Three.
الخامس والعشرون من سبتمبر عام 1940.
أفرَجَ جفناه عن عينيه عندما شعر بقدميه تصطدمان وأخيرًا بالأرض القاسية, كان قد وصَلَ شارعًا طويلًا, اصطفتِ المنازِلُ التي كانت على وجهٍ كبير من التشابه على أطرافه, كان المكان خاويًا على عروشه دون أي أثر لبشر, شعر بشيء يحمله في حقيبة يده يصِبحُ دافئًا, فتحها بسرعة مُخرجًا المفكرة العتيقة.
المنزل رقم 252ب.
كان ذلك ما خُط على الصفحة الأولى منها فجأة وكأن يد غير موجودة قد كتبَت ذلك, أومأ برأسه لتعاليم والدِه, وأغلق الدفتر ليُعيده إلى حِضن الحقيبة بعدما اختفتِ الكلمات متلاشية إلى العدم.
بدأ السيرَ بطريقة غير مُتزنة واضعًا من الجُهد الكثير كي يجعل مشيته تبدو مُنهكة وقابلة للانتهاء إلى سقوط في أية لحظة, كانت الجروح المُزيفة التي كونتها الآلة على أطراف جسده تَبعثُ بشعور واخِز أبعد ما يكون عن ألم الإصابات الحقيقية, ولكِنه رغم ذلك احتاج أن يُبدي أنه بالفعل قد تعرضَ لهُجوم مُباغت.
عندما كان جسدُه وأخيرًا قد استغل المساحة أمام باب المنزل المطلوب, تفحص بعينيه الباب الخشبي الطويل, أخذ نفسًا يشوبه التوتر, ثم طَرق بكلتا يديه على الباب برغبة أكيدة لإضافة الفزَعِ إلى حالته, لحظات حتى سمِع الباب يُفَكُ قُفله ويتِم فتحُه.
توارى له من وراءِ الباب زوج من العيون الزرقاء التي حدقت به بفُضُول, كانت الأعين ملكٌ لجسد صغير لم يصل رأسه إلى منطقة أعلى من مقبضِ الباب, أصدر الشخصُ والذي أدرك أنه طفلٌ شهقة أنثوية, قبل أن يُغلق الباب مجددًا في وجهه ويسمع خطواته تهرب بعيدًا إلى مكان مجهول في المنزل.
"أبي! أبي! هناك فتى ياباني مصاب على بابِ منزلنا!"
صاح صوت الطفلة من الداخِل وتمكن من وصولِ أذُنيه بوضوح.
"أهذه مزحة؟"
سأل صوت رجُل.
"لا أنا اقسم! إنه أمام الباب وهو يملك جروحًا عديدة!"
أكملت الفتاة.
سمع صوتَ أقدام لشخص ذو بُنية أكبر بكثير من الطفلة يقترب نحو الباب, ولكن كان هناك صوت لزوجين من الأقدام ليس واحدًا, فُتح الباب مجددًا وأطل رجلٌ بالغ بجسده الكامل عليه, كان أطول منه بقليل ويمتلك وجهًا متسمًرا بامتزاج مع النمش, ومن ورائه وقفت امرأة بشعر بني وقد غطى وجهها تعبير قلق.
"ساعدني سيدي ارجوك! لقد تم مهاجمتي من قبل مجموعة من قطاع الطرق وقد تمكنت من الهرب بأعجوبة, لقد سِرتُ لساعات في أمل أن أجد مكانًا يعطيني بعض العلاج لما حل بي من أذى!"
بدأ يئنُ وقد أحتضَن ذراعهُ الأيمن بالأيسر حيث كانت ظاهرة بقعة كبيرة من الدم, أخفضَ من مُستوى جسدِه حتى اصبَح شبه راكع ليوحي بكَم من العذابِ كان يعيش.
لم يرتدِ للرجل بصرُه قبل أن سارع إلى جانبه وأسار بيده من أسفل ذراعه المصاب حتى أصبح يتكِئ على كتفي الأكبر, أسنده ببطء إلى داخل المنزل بينما كان هو متمثًلًا العرَجَ الطفيف, أغلقت المرأة الباب ولحِقَت خطواتهم البطيئة.
"أحضري عدة التمريض لو سمحتي أردين."
طلب الرجل بينما هو مستغرق بقيادته إلى غرفة الجلوس, لا بد أن ذات الشعر البني هي المدعوة بأردين إذ سمع خطواتها تنطلق في اتجاهٍ معاكس لهم.
عندما وصلا غرفة الجلوس كانت هناك الفتاة الصغيرة السابقة, بقيت تلحقه بنظراتها المتعجبة المندهشة, قام الرجُل بإسناده على أقرب أريكة, وتآوهَ هو محاولًا جعل حالته تتشبع بالحقيقة إلى أن تصبح صعبة الكشف.
"أبي ما الأمر!"
سأل صوت جديد, رفع عينيه بسرعة ليرى المدعوة بأردين قد عادت ولكن مع مُرافقة أخرى ذات شعر قصير وهي من حملت ما يبدو بصندوق أدوات التمريض, لقد كانت المنشودة, لقد كانت ماتيلدا.
باشر الرجل بسحب العلبة من بين يدي الشابة, فتحها وأخرج ما رأى بأن المصاب أمامه بحاجة إليه.
"أبي! ولكنه ياباني! إنه من العدو!"
حذرت بهستيرية موسعة عينيها.
"أنا لست يابانيًا, أنا كوري, و ليس لي علاقة بالحرب."
أجاب هو بصوتٍ زرع فيه الكثير من الإجهاد.
"وكأننا سنصدق!"
سخرت بجفاء.
"تأكدوا إن وجدتم من الصعب التصديق."
طلب خالعًا حقيبة يده بتألم قبل أن يرميها بضعف لقربه.
لم يترك الرجل عمَلَهُ الذي بدأه بتعقيم الجرح الكبير على ذراعه ليتأكد من شيء, ولكن قامت من عَلِم أنها ماتيلدا بانتشال الحقيبة, فتحتها وأسرعَت في نهشِ محتوياتها, أخرجت سريعًا الأوراق الشخصية التي أعطاهُ إياها والُده مسبقًا, والتي كانت الإثبات التام لعدم كونِهِ مصدر تهديد.
حدقت بالأوراق لدقيقة, ثم زمجرت بخفوت مشددة قبضتها على ما كان بيدها, سحبت المرأة ذات الشعر البني بياناته من بين يدي الغاضبة, وتفحصتها بدورِها.
"هذا لا يحسم كل شيء! قد تكون كاذبًا جاسوسًا!"
صاحت به مؤشرة بإصبع نحيل في اتجاهه.
"ماتيلدا اهدئي, إنه مجرد فتى, أوراقه قد اثبتت كل شيء, وهو مصاب بشدة, حتى وإن كان يابانيًا كما تشكين لما تمكن من أذية شعرة منا."
أخبرتها أردين وقد أرست بيدها على كتف الشابة.
"ولكن أمي!"
باشرت ماتيلدا مجددًا.
"لا بأس ماتيلدا, هدئي من روعك."
تحدث الرجل هذه المرة بلُطف.
"هل هناك اية إصابات على رأسك؟"
سأله بينما كان يضمد يده التي أنتهى من سكبِ المعقم ونشِرِه عليها.
"لا, قاموا فقط بمهاجمة أطرافي."
أجاب مُغمضًا عيناه للحظات بدلالة على عدم التحمل.
"من هم؟"
نطقت الطفلة ذات الأعين الزرقاء وقد أخذت خطوتين مقتربة منه بفضول.
"قُطاع الطرُق الأشرار."
حدثها وهو يبتسم باتجاه أعينها الواسعة, انبسطت أسارير الرجل في اتجاه الصغيرة.
"أنت لست يابانيًا؟"
سألت مجددًا مُفرقة شفتيها بينما شَعر بيدي من كان يعالجه ترفع طَرَفَ بنطاله الأيسر لتفقُد الجُرح الذي رقَد هناك.
"لا أنا كوري."
أجابها مرة أخرى.
"أين تقع كوريا؟ وأنت تشبه اليابانيين!"
هتفت بصوتها عالي النبرة رامشة.
"إنها بالقرب من اليابان, وكوريا تعتبر دولة شَرق أسيوية لهذا نحن نملِك العِرق ذاته."
أعلمها ببشاشة ومتأكدًا في ذات الوقت من عدم نسيان رسم معالم الوجَع على تقاسيم وجهه.
"هل تعلم لماذا قد هاجمك قطاع الطرق؟ هم عادة لا يفعلون ذلك دون سبب."
كان دور المرأة الراشدة لتسأله بحُنُو.
"كان الأمر خارج حدود لندن تقريبًا, كنت أسير بسيارة البضاعة الخاصة بأسرتي, أهلي يملكون شركة للمواد الغذائية في كوريا ونحن نقوم بتصديرها إلى بعض الدول الأخرى, كنت أنا من أرسلوه إلى المملكة المتحدة ليهتم بعمل العائلة مع ابن عمي الذي هو في العشرينيات, ولكن حدث ما حدث وهجموا علينا, لقد نهبوا كل شيء وقتلوا قريبي, تمكنت من الهرب بأعجوبة واضطررت إلى السير مسافة بعيدة إلى الأمان."
سرد عليهم القصة التي كان والده قد حكاها له سابقًا ليُخبرهم, حدقوا به بأعيُن غَرَقت بالشفقة, إلا ماتيلدا التي رفضَت حتى النظَر في اتجاهه.
"لا بأس أنت بخير الأن, وجروحك ليست خطيرة."
واساه الرجل بينما يُصلح بقايا الجروح الصغيرة على يديه.
"شكرًا لكم حقًا, لا أعلم كيف لي أن أشكركم على استقبالكم السريع لي."
أخبرهم بصوت مليء بالمشاعر, هو بحق لم يتوقع أن يكونوا لطيفين إلى ذاك الحد, قد بادروا إلى مساعدته بعجل وإخلاص رغم ملامحه.
"لا بأس عليك."
أكد الرجل مبتسمًا, بعدما فَرُغَ من جميع جروحه, ثُم مسَح يدَهُ بمنشفة صغيرة بين الأدوات الطبية.
"أنا والتر وايت بالمناسبة, وهذه زوجتي أردين, وابنتاي ماتيلدا وأوريانا."
أردف مؤشرًا إلى نفسه ثم لكل واحدة منهن بالتوالي.
"لكن نادني أوريا فالجميع يقومون بذلك."
أضافت الطفلة إلى حديثِ والدها, هز رأسه بالإيجاب وزين وجهَهُ بابتسامة اخرى.
ماذا عنك ما اسمُك؟"
"لي جونغكوك."
أعلن كذبًا بينما يقوم بإنزال طرف بنطاله.
"سررت بمعرفتك لي."
قالت موجهة يدها الضئيلة في اتجاهه للمُصافحة.
"وأنا أيضًا, ولكن اسمي هو جونغكوك وليس لي."
عَلقَ ضاحكًا بينما صافحها.
"ولكن لي هو أولُ ما قلت!"
تعجبت مُميلة رأسها بزاوية صغيرة.
"أعلم, ولكن في كوريا نحن نبدأ باسم العائلة ثم اسم الشخص كنوع من الاحترام."
أعلمها, دورَت تكوينَ شفتيها ووسعت مُقلتيها بطريقة تدُلُ على إدراك عقلِها الصغير للأمر.
"أذًا لي هو أسم عائلتك!"
صاحت.
"تمامًا."
أكد ضاحكًا.
"سأحضِر لك بعضًا من ملابِس والتر كي ترتديها بدلًا من ملابسك."
عرضت عليهِ السيدة أردين, هز رأسه بالإيجاب وشكرها.
__________________
شكرا على القراءة، لا تنسوا التعليق والتصويت💕
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top