(4)
بقلم :نهال عبد الواحد
وافقت شفق على دور الأم البديلة لشفق الطفلة في فترة الأجازة الصيفية.
كانت شفق تذهب كل صباح بنفس طريقتها إلا أنها كانت تنتقل بنفسها من شقتها إلى الفيلا التي فيها أهل شفق.
كانت الفيلا في حيٍّ راقٍ وعالي المستوى لم تحلم يومًا بالدخول في منزل هكذا لم تراه إلا في المسلسلات، لكنها كانت تدخل منخفضة الطرف ولا تمد عينيها وتدعو لهم بالبركة في داخلها وتحمد ربها على ما هي فيه.
قضت شفق الإجازة الصيفية معهم وقد أحبت هالة الجدة شفق كثيرًا وأعتبرتها فردًا من أفراد الأسرة خاصةً مع أدبها وأخلاقها الطيبة هذه.
ذات يوم عادت شفق ليلًا إلى بيت والدها وتنتظر أخاها ككل يوم فتأخر كثيرًا فظنت أنه لن يجئ ودخلت حجرتها لتنام.
وما أن بدأت في غفلتها حتى وجدت من يقتحم غرفتها فأفزعها مصطفى ويبدو عليه أنه غير واعي وبدأ الخوف يحتل نفسها.
صاحت شفق بخوف: عايز إيه؟ إيه اللي جابك هنا دي مش أوضتك!
أجاب مصطفى بصوتٍ مخمور: عايز فلوس.
- كنت خبطت عل باب طيب.
فصاح فيها:عايز فلوس!
وانهال عليها ضربًا مبرحًا وهي تصرخ وتحاول أن حماية وجهها ثم فتحت الدرج وأعطته مالًا مسرعة لكنه لم يكتفي ففتح الدرج وأخذ الباقي.
فهتفت شفق متوسلة: طب سيب لي فلوس المواصلات حتى.
فأكمل عليها ضربًا ورفع أحد الكراسي ورماها به فصدته بذراعها حتى لا يصيب وجهها وانصرف وتركها تتألم بشدة خاصة من تلك الرمية الأخيرة.
ظلت تبكي وتتوجع حتى الصباح، تحاملت على نفسها وخرجت واجتازت الطريق سيرًا حتى وصلت إلى شقتها، أخذت حمامًا دافئًا ربما يسكن وجع جسدها ثم أخذت أقراص مسكنة ليزول الألم وأبدلت ملابسها وذهبت إلى بيت شفق.
كانت تحاول التصرف بشكل عادي وتتمنى أن تقضي اليوم وينتهي سريعًا، لكن الوجع يزداد ولم تعد تتحمل ذلك الوجع الرهيب وكأن عينيها تبكيان وحدها من شدة الألم.
أما هالة منذ مجيئها وتشعر أن هناك خطب ما؛ فهي ليست على طبيعتها وشاحبة للغاية لكن شفق بمجرد انفرادها بنفسها تلفتت حولها وهي تتألم ثم همت برفع كم ثوبها فوجدت هالة أمامها التي جاءتها على الفور خاصةً وأنها تبدو مهلكة وجعًا غير عاديًا.
سألتها هالة بريبة: مالك فيكِ إيه م الصبح؟
أجابت شفق بصوتٍ مرتعش: لا أبدًا مفيش، قصدي تعبانة شوية.
- شوية إيه! ده انت ميتة! كنتِ اتصلتِ وختِ أجازة.
هتفت شفق بصوت مختنق يكاد يختفي من شدة الوجع: لا لا مفيش-داعي-أنا-كويسة-آه.
- مال إيدك؟
أجابت شفق بترددٍ وكذبٍ واضح: و ولا -حاجة-أ أ أصل-وقعت-اتخبطت.
تابعت هالة بعدم تصديق: طب وريني كده.
ترددت شفق ثم اضطرت لرفع كم ثوبها وكانت لا تتصور أبدًا كيف يبدو ما تحته لكنها صُدمت عندما رأتها هكذا وكانت قد فقدت تماسكها وتحاملها وصارت تصرخ ألمًا.
كان ساعدها متورمًا للغاية وبه ازرقاقٍ شديد فصرخت فيها هالة وأخذتها مسرعة إلى المستشفى واتضح أن هناك كسر في ساعدها وستجبر بالجبس وإن لم تستجيب فستجرى لها عملية جراحية وتوضع لها شرائح.
وضعت لها المحاليل والحقن المسكنة حتى هدأت ونامت نومًا عميقًا، فهي لم تنم منذ زمن وكانت هالة والطفلة جوارها ثم نامت الطفلة أيضًا.
كانت شفق تهزي وهي نائمة، تصرخ، تتوسل، تستنجد وقد ذكرت إسم مصطفى كثيرًا.
بدأت شفق تستيقظ بعد فترةٍ فاقتربت هالة منها فنظرت بعين نصف مفتوحة ومبتسمة قليلًا وهمست: ماما.
- حمد الله على سلامتك حبيبتي.
فتحت عينيها كاملةً وانتبهت وتحاملت لتعتدل في جلستها وهي تتلفت محاولة اسكتشاف المكان من حولها.
قالت هالة: إنتِ ف المستشفى، إيديكِ مكسورة يا حلوة.
فرفعت ذراعها المجبر نظرت إليه وشردت قليلًا ثم قالت: الله يسلم حضرتك! ألف شكر لحضرتك.
تابعت هالة بحب: عيب عليكِ شكر إيه بس! شفق إنتِ مضروبة، وضرب مش عادي، مين اللي عمل كده؟! ومين مصطفى اللي كنتِ بتصرخي منه ف كوابيسك؟
فنظرت نحوها وحاولت أن تتهرب بعينيها منها أو تهرب بحديثٍ غير ذلك لكن للأسف لا مفر.
تحدثت هالة: أنا من يوم ما عرفتك ودخلتِ وسطنا وأنا مااعرفش حاجة عنك، إيه حكايتك؟ وواضح إنها حكاية مش عادية.
ترددت شفق كثيرًا ولم تجد بدًا ثم استطردت: هقول لحضرتك، أنا مااتعودتش عل كذب ف حياتي، صحيح طول عمري مخبية حقيقتي عن كل الناس، وعارفة إن ممكن تقطعي علاقتك بي ومقدرة ده ومش هلومك، بس برضو مش هكذب...
وقصت عليها شفق حياتها منذ صغرها وكيف أجّر لها والدها تلك الشقة بعد أن صرف على تعليمها كل ما يملك وكيف عملت في المدرسة... وحتى الآن.
كانت تحكي وتبكي وهالة أيضًا تبكي حتى انتهت شفق من كلامها ثم تحاملت حتى وقفت حيث توقعت رد فعل هالة ولن تنتظر حتى تسمع رأيها فيها بأذنيها.
فسألتها هالة: رايحة فين؟
- خلاص يا هانم بعد اللي عرفتيه عني، إيه اللي هيخليني!
- بس ده مش ذنبك، بالعكس ده كبّرك ف نظري أوي، واحدة عايشة الحياة دي بكل ظروفك وتفضل محتفظة بمبادئها وأخلاقها كده ومش قصدي بس الإنحراف وإنها تستسهل، لكن كمان كونك حد مش حقود وبتحبي الخير للناس وعندك رضا وقناعة وعزة نفس ما شوفتهاش عند حد قبل كده ولا حتى عند المتربيين عل عز، إتوجعت عليكِ حبيبتي، بس إزاي ماسمعتيش كلام باباكِ لحد دلوقتي وما سيبتيهوش وفضلتِ ف شقتك؟!
- عندي أمل ينصلح حاله ،ماليش غيره ف الدنيا، وبعدين مش متخيلة نفسي أقعد بطولي هنا، بخاف أبات هناك لوحدي وبخاف أكتر لما بيبقى موجود.
- القعدة دي ما تطمنش دول بيبقوا مش ف وعيهم وما حدش عارف الهباب ده ممكن يخليه يعمل إيه، فكري حبيبتي أما وجودك ف حياتنا فده مافيهوش نقاش هتفضلي طبعًا، بس هفضل قلقانة عليكِ كل يوم من ساعة ما تروحي لحد ما تجيلي.
فابتسمت شفق بعينين دامعتين قائلة بحزن: بتفكريني بماما الله يرحمها.
تابعت هالة مبتسمة: ماانت قُلتيها، بس رجعتِ ف كلامك بعد كده.
- قُلت ايه؟
- قُلتِ ماما وأنا حباها منك، قولي كلمة ماما.
فابتسمت وترقرقت دموعها مجددًا وقالت: يا ماما.
فتعانقتا بشدة.
وبدأ العام الدراسي الجديد وعادت من جديد شفق تنهي يومها الدراسي ثم تعود إلى شقتها مستقبلة مجموعات التلاميذ للدروس الخصوصية.
وصار لا يمكن لها الذهاب إلى بيت شفق الطفلة يوميًا، فكانت تذهب معها عقب موعد المدرسة إلى شقتها ثم ترسل هالة السائق إليها ليأخذها إلى البيت بعد أن تكون انتهت من واجباتها المدرسية واستذكار دروسها.
وصارت شفق لا تذهب لزيارة هالة إلا في العطلة الأسبوعية فقط، ومرت الأمور على ما يرام أسبوعًا بعد أسبوع.
NoonaAbdElWahed
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top