أكان هذا خيالًا؟

أرى ما لا يُرى، وأسمع ما لا يُسمع، وأشعر دومًا بذات الشعور، ولكن لست أدري مَن مِنا المجنون، أنا أم هذا العالم!

________________________________

سُقطت حقيبة حوراء على الأرض، ووضعت إحدى يديها على شفتيها، وأخذت تتطلع حولها باحثةً عن أي شخص في الشارع، بدى لها الشارع فارغًا، فصعدت إلى شقتها وهي تحاول الإسراع، ولكن قدمها المرتعشة لم تساعدها.

دقَّت جرس الباب بعنف، وما إن فتحت لها أختها الباب، رآتها تنظر لها باستغراب، ثمَّ سألتها:
أليس لديكِ مفتاح؟

نظرت لها حوراء بخوف شديد، ثمَّ دفعتها بعيدًا، وركضت مسرعةً نحو غرفتها كأن هناك وحشًا يطاردها، ثمَّ أغلقت الباب بيدها المرتعشة، وجلست تبكي خلفه، وهي تستمع لصوت أختها التي تتسائل، ولكنها لم تجب.

كانت حور في حالة اندهاش مِن أختها، لا تدري ماذا حدث لتنهار هكذا، ظلت واقفة خلف الباب تسألها عن حالها، وماذا حدث، ولكن لم تسمع سوى صوت بكائها ونحيبها الشديد.

بعد مدة لم تعد حوراء تسمع صوت أختها، كان صوت بكائها هو الوحيد الذي يحتل المنزل، هدأت قليلًا بعدما اجتاح رأسها ألم شديد؛ لبكاءها، وظلت تجلس على الأرض تتطلع إلى حائط غرفتها.

عدة دقائق مرت منذ توقفها عن البكاء، فأصبح المنزل هادئًا يخلوا مِن الأصوات، ولا يُصدر منه شيء، ولكن ذلك الصمت لم يمتد طويلًا، فلقد عادت أختها وهي تحمل كوب مِن عصير الليمون، ونادت عليها وقالت:
حوراء هل أنتِ بخير؟ لقد صنعت لكِ عصير الليمون لتهدئي، لا أعرف ماذا بكِ، ولكن أتمنى أن تكوني بخير في أقرب وقت.

كانت حوراء تخفي رأسها بين قدميها، ولكن ما إن سمعت صوت أختها مجددًا رفعت وجهها، وقالت بصوت متعب وحزين:
هناك مَن وضع الدماء على زجاج سيارتي الأمامية، لا أحد يريد مني الظهور، الجميع يكرهني، ويريدوني أن أختفي مِن هذا العالم، لا أحد يريد رؤيتي، أأنا قبيحة لهذه الدرجة؟! سابقًا بسبب جسدي السمين تعرضت للتنمر، ولم يرغب الأطفال باللعب معي، بل أيضًا كانوا يبدعون في تلقيبي بعدة أسماء، لم يحبني أحد يومًا، لقد انعزلت وابتعدت عن الجميع، ولكن اليوم الذي جئت لأخرج به أجد دماءً على سيارتي؟! لقد قيل لي سابقًا أنني يجب عليَّ الموت، ولكن هل يكرهني أحد لهذه الدرجة؟

سمعت حوراء صوت خطوات أختها وهي تبتعد عن الباب، عدة ثواني والهدوء احتل المنزل، تلاشى صوت حور مِن المكان، أصبح المنزل هادئًا ومخيفًا وقاسي كقسوة الليالي العجاف، بينما شعرت حوراء بالظلام يحيط بها، وبدلًا مِن خروج وحش الظلام في الليل فقط، ها هو يخرج صباحًا أيضًا، فخرج صوتها الباكي مصاحبًا للدموع:
ليتني لم أُخلق، ليتني مت حينما ولدت، ليتني لم أكن موجودة في هذا العالم!

غرقت حوراء في ظلام عتمتها الذي خلقتها بنفسها، ولكن جائها صوت انتشلها مِن هذا الديجور، كانت أختها التي اختفت قليلًا ولكنها ها هي عادت، دقَّت حور على الباء، ثمَّ قالت:
حوراء، هل تسمعيني؟ لا يوجد شيء على زجاج سيارتكِ، لا آثر لأي دماء، يبدوا أنكِ تتوهمين!

سمعت حوراء كلماتها والصدمة تعلوا وجهها، لقد رآت الدماء بعينيها وهي متأكدة أنها لم تكن تتخيل، ما زال منظر الدماء المتناثر بعشوائية على زجاج سيارتها يتدفق داخل ذاكرتها، فكيف تقول أختها الآن أنه لا يوجد شيء!

وقفت حوراء، وقامت بفتح باب غرفتها، وانطلقت سريعًا لأسفل المنزل؛ لترى سيارتها، وعلى الرغم مِن أن قدميها كانتا ترتعشان حينما رآت الدماء، ولكن هذه المرة كانت تهرول على السلم محاولة أن تصل بسرعة، وبالطبع لم يساعدها جسدها السمين على التحرك بسرعة، وحينما نزلت للأسفل كان جسدها قد تعرق، وصوت تنفسها يعلوا شيئًا فشئًا.

تطلعت إلى زجاج سيارتها فلم تجد شيء، كان الزجاج نظيفًا خالي مِن الدماء أو الأتربة، تطلعت إلى الأرض، فلم تجد ماء متساقط عليها، أي أن الدماء لم يُغسل، إذًا أكان هذا مجرد وهمًا اختلقته مِن وحي خيالها!

اقتربت حوراء مِن السيارة أكثر، علقت عينيها عليها، وقد احتلت الصدمة وجهها، ثمَّ شاورت نحو الزجاج قائلةً بصوت مرتعشُا:
لقد كانت هنا ، أقسم أنني رأيت الدماء، لقد كان الزجاج الأمامي مغطى به، أنا متأكدة!

تنهدت حور، ونظرت إلى حوراء بأعين اختلط بها الحزن مع الشفقة، بينما نظرت لها حوراء بغضب حينما وجدت بعينيها الشفقة، فصرخت عليها وهي ترفع إصبعها:
لا تنظري لي هكذ، تلك النظرات المشفقة أنا لا أحتاج لها، أنا لست بحاجة لكِ، ولست بحاجة لأي أحد، وسأثبت لكِ يومًا أنَّ ما رأيته لم يكن مجرد خيال، أسمعتي؟!

حاولت حوراء الركض إلى المنزل، ولكن جسدها السمين لم يساعدها، كانت حركاتها بطيئة ومثقلة، فاقتربت منها حور بسرعة، ثمَّ وضعت يديها على كتفها، ولكن أزاحت حوراء يد أختها بعنف، وصرخت عليها بغضب شديد وصوت مرتفع:
ألم أخبركِ ألا تقتربي مني؟!

ابتعدت حور عنها بحزن، وتركتها؛ خوفًا مِن أن تغضب مجددًا، ويسمع صوت صراخها الجيران، بينما صعدت حوراء إلى الشقة، والدموع تلمع في مقلتيها الحزينتين، حاولت جاهدةً أن تمنع نفسها مِن البكاء، ولكن كالمعتاد خانتها عينيها، فخرجت الدموع لتزين وجهها.

كانت حوراء تكتم صوت بكائها، وما إن صعدت للشقة هرولت إلى غرفتها، وأغلقت الباب، وألقت جسدها على الفراش، وأخذت تصب دموعها في وسادتها كما اعتادت دائمًا.

لقد حلمت باليوم التي تعود به أختها، اعتقدت أنَّ حياتها التعيسة سوف تتحسن، ولكن كل هذا محط أوهام! لا تشعر بأن تلك أختها، تخشاها وتشعر بالخوف كلما اقتربت منها، شعور غريب لم تشعر به مِن قبل، وحينما بدأت تعتاد على وجودها المخيف اقتحمت عقبة جديدة حياتها، لِمَ كانت حياتها هادئة وفور عودة أختها انقُلبت رأسًا على عقب؟! أكل هذا مِن فِعل أختها، أم هذه هلاوس؟

ازداد بكاؤها حينما تجولت تلك الفكرة داخل عقلها، ثمَّ أخذت تضرب وسادتها بعنف، وهي تقول بصوت مرتفع قليلًا:
ليتها لم تعد! ليتها لم تعد!

أخذت تكررها عدة مرات، وفي كل مرة يعلوا صوتها شيئًا فشيئًا، ويجتاح غضبها الشديد غرفتها، ثمَّ وقفت وأزاحت الوسائد مِن على الفراش، وألقتها على الأرض، وحملت المزهرية وقذفتها على الحائد، وأخذت تضرب بقدمها الفراش حتى شعرت بألم شديد، فوقعت أرضًا،
ووضعت رأسها على حافة الفراش، وأخذت تبكي مجددًا.

كانت شهقاتها تصاحب صوت بكائها، ثمَّ شعرت بمَن يُملس بيده على رأسها، فرفعت رأسها لتجدها دميتها، تطلعت لها قليلًا، ثمَّ قالت:
الجميع تخلى عني حتى أنتِ!

فإذا بحوراء تسمع دميتها وهي تقول لها:
لم أتخلى عنكِ يومًا، أنا دومًا معكِ.

أمسكتها حوراء، ثمَّ ألقتها بقوة بعيدًا عنها قائلة بصراخ:
كل هذا محط هراء، أنتِ لا تتحدثين، لطالما كنت وحدي، وسأعيش وحدي، وأموت وحدي.

أعادت حوراء بظهرها إلى الخلف قليلًا، ووضعت يديها على وجهها وهي في حالة انهيار، حاولت أن تكف عن البكاء؛ كي لا يزداد ألم رأسها.

وبينما هي جالسة في هدوء، سمعت صوت تحطم قريب مِن غرفتها، وإذا بصوت صِراخ وعويل يملأ المنزل، ففُزعت حتى كاد أن يتوقف قلبها، وإذا بها تخرج مِن غرفتها متبعة الصوت.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top