Nine.
كانت رحلة طويلة.
رغم واقع سببِها, إلا أنها كانت دافئة, اكتسب من المتعة الكثير محدقًا بالأفق من نافذة المقطورة, أستمرت أوريانا بفعلها مُمسكة بيده للتأكيد, وأمضت العديد من الدقائق تحكي لهُ عن كل الأشياء الذي سيتمكنون مِن فِعلِها إن وصلوا بين المروج الخضراء, كان ذلِك سببًا لاستمرار البسمة على محياه, على الأقل كان هناك من هو مُرحِب للتغيير بصدرٍ رحب, حتى وإن كان واقعًا غير واعٍ كفاية ليُدرِكه.
ماتيلدا أخذت من الصمت عُنوانًا مجددًا, كانت تكتفي بالسماحِ لعينيها السماوية بالتحليقِ على كُل شِبرٍ مِن المكان, ساورته رغبة عظيمة بالحديثِ معها, بدا أن الحُزن الذي رافقها لم يكن سوى سبيلٍ لهُ للتقرُبِ منها على وجهٍ أفضل, ولكِن الشك والقلق لم يكونا مُستبعدين فهو لم يعلم ما يقول تمامًا, هي تبدو ألطف من العادة خصوصًا بعدما طلبت بأن تُريح رأسها على كتفِه حتى توقُفِ هُطولِ عبراتِها, ولكِنه لا يُريد أن يُفسِد كل شيءٍ بما هو خطأ ليُقال.
"ماتيلدا."
نادى بصوتٍ أليف, على غير عادة قد ركزت بنظرِها على وجهِه سريعًا, ولم تبدو مُنزعجة البتة كما كان صوتُه عادة يجعلها, ربما كان حُزنُها طاغيًا على كُل تعبيرٍ أخر قد يكتسحُ وجهها.
"أنا أعلم أن هذا صعب, ولكن عليكِ أن تتقبليه, من أجل أوريانا وأجلكِ أيضًا."
أعادت عينيها إلى النافذة التي سارعت بتغيير صورتِها لاحقة بكل ما مر من وراءِ زُجاجِها في طريقِهم, ثم أومأت هونًا.
"أنتِ قوية وشجاعة جدًا, تمكنتِ مِن هزمِ الكثير, لا بد أن هذا لن يكون مُعضلة عظمى بالنسبةِ لكِ."
أضاف إلى سابِق حديثه بينما لم يتوقف عن التحديقِ بِها.
نظرت إليه مجددًا بلمحٍ مِن بصر, ولكن كانت أعينها مُتسعة بضعف لا ذابلة حُزنًا, و فجأة ابتسمت في محياه, هي ابتسمت له وقد كانت بسمة ليست بالأوسع ولكن صادقة تمامًا, لقد كانتِ المرة الأولى على الإطلاق, بادلها بعد وقتٍ عصيبٍ مِن أدراكِ الواقِع, أحس بشيءٍ عجيب يلهو بداخلِ قلبه تزامنًا معِ المشهد, لكِن سرعان ما توقف تفكيرُه عندما ذهبت بعينيها إلى المكان حولهم مُجددًا, غريب.
تباطأ وقعُ عجلاتِ القطارِ على السكة الصدئة, وسريعًا ما توقف الهيكل العملاقُ في داخلِ محطةِ الوِجهة, رأوا أنه صوابٌ لو لبثوا وراء الحُشودِ الخارِجة حتى يفرُغ المَخرَج, ثم عاجلًا ما لحقوا الباقيين, هو وأوريانا التي ما زال يحمل يدها بخاصتِه بداية, ثم ماتيلدا مِن بعدهم.
كانت المحطة عتيقة البناء ممتلئة بالبشر, للحظة هَلَع, هم لم يكونوا يعلموا من هو الذي هم عليهِم الذهابُ معه, ولكِن من بين الحشودِ المتحركة بلا روية تقدم منهُم رجلٌ قد بلغ مِن العُمرِ عتيًا, تبسمَ لهُم بينما يُلوح بيدِه التي كثُرت خطوطُ التجاعيد على تكوينها.
"لا بد من أنكم انتم هُم, فتاة شابة, طِفلة, ورفيقكم ذو الملامِح الأسيوية."
بدأ حديثه بصوتِ أجش ناقًلا بصر عينيه العسلية الضئيلة بينهم بالدور.
"نحن كذلِك سيدي, القادِمونَ مِن منزِل آل وايت."
أكد إلى العجوز وقد اقترب ساحبًا جسد أوريانا بِرفقتِه رِفقًا.
"أهلَا بكم! لا داعي للانتظار مزيدًا, تنتظِرنا العربة خارِجًا!"
فرحًا أنطلق وقد أشر بيدِه في اتجاهٍ معاكِس لم تتجلى معالمُه مليُا بسببِ الحشد, ولكِنهم لحقوا مُطيعين إلى حيثُ علِموا كان المخرجُ من المكانِ المُزدحِم.
سيارة فورد خَضراء كانت ما سيقلٌهم, ركِب الكهلُ في المقعدِ قُرب السائِق, بينما حشروا هُم ذاتهُم في المقاعِد الخلفية بعدما وضعوا أمتعتهُم التي استعادوها في طريقهِم خارجيِن مِن المحطة في صندوقِ السيارة, رمقهُ السائِق ذو الملامِح المُتجهمة بنظراتٍ مُشكِكة مِن المرآة الامامية, ولكن عاجِلًا ما وجه جُل تركيزِه إلى الطريقِ الذي هو قائدٌ فيه, لم يكُن يراهٌ مُذنبًا, الحربُ تجعلُك تُشكك حتى بأقرب الناسِ إليك.
كان ريفُ بيرمينغهام جنة سقطت مِن السماء لتلبث على الأرض, ظِلال داكِنة مِن اللون الأخضر اندثرت على الأُفُقِ فيما بدا مسيرة إلى الأبدية, استمر فوه أوريانا بإصدار أصواتٍ مُندهِشة مُعلقة عينيها في الطريق, وكانت تؤشرُ بيدها المُقترِنة بخاصتِه على كُل ما كان جمالُه فوق الاعتيادي, حتى ماتيلدا كانت مُنخرطة تمامًا بتأمل كُل شيء, لا بُد أن رؤية سوى ما هو دمار كان مواساة لقلوبِهم.
وصلوا مرجًا شاسعًا تربع في أطرافِه بيتٌ عظيمٌ قديم, توقفت السيارة وسبقهُم العجوز بالنزولِ بعد شُكرِ من قاد السيارة, اردفوا به واصطحبوا حقائبهُم, ساروا بين العُشبٍ فارِع الطول باتجاهِ المنزل, لم يكُن قادرًا على أبصارِ أية منازِل أخرى, لم يكُن هناك سوى ذاك البناءِ وحيدًا واقفًا بشموخ فيما بدا مملكتهُ الخاصة.
"ماربي, لقد أحضرتُهم."
أعلنَ العجوزُ بعد فتحِ بوابةِ المنزِل.
أخذوا هُم يحدقون بتصميم المنزل الباهِر, زخارِف خشبية جميلة زينت أطراف الجُدران الساحِقة, كان المكان واسعًا حتى بدا الأثاثُ العديد لا شيء مقارنة باتساعِه.
"أهلًا بكُم!"
حيت امرأة قدمت مِن أحد الغرف, كانت في سِن مُقارِب لزوجِها, ولكِن ملأت التجاعيدُ أشبار وجهِها بصورة أكبر, اقتربت منهُم بعجل واحتوتهم جميعًا في عِناق, بدءً مِن أوريانا تلاها هو وأخيرًا ماتيلدا.
"لا تبدون مرهقين كثيرًا, أنا سعيدة أن الرِحلة لم تكُن عصيبة عليكُم."
أخبرت بينما أمسكت بوجنتي ماتيلدا أخِذة بتأمُلِ تفاصيلِ وجهِها, اكتفت الصغرى بالتحديقِ مُندهشِة.
"إن الطعام مُحضر, لا بُد مِن أنكُم جائعون, سيأخُذُكم مارتن إلى غُرفِكُم لتُغيروا ما ترتدون, ثم تعودون إلى المطبخ لتأكُلُوا."
أبعدت يديها عن ماتيلدا مؤشِرة إلى زوجِها, ثُم عادت أدراجها مِن حيثُ أتت.
أخذهُم المدعو بمارتِن بطيئًا إلى الطابِق العلوي حيث مكثت غُرفُهُم.
___________________
حياتي هاليومين عبارة عن استقبال وتوديع ضيوف 😂💔
شكراً على القراءة، لا تنسوا التعليق والتصويت 💕
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top