(10)

بقلم :نهال عبد الواحد

سافر الجميع إلى لندن وأقاموا في منزلٍ استأجره وليد فلازال هناك عدة أيام تسبق موعد العملية.

كانت شفق منذ ذلك اللقاء وهي تتلاشى لقاءه أو التعامل معه على الإطلاق فهي تقضي وقتها بمفردها أو مع شفق.

والآن يا شفق اغلقي ذلك الباب وضعي أكبر حجر على قلبك حتى يهدأ ولا ينبض مجددًا.
ماذا كنتِ تنتظرين؟
فقد كنتِ تعلمين نهاية الطريق الذي سِرتِ فيه ومع ذلك اختارتيه، يكفي ما قطعتيه فيه وعليكِ العودة! يكفيكِ بعض الذكريات الحلوة أليس ذلك كلامك؟!
أأكنتِ تظنين أن الأمر بتلك السهولة!
هكذا كانت تحدث نفسها دائمًا.

لكن وليد لم يكف عن ملاحظته لها بدقة فهي هادئة الطباع والأخلاق وتكاد لا تنام إلا قليلًا.

وذات يوم كانت الساعات الأولى قبيل شروق الشمس يوم العملية وكانت شفق قلقةً للغاية بشأن تلك الطفلة وانتهزت فرصة هدوء البيت ونوم الجميع ونزلت إلى حديقة المنزل جلست بأحد أركانها كان يوجد أيضًا حوضًا من الزهور، هكذا تكون أماكن تواجدها.

جلست تنتظر ارتفاع الشمس وتعد كم ساعة متبقية لدخول شفق العمليات.

ظلت جالسة تستنشق عبير الزهور ورائحة الندى متلمسة بيدها عابثة برقة تلك الزهور المتمايلة وفجأة شعرت بشخصٍ يجلس جوارها فانتفضت مفزوعة.

قال وليد: صباح الخير.

فأجابت شفق بتوترٍ: صباح النور.

- صاحية بدري يعني ولا قلقانة!

- أنا متعودة أصحى الفجر وما انامش تاني، وقلقانة شوية برضو، بس إن شاء الله خير.

- إن شاء الله.
ثم أكمل وليد بتساؤل: مش بتنامي بليل ولا بالنهار ولا بعد الفجر أمال بتنامي إمتى؟!

- هه! إتعودت على كده.

- وبالنسبة للمخ نظامه إيه؟
قالها بمزاح وسكت قليلًا ثم سألها: هو احنا متخاصمين ولا حاجة!

- لا طبعًا! حضرتك ليه بتقول كده؟

- هي وصلت لحضرتك كمان!

- المقامات محفوظة يا فندم.

- طب بلاش طريقتك دي عشان بتغيظني، وافتكري كويس إني عمري ما عرفتك على نفسي ولا قولتلك إني بشتغل ف الفيلا، انت اللي إفتكستي كده من نفسك.

- عارفة! ماهو من غبائي!

فضحك ثم قال: لا معلش الغلط ممنوع، بس عارفة بصراحة كنت مبسوط وانت بتعامليني على إني واحد بسيط، كان نفسي ف حد كده فعلًا، زهقت م الوشوش الكدابة اللي بتنافق وهي بتتعامل معايا كوليد عوني وبس، لكن انتِ كنتِ بتتعاملي معايا أنا، مع شخصي أنا، بتتعاملي من غير زيف ولا تمثيل، بتتعاملي بتلقائية وصدق، ليكِ طريقة كده بصراحة خطفتني، بحس إني معاكِ على حريتي مش محتاج أترسم أدامك، أكتر حد بعد أمي شافني صح وفهمني صح وعرف يتعامل معايا، عارفة بتشدي إمتى وتفوتي إمتى، مالك يا شفق عاملة كده ليه؟!

قال الأخيرة بقلق فسكتت وبدأت دموعها تتساقط فاقترب منها ورفع وجهها إليه ومسح دمعها بيديه لكنها هربت بوجهها عنه بل ودت أن تهرب كلها وهمّت بالوقوف فأمسك يدها وأجلسها مجددًا.

وسألها: ليه كده؟ ليه كل ده؟ توقعت إنك تتفاجئي بس مش للدرجة دي.

فردت بانفعال: عشان المسافات كبرت أوي! أكبر من احتمالي واحتمالك، كتر خيرك إنك فاتحلي بيتك ولسه قادر تقعد معايا كمان.

ثم سكتت فجأة وانتبهت لتلك الطريقة التي تتحدث بها! إنها المرة الأولى التي تنفعل عليه هكذا بل المرة الأولى على الإطلاق مع أي شخص!

ابتسم وليد وتابع: كنتِ دايمًا لابسة نضارة شمس بس لما شوفت لون عنيكِ خصوصًا ف الشمس قلت لها حق تداريهم عن الكل؛ أصلهم قتالين خصوصًا مع رموشك الطويلة دي، يخلوا الضربة ف مقتل، كنتِ دايما تتكلمي مع أي حد وتحطي وشك ف الأرض بس لما بصتيلي وأنا بكلمك فهمت أد إيه كان هيبقى في ضحايا لما تبصيلهم كده وإنتِ بتكلميهم، وعمري ما شوفتك متنرفزة ولا متعصبة رغم كل الإستفزاز اللي استفزتهولك بس شكلك يجنن فعلًا وإنتِ متنرفزة، والأهم إني الوحيد اللي قدرتِ تنفعلي أدامه بحريتك.

كانت شفق تستمع لكلامه وهي في قمة خجلها ووجهها يزداد توردًا، فأكمل وليد مشاكسًا: وجمالك زايد أوي وإنتِ مكسوفة، هتخليني أتفنن إزاي أكسفك عشان أشوف الجمال ده.
واقترب وهمس: وانا بعرف كويس أكسف البنات الحلوين.

شردت بإرتباك ثم صاحت بتوتر لدرجة اللعثمة: مش شايف إنك إنك زودتها! وبعدين وبعدين دي مبالغات زيادة زيادة عن اللزوم.

فضحك من هيئتها ثم قال: هركن الكلام ده دلوقتي لأني مش ببالغ أبدًا، بس بلاش سكة المسافات كبرت وأنا بنت عامل بسيط وكل اللي هتقوليه وتقللي بيه نفسك، إنتِ مش قليلة أبدًا، اللي تقدر تتحدى كل ظروفها وتبقى بهيئتك وتحقق اللي حققتيه دي تبقى إنسانة عظيمة وقوية.

- حاول تفكر بواقعية، أنا مين؟ بنت مين؟ أهلي مين؟ كنت ساكنة فين؟ كل دي أسئلة لازم تبقى مستعد ليها، أنا عمري ما نكرت أصلي ولما بخبي حقيقتي عن الناس ده لأن الناس مش بتفكر كده، دايما بتشوف إن اللي جاي مـ.....

فقاطعها: وأنا مش زيهم، وأصلًا زهقت منهم، يعني لما جربت وخدت بالمظاهر حصلي إيه! اختارت واحدة من طبقة بس مش مناسبة وسلمتها نفسي، كنت فاهم إني بحبها وأنا عمال شبيك لبيك وهي تدوس وتاخد وبس، وف الآخر خانتني ورمت بنتها وراحت، شفق أنا ما عرفتش أشوف الدنيا من جديد ولا عرفت ألاقي نفسي التايهة إلا لما ظهرتِ ف حياتي، إتأكدت ساعتها بس إني عمري ما حبيت، وأد إيه ربنا بيحبني وحط ف طريقي ملاك زيك، سبب ف هدايتي، شفق إنتِ شاركتيني ف حب بنتي، ف حب أمي، حتى ف ظروف مهمة زي اللي احنا فيها برضو شاركتيني، طمعان كمان إنك تشاركيني حياتي، توافقي تتجوزيني وتبقي مش مسئولة عن شفق لوحدها وأبوها كمان! أبوها اللي بصم بالعشرة إنه لا حب ولا هيحب غيرك، بحبك يا شفق.

كانت شفق كالمغيبة تظن نفسها في حلم، فما تسمعه الآن فاق قدرة قلبها على تحمله، مؤكد أنه حلم وستسيقظ وتفيق منه بعد قليل! وكلمة أحبك تلك قد فاجئتها وجعلتها تظل واجمة وناظرة إليه.

فتابع وليد بمكر: طب بطلي تبصيلي كده، عشان هتبقي الجانية عن نفسك.

وبينما شفق في حالتها هذه حتى فاجأتهما شفق الطفلة تقفز عليهما فانتفضا، فضحكت الطفلة بشدة وقالت: صباح الخير.

رد وليد مازحًا: فجعتينا يا فوفا.

تابعت الطفلة: سوري داد -ثم التفتت نحو شفق وتسآلت- مالك يا ميس شفق؟

انتفضت شفق فجأة قائلة: هه! إنتِ جيتِ إمتى؟

أجابت الطفلة: لسه ناو.

قالت شفق: في حد يصحي م النوم وينزل ف الهوا كده على طول!

- لا أنا صاحية من بدري وغسلت وشي وشوفتكم قاعدين فنزلت اقعد معاكم.
سكتت قليلًا ثم سألتها: هي هي هي العملية بتوجع؟

فنظر إليها وليد ثم نظر إلى شفق أن لا يدري ماذا يجيبها، فأجابتها شفق: هي هتوجعك شوية صغيرة وبعد كدة تخفي خالص وتبقي زي الفل.

تابعت الطفلة: طيب!
ثم نظرت بينهما وابتسمت فجأة وسألتها: هو إنتوا كنتوا بتقولوا إيه؟
ونظرت بينهما فنظر وليد وشفق لبعضهما البعض دون رد.

فأكملت الطفلة: طب أنا ممكن أقول حاجة!

قال وليد: قولي يا قلب بابي.

- ما دمت إنتوا الإتنين قاعدين بتتكلموا مع بعض تبقوا متصالحين، وأنا بحبك يا بابي وبحب ميس شفق أوي ومش بحبها تروح وتسيبني، وحتى لما بروح ف بيتها مش ببقى عايزة أروح، ينفع تخليها مامي؟

فابتسم وليد وغمز لشفق ثم قال لابنته ببلاهة مصطنعة: أخليها مامتك إزاي؟

- اتجوزها يا بابي وتفضل معانا على طول.

- قولتش حاجة أنا، والله يا فوفا بتحايل عليها م الصبح!

- وافقي يا ميس شفق، وافقي عشان خاطري، والله بابي ده جميل و أمور! هو ساعات بيتحول بس أكيد مش هيزعلك.

فضحك وليد وشفق ثم قال وليد: بأه أنا بتحول!

- لا لا ده كان زمان بس، لكن دلوقتي هو أمور وعسول.

- هه يا ميس شفق! ده مطلب جماهيري.

- طب بوسها يا بابي وهي هتوافق على طول.

فضحك وليد بشدة لدرجة دمعت عيناه ثم قال: حبيبة أبوكِ والله! هه! أسمع كلامها!

فردت شفق بخجلٌ شديد: حبيبتي ده كلام كبار، يلا عشان ألبسك وتجهزي نفسك.

- لا أنا هلبس لوحدي وإنتِ تسرحيلي شعري -ثم اتسعت ابتسامة الطفلة وأكملت: يا مامي.
ثم قبلتها في خدها فضمتها شفق إليها بعَبرة تحاول التخلص منها ألا تهبط و وليد يتابعهما بنفس تلك العبرة.

نهضت الطفلة وقالت بمكر: أنا همشي وأسيبكم شكلكم مكسوفين مني.

وانصرفت الطفلة الماكرة فضحك وليد بشدة ثم نظر لشفق فقالت: ودي معناها إيه البصة دي!

- أصلي بحب بنتي ومااحبش ارفضلها أي طلب.

- آه!

قالتها بتهكم فتابع وليد بعشقٍ واضح: طب والله هبقى حنين وهشيلك ف عيني! وافقي بس، ما اخبيش عليكِ حاولت أكابر قبل كده وأبعد لكن فشلت فشل ذريع، وافقي بأه يا ملاكي.

- طب نطمن على شفق الأول.

- طبعًا! مفيش حاجة هتحصل غير بعد ما نطمن على شفق، بس نفسي ف وعد، ف كلمة موافقة، أمل يردلي روحي.

فابتسمت شفق على استحياء ولم تعقب، فصاح وليد: موافقة!

فهزت برأسها موافقة، فقال بسعادة بالغة: بحبك!

ومسك يدها وقبلها فارتعشت وارتبكت وسحبت يدها مسرعة وتوردت من الخجل فضحك من هيئتها.

NoonaAbdElWahed

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top