(6)

بقلم :نهال عبد الواحد

وذات يوم بينما كانت شفق تدخل إلى الفيلا ولم يكن موجودًا فوقفت قليلًا في مكانها دون أن تلتفت ثم أكملت سيرها إلى الداخل وكان وليد يتابعها عن بُعد.

دخلت شفق وأكملت يومها مع شفق الطفلة كما جلست مع هالة لكن كان عقلها مزدحمًا بالأفكار.

ماذا دهاكِ ياشفق؟ لم تبدين هكذا؟
توقفي! ما تأملي به هو حلم بعيد المنال.
هل نسيتِ حقيقتك؟ حقيقتك التي لن يقبل بها أحد.
إن الناس لا يشغلهم إلا المظاهر فلن يهتموا إطلاقًا بعملك ولا إلى ما وصلتِ إليه.
لو علم الحقيقة التي عشتِ عمرك تخفينها عن الجميع! لم تصادقي أحدًا حتى لا يتقرب إليكِ ويكتشف الحقيقة، فليس كل الناس مثل هالة.
لكن ماذا عن علاقة وارتباط؟ لا يمكن إخفاء حقائق فيها، تُرى هل سيقبلها؟
وإن قبلها وود الذهاب لرؤية ذلك المكان الذي يزداد توحشًا وفسادًا،
تلك المنطقة التي هرب منها معظم سكانها ولم يتبقى سوى فئة أكثرهم منحرفين ومتعاطي المخدرات، وإن جاء وسأل عني فسيسمع أقبح الكلمات.
إنهم لم يكفوا يومًا منذ وفاة والدايّ عن إيذائي ورمييّ بأفظع التهم والمسميات.
وماذا عن أخيكِ أيضًا؟!
هيا انفضي كل ذلك ولا تتطلعي إلى ما لا تستطيعين تحقيقه.

كانت ممسكة كتابًا في يدها وشاردة هكذا وجالسة في الحديقة فإذا بوليدٍ يجئ على فجأة ويخطف الكتاب فأفزعها من مكانها وقبل أن تتلاقط أنفاسها كان يتصفح في الكتاب ثم قال: بتقري إيه؟إيه! فن اللامبالاة! وإنتِ ناقصة لا مبالاة؟! دي البعيدة لوح تلج ما بيتهزش... إيه!
وقرأ.....

«إذا انتابك شعور سيء تجاه نفسك ولو مدة خمس دقائق فإنك تجد نفسك على الفور أمام مئات الصور لأشخاص سعداء تمامًا يعيشون حياة مدهشة إلى أقصى حد ويصير مستحيل أن ترد عن نفسك الإحساس بأن فيك بالتأكيد أشياء غير صحيحة حتى يكون وضعك أقل منهم،
هذا ما يجعل عدم إكتراثك بأن يكون لديك شعور سيء تجاه نفسك وتجد أنك قد توقفت عن كره نفسك إن الرغبة في المزيد من التجارب الإيجابية هو تجربة سلبية.
كلما كنت شديد الرغبة في أن تكون ثريًا كلما شعرت بأنك فقير لاقيمة له وذلك بصرف النظر عن مقدار ما تجنيه من مال.»
(فن اللامبالاة)
إمم مش بطال.

تابعت شفق: تقدر تاخده تقراه لو حابب.

فأومأ وليد رافضًا: لا شكرًا.

- ليه؟! ده هيفيدك كتير! تعرف إيه اللي تهتم بيه وإيه اللي ماتبصلهوش خالص! أصل اللي بيركز ف كل حاجة ومع كل الناس ده بيتعب جدًا! ركز ف نفسك وبس، ومش دايما التطلعات للأحسن بتكون مفيدة ساعات بتحسسك بضائلتك.

- امم، وانت بأه إيه اللي بتركزي فيه ولا بيأثرك ولا بينرفزك أصلًا؟

- مركزة ف نفسي وشغلي، و بتنرفز لما بشوفك.

فضحك بشدة وقال: طب والله طلع دمك خفيف!

ودقق النظر فيها بشكل أخجلها، فاضطرت وهتفت على استحياء وقد تخضبت وجنتيها: من فضلك دي مش طريقة!

- بحاول أتأكد إن كان ده لون عينيكِ ده حقيقي ولا لانسز.

- وده هيفيدك ف إيه! عمومًا ماحدش هيلبس نضارة نظر ولانسز مع بعض.

- طب ما تعملي لانسز وبلاش النضارة وبيني جمال عينيكِ.

فتورد وجهها خجلًا ثم صاحت تخفي توترها: من فضلك يا حضرة دي مش طريقة، وبعدين أنا مبسوطة كده، من فضلك بأه.

- عمومًا أحسن.

- واضح إن حضرتك عندك فراغ كتير في حياتك وبتحب تضيع وقت كتير، لكن ياريت تحط ف بالك إني لا بتاعة دغري ولا بتاعة تسلية.

- بصرف النظر إن كان عندي فراغ أو لا، مش بتاعة تسلية دي مفهومة، لكن مش بتاعة دغري دي يعني إيه! فاكرة نفسك .....

فقاطعته بحدة فاجأته: مش فاكرة نفسي أي حاجة على فكرة، وعارفة إني مش الأملة ولا ملكة جمال، بس عاجبة نفسي وراضية بيها على أي حال، وعارفة ومتأكدة إن عمر ما حد هيبصلي لا مال ولا عيلة وعادية وكمان عديت ال 30 يبقى الواحد ياخدها من قصيرها ويقفل الباب ده... في حاجة تانية!

- إنتِ شايفة إنك عادية! ده تواضع بأه! وبعدين طريقة التفكير دي قديمة قوي، إزاي واحدة مثقفة ولبقة زيك تفكر كده؟!

- مش أنا اللي بفكر كده، ده تفكير المجتمع ماحدش بقيّم حد لشخصه.

- بس أكيد في ناس بتفهم.

- حسب اللي حوالي بتلاقي البنت المجتهدة الصبورة اللي عندها استعداد تدي وتآزر نصها التاني بيقع نصيبها ف واحد مستهتر مش بيتحمل أي مسئولية وبيرمي كل حاجة عليها، والعكس الشاب المجتهد الطموح بيقع مع واحدة أنانية مالهاش غير ف المظاهر وطلباتها ما بتخلصش ومهما يديها ولا يعملها لا حمد ولا شكر وتقلل منه وكأنه ولا حاجة، دي كمان ممكن تسيبه وتروح لغيره.

لم تنتبه شفق أثناء حديثها لذلك الوجه الذي يتبدل ويتشنج فيزداد حنقًا وغضبًا، وما أن أنهت كلامها حتى فوجئت بوليدٍ ثائر للغاية وصاح فيها: كفاية! كفاية! كلكم عينة واحدة! كلكم زي بعض!

وألقى بالكتاب وانصرف فجأة ولم تفهم شفق ماذا حدث! لكنها أدركت أنها قد ضغطت على جرحٍ قديم فصار ينزف من جديد.

اختفي وليد بعدها بأسابيع ولم تعد تراه وودت لو تسأل عنه لكنها استحيت من ذلك.
ترى ماذا يعني هذا؟ هل هو مريض؟ هل ترك عمله؟
وإن تركه فهل بسببها؟
كم تمنت ألا يكون هذا بسببها!

وبعد فترة طويلة كانت شفق تحب السير في الحديقة خاصةً الجلوس جانب حوض ورد قد بدأ يزهر فتجلس وتستنشق عطره وتتلمس تلك الزهور في مكانها برقة.

وبينما هي شاردة إذ شعرت بوجود شخص جلس جانبها شعرت بأن قلبها كاد أن يقتلع من مكانه من قوة ضرباته فالتفتت جانبها فإذا هو ثم استدارت بوجهها تنظر أمامها كما كانت وابتسمت بسعادة تحاول إخفاءها.

ثم سألته: فينك يا بشمهندس؟ روحت وقولت عدولي!

- يعني تقدري شوية ظروف على شوية مشغوليات.

-خُفت لتكون سيبت الشغل واشتغلت ف حتة تانية... قصدي... إني أكون السبب يعني.

واستدارت بوجهها لتخفي ذلك الإرتباك وتلك الحمرة، فابتسم وليد مجيبًا: أنا بشتغل ف حتة تانية صحيح لكن عمري مااسيب هنا أبدًا.

- الله يعينك ويقويك ويفتحها ف وشك!

أهدر وليد في اندهاش: إنتِ بتدعيلي!

- وماله.

- بس انا دايما بضايقك.

- يا إما طبع يا إما ضغوط عندك وبتنفسها ف وش اللي أدامك.

- محللة نفسية كمان!

- مش للدرجة دي.

- انتِ بجد إزاي كده؟ هادية دايما وبتعرفي تلاقي عذر للي أدامك!

- عادي.

- بلاش تجنيني وتقوليلي عادي.

- اسمحلي أسألك سؤال.

- إتفضلي.

- انت علاقتك بربك شكلها إيه؟

- هه! يعني إيه؟

- ربنا خلقنا جسد وعقل وروح، الجسد من تراب فغذائه من تراب أيًا كان نوع الأكل، والعقل غذائه دايمًا العلم والقراءة، لكن الروح غذائها إيه؟

- إيه!

- ربنا قالنا إن الروح من أمر ربي، فيبقى غذائها كلام ربنا والذكر بكل أنواعه، متضايق مخنوق مش متظبطة معاك طول الوقت لازم تراجع علاقتك بربك، وأبسط حاجة بتصلي؟

ابتلع وليد ريقه فجأة وهمهم بخفوت فلم تنتظر الإجابة فقد ادركتها فأكملت: الصلاة بتخلق السكينة والهدوء ف النفس وبتغفر الذنوب كمان بس مش الكبائر.

- وايه الفرق؟

- الكبائر ذنب عظيم زي الشرك وعقوق الوالدين والزنا وحاجات كتير كمان و...

قد لاحظت مرة أخرى وجه وليد وأدركت أنه ربما فعل من تلك الأشياء فابتلعت ريقها ببطء ثم قالت: بس دول لوحدهم لأن بيلزم التوبة منهم وعشان لو واحد كان بيعمل الحاجات دي فده أكيد لأن في سبب خلاه يعمل الحاجات دي فلازم يقعد مع نفسه ويعرف السبب اللي بيخليه يعمل كده ولما يعرف السبب يقدر يحل الموضوع من جذوره ويتخلص منه وربنا يتوب عليه.

- فعلًا.

- «.... والذين إذا فعلوا فـٰحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون »
يعني يحس بذنبه ويسيبه وينوي ما يرجعش تاني ويستغفر ربه فربنا يتوب عليه.

كانت شفق تتحدث بأسلوبٍ هادئ جذبه وأقنعه كثيرًا وفجأة صوت أذان العصر فصمتا بينما تمتمت هي ذاكرة لله، وبعد انتهاء الأذان.

قالت شفق: سامع! ده صوت الأذان، أحسن بُشرى ليك، ربنا بينادي عليك وعايزك، روحله روح يا وليد اتوضأ وصلي ف المسجد شوفهم بيعملوا إيه واتعلم منهم أحسن، صحبة بيوت ربنا أحسن صحبة ممكن تلاقيها عشان لله ف لله، ويمكن ربنا جعلني في طريقك وألهمني أقولك الكلام ده عشان عايزك، أصلك وحشته.

كان وليد في حالة لم يعهدها من قبل شعر بهدوءٍ شديد وحلاوة تتسرب داخله وأحس وكأنه فاقد السيطرة على نفسه فاقتنع بكلامها كثيرًا وذهب بالفعل إلى المسجد ولم تكن آخر مرة بل كانت البداية لحياة وطريقٍ جديد له.

لو ف يوم كان الحمل عليك ثقيل
وتايه لوحدك ومش لاقي دليل
والهموم تخلي الليل طويل
وترميك ف غربة ومرارة و ويل
مد إيديك تلقاه دايما حواليك
هو الله قبلك حاسس بيك
لو ف يوم خدتنا معاصي أو ذنوب
وخافت قلوبنا ما تقدر تتوب
وتشكي الروح ومين بالسر ليه تبوح
ومين اللي يقدر يداوي الجروح
قول ياالله ده منك مش بعيد
متشلش هم ولا تشعر بضيق
قول ياالله
اهدي لي قلبي عشان أتوب
امحي الذنوب واهديلي الطريق
نورلي الطريق
إن شاء الله إن شاء الله
إن شاء الله هتلاقي الطريق

NoonaAbdElWahed

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top