(16)
بقلم :نهال عبد الواحد
لاحظ وليد اضطراب تنفسها كأنها تنهج بشدة، بل أنها ممسكة برقبتها وكأنها تختنق... ربما ترى كابوسًا!
ثم بدأت في الصراخ!
اقترب منها وليد مسرعًا، جلست ولاتزال تصرخ وتبكي بهيستريا، فتحت عينيها فوجدته أمامها فصرخت مفتشة فيه وهو لم يدري عم تفتش لكنه فجأة جذبها نحوه وضمها.
أجل ضمها أخيرًا، ربما تهدأ ظل هكذا لفترة ولازالت ترتجف بين يديه وتبكي حتى مر بعض الوقت وهدأت.
حقيقةً هو من احتاج لهذا القرب فلأول مرة يتمكن من ضمها إليه!
بدأت تهدأ شيئًا فشيئًا فأعطاها بعض الماء فشربت رشفاتٍ قليلة ثم عادت بظهرها للخلف تتلاقط أنفاسها وتتنفس بعمقٍ وهي مغمضة العينين.
وفجأة فتحت عينيها كأنما عادت إلى الواقع فجأة فوجدته جالسًا أمامها وظلت تنظر إليه.
فأمسك يدها وقال: هه! هديتِ شوية؟
وفجأة انتبهت لحالتها وهيئتها فوضعت يديها على كتفيها ثم جذبت الغطاء عليها ترتجف من جديد.
هتف وليد برفق: إهدي من فضلك، إهدي عشان نتفاهم.
- نتفاهم على إيه؟ ولا أخيرًا هتقرر تعبرني! ولا.. ولا قررت تنهي الحكاية كلها!
قالت الأخيرة بصياح، فأكمل وليد: مش هلومك عشان جيت عليكِ كتير ومش عارف ألاقي عذر ولا مبرر، بس زي ماانتِ تعبانة أنا كمان تعبان، كنت محتاج لوقت أستوعب فيه، بتخبط وعايش في صراعات جوايا، عايز أقرب بس خفت من صدمة منك وعشان حبيتك أوي توقعت الوجع هيكون قوي...
- فسبّقت إنت وقبل مااوجعك وجعتني!
فأومأ برأسه على استحياء ثم قال: بس توهت وتعبت أكتر ووجعت نفسي أكتر وأكتر، لحد إمتى هنفضل كده!
- للأسف ما عنديش إجابة، ده إنت حرمت عليّ حتى إني أحاول أقرب منك!
- ندمان وغلطان وعرفت إني غبي ومتخلف كمان.
- لا ما تقولش على نفسك كده، ده انت أحسن راجل.
فابتسم وقال: لسه قادرة تدافعي عني!
- عشان عمري ما عرفت أشوف راجل غيرك، بس انت اللي مش فاهم.
- ما بقول غبي وحمار!
- وانا باقول ما تقولش عن نفسك كده!
- لسه قادرة تحبيني!
- وعمري ما بطلت ولا هبطل حتى لو كان آخر يوم بينا.
- آخر يوم!
أهدر بها وليد، ثم سألها بتخوف: إنتُ مش عايزة تكملي معايل؟!
- أنا! أنا مش عايزة أفارقك غير يوم موتي.
فجذبها نحوه فجأة وضمها إليه وقال مخللًا أصابعه بين خصلات شعرها: ما تقوليش كده بعد الشر عنك ده انت لو جرالك حاجة..... مش عايز أتخيل ولا افكر.
- طب بتعمل فيّ كده ليه؟ اللي ما بيجربش حاجة بيكمل من غيرها وخلاص وبيبقى راضي، لكن...
- خلاص بأه حقك عليّ.
قالها واحتضن وجهها بيديه ونظر في عينيها وهمس بنبرة لم تعهدها: خلاص مش هزعلك تاني، وده وعد.
فتنهدت قائلة: خايفة أصدقك.
- لا صدقي المرة دي، هه! صافي يا لبن!
فابتسمت إليه وأومأت برأسها موافقة، فضمها إليه من جديد ثم شعر بشيءٌ يبلله فنظر إليها فوجد دموعها تسيل فمسحها بيده وأخذ يتأمل وجهها كثيرًا حتى أن ازداد تلاحق أنفاسها وضربات قلبها.
ظل ناظرًا محملقًا في كل إنشٍ فيها ثم أمسك خدها برقة واقتطف أول قبلة فذابت فجأة وكادت تفقد وعيها، فتابع بأخرى وأخرى و......
وفي الصباح حاولت شفق أن تفتح عينيها، لكنها كغارقة في بئرٍ عميق تشعر بشعور ما بين اليقظة والنوم فلا تدري إن كانت نائمة أم مستيقظة! تحاول جذب جفونها لتفتحها لكن يبدو أن الأمر صعبًا.
شعرت بذراعيت دافئتين تطوقا جسدها وبأنفاس قريبة منها للغاية، ثم صوت طفلة تنادي.
كانت شفق تطرق على الباب وتناديها: مامي! مامي! الباص جه، كل ده لسه ماجهزتيش! يا مامي!
وهنا انتبه وليد لصوتها فاستيقظ فوجد حبيبته متوسدة صدره العاري ومحتضنها بقوة كأنما يخشى فراقها فنظر نحوها وابتسم وهو يرفع إحدى خصلات شعرها من وجهها لكن طرق شفق ونداءها لم يتوقف.
فصاح وليد: إيه يا فوفا؟
- صباح الخير يا بابي! هي مامي لسه بتلبس ولا إيه؟ الباص وصل.
- صباح الفل يا عيوني، مامي نايمة.
-إيه؟! معقول!
وقد تزامن ذلك مرور هالة فاستوعبت الموقف وابتسمت بسعادة وقالت: خلاص يا فوفا إنزلي إنتِ عشان ما تتأخريش، مامي تعبانة ونايمة وشكلها مش هتقدر تنزل يلا حبيبتي.
نزلت شفق مسرعة وتابعو هالة ابتسامتها المتسعة بسعادة وتنهدت بفرحة ثم نزلت تتجه نحو المطبخ لتصدر أوامرها بأن يكونوا على استعداد لإعداد إفطار خاص للعروسين.
وداخل الغرفة لازال وليد يعبث بشعرها وهي لازالت تقاوم النوم تود أن تستيقظ وتبدأ لتفتح عينيها فتلمح بطرف عينها جسد رجالي يلتحف معها غطاءها فانتفضت فجأة وهي ترفع شعرها بيديها فوجدته هكذا جوارها فجذبت الغطاء ساترة كتفيها على استحياء، وجمت قليلًا ثم همست بتردد: هو....هو ده انت بجد! آه دماغي!
وأمسكت برأسها،نظر إليها وليد وضحك بشدة ثم نظرت ناحية النافذة وانتفضت ثانيًا وقالت: هي الساعة كام؟ الباص!
- ممكن تهدي! الباص مشِي، إنهاردة أجازة.
- بس أنا مااخدتش أجازة.
- لا أخدتِ، ثم غمز لها وأكمل بوله: عمرك شوفتِ واحدة تروح شغلها يوم صباحيتها!
فتورد وجهها خجلًا فضحك مجددًا من هيئتها وتوترها.
ثم قالت: وليد إنت....
فضمها إليه مقاطعًا: مالك فيكِ إيه بس!
فأخذت نفسًا عميقًا ثم قالت: ممكن ما تحاولش تعاقبني ببعدك عني تاني!
فقال وهو يضمها أكثر: عمري يا عمري، خلاص حرمت والله! ده حتى اللي بيرمي النعمة ربنا بيزيلها من وشه، وانتِ بأه أحلى نعمة! وأحلى وأجمل عوض ربنا بعتهولي!
ثم ابتعد قليلًا محملقًا فيها وأكمل بمكر: هه! لسه مصدعة؟
- مش عارفة مالي! مش مظبوطة كده.
- يبقي نظبطك.
وجذبها على فجاءة وجذب الغطاء نحوهما....
قبيل الظهر كانت هالة قد أمرت بإعداد الإفطار، صعدت به الخادمة معها فطرقت هالة الباب ونادت على وليد فانتبه لصوت أمه.
فأجاب بصوتٍ ناعس: أيوة يا ماما!
- الضهر قرب يا حبايبي، الفطار جاهز و أدام الباب، هه!
فضحك وليد بملئ صوته وقال: تسلميلي يا ست الكل.
- يلا أنا همشي وأطلع إنت خده هه!
انصرفت هالة واستمر وليد في ضحكه ثم قام وارتدي ملابسه، فتح الباب وأدخل الإفطار ثم أغلق الباب من جديد ونظر فوجد أصنافًا عديدة.
ذهب وليد مجددًا جانب زوجته ييقظها بدلال، فتلمس وجهها ثم جذبها جذبة خفيفة من أنفها ففتحت عينها فابتسم لها وغنى قائلًا:
أدام عينيا اللي حلمت بيه
هو اللي غيّر فيّ عيني الحياة
أول ما قلبي شاورلي عليه
حسيت كأنه ما صدق لقاه
الله على جماله في كده الله
أنا قلبي كان ف حاله شاف عيونه تاه
إن شا الله أعيش حياتي كلها معاااااه
فاتكأت وابتسمت قائلة: ده إيه الدلع ده كله!
- تحت أمرك يا ملاكي!
- صوتك حلو على فكرة.
- آه ما أنا عارف.
فضحكت فأكمل: مش غرور والله! أنا طول عمري كنت بغني وكنت عامل فرقة مع اصحابي، كنت بغني وبلعب جيتار، بس لما بابا اتوفى سيبت كل حاجة ومسكت الشركة.
- اممم! يبقي فوفا طالعة لك!
- أيوة!
- طب والزرع!
- أنا أصلًا بكالوريوس زراعة واشتغلت في المقاولات بس عشان شركة بابا، بس ده ما يمنعش إني بحب الزرع وأحب أعتني بيه بنفسي، جنايني بأه!
فضحكت وقالت: لسه فاكر!
- يلا قومي عشان الفطار جاهز يا مولاتي.
وأشار ناحية الطعام.
- إده هنفطر هنا! طب وماما!
- إنهاردة مفيش غيري وبس، وبعدين ماما هي اللي مطلعاه أصلًا، إنسي إنك تخرجي من هنا إنهاردة.
- معقول هنسيبها لوحدها اليوم كله!
- ماما دلوقتي هتلاقيها في ذكرياتها مع الحاج، أفتكره الله يرحمه كان بتيجي عليه أيام يختفي هو وماما ويطلب الأكل يطلعله بالتليفون وهو يادوب يفتح ياخد الأكل وبعد كده يطلع الأطباق فاضية، وأنا أول مرة أجرب أعملها بصراحة، يلا قومي بأه!
قالها وهو يجذبها لتنهض، فتابعت بتردد: طب ممكن أطلب طلب!
-آه ابتدينا بآه!
- بجد بأه!
- قول يا حبيبي.
- عايزة ألبس جاكت بيجامتك!
فقال بخبث: اشمعنى! شكلك طمعانة فيه، صح!
- نفسي ألبس هدومك وتكون دافية مكانك وفيها ريحتك فاحس إنك حاضني على طول.
فاحتضنها وقبّل جبهتها ثم خلع سترة منامته وأعطاها لها فارتدتها ثم أخذ بيدها وأجلسها وجلس جوارها وبدءا يأكلان وهو يطعمها بيده وهي تفعل كذلك، يتحدثان، يتسامران، يمزحان ويضحكان.
NoonaAbdElWahed
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top