له بالدخول حتَّى، وما إن تطلع لها ابتسم، وبدت نظرات عينيه لها كنظرات حبيب، ثمَّ اقترب منها وأمسك بيدها.
كانت "حوراء" منزعجة لامساكه بيدها، لا تدري كيف أقنع نفسه أنَّه زوجها، وهم بالفعل غرباء عن بعضهم، ولا يستحق أن يلمس يديها، ألم يعرف ذاك الأحمق الحديث عن معقل بن يسار أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له" ، ولكنَّها خشت غضبه، فسكتت لترى نهاية هذا الأمر.
سارت "حوراء" مع "زين" حيث لا تدري إلى أين، ثمَّ وجدت نفسها أمام مائدة مليئة بالطعام اللذيذ، ذلك الطعام الذي قال "زين" أنَّه سيحضره، فتقدَّم "زين" وأمسك إحدى المقاعد، وأبعده عن المائدة ليتيح لها الجلوس، بينما هو جلس في المقعد المقابل لها.
لم يجذب إنتباه "حوراء" سوى ذلك الصحن الموضوع في المنتصف وعليه غضاء ضخم، فانتبه "زين" لنظراتها، ليبتسم بعذوبة وحب:
هذا الصحن به هدية زواجنا، ستتفاجئين به بالتأكيد.
ما إن علمت "حوراء" بأنه هدية الزفاف، زاد الخوف والهلع بكل ذرة في جسدها، هي بالتأكيد ستُفاجأ، فمنذ مجيئها هنا ولا يحدث شيء إلا وكان صدمة لها.
بدأ "زين" بتناول الطعام وعلى وجهه السعادة، بينما كانت "حوراء" تنظر للطعام أمامها وهي خائفة، فانتبه لها "زين"، ونظر باستغراب لها وقال:
لِمَ لا تأكلين؟! لستِ بحاجة للأنسولين، فعلى كل حال إنها آخر وجبة لنا.
لم تكن "حوراء" تدري ماذا تقول له، فكيف لها أن تأكل وهي تعلم أنَّها قد تُقتل بعد قليل، ولكنَّها ضغطت على نفسها وقالت:
لست جائعة.
ابتسم "زين" بسعادة بالغة، وظهر الفرح على عينيه، وقال بنبرة صوت يملؤها الحماس:
هل أنتِ أيضًا متحمسة للموت؟ يا له مِن شعور مريح.
وقف "زين" ثمَّ سار سريعًا لمنتصف الطاولة، ثمَّ أمسك ذاك الصحن الذي لم يكن ظاهًرا ما به حتَّى أزال الغطاء وقال:
أنظري هذه هي هدية زفافنا!
كان يوجد بالصحن سكين حاد باللون الأسود مزين بقطعة قماش ناعمة ودافئة باللون الأسود أيضًا، كانت قطعة القماش متخذة هيئة فيونكة، وفوقها شيء يشبه اللؤلؤ الأبيض، وبجوار السكين سلاح ناري عليه نفس تلك القطعة القماش المزينة.
تفاجأت "حوراء" أكثر مِن كل مرَّة، وجحظت عينيها بشدَّة، ثمَّ سمعت صوت "زين" يخترق أذنها وهو يقول بصوته البغيض الذي غلبه هذه المرة الدفىء:
اسحبي السكين يا عزيزتي.
على الرغم مِن أن "زين" كان واقفًا أمامها، ولكنَّها تخيلته وحش يقف خلفها يهمس في أذنها بعباراته، لينتشل مِن جسدها كل ذرات الأمان، فأمسكت هي السكين وأيديها ترتعش بوضوح، فضغط "زين" على يدها بقوة وقال:
لا تخافي يا عزيزتي.
أظهر "زين" ساعده الأيمن بعدما رفع ثيابه، ثمَّ مد يده لها وقال:
ما رأيكِ بأن تجرحي يدي، وفي المقابل سأجرح يدكِ أيضًا؟ أليس مِن المُعيب أن تمتلك أجسادنا كل تلك الجروح وكل واحد منا هو السبب فقط؟! لذلك فكرت أن يسبب كل منا جرح للآخر، وبعدها أقوم بقتلكِ، ثمَّ أقتل نفسي، أليست هدية رائعة؟!
لم يستمع "زين" إلى صوت "حوراء" فأكمل بسعادة:
لا تقلقي مِن شيء، لقد تركت الباب مفتوحًا، فحينما يسمع الجيران صوت إطلاق النار لعدم وجود كاتم صوت سيسرعون لنا، وهكذا سوف نُدفن، ولن تتعفن أجسادنا.
كان كل ما يدور في ذهن "حوراء" ما بال هذا المجنون، في البداية يُقدم لها باقة سكاكين بدلًا مِن باقة الورد، والآن يود أن تجرحه؟! وبل يفتخر أيضًا بأنَّه لن يترك جثثهم تتعفن، فإلى أي مرحلة مِن الجنون قد وصل؟!
كانت الصدمة والخوف هم سيدان المكان، لم تكن تدري "حوراء" ماذا تفعل، وبدون أن تعي شيء، وجدت يديها ترتفع لأعلى، ثمَّ أنزلت السكين لتخترق كتف "زين" بعنف، ثمَّ طعنته مجددًا في قدمه اليسرى عِدة مرات وهي تصرخ:
إليك عني! قد تعبت منك ومِن جنونك.
ظلَّت حوراء تصرخ بأعلى صوت، ثمَّ تركت السكين لتسقط أرضًا، وأسرعت تركض وهي تبكي، لم تكن تدري مِن أين جائت هذه القوة فجأة لتستطيع طعن "زين" ولكنَّها اتجهت نحو الباب وخرجت.
كانت "حوراء" تركض بصعوبة بسبب تلك الدهون في جسدها الَّتي أعاقت حركتها، وذاك الفستان الضخم والثقيل المناسب لجسدها أعاقها أكثر، وأخيرًا خرجت مِن المنزل، وها هي ترى الشارع والناس.
أكملت "حوراء" ركضها، ثمَّ سمعت صوت "زين" ينادي عليها، فنظرت خلفها لتجده ليس بالقريب منها، ولكنَّها انتبهت للسلاح الناري في يديه، فأعادت رأسها للأمام وأكملت بكاءها وهي تركض.
وجد "زين" صعوبة في مطاردتها بسبب تلك الطعنات في قدمه، فشعر أنَّه لن يستطيع إمساكها، فوجه السلاح الناري نحوها وهو يتسائل:
لِمَ تتعلق في حبل الحياة هكذا؟ أليست حياتها بائسة وحزينة مثله؟! لِمَ لا تود الموت؟! وقبل أن يضغط على زناد السلاح، أعاد السلاح ليوجهه نحو رأسه تاركًا "حوراء" تهرب، وقبل أن يقتل نفسه شعر بهجوم سريع مِن قِبل المارين في الشارع وإذا هم يمسكون يده، ويضغطون عليه حتى وقع أرضًا، وسُحب منه السلاح، فأخذ يبكي كالطفل الصغير.
كان جميع مَن بالشوارع ينظرون لما يحدث بصدمة، فتاة ترتدي فستان عروس تركض وهي تبكي، ويتبعها رجل ضخم البنية ماسكًا سلاح ناري في يده ويصوبه نحوها، فماذا يحدث؟!
ظلَّت "حوراء" تركض حتَّى ابتعدت قليلًا، ثمَّ وقعت على الأرض، ليُزين الفستان الأبيض بالطين، وظلَّت تبكي حتى وجدت مَن يقترب منها ويعينها على الوقوف، وحينما تطلعت للأمام، وجدت تلك المرأة العجوز الَّتي تُدعى "كريمة" أحد جيرانها تقترب منها.
لم تدري ماذا تفعل، ولكنها ظلَّت تبكي بخوف دون توقف، فربطت هذه المرأة عليها وهي تردف والخوف والقلق يعلوا وجهها:
ماذا حدث لكِ؟!
بعد قليل كانت "حوراء" تجلس في إحدى السيارات بجسدها المرتعش بجوار "كريمة"، لم تكن تنتبه لأي شيء بعدما نقلتها "كريمة" بصعوبة مع أحد المارين في الشارع، وبينما كانت "كريمة" تتحدث في الهاتف، كانت "حوراء" تجلس وكأنَّها في عالم آخر، حتَّى جذبها صوت عذب ومريح مِن الشريط السمعي بالسيارة:
﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾.
وكأنَّ الوقت عاد مجددًا بعد توقفه، لتقتحم تلك الآية مِن سورة التوبة أذنها، لتبدأ بالانتباه لمعناها، وما إن استمعت لقوله تعالى: لا تحزن إنَّ الله معنا، كأنَّ هناك مَن يواسيها ويربط عليها، طمأنينة وسكينة حلَّت بقلبها بعد تلك المأساة الَّتي مرَّت بها، لتبدأ بالبكاء "وكريمة" تربط عليها.
بعد قليل توقفت "السيارة"، فخرجت "كريمة" وهي تمسك بيد "حوراء" الَّتي كانت تستند عليها، وما إن تطلعت "حوراء" أمامها وجدت "حور" تركض نحوها وخلفها "ياسمينا" "وبصير".
اقتربت منها "حور" وعانقتها بشدَّة، ولكن ارتعش جسد "حوراء" وعادت تصرخ بها:
إليكِ عني، ابتعدي أنتِ وذاك الحقير الواقف خلفكِ!
لم يكن هناك رجلًا سوى "بصير"، وحينما استمع لكلماتها نظر لها باستغراب، لا يصدق بأنَّ بعد محاولاته في البحث عنها، وبعدما تلقى منها العديد مِن الضربات تناديه بالحقير، فلِمَ تسبه؟!
أمسكتها "حور" مِن ذراعيها، ثمَّ بدأت بهزها بقوة وهي تصرخ عليها بعدما فقدت هدؤها قائلًة:
استيقظي يا "حوراء"، أنتِ مريضة بمتلازمة الكابجراس!
فسألتها والدموع ما زالت في عينيها:
ما هي تلك المتلازمة؟
فرَّدت عليها "حور" والحزن يطغى على صوتها:
الإعتقاد بأنَّ فردًا مِن أسرتك تم استبداله بشخص مخادع يشبهه تمامًا.
نظرت "حوراء" إلى "ياسمينا"، فاقتربت منها "ياسمينا" وهي تنظر نظرات معاتبة "لحور"، ثمَّ ربطت عليها وقالت:
لا بأس، لكل شيء علاج.
صدمة جديدة نزلت على "حوراء"، فتيبست أقدامها وقالت:
إذا لم تحاولي قتلي، لِمَ كان "بصير" حاملًا سكين في يده ويطاردني؟
استمعت "حوراء" لحديثه الذي خرج سريعًا:
أولًا كان فتى يضايق فتاة، ولكنِّي ضربته وأخذت منه السكين، ثمَّ وجدتكِ، كنت أبحث عنكِ لإعادتكِ للمنزل، وثانيًا كيف لي بقتلكِ في مكان عام؟
ضعفت قدم "حوراء"، فسقطت أرضًا وهي في حالة صدمة، فنزلت "حور" بجسدها تعانقها وهي تردف:
كل شيء سيكون بخير يا عزيزتي، فقط لنذهب إلى طبيب نفسي، سيعطيكِ العلاج، وسوف تصبحين بخير.
فبكت "حوراء" مجددًا، وارتفع صوت شهقاتها، ثمَّ خرج صوتها المهتز قائلةً:
لست بحاجة للعلاج، أحتاج فقط ألا أكون بمفردي!
وكأنَّ تلك الكلمة حرَّكت قلب "حور"، لتعانقها بقوة أكبر، وبدأت بالبكاء معها حتَّى فقدت "حوراء" وعيها في عناقها، وغابت عن الدنيا.
صُدِم الجميع، وأسرعوا بحملها تحت مساعدة "بصير" بعدما عجزوا الفتيات عن نقلها، وقبل أن تصعد ياسمينا، نظرت للعجوز "كريمة" وقالت:
شكرًا لكِ يا جدة؛ لأنكِ أحضرتيها وتواصلتي معنا قبل أن تصلا، لا تعرفين كم كنا جميعًا خائفين عليها.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top