Fourteen.
وكأنهُ وليدُ الفرَاغ.
أشبارُ عقلِه مَحشوة ببياضٍ هَش.
جِسمُهُ مُثقَل بِفظاعة وكأنَ الوهَن قد تكوَن على صورةِ مُستعمراتٍ فوقَ كُلِ شِبرٍ سانحٍ مِن بدنِه.
أين يقبُع؟
ذاكرَتُه بدَت كسهلٍ مِن اللا شيء, عِندما طَرَقَ الوعيُ جِدارَ دماغِه, قرَر بأن يستقيمَ بجسدِه, لأنهُ رغمَ قساوةِ ما رقَدَ فوقَه, كان ملِسًا جِدًا, لا بُد أنهُ في نوعٍ مِن الأمان.
كانَت أهدابُه الرقيقة أثقَل ما عرَف يومًا, قاسى الكثيرَ في مُحاولةِ إفراجِها ولو ضئيلًا عن عينيه, عِندما وأخيرًا أحدَثَ شُقًا صغيرًا لبصرِه, هاجَمَ عدستيهِ ضوءُ الشمسِ بهمجية.
بضعُ ثوانٍ كانَت كفيلة لاعتيادِ الأمرِ بألَمٍ, بعدها خاضَ معركَة المُحاولة لفتحِ عينهِ بصورة كافية ليُبصِر ما حولَهُ جيدًا, بعدما فعَل، ارتفَعَ بجِذعِهِ.
"لقَد استيقَظت!"
ضرَبَ في رأسِهِ صُداعٌ فَظيع منعَهُ مِن رؤية صاحِب الصوت عندما احتضَن رأسهُ بِكلتا يديهِ.
"على رِسلِك لست بأفضلِ حالٍ, فقدَت الكثيرَ مِن الدِماء."
انخفَضت مرتبَةُ السريرِ إثرَ انضمامِ أحدٍ ما جالِسًا عَن قُربِه.
أحس بيدينِ على وجهٍ شديدٍ من الأُلفة تُمسِكانِ ذراعيهِ مُهدِئة, أرتَفعَ بنظرِهِ ليرى صاحِبهُما.
"أنتَ بخيرٍ جونغكوك."
كانَت ماتيلدا جالِسة عن قبالِه, قد خلعَت عنها ثوبَ النومٍ الذي فرَت بهِ وارتدَت واحِدًا مُزركشًا بابتِذال, شعرُها كان مُسرحًا وبدَت قلِقة ولكِن بتمامِ العافية, رؤيتُها سبَبت بفيضانٍ مِن الذكرياتِ المُشوشة داخِله, أخِرُ ما يذكُر هو فِقدانَهُ للوعي بينّ ذِراعيها.
"أينَ نحن؟ ماذا حدَث؟"
بدأ مِن دونِ افتِتاحٍ ألمٌ قارِص على فخذِهِ الأيمَن, لا يزالُ قادِرًا على الشعورِ بالدِماء الدافِئة تنسابُ على أنامِله, رغمَ أنهُ لَم يعُد للونِها الداكِن وجودٌ على بشرتِهِ بعدَ الأن.
"نحنَ بخير, أنا وأنتَ وأوريانا, لا تقلق."
اقترَبَت أكثَر وصوتَها مُرتجِفٌ براحةٍ لا تُعقَل.
"كيف وصَلنا إلى هُنا؟"
حدَقَ بالغرفةِ ذاتِ الأثاثِ الخشبيِ مِن حولِه, كانَت هادِئة وبدت مُسالِمة تمامًا.
"عِندما أرسلتُ أوريانا لِلبحثِ عن أحدٍ ما, وجدَت مزرعة وفيها هذا البيتُ الذي تقبَعُ فيع عائِلة طيبة, طلبَت مُساعدَتَهُم وجاءَ الرجُلُ بسيارتِهِ إلينا وقد أخذنا إلى المنزِل واحضَر طبيبًا ليُعالِج جُرحَك, وقد سمحوا لنا بالبقاء."
حاولَت زرعَ ابتسامةٍ على تفاصِيلِها بينما استمرَت بتمسيدِ ذِراعيهِ كبلسمٍ لسقَمِ ذُعرِه.
"كَم استمرَ غيابي عَن الوعي؟"
انتظَمَت أنفاسُه بينما ازدادَ تركُزُ الألمِ على كُلِ قدَمُه.
"خمسة عشرَ ساعة, ولكنكَ بخيرٍ الأن."
بدَت تقاسيمُ وجهِها مُفتعلة مِن قلقٍ مُسبق.
"هَل أخبرتموهُم عما حدَثَ؟ عن ماربي ومارتِن؟"
كانَ صوتُهُ واضِحًا بداية, لكِنهُ اختنقَ حينَ وصولِهِ إلى الأسمينِ.
"فعلنا, أخبرناهُم عن كُلِ شيءٍ وقد قَالوا أنهُم سيتكفلونَ بتوصيلِ الخبرِ إلى أولادِهِم."
اكتسحَ وجهَها طوفٌ بالِغ مِن الأسى, وقاتلت هي في مُحاولةِ إبعادِهِ حتى تستمِرَ في مواساتِه.
طرحَ شبحُ الصمتِ ظِلالهُ عليهِم تاليًا, ذاكَ العزاءُ الأزلي مُجددًا على كُل ما شاقوا, لَم يعرِف هو في أي وادٍ مِن العناءِ كانَ يسقُط, ألمُ قدمِهِ المريرُ مِن جِهة وشعورُ الذنبِ لموتِ الكهلينِ مِن جهةٍ أخرى, كانَ مِن المُقَدرِ لهُما عدمُ التمسُكِ بخيوطِ النجاة, ولكِنَ الحُزنَ فتيلٌ لم يكُن في يدهِ منعُ اشتعالِه.
لكِن وكأنَ كُلُ ما يتقاتلُ داخِلَ ذِهنهِ كتابٌ مفتوحٌ أمامها كانَت قادِرةً على قراءتِهِ, أنهتِ المساحةَ بينهُما بعناقٍ دفنَتِ فيهِ رأسها على كتفِه, كانَت حذِرة كفاية لعدَم أذيةِ قدمِهِ, هاجَ لما فعلَت خجلًا, قبلَ أن يُلينَ جسدهُ بينَ ذراعيها, لا يزالُ يشعرُ بدفئِها مِن البارِحة, الطريقة التي حمتهُ بِها بدِرعِ يديها, لم تكُن يداها المصنوعة مِن اللحمِ والجلدِ قادِرة على حمايتِهِ مِن أي شيءٍ بتاتًا, ولكِن تِلك الحركة غير الإرادية أشعرت كلاهُما بالأمانِ مِن كُل مخاطِر الحياة التي قبعَت حولهُما
"ليسَ عليكَ القلق بعدَ الأن."
فصَلَت ذاتَها عنهُ, حاولَ طرحَ رغبتِهِ بالبقاءِ في جناحِها المُسالِم, بأنامِلها الشاحِبة التي تحجرَت بعضُ الدِماءِ عليها إثَرَ الشقوقِ التي كونها العشبُ الجاف, أزاحَت غُرتَهُ التي طالَت مليًا في الأيامِ القلائِلِ السابقة حتى غطًت قُطرَ جفنيه.
قامَت تِلك العاصِفة المعهودة داخِلَهُ مرةً أخرى, لم يعرِف إذا كانَ قادِرًا على الشعورِ بقلبِه بعد الأن إذ أنهُ جازِمٌ من انفِجارِه بسبِب عُنفِ الطريقة التي ضخَ الدِماء بِها, هي تفعلُ العجبَ بِهِ, هل تعرِفُ هذا حتى؟
أينَ سنذهبُ تاليًا؟"
أضعفَ الخجلُ نبرةَ صوتِه, وجّد مِن الصعبِ تركِيزَ نظَرِهِ في عينيها الزرقاء.
"تعرفينَ, لا يُمكِنُنا البقاءُ هُنا للأبدَ."
"نعَم, فكَرتَ بالأمر, لن يُمكننا العودَة إلى لندِن بالطبعِ, ولكِنني تذكرتُ أمرًا ما."
شابكَت أصابِعهَما واخَذَت تُمرِرُ إبهامها على الحدودِ التي خَطَت يدِهُ مُتأمِلة.
"خالتي بيلاتريكس تسكنُ في نوتينغهام, إنها تبعدُ ساعةً عن هُنا, أفكِرُ أن أبعثَ برسالةٍ أنبِئُها بقدومِنا قبلَ أن نذهب, ما رأيك؟"
"هذا يبدو كأفضلِ حلٍ."
أيدَ مُحاولًا الحِفاظَ على ثباتِ صوتِه.
"أينَ أوريانا, لماذا هي هادِئة إلى ذاكَ الحَد؟"
سحبَ مجرى الحديثِ مُنقذًا ذاتهُ مِن الانصِهار, ثم إنهُ كان صدقًا مُندهِشًا مِن عدمِ ظهورِها في وجهِه مُنذُ فتحِ عينيه.
"أنهُم يملِكون ولدًا في الحادية عشر من عمره, ومِنذُ وصولنا وهي تُزعجُهُ بكثيرٍ مِن الأسئلة عن كُل شيءٍ في البيت, في الواقِع لقد تركتُها تلحقهُ بينما هو المسكينُ يهربُ بعيدًا قبلَ القدومِ إلى غُرفتِك."
ضحِكت وقد وهبَت يدهُ حُرية لم يطلُبها بعيدًا عن أصابِعِها.
"لقَد كانَت خائِفة بِشِدة عليك, وقد بكَت كثيرًا وكانَت على وشكِ قيادتي إلى الجنونِ عندما استمرَت بسؤالي إن كُنت ستصبِحُ بخير, لكِن عندما أخبرنا الطبيب أنك ستعيشُ وأنكَ فقَط تحتاجُ لِلراحة, باشرَت بانتِظارِك بفارِغِ الصبر, لذا أعتقدُ أن استِمرارها بإزعاجِ راين يُرفِهُ عنها قليلًا."
"أنا سعيدٌ أن كِلاكُما بخير."
تشجعَ حتى علقَ مُقلتيهِ بخاصتِها مُتحدثًا وقَد انبسطَت أساريرُه.
في باقي ساعاتِ اليومِ أتَت أوريانا بِرفقَةِ أصحابِ المنزِل, السيد والسيدة براون برفقةِ ابنِهِم راين, كانَ مِن الصعب جِدًا منعُ أوريانا مِن القفزِ عليهِ اشتياقًا حينما رأتهُ كي لا تؤذي قدمَه, وكانَ مِن الأصعَب عدمُ الاختِناقِ بدموعِه عندما بدأت هي بالبكاء.
كتبَت ماتيلدا الرِسالة إلى خالتِها وبعثَت بِها, أخبرَتهم عن مكانِ وجهتِهِم, كانوا طيبينَ كفاية, أطعموهُم واستدعوا الطبيبَ مرة أخرى ليتفقدَ قدمَه, ووافقوا على أخذِهِم إلى نوتينغهام.
لذا مع طَلوعِ الفجرِ مِن اليومِ التالي, شكروا آل براون مِرارًا على طيبتِهِم غير المعهودة, عن حُسنِ قلوبِهِم وطهارتِها الكافية للإيواءِ جماعة مِن الأطفالِ الذين قاسوا البؤسَ مليًا.
ركِبوا في السيارةِ ذاتِها التي حُرِكت سابِقًا لإنقاذِهِم, وقاد بهِم السيد براون إلى دربهِم, كانَ مِن الألمِ ما ليس بقليلٍ الاستِمرارُ بانثِناءِ قدمِهِ في كُلِ مرةٍ تحرَكَ بِها, السيرُ, الجلوسُ على مقعدِ السيارةِ الغليظِ, والاهتِزازاتُ التي سببتها الطرُقاتُ الوعِرة في هيكلِ السيارة, كُلُها ألمَت قدمهُ بفظاعةٍ.
لكِن ماتيلدا كانَت هي السلوانَ الأعظَم, وكأنَ كُل وخزِ ألمٍ طرأ على قدمِه يضرِبُ في قلبِها, استمرَت بحملِ يدِهِ مواسية لشناعةِ الواقِع, وكانَ هو إن توجَبَ عليهِ الصدقُ, يتنعَمُ بذلِك حتى كونِهِ على مقرُبةٍ مِن الثناءِ على هذهِ الإصابة.
كانَت الخالة بيلاتريكس تسكُنُ في بيتٍ مُتواضِع مع زوجِها وتوأمٍ مِن الفتياتِ في الثانيةِ عشر, كانوا جميعًا مُتكدسينَ على أبوابٍ المنزِلِ مُرحبينَ حينَ قدِموا.
كان بدونِ جُهدٍ قادِرًا على الإحساسِ بنظراتِهِم المُرتبِكة مِنه ومِن شكلِ وجهِه, لكِن كلًا مِن ماتيلدا وأوريانا تشكلا كجيشِهِ المُسالِم الصغير, دافعتا عنهُ حالًا مِن حُكمِهِم, وشرحوا جيدًا حتى انسدلت ملامَحُهُم إلى تقبُلٍ أكيد.
اهتموا بهِ وبجُرحِهِ جيدًا, حتى كانَ قادِرًا على الشعورِ بجزءٍ مِن دفءِ آل وايت فيهِم.
ربما كانَ كُل شيءٍ بخيرٍ الأن.
ولكِن هل لِلسعادةِ مِن سبيلٍ إلى الأزلية؟
__________________
رحت معرض كتب لطيف من كم يوم وكويس أني ما نمت هناك من الحب :')❤
شكرا على القراءة، لا تنسوا التعليق والتصويت 💕
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top