Thirteen.
صوتُ خشخشةِ العُشبِ تحتَ وطءِ أقدامٍ دخيلة عن مدىً بعيدٍ ليمينِهِم. أيَ مَن كانَ قادِمًا لن يكونوا قادريِن على رؤيتِهِ مليًا بسببِ إعتامِ المكانِ مِن حولهِم و الذي لم ينِرهُ سوى ضوءِ النجومِ الضئيلة والقمرِ غيرِ المُكتمِل.
"حار! حار جدًا!"
صاحَت أوريانا فجأة وقد أبعَدت حقيبتهُ عنها ورمَت بها أرضًا.
إنهُ والدُه.
"قلتُ توقفوا مكانكُم يا أنتُم!"
طلبَ الصوتُ مُجددًا.
كانوا واقِفين على أيةِ حال, اضطَرب, ما كان عليهِ إبقاءُ الحقيبة معها هي لم تكُن لتُدرِك شيئًا لو أصبحت دافئة, لم تكُن لتعلم أن عليها أن ترى ما كتبَ والدُه في المُفكِرة.
بسُرعة انتَشَل الحقيبة, أراد أن يرى ما هو مكتوبٌ, ولكِن أوريانا وماتيلدا هُنا, هذا سيكونُ مُثيرًا للريبة.
"يا إلهي! أنظُر من لدينا هُنا جورج! فتاتين وفتًا بأعيُن ضيقة! ويبدون وحدهُم تمامًا"
اقترَب رجلٌ نحيل فارِع الطول مُتحدِثًا بنبرة مُريبة, لم يستطِع رؤية وجهِه جيدًا ولكِنهُ كان قادِرًا على إبصارِ شعرِه الأشعث وهِندامِه المُبعثرِ القذِر.
"مّن أنتُم؟"
وقفَ بثباتٍ تام رغمَ كونِ يدِ أوريانا الصغيرة تشتدُ قبضتُها على خاصتِه.
"أوه! يبدو أن الياباني قادِر على تحدُثِ الإنجليزية لويس!"
ضحِك المدعو جورج والذي لم يبدو أفضَل مِن صديقِه, بِبشاعة تامة.
"إنهُ كوري لا ياباني!"
ابتعَدَت أوريانا عنهُ خطوة قائِلة, سحبها هو مُجددًا حتى لاصقَت جانِبه.
"أليسَ الشيءَ ذاته؟"
سخِر وقد ضأل صوتَهُ مُقلِدًا لنبرتِها.
"من أنتُم وماذا تُريدون؟"
كان دورُ ماتيلدا ليخترِقَ صوتُها الشُجاع الليل المُظلِم.
"من نحن؟"
أعاد سؤالَها ضاحِكًا.
"نحنُ أسوء كوابيسِك عزيزتي."
"عودوا مِن حيثُ أتيتُم, نحنُ لا نملِكُ شيئًا قد يفيدُكُم."
جعًل مِن نبرةِ صوتِه هادِئة, إن كانوا حمقى ليسَ عليهِ العبثُ معهُم, قد لا يكون مظهرُهُم يوحي أنهُم مؤذون, ولكِن ليس مِن الحِكمة استباقُ الأمور.
"أنظروا من يتحدَثُ!"
ضحِك جورج ولحِقُه لويس, تمنى لو يخنقُ صوتَ ضحكِهِما الشنيع.
"أنت يا فتى, أعطِنا حقيبتَك."
"تُريدُ سرقتي؟ هيا لن تجِد شيئًا ذو قيمة على أيةِ حال."
خلع حقيبتهُ مُقدمًا إياها لهُم, الثقة في صوتِه جعلَت لويس يسحبُ مقتنياتِه بعيدًا بعُنف.
قام بفتحِها وأدارها حتى وقعَ ما فيها على الأرضِ, والذي لم يكًن سوى دفترهِ العتيقِ وزرينِ بيضاوين قد كانا سقطا مِن أحدِ قُمصانِه سابقًا واحتفظَ بهِما في الحقيبة.
"رأيتَ؟ لا شيء, الأن أتركونا بِسلام."
طلبَ بينما لم يُزِح مُقلتيهِ إنشًا عن وجوهِهما غيرِ الطاهِرة.
"أحقًا تُريدونَنا أن نرحَل؟ نحنُ لن نبدأ المُتعة بعد! ألا تعتقدين عزيزتي؟"
اقترب جورج مُحيطًا رِسغ ماتيلدا بيدِه, حاولَت تحريرَ ذراعِها بينما قربها هو مِنه قسرًا.
"أبتعِد عنها!"
صاح وقد أفلتَ أنامِل أوريانا واتجَه ناحهُم, سحَب الرجُل مِن ياقةِ قميصِه بكُل قوتِه ورمى بهِ بعيدًا حتى فقِد توازُنَه وسقط على الأرض.
"ما خطبُك أيهُا الفتى الأحمق!"
طوقَ لويس كِلتا ذراعيهِ وراءََ ظهرِه, حاول المقاومة بين قبضتيهِ العملاقة ولكِنه لم يستطِع التحرُر قبل ان يستقيمَ جورج بجذعِهِ مُجددًا ويسدِدَ لكمة بجُلِ ثُقلِ يدِه إلى معِدتِه.
تأوهَ وقَد فقد الشعورَ بقدميهِ مِن الألم.
"توقفوا عن ذلِك ابتعِدوا عنه!"
صرخَت ماتيلدا وقد ركَلَت جورج بكُلِ قوتِها على عظمِ فخذِه حتى ركعَ على العَشبِ يئن.
"حمقاء!"
شبثَ لويس الذي أفلَتَه يدهُ في شعرِها المُجعد ساحبًا إياها باتِجاهِ وجهِه وقاومَت هي رغمَ كُل شيء.
"لا تقترِب مِنها!"
تجاهلَ هو ألمَ معِدتِه وقد بدأ يلكُمُ لويس بكُلِ قوتِهِ في أماكنٍ مُتفرِقة لم يُرِد التفكيرَ بِها, أفلتَ الأكبرُ ماتيلدا ثم رفعَ كِلتا يديهِ مُحاوِلًا صُنع حاجزٍ بشريٍ بهِما يحاوِل بهِ حماية وجهِه, كان قادِرًا على سماعِ بُكاء أوريانا المُرتعِد يتخللُ صوت الضرباتِ.
"توقَف أيُها الحقير إن لم تُكُن تُريدُ الموت!"
كان جورج قد أعادَ الوقوفَ على قدميهِ النحيلة قابعًا أمامهُما, وقد صوبَ شيئَا معدنيًا أخّذ يلمَع في ضوءِ القمرِ باتجاهِ وجهِهِ.
لقّد كان مُسدسًا مِن عيارِ بيريتا.
وسعَ عينيه, وابتعَدَ سريعًا, كيفَ لهُ أن ينسى أنَ قُطاع الطُرُق مِن الوارِد دومًا أن يكونوا مُسلحين.
"قفوا مكانكُم."
أمرَ جورج وقد أشرَ عليهِم بالدورِ بفوهةِ السِلاحِ المقيت.
توقَفَ صوتُ بُكاء أوريانا ذعرًا بينما اصطفوا جنبًا لجنبٍ صامتِين, استقام لويس جالِسًا خائِر القوى في المطرحِ الذي كان يُشبِعُهُ بهِ ضربًا مُنذُ لحظاتٍ.
"يبدوا أنكُم أولادٌ سيئون, ألستُم كذلِك؟"
سخِر جورج ولكِنهُ بدا يستشيطُ غضبًا.
"هَل أنت بخير لويس؟"
أومأ المدعو لويس بينما أخذ يتفحصُ الكدماتِ المُتخلِفة على جسدِه.
"أنتِ! كيفَ تجرُئينَ على ضربي أيتُها الحشرة!"
أخفضَ السِلاح إلى جانِبِه واتجهَ إليهِم مرة أخرى, أو باتجاهِ ماتيلدا بشكلٍ أدق, قام بسحبِها مِن شعرِها مُجددًا وقرَب رأسها مِن خاصتِه باصقًا الحديثَ في وجهِها, لم تكُن هي قادرِة على فعلِ شيءٍ هذِهِ المرة بسبِبِ ما حمَلَ.
هو على الجِهة الأخرى لَم يستطِع إيقاف نفسِه, انتفضَ باتجاهِ يدِه وقد حاولَ انتِزاع السِلاح مِن قبضتِه المُتحجِرة, ارتبكَ الرجُل ولكِنه رمى ماتيلدا التي صرخت بعذابٍ بعيدًا
أخذ هو يحاوِل الحصولَ السِلاح والأخّر يحرسُهُ بِشراسة, استمَرَ الأمرُ دقيقتين, لم يعرِف كيف كان قادِرًا على مواجهةِ شخصٍ أطول وأضخم مِنهُ بمراحِل, ولكِنهُ شعرَ بالكثيرِ مِن القوة الغيرِ اعتيادية تَتفجرُ داخِل عروقِه.
عندما أخذَ هو زِمامَ السيطرة وشعرَ بقبضةِ الأخَر تتساهلُ مِن على الآلة المعدِنية, سحبَ السِلاح بيدٍ وبالأخِرى دفعَ الرجُل, ولكِن ما لَم يعلَم أن أصابِع جورج كانت على الزِمامِ قبلَ أن ينطرِح على الأرض.
دوى صوتُ طلقٍ ناري ذميم نحو عرضِ الليلِ في نفسِ اللحظة التي سقَطَ فيها الرجُل.
"جونغكوك!"
صرخَت ماتيلدا بهستيرية قبَل أن يشعُر هو بشيءٍ دافئ على بشرتِه.
هوى على قدميهِ بقوة وسقَطَ السِلاحُ تضامُنًا معَهُ إلى قُربِه.
تجمَدَ الجميعُ لِلحظاتٍ بعدَ الصوت, إلا ماتيلدا التي سريعًا ما أدركَت ما يحدُث وانقَضَت على المُسدسِ تحمِلهُ في قبضتيها وقَد وقَفَت بارتِجافٍ على ساقيِها.
"إن لم ترحلا أقسِمُ أنني لن أتردَدَ لحظة قبلَ أن أفرِغ باقي الذخيرة في رأسيكُما!"
وجهَت الفوهة باتِجاهِ جورج الذي كان على الأرضِ دون حولٍ ولا قوة.
"لِنرحَل لويس, هُم لا يحمِلون شيئًا مُهِمًا."
تمتم وقد أخذ يزحفُ بداية قبلَ أن يستقيمَ ليجُر رفيقَهُ كي يركُضا بهلعٍ بعيدًا.
استمَرَت بتوجيهِ الفوهَة نحو جسديهِما المُبتعدين مؤكِدة لنيتِها, حتى مرَت أكثرُ مِن خمسِ دقائِق اختفيا فيها في غابَة بعيدة.
عندما فقدَت عيناها شكلهُما, انطرحَت على رُكبتيها أرضًا حيث كان هو يحاوِلُ تحسُسَ الفُتحة الدامية في فخذِه الأيمَن.
"يا إلهي! يا إلهي! إنَها سيئة جدًا!"
انتحبَت خائِفة وقَد أخذَت تتَحسَسُ شلالَ الدِماء الذي اندفق على قدمِه.
"كوكي!"
بكَت أوريانا وقد اقتربَت أكثَرَ باتِجاهِه
كان هو قد بدأ يشعُرُ بالأرضِ تفقِدُ اتِزانها مِن تحتِه, أصبحَ كُل شيءٍ مُعتِمًا تمامًا وكأنهُ أصبح أعمى لِثوانٍ قبل أن تعودَ الصورةُ مرة أخرى بحالة مشوشة.
"أوريانا أذهبِي! سيري حتى تجدي أي منزلٍ واطلُبي مِنهُم أن يأخذوكِ إلى هُنا حتى يُساعدونا, بسُرعة!"
صاحَت ماتيلدا وقد أسندَت رأسهُ على كِلتا قدميها بينما باقي جسدِه نائمٌ على الأرضِ العُشبية.
هزَت الصغيرة برأسِها وبدأتِ الركضَ في ذاتِ الاتجاهِ الذي كانوا سيُكمِلونَ بهِ, لم يكُن هو قادِرًا حتى على قولِ شيء.
أخذَت ماتيلدا تضغَطُ بنوعٍ مِن الرِقة باتِجاهِ مكانِ الطَلَقة, لم تملِك شيئًا حتى تُقِفُ بهِ النزيف.
"لا! لا لا!"
تَمتمت مذعورة وقَد رفعَت يدها التي تصبغَت تمامًا بالسائِلِ القانِي, ثُم أعادتها مرة أخرى مُحاوِلة قدر الإمكان إيقاف سيرانِ الدِماء غير المتوقِف.
حدقَ هو بوجِهِها الذي سقطت دموعُه على خاصتِه, ثم نَقَل عينيهِ إلى النجومِ البعيدة, هل كان سيموت؟ لا بُد أنهُ سيفعَل, سينزِفُ حتى الموت في الماضي, سيكونُ أول شخصٍ في تاريخِ العائلة يلقى حتفَهُ في أحدِ المُهِمات, لقَد أنقذَهُم ولكِن لم يكُن قادِرًا على إنقاذِ نفسِه, لن يتمكَنَ أحد مِن مُساعدتِه الأن, ولا حتى والِدُه.
"أرجوك! أصمُد جونغكوك, يُمكِنُك فِعلُها! حتى تعودَ أوريانا بالمُساعدَة."
قربَت وجهاها باكية مِن خاصتِه و قد أخذَت تمسحُ على خُصلاتِ شعرهِ الأمامية وجبينِه بيدِها التي لم تكُن على الجُرحِ.
"الإصابة ليست خطيرة، يُمكنُك فِعلُها."
لقد كانَت مُحِقة, لو كان مُصابًا في الحاضِر لتمكنوا مِن إسعافِهِ سريعًا, ولكان سيستعيدُ عافيتَه بوقتٍ لا يُذكر, ولكِنهُ في الماضي الأن, بريفِ إنجلترا ولا يعلَمُ متى ستصِلُ المساعدة, هذا إن فعلت.
"أبقى في وعيكِ أنا أتوسلُك."
قربَت وجهَها مِنه وألحمَت جبينها الدافِئ بخاصتِه بينما مسحت بأنامِلها على خدِهِ هذهِ المرة, وقد استَمرَت عبَراتُها بترطيبِ كليهِما.
لم يشعُر بشيءٍ مُشابِه في حياتِه أبدًا, رغم الألم الدَميم ألا أنهُ شعَرَ بسلامٍ لم يطرأ على قلبهِ يومًا, هل كانَت هذِهِ النهاية؟ لا بأس, على الأقَل هو سيموتُ في حِضنِها, لأنهُ وبكُل صدقٍ بعد كُل ما حدَثَ في هذهِ المُهِمة قائدًا إياهُ إلى حالِهِ الأن, ليس نادِمًا بتاتًا, لأنهُ قابَلها, لأنهُ نال شرفَ معرِفتِها, ولأنَ قلبَهُ, دونَ كذِبٍ, قد نبَضَ لها.
"لا تبكِ."
خرجَ صوتُهُ ضعيفًا بحنُو وقد أظهرَ شبحَ ابتِسامة على وجهِه, جعلتهُ أقرب حتى مُطلِقة العنانَ لعبَراتِها بصورة حُرة أكثر.
"لا تمُت بين يدي."
ارتطَمَت كلِماتُها الحارة بوجهِه.
ثم كان هُناك ضوءٌ دخيل.
وبعدَهُ ظلامٌ دامِس داخِل عقلِه.
______________________
أبدًا أبدًا مو راضية بالبارت :/
شفت الخسوف يوم الجمعة وإلى الأن حاسة حالي شوي وأموت مِن الفرحة😂😭💕
تحقق حلمي :')
شكرا على القراءة، لا تنسوا التعليق والتصويت 💕
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top