Six.
"سنخرُج بعد دقائِق حينما أعود, كن جاهِزًا."
أمرت ماتيلدا ولم تستقر مقلتاها عليه, قبل أن تصعد السُلم إلى حيثُ قد تكون قد قبعت غُرفتها.
أكتفى بهزِ رأسِهِ قانطًا, كان من ما تمثل أمامه من أفكار أن مسايرتَهُ الخاضِعة لها قد تعني كسبَ ثقتها بوقتٍ أسرع.
لذا توجَه إلى المرآة المُعلقة على الحائِطِ ذو اللونِ الأبيضِ والذي اعترَضَ مُلستَه بعضُ النتوء, وأخذ يُمرر انامِله بين خُصلاتِه البُنية مُحاولًا إعادة بعضٍ من الرونَقِ إلى هيئتِها, قامَ بتغيير هيئَة ياقةِ القميصِ غير المُنتظمة, ثم استدار ليحدق بأرجاء المكان.
كان والتر مقبلا إلى الغرفة, اكتسحت وجهه ابتسامة فورية عندما وقع نظر عليه, سلك اتجاه وقوفِه سريعًا حتى امتثل أمامه.
"هل ذهبت لتتجهز؟"
بدأ سائلاً, وأومأ هو مجيبًا.
"أردت التحدث معك حولها."
"ما بها؟"
حثه أن يكمل.
"اسمع, أنا حقا اعتذر عن جفاء طريقة معاملتِها لَك, هي فتاةٌ طيبة, الأمرُ أنها كانت غاضِبة كثيرًا مؤخرًا."
استرسل وقد امتلأ صوتُه بأسفٍ فعلي.
"هي كانت فقط حزينة جدًا مُنذ أن توفَت صديقتها, عند بداية القصفِ الجوي منذ بضعَة أسابيع, في تِلك الليلة التي لم يضَع لها أحد حسبانًا, كان القصف شنيعًا ولم يره أحد قادمًا فمات الكثيرُ من الأناسِ الذين لم يكونوا مُستعدين لمواجهةِ الأمر, ومن بينهم ديليلاه, رفيقة طفولتِها عندما تمَ تحطيمُ منزِلهم من قِبل قذيفةٍ مقيتة, لقد بكت كثيرًا في الصباحِ بعد معرفة ما حدث, وأعتقد أن ذلِك كونَ في قلبِها حقدًا كبيرًا لكُل شخصٍ أو شيء له علاقة بالحربِ, أنا أعلم أنهُ لا علاقة لكَ أنت بالحرب, ولكنها فقط ترفُض تصديق كونِك مسالمًا, هي فقط تحتاجُ بعض الوقت لتُنفس عن حُزنها."
أنهى بتنهيدة مُثقلة, أكتفى هو بجعل عينيه تحدِق بالأكبر.
كان جزءٌ منه يعلم أن كُرهها الشديد له لابُد أن يكون لسببٍ وجيه, اضطربَت بداخِله مشاعِر عديدة في آنٍ واحد, راحةٌ شديدة لكونِه وأخيرًا قد فقِه سبب نفورِها منه, و حزنٌ عظيم لما اضطرت إلى مواجهته, ولكن هو الأن يملِك البطاقة الرابحة التي أطلعتهُ على سريرتِها, هو مستعدٌ الأن لتقبُلِ كل فعلٍ يصدر منها مرحبًا.
"أنا أتفهم سيدي, لا عليك, أنا لم أكُن منزعجًا حتى, كُل شخصٍ يملِكُ سببًا وجيهًا لما يفعل."
أجاب عن حديثه مواسيًا, ابتسم له والتر وقد حمِلت ملامِحُه الكثير من الشكر, ثم قطعَ صوت حديثهم ضربٌ خفيف لأقدام على خشب السُلم يمينًا.
"ارتدي هذه قبل أن نخرج."
طلبت بعدما أصبحت بعيدًا عنهُ بعضَ أقدامٍ وقد مررت له قبعة سوداء كبيرة.
رمش للحظاتٍ وقد احتوى قماش القبعة في يدِه اليُمنى دون فِهم, لماذا عليه أن يرتديها؟ لم تكن هناك حتى شمسٌ تذكر لتعيق نطاق نظره.
"أنا لست مستعدة كي يتم إيقافي من قِبل المارةِ لسؤالي عن سببِ سيري مع ياباني. هذه ستخفي عيناكَ فلن أضطر لشرحِ شيءٍ لأي أحد."
فسرت بجفاء بينما تضع حذاءها البني على قدميها, حدق هو بها بينما هي لم تفعل.
نقل مُقلتيه إلى والتر الذي بدى مستاءً من الفكرة ولكن مُقرًا بأنها الأرجح, هز رأسهُ مُطيعًا ثم استدار ليُزين رأسه بالقبعة الواسعة, غَطت كل شعره ومُعظم قِطر عينيه ولكن غير مُغلفة نظره كاملًا, حدق بانعكاسِه الغريب في المرآة قليلًا, ثم استدار لها, أخذت الأمر كإشارة لتفتح الباب وتخرج سابقة, لوح هو لوالتر وسار وراء خطواتِها.
كانت أقدامها تقطع مسافاتٍ طويلة بعجل, وأراد هو الاستمرار بمحاولة البقاء على ذات خطها, ولكن الأمر كان صعبًا لأنه كان يستمِر بالتحديق بكل ما أحاط بِهم مندهشًا, لذا اكتفى بالتأخر عنها بضع خطواتٍ غير مؤذيات.
عندما أصبحوا في أحضان شوارِع المدينة المركزية كانت تلك لحظاته الأعجب, احتوى كل ما اندثر على الشوارع من أبنية كثيرٌ منها قد طال ولو زاوية بسيطة مِنها الدمار, نوافذ مكسرة من قوة ضغط القذائف, أبواب مهشمة ومقتلعة, العديد من أحجار البناء التي فقدت مكانها بين رفيقاتها, وقليل من الأبنية التي اندثرت حطامًا تامًا على الشوارِع الإسمنتية.
رأى منزلًا واحدًا قد هُشمت كل معالمه تمامًا, واستوى كل ما فيه رفيق الثرى إلا بابه الخشبي الذي وقف صامدًا كمدخل إلى اللاشيء, تجمهر حوله بعض من الناس ممن كانوا يزيلون قليلًا من الحطام بعيدًا, وأبصر بينهم امرأة كانت تحاول بيأس انتشال من بين الأنقاض أشياء متفرقة ميز منها كتابين و راديو.
تثبت أقدامه في مكانها وأخذ يحدق بفراغ, شعر بوخزٍ يعكر صفو نبضه, كان يشعر بألم اكثر مما هم يفعلون حتى, انشغاله التام بما كانوا يفعلون لم يسمح له برؤيتها هي تقف أيضًا على أمتار بعيدة عنه متأملة ما يفعل, أعتلت وجهها تعابير مندهشة, لم تفهم لماذا كان واقفًا يحدق بالحطام, هو يؤخرها, ولكن ذاك الحزن في وجهه.
"جونغكوك, أسرع سنتأخر."
نادت عليه, كانت تنوي جعلة نبرتها حادة الصرامة, ولكن حينما هرب صوتها من بين شفتيها كان رقيقًا ووصل أذنيِه بحنان, هي لم تكُن تُريد فعل ذلِك ولكن نبرتُها خانتها لتعابير وجهه.
التفت لها سريعًا, بدأ يسيرُ باتجاهها دون أن يُبرمج عقلَه لذلِك, وفي أثناء سيره أدرك الأمر, لقد نادته باسمه, لأول مرة على الأطلاق, تسللتِ البسمةُ إلى شفتيه التي ظللتهما القبعة, لم يكن يعلم إن كان ذلك نوع من التطور في علاقتهما, ولكنه سيأخذ ذلك على أنه تحسن ولو ضئيل.
قادتهما إلى مكان أبعد في منتصف المدينة, حيث كان الحطام قد تجلى بصورة أكبر على كل شيء, رأى أطراف فستانها وردي اللون تتطاير بضعف مع ريح لندن الباردة, ابتسم لظهرها وقد أسرع بخطواته.
أدرك أنها كانت تتجه إلى محل اللحام, وفي طريقهما إلى هناك كان عليهما السير بالقرب من محل للملابس النسائية, كان المتجر قد هُدمت واجهته الزجاجية تمامًا أما باقي البناء فكان ما يزال صامدًا, وباءت الأرض أمامه قد غُلفت بالزجاج الحاد المهشم, كان عليهما أخذ نطاق سيرهما بعيدًا لكي يتجنبا الدوس على الحُطام, رأى رجلًا أربيعينيًا نحيلًا والذي اعتقد أن المكن مِلك له, يكنُس الجزء الداخلي من المتجر والذي أصبح مواجهًا للشارِع دون غطاء من ذرات الزجاج بكل طبيعية, وعندما أصبحا أقرب للحامِ من متجر الملابس أبصر امرأة بفستانٍ مُخملي تقطَع طريقها بحذرٍ على ذراتِ الزُجاج إلى واجِهة المحل, أستقام الرجل بظهرِه مما كان يفعل وحياها بأسارير مُبتسمة.
كانت تلك حياتهم, سلسلة مستمرة من الدمار واليأس والموت والفقد, كانت ظروفهم قاسية ولكنهم اعتادوها, لم يتمكنوا من رميها بعيدًا لذا تعلموا العيش جنبًا إلى جنب معها, ذلك ما كانت تفعله الحرب, ترغمك على العيش في ما لا تهوى نفسك في سبيل أشياء أنت لا تفقهها.
أنتظرها خارج متجر اللحام على الرصيف الجفِل, راقب تحركاتها داخل المتجر من تحتِ قبُعته, ابتسمت لصاحِب المتجرِ العجوز باتساع كما لم تفعل في المنزل أبدًا, وأخرجت ورقة صغيرة من جيب فستانها كان قد رأى والدتها سابقًا تضعها في يدِها, قرأها الرجُل على عجل وأحضر لها ما طلبت وقد امتلأت تحديقاتُه لها بالأبوة.
يبدو أن عام 1940 فيه من الأمُور أكثر مما تصور.
_________________
نفسي أرجع أحدث يوميا مثل أول بس حاسة حالي مشغولة💔
شكرا على القراءة, لا تنسوا التعليق والتصويت 💕
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top