(17)
بقلم :نهال عبد الواحد
مرت أيام وأسابيع ولا يزداد وليد وشفق إلا قربًا، عشقًا وتفاهمًا وكلًا منهما يتفنن في إسعاد الآخر.
ورغم استمرارهما للذهاب للعمل إلا أن وليد قد أصبح يعود إلى البيت قبل مغادرة شفق وابنته للمدرسة والإفطار معهما كما أنه اعتاد المجئ للغداء معهم وأدمن إطعامها بيده كما تفعل هي معه لكنه يضطر لإطعام ابنته أيضًا.
لقد تغير وليد كثيرًا بشكل هو نفسه لا يصدقه، فقد صار لعائلته وقتًا من حياته سواء خارج أو داخل البيت.
ولم يعد يتصور أن هناك أي شيء يبعده عن زوجته وحبيبته بشكلٍ لم يتخيله من قبل! فقد تأكد أنه لم يحب ولم يتزوج قبلها؛ فلم يذق حُبًا ولا حنانًا هكذا، مَن تعطي دون مقابل، من تحبه هو وكل سعادتها في قربه هو و ليس أي شيء آخر.
وذات ليلة كانت شفق تنتظر وليد في الحديقة جانب حوض الزهور الذي شهد بداية حبهما فوقفت تتنفس عبيرها بعمقٍ شاردة في ذكرياتها معه وبعد قليل جاء وليد فرآها فذهب إليها وعانقها بشوقٍ شديد.
همس مداعبها بأنفه: حبيبي واقف في البرد ليه؟
- بستني حبيبي.
فاحتضنها بشدة ثم أخرج من جيبه علبة صغيرة، فتحها فإذا بها خاتم وألبسه لها وقبل يدها.
وقال: كل سنة وإنت حبيبي.
وقبلها بعمق.
فصاحت شفق بسعادة بالغة: جميل أوي! وكتير أوي!
- بأه ده كتير أوي! دي أول هدية أجبهالك من يوم مااتجوزنا!
- إنت هديتي يا حبيبي، عارف! أنا حاسة إني بكرة هكمل أول سنة ف عمري مش 35 سنة.
ثم غنت بدلال: روح ربنا يخليك ليا
ويحلي صورتك ف عينيا
أنا فين ألاقي الحنية
اللي انت جيت و ادتهالي
روح ربنا ما يوم يبعدني
عنك يا من روحي واخدني
م الدنيا إيه هيعوضني
لو سبتني حتي ثواني
فابتسم وقال بتصنع: امم! وبعدين ف المنافسين دول بأه!
فضحكت فنظر لها وقال: أول مرة شوفت عنيكِ فيها وخطفتني أوي، بآيت مدمن عنيكِ، بس إنتِ وقتها بأه كنتِ على طول بتبصي للأرض، كنتِ عايزة تهربي مني!
- المهم دلوقتي مع مين وف حضن مين!
- ملاكي حبيبي ملكي أنا وبس ولا يمكن يتساب.
ثم دندن وهو يتمايل بها وهي بين ذراعيه :
ده لو اتساب لا ده انا يجيلي تعب أعصاب
ده لو اتساب ليلة ليلتين أنا أعيش في عذاااااب
طب واعمل إيه!
في دقيقتين ده بيقتلني وياخد العين
عيني يا ليل لا كده جنان لا ده مش إعجااااااااب
طب و اعمل إيه!
أنا عمري ما حد خطفني كده ده أخدني حبة حبة
في حاجات مش ممكن تستخبي ما بين اتنين أحبة
في دلع متشال لحبيبي وحنية من غير حساااااااب
طب واعمل ايه!
الليلة فوق عدي قمر من كتر الشوق
شدني ليه كل مااقرب منه برووووق
طب واعمل ايه!
فضحكت فنظر نحوها رافعًا حاجبيه ثم حملها على فجأة و ذهب بها.. وصوت ضحكاتهما يشق سكون الليل.
وفي الصباح استيقظت وذهبت إلى عملها ومعها الطفلة وحصة بعد حصة ذهبت تجلس شفق إستراحة في حجرة المدرسين فجاءها مرسالًا من المديرة وكانت تحبها وتُكِن لها كل تقدير وما أن وصلت المكتب ودخلت حتى وجدت وليد جالسًا منتظرها فارتبكت قليلًا.
هتفت المديرة: تعالي يا شفق، مالك؟
كان وليد ينظر لها مبتسمًا بنظراتٍ يغازلها بها وهي تحاول تجنبها؛ فذلك ليس وقته ولا مكانه!
تابعت المديرة: إنتِ إنهاردة خلصتِ جدولك مش كده؟
أومأت شفق: أيوة فعلًا، بس في حصص لبعض الزملا هدخلها مكانهم، أصل عندهم ظروف خاصة.
- لا معلش ما تخشيش مكان حد! إنتِ معانا هنا من سنين وعمرك ما غِبتِ ودايمًا بتخشي حصصهم، ويوم ما غبتِ ما حدش دخل مكانك، يبقى خلاص يا شفق حصصك وبس.
- حاضر هحاول يا فندم.
- المهم دلوقتي البشمهندس إستأذن وعايزك ف مشوار تقدري تتفضلي معاه.
كانت شفق واجمة لكن وليد أسرع وجذبها من يدها وهو يقول للمديرة: ألف شكر، بعد إذن حضرتك يافندم.
وخرج وليد ولازال ممسكًا يدها فتلفت حوله قليلًا ثم قبلها فجأة على خدها.
فتفاجئت وشهقت: هه! وليد! إحنا ف المدرسة!
- وأنا جوزك، لما تشوفيني بعد كده تسلمي عليّ مش تبلمي.
- أدام المديرة يعني!
- ولو أدام الوزير.
فضحكت ضحكة تكتمها بيدها وسار الاثنان معًا ثم ركبا السيارة وغادرا.
تحدثت شفق: بس إيه اللي طلعها ف دماغك وسيبت شغلك وجيتلي؟!
- وحشتيني يا ملاكي! وبعدين عيد ميلادك إنهاردة ولازم أحتفل بكِ.
فقالت بدلال: طب ماانت احتفلت إمبارح.
- وعايز أحتفل تاني وعاشر ، الأول نخرج خروجة سوا سوا أنا وانت ولا حد تالتنا.
- هنخرج من غير شفق!
- إحنا صحيح بنخرج كلنا مع بعض عادي، بس فوفا لازم تفهم إن من حقنا في خروجة لوحدنا كل فترة وتتعود على كده.
- أخاف تزعل، البنات بتتعلق بباها أوي.
- ما تخافيش.
- خلاص تبقى خروجة صغيرة عشان تعرف إن الخروجة الحلوة بتكون معاها وبس.
- إنتِ ما بتعرفيش تفكري ف نفسك أبدًا! وبعدين بالمناسبة ما تاخديش حصص زيادة من حد! كفاية عليكِ شغلك وبس! وماتقوليش زمايلك وماعرفش إيه، إنتِ ما تعرفيش دول قالوا عليكِ إيه وهم معزومين ف فرحك!
- سمعتهم.
وما أن قالتها شفق حتى توقف وليد فجأة بسيارته والتفت إليها عاقدًا حاجبيه بدهشة وصاح:وعادي كده! عامليهم زي ما بيعملوكِ!
فابتسمت وأجابت بهدوء: لو عملت كده هبقى أسوأ منهم، لو كذبت على اللي بيكذب عليّ وغشيت اللي بيغشني وخدعت اللي بيخدعني، هيبقي فيّ كل الوحش اللي فيهم كلهم.
فتنهد وقال: عارف إني مش هغلبك ف الكلام ولا ف عقلك وطيبة قلبك، وعارف إن عمرك ما هتكوني كده، بس حتى حاولي تتصرفي ببرستيج، ده إنتِ مرات وليد عوني يعني مش تشتغلي ف مدرسة لا ده أنا أشتريلك المدرسة.
فربتت على يده وقالت: تسلملي يا غالي.
- بتكلم جد، فكري واطلبي بس وشوفي أنا هعمل إيه!
- وأنا كفاية عليّ إني معاك وجنبك، ده عندي بالدنيا كلها.
- طب أعمل إيه واحنا في الشارع كده!
فضحكت ثم قال: بصي بأه يا ملاكي دلوقتي إنسي شفق وإنسي المدرسة وإنسي كل حاجة وماتفكريش غير فيّ وما تقوليش غير وليد وليد وليد وليد!
فضحكت وقالت: وليد وليد وليد وليد!
فجذبها نحوه وشبك يده في يدها وأدار سيارته منطلقًا بها، مر وقتًا رائعًا وهما معًا في مكانٍ رائع حتى عادا إلى البيت متشابكي اليدين ووليد لازال يدندن فوجدا هالة تنتظرهما لكن بوجهٍ مختلف يشوبه الغضب والقلق.
هتف وليد بقلق: في ايه ياماما؟ إحنا كنا ف مشوار.
فلم ترد بل التفتت تنظر بعينيها وهما يتابعاها بعينهما هو وشفق حتى توقفوا جميعًا عند نفس المشهد، فصاح وليد بفجأة: إنت!
NoonaAbdElWahed
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top