01: مَنامْ.

وقفَتْ أمام الكرسي، تنظرُ له بتمعّنٍ بينما تشدُّ على الحبل بيدها اليُسرى بقوّةٍ غريبةٍ على جسدها الضّعيف والصّغير. العديدُ من المشاعر تجتاحها لكنها لا تستطيع تفسيرها أو معرفة ما سبب وجودها. تشعرُ بالحزن، الغضب، اليأس، فقدان الأمل، و...الخوف.

لمَ أشعرُ بالخوفِ؟ تساءلَتْ.

بيدٍ ترتجف وضعَتْ أصابعها على طرف الكرسي وتمسّكَتْ به كما لو أنها تتمسّكُ بآخرِ خيطٍ لها على قيد الحياة. وبضعْفٍ شديد أو قوّة غريبة -لا تعلم حقًا- وقفَتْ على الكرسيّ. قدماها ترتجفان كما لو أنهما هُلام، ولهذا، وبدون وعيٍ منها تمسّكت يدها الأخرى التي بها الحبل بالكرسيّ أيضًا.

تشعرُ بدموعها تنهمر بحرقةٍ وأسَفٍ على حالها. اضطرب تنفسّها ووضعَتْ يدها اليُمنى على فمها كي تمنع صوت شهقاتها من الارتفاع. تشعرُ كما لو أن هناك قبضة ساخنة جدًا تمسكُ قلبها، معدتها مشدودة، تؤلم بشدّة.

لمَ أشعرُ بالتّعاسة؟ تساءلَتْ.

مسحَتْ دموعها بقسوة، ثُمَّ بقوّة لا تعلم من أين أتت وقفَتْ على الكرسي وبدأتْ بربط الحبل على حديدة بالسّقف، لكن لسببٍ ما لا زالتْ ترتجف. بعقدة غير مثالية لففَتْ الحبل حول رقبتها ونظرَتْ أمامها بينما تحكمُه.

ماذا؟

ماذا أفعل؟ وأين أنا؟ لا أدري بالضبط.

زفرَتْ نفسًا مهزوزًا وبركلةٍ من قدمها أصبح الكرسيّ مُلقًى على الأرض، وهي مُعلقةٌ بالسّقف.

الحبلُ كان يضغط بقوّةٍ على رقبتها، الهواء أصبح ثقيلًا فجأة ولا يمكنها أخذ نفسٍ عميق. رؤيتها أصبحت ضبابيّة بسبب نقص الهواء ودموعها الكثيرة، ولم تستطع فعل شيء سوى إمساك الحبل كي لا تزداد الأمور سوءًا.

لكن واحسرتاه...شعرَتْ أنها بلا حيلة أكثر ممّا شعرت طيلة سنينها العشرون.

نظرَتْ للكرسيّ على الأرض وبعيونٍ باكيّة ترجته أن يقف وينقذها، أن يعود بالزمن للوراء كي يرفض الوقوع، أن يفعل أيّ شيء كي يوقف فعلتها الغبية.

ما هذا الذي فعلته!

الأرض بدأت تبتعد عنها، وشعرَتْ أنها متعلّقةٌ من ناطحة سحابٍ بدلًا من سقف غرفتها الحقيرة. أصابعها ارتخت حول الحبل وبهذه اللحظة لا تستطيع حتى أخذ نفسٍ قصير. رؤيتها أصبحت شبه منعدمة، لكن لا زالت ترى الأرض وهي تبتعد.

وتبتعد...

وتبتعد...

وهذه المرة ابتعدت وأخذت آخر أنفاسها معها.

وحينما أغلقَتْ عيناها لآخر مرّة شهقَتْ بقوّة بينما تضعُ يداها على رقبتها، لا شيء هناك، بقيت تتفقد رقبتها بذعر وقوّة حتى أنها خدشت نفسها بالخطأ وهي تبحث عن شيء غير موجود. لا شيء!

نظرَتْ للأشياء حولها، فقط ظلامٌ دامس. بيدٍ مرتجفة أشعلَتْ المصباح وعادت لحالتها من البُكاء الشّديد وتفقدها لرقبتها كل ثانية وأخرى. تشهَق بين كل ثانية وأخرى، لا زالت تشعر بوجود الحبل حول رقبتها يمنعها من التنفّس بطريقة صحيحة رُغم علمها أنه غير موجود هناك.

«أمّي، أبي!» وجدَتْ نفسها تنادي، صوتها ضعيف ومُختلط بشهقات بكائها، حروفها متقطعة لكنّها أجبرت نفسها على النداء كي لا تبقى وحدها. فجأة أصبحت الغرفة مُنيرة أكثر وشعرت بالمكان الذي بجانبها على السّرير أثقل، وهبطت قليلًا للأسفل. يدان دافِئتان تكوّبان وجهها الصّغير. يدان دافئتان أخرى أمسكتا يداها وأزاحتهما عن رقبتها. هي لم تشعر بقدومهما حتى.

«لِيا، عزيزتي هل أنتِ بخير؟ ما الخطب؟» صوت والدتها القلِق أخرجها من حالتها لتنفي برأسها. قرّبتها والدتها لحضنها بينما تمسحُ على رقبتها وتهمس بكلمات تخفف خوف الأخرى.

حلمٌ آخر. أو بالأحرى كابوسٌ آخر.

«هل هو نفس الكابوس؟» سألت والدتها لتومئ بينما تبكي. هذا الكابوس الثلاث الذي حظيت به خلال هذا الأسبوع. وقد تكرر معها في كل مرة. نفس المشهد دائمًا. لكن في كل مرّة كان يتغيّر شيء، أو بالأحرى يُضاف شيء جديد. هذه المرّة قد نظرَتْ للكرسيّ على الأرض. لكنها لن تخبرهم بهذا الأمر فلن يتغيّر شيء سواء تحدثت أم بقيت صامتة حوله.

أبعدت هذه المشاهد عن رأسها كي تهدأ. وكم كان هذا صعبًا على فتاة قد بلَغَتْ العاشرة ليس قبل أسبوعان فقط. خيالها الجامح كان يجعل المهمّة صعبة عليها؛ إذ كان يغذّي كابوسها بمشاهد أخرى، تخيّلات أسوأ مما هي معتادة على رؤيته كطفلة ترى العالم بألوان مُبهِجة.

تقرّبت أكثر من والدتها ودفنت رأسها في صدرها بينما تضغط على يد والدها الذي يمسك كلتا يداها برقّة. «لا بأس عزيزتي، أنه مجرد كابوس. هل تريدين النوم معنا اليوم؟» سمعت صوت والدها لتومئ له بسرعة. مسَحَ على شعرها وأكمل كلامه: «حسنًا، لكن أوّلًا سوف نتفقد رقبتكِ كي نعالج الخدوش. اتفقنا؟» أومأت له مرّة أخرى وشعرت به يقوم عن سريرها.

ببطء بدأ الألم يتسّرب داخل جسدها بدءًا من رقبتها. بسبب خوفها لم تشعر بأي ألم، لكن الآن حينما هدأت أدركت مدى وجع أن يتم خدشك. الآن فهمت شعور والدتها أكثر حينما جرحت نفسها اليوم الماضي بالسّكين وبدأت بالبُكاء. وتساءلَتْ: إذا كان شعور الخدش يؤلم هكذا، فكيف كان شعور والدتها حينما انجرحت بسكين كبيرة؟

قبّلت رقبة والدتها كي تعبّر لها عن حبّها ودعمها لها، ثُمَّ أمسكت يدها وقبّلتها حيثُ مكان الجرح بخفة. ومن حينها أعطت وعدًا لنفسها أنه حين يُجرح أي شخص سوف تساعده وتقبّل مكان جرحه كي لا يمرَّ بنفس الألم الذي تمرُّ به الآن.

عاد والدها وأزاح والدتها عنها. أمسكَ ذقنها برقّة ورفعه لتظهر خدوش عديدة على رقبتها، معظمها سطحي والآخر عميق بعض الشّيء يكفي لأن يخرج بضعة قطراتٍ من الدّماء منها.

أمسك أباها قطعة من القماش ووضعة عليها الكحول ثُمَّ مررها على رقبتها لتلسعها، أغمضت عيناها بألم ووجدت يدها اليُسرى تمسك يده بقوّة بينما تتجمّع الدموع مرة أخرى بعيناها.

«أعلم أنه يؤلم عزيزتي، لكن يجب علينا أن نعقم الجروح كي لا تصبح مؤلمة أكثر. تحمّلي قليلًا من أجلنا، حسنًا؟» قال لها والدها لتترك يده وعاد هو لتعقيم جرحها. تبكي بصمت بينما تتمسّك بوالدتها. كلّ هذا بينما يدور في رأسها جملة: 'من أجل والداي عليّ أن أتحمّل الألم'.

وضع ضمادات صغيرة ملوّنة على الجروح ثُمَّ حمل جسمها الصّغير إلى غرفتهما ووضعها بخفّة على السرير بالمنتصف بينهما. ألصقت نفسها بجسد والدتها وهمست بخفّة: «أنا خائفة.» قرّبتها لها والدتها أكثر وبدأت بالمسح على شعرها وهمست بدورها: «لا بأس أن تخافي عزيزتي، حتى نحن نخاف أن نخلد للنوم في بعض الأحيان عندما نحظى بكوابيس. لكن أتعلمين ماذا أفعل أنا في هذه الحالة؟»

رفعت رأسها ونظرت لوالدتها بعيناها الخضراوتان بحزن ونفت برأسها. أجابت والدتها: «أمسكُ يد والدكِ واحتضنه بقوّة، حينها أعلم أنني بأمان ولن أحظى بهذه الكوابيس مرّة أخرى لأنه يحبّني وسوف يحميني منها، وحتى لو حظيت بها فهو بجانبي كي يخفف عني. ولهذا أنا أحبه كثيرًا.»

حاولت والدتها شرح الأمر ببساطة كي يفهمها عقلها الصغير، تمسح على شعرها بين الحين والآخر. «وأنا أحبّكِ كما والدكِ. لهذا نحن سوف نحميكِ من هذه الكوابيس وسوف نكون هنا لأجلكِ حينما تحظين بها. حسنًا؟» سألت وقبّلت جبينها وأغمضت الأخرى عيناها بينما تومئ.

«أحبّكما أيضًا. وسوف أحميكما منها.» همست وأمسكت يد والدها بينما تضع نفسها بوسطهما كي لا يشعرا أنها تحبُّ أحد أكثر من الآخر. وضعت إبهام يدها اليُسرى وبدأت بمصّه. عادة لديها منذُ الصّغر لم تستطع التخلص منها للآن. وأرادت والدتها أن تنهاها عن فعل هذا لكنها ظنت أنها قد حظيت بما فيه الكفاية من الكوابيس لهذا جعلتها تفعل ما تريد.

أغمضت لِيا الصغيرة عيناها شاعرةً بقليلٍ من الرّاحة لعلمها أنها لن تحظى بكابوس آخر طالما أنها مع والداها. وأنه حتى لو حصل هذا فهما هنا لها حينما تستيقظ.

---

مساحة للتعليق.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top