(12)
بقلم :نهال عبد الواحد
كانت الليلة السابقة عصيبة على الجميع فلم ينم أحد في تلك الليلة، ظلت شفق في فراشها تبكي وتسترجع كل لقاء وموقف جمعهما، تذكر كيف تحرك إحساسها فجأة، تفتح هاتفها وتشاهد صورًا جمعتهما معًا وأخرى مع هالة وغيرها مع شفق وآخرين لهم جميعًا.
كم حذرتكِ من تلك اللحظة! كنتِ ترين النهاية ولكنك مضيتِ في طريقك هذا، قلتِ يكفي أن أشعر بذلك الإحساس، قلتِ يكفيني وقتها أن تكون لدي ذكريات حلوة.
تفضلي وعيشي الذكريات! كنتِ تظنين أن الأمر سهلًا، ليست مشاعر وقلبًا يتمزق!
أنتِ المخطئة فحتى لا تستطيعين أن تلوميه.
لا بل ألومه كان ينبعي عليه أن يسمعني ويعلم كم عانيت! وكم تألمت! وكيف كنت سأنتهي بسبب ذلك الأخ! لكن ما الفائدة فلن يصدقك!
لقد صُدم عندما خدعته زوجته الأولى، والآن أنتِ في نظره مخادعة ولن يأمن لكِ أبدًا.
وهالة أمضت ليلتها تبكي فقد فقدت ابنة لها كانت قد أرسلت لها لتعوضها عما سبق والآن ترحل مجددًا، هي لم تفقد ابنة فحسب بل ابنها أيضًا فهي تعلم كم أحب وليد شفق ولن يكون بخيرٍ أبدًا بعد ذلك الفراق، وماذا عن شفق حفيدتها؟ ماذا سيحدث عندما تعرف؟
أما عن وليد فقد ظل مكانه في غرفة المكتب حزينًا متألمًا، ماله لا يقابل سوى المخادعات! لكن قلبه يحترق بشدة، هل تسرعت وكان عليّ أن اسمعها؟!
ماذا كانت ستقول؟ ستخترع كذبة أخرى أم ماذا؟ لماذا أشعر بوخذة في ضميري؟ لا هي في قلبي، ذلك لأن قدراتها على الخداع أعلى بكثير، إياك يا وليد أن تهرب من الحقيقة فجميعهن مخادعات! لكن لن أضعف ولن أنهار.
وفي الصباح وعلى سفرة الإفطار جلس الجميع صامتًا واجمًا، ومن له شهية للطعام؟! فالجميع يحترق حزنًا وألمًا، لكن وليد قرر تجاهل الموقف وتجاهل حزنه الدفين وبدأ في الأكل، لكن اللقمة لا تُبتلع كأن حلقه قد سُدَّ، شعر بضيقٍ شديد حتى أنه فتح أزرار قميصه العلوية ليستطيع التنفس.
نزلت شفق الطفلة تسلم على جدتها وأبيها و تبحث بعينيها عن شفق.
صاحت الطفلة بتعجبٍ: إده معقول مامي لسه نايمة لحد دلوقتي؟! أنا طالعة أصحيها.
نبس وليد بجمود: خليكِ مكانك ما تطلعيش.
- هي أكيد قاعدة بتقرأ وناسية نفسها.
فصاخ بغضب: إستني عندك يا......
وتوقف عن الكلام و حدث نفسه يصرخ فيها: ياالله! دون جميع الأسماء يكون إسمك على إسم ابنتي الوحيدة! حتى أختي الوحيدة- رحمها الله- على إسمك! هل أكرههما من أجلك؟!
ما هذا العذاب؟ كلما ناديت عليها أذكرك!
وكل مرة أنطق بإسمك أراكِ أمامي! هل حُكم عليّ أن تسكنيني ولا تخرجي أبدًا؟!
هتفت شفق: أنا هطلع أنادي مامي.
فصرخ فيها بقوة وقسوة: مفيش مامي! دي مش مامتك! مامتك ماتت زمان! ودي مشت خلاص!
تأففت هالة وصاحت بضيق: إيه اللي إنت بتعمله ف البنت ده!
فبدأت الطفلة في البكاء والإرتجاف وتنظر لأبيها بخوف شديد ثم قالت: ماليش دعوة! أنا عايزة مامي شفق! إنت بآيت وحش تاني! هي مامتي! أنا عايزة مامي! أنا.....
وفجأة سقطت مغشيًا عليها، حاول وليد مسرعًا محاولًا إفاقتها ثم حملها مسرعًا إلى المستشفى ذاهبًا إلى الطبيب المتابع لحالتها وكانت معه أمه هالة وكانت متعبة للغاية هي الأخرى لقد ارتفع ضغطها بشكلٍ غير طبيعي وهي الأخرى ليست على مايرام وقد وضع لها الطبيب عددًا من المحاليل.
مر بعض الوقت حتى جاء الطبيب يتحدث إلى وليد.
صاح وليد بقلق: خير يا دكتور طمني! هي مش كانت كويسة!
أجاب الطبيب مستنكرًا: أنا اللي المفروض أسألك إيه اللي حصل ووصلها للحالة دي! لازم تكون إتعرضت لضغط نفسي شديد!
- بصراحة هو حصل موقف كده، بس ما تخيلتش....
صاح الطبيب بغضب: إيه التهريج والاستهتار ده! ده أنا مأكد على حضراتكم ممنوع أي ضغوط من أي نوع لحد الفترة دي ما تعدي على خير! أمال فين مامتها هي حافظة التعليمات كويس؟
- بس دي مش مامتها.
- هي فين أيًا كانت؟ تطلع مامتها تطلع خالتها! تفاصيل ما تهمنيش المهم إنها تكون هنا فورًا! واضح إن غيابها هو السبب، أنا شوفت إرتباطهم ببعض وكنت بحسبها مامتها، من فضلك اتصرف لو كنت عايز بنتك تتحسن!
وانصرف الطبيب ووجم وليد وتجمد في مكانه بعض الوقت.
ثم نظر ناحية أمه وتأفف قائلًا: يلا إتفضلي قوليلي إنتِ كمان!
- عايزني أقولك إيه! أقولك إنك غلطان حكمت ظلم من غير ماتسمع ولا تراعي! أقولك إنك ضيعت واحدة لو لفيت الدنيا كلها مش هتلاقي ضفرها! أقولك إن كبرياءك ده خسرك ولسه بيخسرك! أنا هقولك حاجة واحدة بس، أنا اتحرمت زمان من بنتي قلت قضاء الله ومالناش حاجة ف نفسنا، جه ربنا عوضني بعدها بسنين ببنت تانية حبيتها وحبتني واديك ضيعتها، لكن كمان عايز تضيع حفيدتي الوحيدة اللي ماليش غيرها! مش هسمحلك تضيعها مني هي كمان!
ثم قالت بهدوء وتوسل: أرجوك روح جيبها حتى لو عشان خاطر بنتك وبس، خايفة البنت يحصلها حاجة بقرارك ده.
وقف بعض الوقت ثم ربت على كتف أمه وانصرف.
ذهب بسيارته حتى وصل إلى البيت الذي تسكن فيه شفق وظل داخل سيارته لفترة ثم ترجل ودخل العمارة فلم يجد حارس العقار فذهب نحو المصعد فتذكر أنه ليس معه مفتاح للمصعد فصعد على السلم حتى وصل للطابق ووقف مكانه يتلاقط أنفاسه.
كانت شفق على حالها من الأمس وقد أصابها صداع شديد فقامت متجهة إلى المطبخ تبحث عن أي شيء ربما يكون موجودًا وهي تحدث نفسها: أيووه عليك يا عم عبده! كل ده بتجيب الحاجة، اللي يتكل عليك في حاجة!
ودخلت المطبخ تبحث هنا وهناك حتى وجدت علبة من البُن وأخرى للبن مجفف فصنعت كوبًا من القهوة واتجهت نحو الشرفة جلست فيها مستنشقة الهواء فهي تشعر باختناقٍ وضيقٍ شديد وبدأت تشرب قهوتها التي لا تستطعمها ولا تعلم إن كان بسبب قِدَمها أم بسبب المرارة التي تحياها وفجأة رن جرس الباب فتنهدت أن أخيرًا حيث ظنت أنه حارس العقار وفتحت لكنه كان وليد فوقفت واجمة بعض الوقت ثم استدارت بعينيها عنه وتحدثت بطريقة جدية: أيوة يا فندم يلزم خدمة!
سكت قليلًا ثم أخذ نفسًا عميقًا ثم قال بلغة آمرة: إتفضلي إلبسي وإنزلي معايا دلوقتي حالًا.
فالتفتت إليه بحدة لكن لم تخفي ما داخل عينيها من شجنٍ وحزنٍ شديد ثم أخذت نفسًا عميقًا هي الأخرى وقالت محاولة التحدث بهدوء: حلو أوي ده! إمبارح إتفضلي لمي هدومك وامشي، ودلوقتي إلبسي وإنزلي حالًا، وأنا إيه بأه!
- شفق تعبت وف المستشفى ولازم تيجي حالًا.
فردت مسرعة بلهفة: مالها جرالها إيه!
فرد بحدة: بقول ف المستشفى تبقى مالها!
فزعت شفق لكنهما انتبها فجأة لوجود عم عبده الواقف متابعًا لهما فنظرت إليه شفق ثم قالت لوليد: استناني تحت لحد ما أغير هدومي.
وأخذت المشتروات من عم عبده ودخلت الشقة وأغلقت الباب ثم ذهبت لتبدل ملابسها سريعًا.
أما وليد فقد نزل في المصعد ينتظرها في الأسفل ولاحظ نظرات عم عبده التي لم تعجبه على الإطلاق حتي سأله الرجل: هو حضرتك تطلع مين بالظبط؟
صاح وليد بغضبٍ: نعم!
- أصل ست شفق بآلها سنين هنا وعمرنا ما شوفنالها قريب ولا أي حد غير أبوها الله يرحمه، ولو حد من أهالي الولاد اللي بتديهم دروس وما كانش بيطلع أبدًا، فمعلش يعني السؤال مافيهوش حاجة.
- آه! أنا خطيبها وهنتجوز كمان كام يوم وكانت قاعدة مع والدتي بدل ما تقعد لوحدها، في أسئلة تانية!
- ربنا يتمم بخير يا بيه، ما تأخذنيش أنا آسف بس انت عارف الناس كلامها كتير، وحضرتك يعني جاي بطولك وهي وحدانية.
- حصل خير.
-حضرتك والد ست شفق الصغيرة مش كده!
أجاب وليد بنفاذ صبر: أيوة أبوها.
- ربنا يطمنك عليها ويتمم بخير! والله ميس شفق مش هتلاقي زيها!
- شكرًا.
وانتظر قليلًا ثم وجدها تنزل فأشار بيده لتركب جواره فركب الاثنان وسار بالسيارة حتى وصل أمام المستشفى فهمّت بالنزول فجذبها من ذراعها فجذبت يدها نحوها بقوة.
فأسرع بكلامه بحدة: قبل ماتنزلي لازم تعرفي إنت جاية ليه! شفق تعبت لما عرفت إنك مشيتي! وبكده مفيش أدامي أي حل غير وجودك من تاني ف حياتنا عشان خاطر بنتي وأمي، لعبتيها صح وعرفتي تلوي دراعي تمام!
فهمت بالحديث فأشار بيده أن تسكت وأكمل بحدة ووقاحة: هنطلع دلوقتي ونفهمهم إننا إتصالحنا والفرح هيتم ف ميعاده! بس ده صوري يعني عل ورق وبس! وما تحلميش بأكتر من كده! ومش أدامك أي حل تاني لأني قلت كده للبواب لما سألني أطلع مين! قولتله إني خطيبك وهنتجوز كمان كام يوم! الوضع ده طبعًا لحد ما شفق تخف تمامًا وما يبقاش في أي خطر بيهدد صحتها، وساعتها هبقى أفرج عنك واطمني هديكِ مؤخر محترم، بس طول الفترة دي لازم تفهمي إنك حرم وليد عوني أدام الجميع يعني تخلي بالك كويس من شكلك وتصرفاتك عشان هتبقي ف وشي وأنا ما برحمش! وحسك عينك تحاولي تعملي معايا أي حركة م الحركات إياها عشان ده موضوع منتهي! وتتفضلي تفردي وشك وابتسمي عشان الناس تصدق!
كانت تستمع إليه وكلامه يمزقها ويؤلمها للغاية ولم تملك إلا دموعها التي تنهمر.
NoonaAbdElWahed
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top