(13)

بقلم :نهال عبد الواحد

ترجلت شفق من السيارة شاعرة بدوارٍ شديد من وقع ذلك الكلام المهين عليها ولا تدري كيف تتصرف!
هل تهرب منه؟
لكن ما مصير شفق ابنته؟ إنها متعلقة بها.
كيف لها أن تصمد بين كل هذا؟
هل وليد فعلًا بتلك البشاعة؟
هل يمكن لمحبٍ أن يتحول للضد هكذا؟!
ماذا جنيت وما ذنبي لِمَ أعاقب على ما لم أقترف؟

أستغفرك ربي وأتوب إليك اللهم لا اعتراض على قضاءك لكني بشر ضغيف! ربي تولني وكل أموري واكتبلي الخير وقويني يا الله! قويني يا الله.

كانت لاتزال واقفة جوار السيارة شاردة أو تحاول إستعادة توازنها لكنه ناداها وصعدت معه بالفعل، كتمت دمعها ورسمت ابتسامة مزيفة على وجهها، أمسكها وليد من يدها التي ترتعش بشدة متصنعًا الابتسامة هو الآخر شاعرًا بذلك الإرتعاش ولا يعرف إن كان من وقع كلامه أم لازال له تأثير عليها!

فشلت شفق فشلًا ذريعًا في التمثيل فما أن دخلت وسلّمت على هالة حتى استطاعت هالة قراءة الحقيقة بسهولة.

تحدث وليد: خلاص يا ماما إتصالحنا والفرح هيكون ف ميعاده وكله تمام.

أومأت هالة وهي تتصنع التصديق: الحمد لله! ألف مبروك يا حبايبي! ربنا يتمم بخير و يؤلف بينكم دايما!

مر بعض الوقت وبدأت الطفلة تستيقظ وما أن رأت شفق حتى نهضت فرحة متعلقة في رقبتها.

هتفت الطفلة بتوسل: ما تسبينيش تاني يا مامي، كنت عايزة تمشي وتسيبيني!

- أنا لأ خالص ، أنا بس كان عندي مشوار.

- بس بابي......

- بابي كان بيهزر معاكِ بس هزاره تقيل شوية، إوعي تكوني زعلتِ منه.

- بس ده زعقلي جامد أوي وخُفت منه.

- يا خبر! حد يخاف من بابي! زي ما قولتلك هو بس كان بيهزر معاكِ، والدكتور قاله ما تهزرش كده تاني عشان فوفا القمر تفضل تحبك، صح يا بابي!

أجاب وليد رغمًا عنه: آه طبعًا!

فنظرت الطفلة بينهما متسآلة: يعني انتو مش متخانقين؟

أجاب وليد: لأ خالص.

فتابعت الطفلة بمكر: طب بوسها دلوقتي.

صاح وليد بصدمة: نعم!

- مش هي حبيبتك وهتتجوزها يبقي بوسها.

نظر وليد وشفق لبعضهما البعض في حرجٍ شديد، فقال وليد: ده كلام كبار ما ينفعش تتكلمي فيه.

تابعت الطفلة بإصرار: بوسها!

ابتلعت شفق ريقها بتوتر وقالت: حبيبتي ده ما ينفعش أبدًا أنا لسه مش مراته ولا عايزة ربنا يزعل من بابي!

أومأت الطفلة باقتناع: طب خلاص! أنا عايزة أروح طيب.

تنفس وليد بتنهيدة عقب إقناع شفق لابنته ثم خرج متأففًا.

كان يفكر دائمًا في هذا المأزق الذي ورط نفسه فيه، لكن لا يهم هي تتولي أمور ابنته وبذلك يحافظ على ابنته ويرضي أمه أما عن قلبه فله مخرج معه وسيستطيع إخراجها منه فلن يعجز عن ذلك.

كانت هالة تلاحظ وتدرك كل شيء وتتابع بصمت ودون تعليق لا تُشعر أي منهما أنها قد كشفتهما.

وجاءت تلك الليلة التي تسبق يوم الفرح وكانت شفق معها خبيرة التجميل طوال اليوم أحضرتها إليها هالة وكان فستان الزفاف قد أُحضر وصار كل شيءٍ على أتم استعداد.

وبعد يومٍ طويل وعقب مغادرة خبيرة التجميل أخذت شفق حمامًا دافئًا وخرجت تلف نفسها بمنشفة كبيرة وأخرى على شعرها من الحمام الداخلي لغرفتها فإذا بطرقٍ علي باب غرفتها فاجأها ثم طمأنها صوت هالة ففتحت الباب قليلًا واختبأت خلفه وكانت المرة الأولى لهالة أن تراها دون حجاب فدخلت وأغلقت الباب خلفها وهي تبتسم سعيدة بها.

صاحت هالة بسعادة وإعجاب: بسم الله ما شاء الله يا حبيبتي!

- ما اتحرمش منك والله يا ماما!

- أنا اتفقت معاها تجيلك كل شهر، ولا مش عجباكِ؟ أغيرهالك؟

- لا يا حبيبتي تمام.

- ما هو ابني برضو.
ثم ضحكت وسكتت قليلًا وأكملت بتنهيدة: يا ريته لما يشوف القمر ده يعقل ويفكه م الهبل اللي ف راسه ده!

اتسعت عينا شفق بصدمة: هه!

- إنتو فاهمين إني عيلة صغيرة! دي حتى العيلة ما كانتش مصدقاكم.

فابتلعت ريقها ثم قالت: حضرتك بتتكلمي عن إيه!

- عن الإتفاق المهبب بتاعكم، إنتِ فاشلة جدًا ف التمثيل بس هقول إيه مش ذنبك.

فتنهدت شفق وسكتت، فأكملت هالة: لا خليكِ معايا كده وما تسلميش! وليد وعرفاه كبرياءه وجعه شوية بس ف الآخر بيحبك وأوي كمان وهيتجنن من عمايله معاكِ، بس مش لازم تديله الفرصة، ما تخليهوش يمسك عليكِ أي غلطة لأنه أكيد هيتلكك وهو هياخد وقته ويرجعلك، إنتِ مش لسه بتحبيه برضو؟

فأجابت شفق مسرعة: بكل سنين عمري اللي كنت مانعة نفسي من أي حد يدخل قلبي، على أد حبيته أوي، وياريتني ما حبيته.

فنظرت لها بفجأة واستفهام، فأكملت شفق: وليد لسه أدامه وقت عبال ما يرجع ويصفالي بس هيفضل معاقبني ومش عارفة هتحمل لحد إمتى، ده وجعني وهانني أوي.

- إيه الكلام ده!

- أنا إنسانة، صحيح بقدر أتحمل بس الوجع م الحبيب قاسي جدًا.

- ولا وجع ولا حاجة بيتهيألك، المهم فكري وبس ف كونك عروسة ودي ليلتك وده فرحك وانسي أي حاجة تانية، حاولي تفرحي وهو كمان هيبقي شكله فرحان، واللي بيمثل الفرح بيفرح بجد، أسيبك تنامي وترتاحي عشان تبقي قمراية بكرة إن شاء الله.

وقبّلتها في جبهتها وهي تتألم من أجلها وتركتها تجلس مكانها وتنظر إلى فستانها المعلق أمامها.

خرجت هالة وما كادت تغلق الباب حتى وجدت وليد أمامها.

صاح وليد بانفعال: كنتِ بتعملي إيه عندها ؟

فضحكت وقالت: مالك يا واد هتغير عليها مني! دي عروسة ودخلتها بكرة ومحتاجة لأم معاها.

فقال بتهكم: وبتعملي إيه يا سيادة الأم؟

- وانت مالك دي حاجات حريمي، يعني عشان العروسة تعجبك.

فنظر إليها وتركها متجهًا لغرفته فضحكت بملء صوتها.

فقال في نفسه: مسكينة يا أمي فاهمة إن الموضوع بجد.

بينما قالت هالة في نفسها: والله غلبان لو كنت شوفتها كنت نسيت كل حاجة!

وجاء اليوم التالي والجميع مشغول، هالة والطفلة مع العروس في غرفتها حتى جاءت خبيرة التجميل وظلتا معها.

بينما وليد مع بعض العمال يعد الحديقة ويشرف على كل شيء للاستعداد للحفل ثم انشغل في تجهيزه.

انتهت العروس من تزيينها وكانت رائعة حقًا وودت أن تنزل لها طبقة من الطرحة كما هو المتعارف عليه فيرفعها العريس وينظر في وجه عروسه ويقبّلها لكن شفق قد رفضت ذلك.

وبدأت الزفة ومسك وليد يد شفق كأي عريس وعروس بابتساماتٍ مزيفة لكن شفق بعد ما وضعت يدها في يده وبدأت الزفة والطبول شعرت بسعادة حقيقية لم تفهمها فتحولت ابتسامتها لابتسامة حقيقية من القلب وقررت أن تسعد هذه السويعات على الأقل وتكون ذكرى جميلة.

كانت شفق قد دعت عدد من زملاءها من المدرسة صحيح أنهم ليسوا بأصدقاء لكن هالة قد طلبت منها ذلك ليكون لها مدعويين من طرفها.

لكن اكتشفت شفق ذلك اليوم حقدًا وغلًا دفينًا كما في نفوسهم عليها قد رأته في عيونهم بل وسمعت بعض الكلمات أيضًا.

-شايفة! أهي وقعت واقفة خدت المال والجمال والجاه.

- قال إيه حبت البت زي بنتها! دي كانت بترسم على تقيل يا ماما.

- شايفة بأه العانس دي تعيش ف العز ده كله!

سمعت شفق كلماتهم وابتسمت بهدوء وتقول في نفسها: آه يا كل اللي حسدوني عيشوا مكاني ولو ثانية.

لم تكن شفق وحدها من سمعتهم بل وليد وهالة أيضًا فنظرا إليهم شرزًا وباشمئزاز.

كانت هالة قريبة منهما هي وشفق طوال الفرح لضمان استمرار تصرف وليد كعريس فهو لن يقدر أن يُظهر الحقيقة أمامهم فاضطر للاستمرار في تجسيد دور العريس السعيد وظل يرقص مع عروسه وابنته وكان من حين لآخر يلقي بنظره على شفق التي تفاجأ بجمالها لكنه قرر ألا ينتبه إليها لأنه حتمًا سيضعف.

وانتهى الفرح وطلب وليد من أمه وابنته أن يذهبا إلى غرفتيهما ويتركانه مع عروسه وحدهما ففعلتا.

وبعد ذلك بفترة طلب وليد دون أن ينظر لشفق أن تصعد لغرفتهما بمفردها وتركها ثم خرج إلى الحديقة فكانت طعنة شديدة قد أنهت كل فرحتها.

وقفت قليلًا ونظرت إلى حيث خرج ملتمعة عيناها بدموعٍ تهدد بالنزول ثم صعدت حتى وصلت وفتحت الباب، دخلت وأغلقته خلفها بظهرها، أغمضت عينيها فهطلت دموعًا حارة منها تبكي بصمت.

وبعد فترة هدأت وغسلت وجهها، سارت ناحية النافذة ونظرت فوجدته في الحديقة في ذلك المكان ناحية حوض الورد فابتسمت ثم وضعت يدها على قلبها وقالت في نفسها: إذن لازلت أسكن قلبك.

كما رأته أمه أيضًا من نافذتها فتأففت ودخلت لتنام.

ذهبت شفق مبدلة فستانها، وقفت كثيرًا تنظر ماذا تختار حتى اختارت وارتدت منامة نوم ستان ذات أكمام طويلة، مسحت مساحيق التجميل وكل ما على وجهها من زينة ثم أخذت كتابًا وجلست إلى جانب السرير تقرأ كعادتها ربما يغلبها النعاس.

NoonaAbdElWahed

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top