Epilogue.

سحبَ نفسًا مِن الهواءِ الخريفي المُحيطِ, داسَ بقدَمِهِ خطوةً إلى الأمامِ, رفعَ سبابتهُ ودفعَ سطحَ الجرسِ بني اللونِ, مُصدِرًا صوت رنينٍ امتدَت أمواجُهُ داخِل المنزِلِ وخارِجَه حتى ما التقطت أذانُهُ بعضًا ِمنه.

في غضون ثوانٍ أحدثَ أحدُهُم شُقًا في البابِ مُطِلًا عليهِ.

"أهلًا سيدة فاندينبيرغ."
ابتسَمَ للِمرأةِ الخمسينية الواقِفة على عتبةِ البابِ الخشبية.

"جونغكوك! أهلًا! سعيدة أنكَ قبِلت دعوةَ لياتريس بالقدومِ لتناولِ الغداء."
ازدادَت كثافةُ التجاعيدِ حول عينيها ضاحِكة, قبلَ أن تعودَ لهيئتِها الطبيعية مُفرِجة مُجدًدا عن عدستيها الزرقاء, عيناها, هما تمامًا كالخاصةِ بِها.

"كُنت أخشى الإثقالَ عليكُم لكِنها كانَت مُصِرة بشِدة, فما كانَ لي مِن خيار."
صارحَها داخِلًا إلى ظِلِ المنزِلِ حينما أبعدَت بدنَها للجانِبِ داعية إياهُ للقُدوم.

"أنتَ لَن تُثقِلنا بتاتًا! أصدِقاءُ لياتريس هُم أصدقائِي, نحنُ فرِحونَ فوقَ الوصفِ بقدومِك."
أكدَت مُغلِقةً البابَ بعدَما أصبحَ قابِعًا في المَمَرِ خافِتِ الإنارة, كانَت رائِحةُ الطعامِ مُمتدة حتى هُنا.

"شكرًا لكِ سيدة فاندينبيرغ."
انحنى مُتذوقًا وقعَ الكلِمات على لسانِهِ.

"أرجوك, نادني أيمي, أشعرُ بأنني كبيرة السِن حينما يناديني أحدُهُم بسيدة."
أفرجَت عَن ضِحكة وابتسَمَ هو مُكونًا مُلاحظة مِن كلِماتِها داخِلَ جُدرانِ عقلِه.

تبِعَ سيرَ خُطواتِها عابرةً المَمَرَ إلى غُرفةِ الجُلُوسِ الواسِعة, بعينيهِ تأمَلَ المنزِل, تفاصيلٌ مبنية ِمن رُقيٍ تام, أثاثٌ فاخِر بشِدة لكِن غير مُتكلِف, ببساطة منزِل لأناسٍ أغنياء فضلوا أخذَ التواضُعِ رفيقًا.

"لقَد أتيت!"
صوتٌ مِن فوقِ السُلَمِ وقعُهُ على الجُدرانِ المُحيطة, وجهٌ مُمتلِئ بالنمَشِ وشعرٌ مُجَعَد يقطعُ سبيلَهُ راكِضًا باتجاهِهِم, كُل خطوة تدوسُ بها على الدرجاتِ الرُخامية يشعرُ بترَدُدِها على قلبِه, لا يزالُ يقاسي تذكُر عدمَ كونِها ماتيلدا.

"مرحبًا!"
يعاني لترويضِ الحماسِ الهائِجِ في نَبرَتِهِ.

"الطعامُ شبهُ جاهزٍ ولكِننا سننتظِر والدكِ."
أعلَمَتهُم السيدة فاندينبيرغ سائِرةً بعيدًا نحو المطبَخِ المَفتوحِ على المَجلِسِ.

"سأريهِ المنزِل إذاً."
حدثَت لياتريس مُعيدةً قدميها إلى السُلمةِ الأولى, بأعيُنٍ تزيَنَ الحماسُ داخِلها دعتهُ, ولحِقها على مهلٍ بينما جرَت هي إلى الطابِقِ العلوي ثانية.

كان هُناكَ مَمرٌ مُمتدٌ لزوايا بدت مجهولة في الظلام, رأى الشعرَ المُبعثرَ يبتعِدُ مُبتلَعًا مِن قِبَلِ المجهولِ الذي رمت بهِ العَتمة, ولكِن ابتسامة استمرَت بالظهورِ في كُلِ مرةٍ التفَ رأسُها بالاتجاهِ حيُثُ قبَعَ.

مضى عَلى حادثةِ الشاي المسكوبِ أكثَرُ مِن اسبوعٍ وبعضُ الأيامِ الإضافية.

بعدَ اعتذاراتٍ عديدة مِن قبَلِ لياتريس, وتمالكَهُ لنَفسِهِ مِن الصَدمةِ التي وقَفَت مُحتارة أمامَه, تمكنا أخيرًا مِن الحديثِ, حاولَت تقديمَ طُرِقٍ كثيرة لتعويضِه, ولكِنها لَم تُحدِث حتى ضررًا, فكَلُ ما فعلتهُ أنها كونَت بُقعَ شايٍ على معطفٍ أسود, لَم تُسبِب لهُ حرقًا ولَم تُبعثِر هِندامَه.

قضى ذاكَ اليومَ تائِهًا في غاباتِ أفكارِهِ عائِدًا إلى المنزِلِ, لَم يُخبِر روحًا بما حدَثَ, لَم يُخبِر والدَيهِ أنهُ قابَلَ ذاتَ الفتاةِ التي أنقذَ حياتَها مُنذُ أيامٍ قليلة في مقهًا خلفَ مدرستِه وهي لَم تتغيرَ قدرَ أنملة رغمَ مضيِ ما زادَ عَن سبعين عامًا مِن وجودِه في فَترتِها.

وكانَ على وشكِ الإيمانِ أن كُل ذلِك كانَ وهمًا حتى ما أبصرَها ثانية في اليومِ التالي, في ذاتِ المَقهى, الأمرُ أنهُ كان دومًا يتجِهُ إلى ذاكَ المكان, وهو قاسمٌ على كُلِ ما يَملِك بحقيقةِ عدَم رؤيتِها هُناكَ قبلًا! وكأنها أصبَحَت ترتادُ المكانَ فجأة بعدَ عودَتِهِ إلى الحاضِر.

لَم يجرُؤ حتى على الاقتِرابِ مِنها, كانَ اشتياقُهُ مُريعًا ولكِنهُ كانَ خائِفًا أيضًا بشِدة وعاجِزًا عَن الفَهمِ, على عكسِها هي, يبدو أنهُ وجهٌ جديدٌ تمامًا بالنسبةِ لها, لذا هي مَن بادَرَت بالحديثِ معَهُ, ربما كنوعٍ مِن الاعتِذارِ عَن الحادِثِ غيرِ المؤذي مرةً أخرى, ولكِنها فَعَلَت على أيةِ حالٍ, تحدَثَت معهُ مرةً ثانية, وثالِثة, واستمرَ الأمرُ لأيامٍ, كانَ مُرتبِكًا فيها تمامًا, ولكِن مُحاولًا للتصرُفِ باعتيادية, حتى ما أصبحا تقريبًا صديقينِ.

كانا يتحدَثانِ عَن أشياءٍ مُتعدِدة, هي مَن كانَت تجُرُ الاحاديثَ بينهُما واقِعًا, هي مَن كانَت تسألُ عَن حياتِهِ, كان يجيبُ, ثم تشرحُ هي عَن جانِبها مِن الأمرِ, في أحدِ المراتِ, في اليومِ الرابِعِ تحديدًا عِندما كانا يجلِسانِ على طاولةٍ قُربَ نافِذة قَد تركَها أصحابُها بعدَ ما زادَ عن نصفِ ساعة مِن الحديثِ المُحتَد, سألتهُ عَن حياتِهِ ووالديه, يبدو أنها كانَت تجِد في ذلِك طريقة غَير مُزعِجة لكسرِ صمتِه, غيرَ عالِمة أن كُل ذلِك كانَ اضطرابًا ناتِجًا مِن وجودِها قِبالَه.

أخبرها عَن كونِهِ وحيدَ أبويهِ, وعَن وظيفةِ كليهِما, عندما تكلمَت هي, ذكرَت عائِلتها المُكونة مِنها مع أخيها الأكبَر ووالديها, ثم ذكَرَت عَملهُما في شَرِكة مقاولاتٍ كانَت مِلكًا للعائِلة, عِندما جمَعَ أشلاءَ مقدِرةِ لسانِهِ وسألَ عَن اسمِ الشرِكة, أجابتهُ بما جعلَهُ, إن كانَ الأمرُ مُمكِنَنًا, مُبعثرًا أكثَر.

"شركِة وايت لِلمقاولاتِ الصناعية, إنها مِن بناءِ جَدتي واقِعًا ولا نزالُ نديرُها حتى اليوم."
فارقَت الإجابةُ ثغرها البشوشَ قبلَ ان تجترِعَ بعَضًا مِن الشايِ أمامَها على الطاولة.

عِندما عادَ إلى البيتِ في ذاكَ المساءِ وهرعَ إلى حاسوبِهِ المُتنقِلِ باحِثًا, قرأ العديدَ مِن المَعلوماتِ, الكثيرَ مِن الجُمَلِ التي وضعتهُ في حالٍ عَجَزَ فيهِ عَن التعبير.

شركِة وايت للمقولاتِ الصِناعية, تأسَست في كوريا الجنوبية تحديدًا مدينة سيؤول عام 1951, على يد ماتيلدا أرثر وايت, كانَت أول شرِكة مِن نوعِها في المَنطَقة, مِن بناء امرأة إنجليزية, حقَقَت نجاحًا لا يُمكِنُ الاستهانة بهِ, وتعَدُ كواحِدة ِمن أفضِل الشرِكات الصناعية في كوريا الجنوبية للقَرنِ الواحِد والعشرين.

لا يذكُرُ على وجهِ التأكيد، ولكِن لا بُد أنهُ ذرفَ بعَضَ الدموعِ تِلك الليلة, سعادةً رُبما.

إذا مَن كانَت ترتادُ المَقهى هي حفيدة ماتِيلدا.

"هذهِ غُرفتي وتِلك غُرفةُ تيدي."
أشارَت على بابينِ مُتقابلينِ عِندما وقفا في مُنتَصَفِ المَمَرِ, أولًا على خاصتِها ثم إلى الخاصِ بُغرفةِ تيدي, مَن كانَ أخاها الذي يدرسُ الهندسة في ألمانيا.

اكتفى هو بالإيماءِ المُستمرِ, لا يزالَ شعورُهُ بعدمِ القُدرةِ على صَفِ أحرُفٍ مُتزِنة في جُملٍ مَفهومة أمامَها يراودُهُ, لَم يُرِد أن يُبينَ كَمَ المَشاعِرِ التي تحارَبَت داخِلَهُ , هو حتى بالكادِ صكَ أسنانَهُ عَن مُناداتِها بماتيلدا في أولِ مرةٍ تقابلا فيها.

"تعالَ سؤريكَ شيئًا ما."
أخافَتِ الصَمتَ الذي تربَعَ بينهُما لثوانٍ مَضَت, قبلَ أن تعرِفَ يدُها إلى خاصَتِهِ طريقًا غيرَ وعِرٍ لتسحبَهُ برفقَتِها.

إن كانَ هُناكَ شيءٌ أكيد, هو أن لياتريس مُنطلِقة الشخصية أكثَرَ مِما كانَت ماتيلدا, أو رُبما هذا ما كانَت عليهِ شخصيةُ ماتيلدا أيضًا لكِنَ الظروفَ التي تقابلا فيها لَم تسمَح لَهُ بمعرفَةِ ذلِك.

وجَدَ نفسَهُ مُبعثَرَ الأطوارِ لفعلِها هذا, لقُربِها, ولكِنهُ حاولَ جاهِدًا الثبات, ركَضَت بهِ إلى درجٍ مهترئٍ آخَرَ في خِتامِ المَمَرِ, يقودُ لأعلى, حرَرَت يدهُ, ابتسَمَت مُجددًا, ثم صعدَت السلالِمَ, وكأيِ مرةٍ, لحِقها.

لقَد كانَت عِلية, أخِرُ ما وضعَ بالحُسبان, نافِذة كبيرة في سقفِها أنارَتِ المكان, صناديقٌ عديدة توازنَت على بعضِها مُرحِبة بزينتِها المُعتادة مِن الغبارِ الكَثيف.

انزرعَ على تفاصيلِ وجهِها تعبيرٌ هادئ, وكأنها وطأت على مُقدساتِ المَنزِل, اتجهَت إلى كومة صناديقَ تكونَت على بعضِها بحميمية, بدت كأسرةٍ مِن نوعٍ ما, فتحَت إحداها وأخرجَت صورة اختبأت داخِلها, صورة انطبَعَت على ورقٍ رثٍ بالكامِل, لكِن في حالة جيدة وكأنَ أحدهُم اهتمَ بِها لوقتٍ طويل.

"هَل تذكُرُ عِندما سألتُكَ عَن اسمِك؟ ثم أبديتُ ردًا غريبًا عِندما أخبرتني إياه."
وصلتهُ كلِماتُ جوفِها بينما عيناها مُعلقتانِ بما بينَ يديها.

كانَ ذلِك في اليومِ الثاني مِن لقائِهما, عندنما اقتربَت هي مِنهُ مُبادِرة.

"أنا أدعا لياتريس فاندينبيرغ، وأنت؟"
سألتهُ ذاكَ اليومَ وقَد كانَت تبتسِمُ بعلوٍ شديد, بدا صوتُها المُتحدُثُ بالكورية غريبَ الإحساسِ على أذنيه, لقَد كانَت نُسخةَ ماتيلدا بعدَ كُل شيءٍ.

"جونغكوك."
حاولَ سحبَ محيًا بشوشٍ أيضًا, لَم يُرِد أن يُثيرَ شكًا مِن أي نوعٍ.

"جونغكوك ماذا؟"
للحظاتٍ أقسَمَ أن وهجًا غريبًا طغى على نظرتِها, وكأنهُ أملٌ مِن نوعٍ ما.

"جيون جونغكوك."
نطق مُستخدِمًا التنظيم الكوري لاسمهِ، وسريعًا اختفى الوهجُ كما حَضَرَ.

كانَت تأمَلُ مِن اسمِهِ شيئًا, عجِز عَن فهمِ صلتِها بهِ.

"أذكُر"
أكَدَ مُقترِبًا مِن مطرحِها.

"حسنًا, هُناك قِصة ظريفة مُتعلِقة باسمِك في أسرتِنا."
صوتُها دعاهُ لإرهافِ السمعِ كما لو أن حياتهُ تعلقَت بالأمرِ.
"لا أحدَ يعرِفُها سوى أمي وأنا, لذا لا تُخبِر شخصًا بما سأقصُ عليك."

"لَن أفعَل."
حتى لو كان على حافةِ الموت, هو لَن يفعَل.

"أخبَرتُك أن جدتي هي مَن أنشأت شركِتنا, الأمرُ المُميز هي أنها بنتها هُنا, بينما نحنُ بالأصلِ مِن بريطانيا, غير اعتيادي صحيح؟ كونَها قَد قطعَت كُل ذاكَ الطريقِ لتأتي إلى كوريا."
أخذَ قلبُهُ يطرقُ سريعًا لذِكرِها, كانَ الحديثُ عن ماتيلدا, حتى هو كان جاهِلًا لكَمِ اشتياقِهِ لها.
"عِندما كُنتُ طِفلة وسألتُها عَن سبَبِ كُل ذلِك, أخبرتني عَن فتى, قابلتهُ عندما كانَت في السابِعةِ عشر, كانَت بريطانيا تمُرُ بأسوأ أيامِها أنى ذاك, الحربُ على أبوابِها, قالَت أنهُ ظهَرَ على عتبةِ منزلِهِم مُصابًا, أووهُ معهُم, وقَد بقي برفقَتِهِم لأيامٍ عديدة, وفي غضونِ تِلك الأيام, أنقَذَ حياتها, أكثَرَ مِن مرة, وصفتهُ بكونِهِ أحدَ أشجَعَ الذينَ عرَفَتهُم, وذكرَت أنهُ عاملها بلطفٍ شديد رغمَ أنها لَم تكُن تثِقُ بهِ في بادئِ الأمر, خاضَ معهُم الكثيرَ حتى ما شعرَت أنهُ أصبَحَ جُزءً مِن عائِلَتهِم, أخبرَتني أنها كونَت مشاعِرَ عديدة اتجاهَهُ, وكانَت على بُعدِ خطواتٍ مِن إخبارِهِ بِها, حتى ما اضطرَ إلى الرحيلِ عائِدًاِ إلى موطِنِه."

حدقَت الآنَ بالجدارِ المطليِ بضوءِ الشمسِ, وكأنها فيهِ رأت إعادةً لحديثِها مَع جَدتِها.

"كانَ كوريًا, وعودَتُهُ إلى موطِنِه في ذلك الوقتِ عنَت دونَ حاجةٍ للِتفكيرِ انقطاعهُما التام, حتى وإن رَغِبت أن يبقيا على اتصالٍ, أخبرتني أنهُ كانَ يبدو غيرَ قادرٍ على تقَبُلِ الأمر, لذا سمحَت لهُ بالرحيلِ بكُلِ بساطة."
قلبَت الصورة مرارًا بينَ أنامِلِها برقة.
"بعدَ انتِهاءِ الحَرب, كانَ لديها مُخططاتٌ وأحلامٌ عديدة, أكدَت لي أنها كانَت ستتخلى عَنها تمامًا رغمَ التفكيرِ بها مُنذُ طفولتِها, إلا أن كلِماتَهُ الأخيرة أوقَفتها وحثَتها على التَمَسُكِ بِها, لذا عِندما سنحَت لها الفُرصة اتجَهَت إلى كوريا, مُخطِطة لبدءِ جميعِ مشاريعِها هُناك, عمِلَت بجدٍ وبذلَت مجهودًا عظيمًا حتى بنَت شرِكتِها التي ما تزالُ مَصدَرَ رِزقِنا إلى اليومِ, وفي زحامِ كُلِ ذلِك, لَم تَترُك وسيلة لَم تبحَث بِها عَنه, بحَثَت مرارًا, ولَم تَجِد شخصًا مُماثِلًا باسمِه, لم تجِد لِّي جونغكوك يومًا."
وضعَت الصورة بينَ يديهِ, في ظلالِها البيضاء والسوداء كانَت ماتيلدا, بدَت أكبَرَ بسنواتٍ مِن ذكراهُ لها, أفرحَت نظرهُ رغمًا عَن ذلِك.

"لذا معَ الوقتِ تركَت بحثَها, أكملَت حياتها, وتزوجَت مِن جدي, جيف أديسون, رجلٌ بريطاني متواضِع كان مُتقدِمًا لوظيفةٍ لديها, أنجبا فتاة وحيدة التي هي أمي, أيمي أديسون, وعاشا لأعوامٍ عديدة."
التحمَ نظرهُما لأولِ مرة, كانَ قادِرًا على النظرِ في عينيها دونَ خوفٍ، هي تُشبِهُ ماتيلدا تمامًا، عكسَ والدتِها التي حملَت فقط بعد صِفاتِها الشكلية.
"رغَمَ كُل ما حدَث, لَم تنسى جدتي جونغكوك يومًا, كانَت مُمتنة لهُ بشدة, وأعتقَدُ أن مشاعِرها لهُ لَم تجِفَ رغمَ طولِ الأعوامِ واختِلافِ الأيام, وصِدقًا حتى أنا مُمتنة لذاك الفتى, فلولاهُ لما كانَت جدتي ستُؤمِنُ بأحلامِها وتقطَعُ كُل ذاكَ الطريقِ إلى هَنا لتبني حياةً زاهِرة لنا جميعًا, لقَد قضيا فترة قصيرة معًا, ولكِنهُ تمكَنَ مِن تغييرِها كثيرًا, لا أعرِفُ مَن كانَ, ولكِنَني أتمنى بأنهُ قَد حظي بعيشةٍ هانِئة."

الصمتُ الحاضِرُ كانَ بالحرفِ أجمَلَ شعورٍ روادَهُ مُنذُ بديةِ عُمرِهِ, عَمَلُهُ الجاهِدُ قَد أدى ثِمارَهُ, ودادُهُ العظيم لَم يذهَب سُدى, لَم تكُن ماتيلدا مِن سُكانِ هذهِ الأرضَ بعدَ الأن, ولكِن مِن كُلِ رُكنٍ في هذهِ العِلية, مِن كُل الصورِ والعقودِ المحشورة داخِلَ هذهِ الصناديقِ, شعرَ بأوصالٍ مِن روحِها وذِكرياتِها, تخترِقُ ملابسَهُ وصدَره, لتحتضِنَ قلبَهُ باشتياقٍ.

"تذَكَرَ أن لا تُخبِر أحدًا! لا أحدَ يعرِفُ بالقصةِ سوى أنا وأمي, حتى جدي لا يعرِف, إنها كحديثِ الفتياتِ الخاصِ بالعائِلة."
رفعَت إصبعها مُحذِرة ,مُحاربةً الابتسامة المُتسلِقة على أطرافِ شفتيها.

"هَل هذا يعني أنني مِن فتياتِ العائِلة الأن؟"
مَزَحَ, كانَ فرِحًا أن لا عبراتٍ قَد هدَدَت بالهطولِ مِن عينيهِ, ربما لأنهُ ذرَفَ العديدَ مِنها في الأيامِ السابِقة.

"سخيف!"
ضحكَت مُسدِدةً لكمة إلى ذراعِهِ.
"أنا فقَط أردتُ إخبارَكَ بما أنكَ تمتلِكُ ذات الاسمِ, كي أوضِحَ سببَ تصرُفي بغرابة, ولأنَ هذا يبدو لسببٍ مجهولٍ الصواب."

"إنها قصة بديعة."
مرَرَ الصورةَ إليها.

"لياتريس! أينَ أنتِ؟ لقَد أتى والدُكِ! تعالي برفقةِ جونغكوك الطعامُ جاهِز."
تسلَلَ نداءُ والدتِها كهمسٍ إلى جُدرانِ العِلية.

أعادَت الصورةَ إلى الصندوقِ, أغلقتهُ دونَ إحكام, علقَت عينيها بخاصَتِهِ لِأخِرِ مرةٍ, ابتسَمَ كِلاهُما, وسبقتهُ خارِجَ البابِ ذو السطحِ المليءِ بالخدوشِ قبلَ أن يلحقها.

في بعضِ الأحيانِ, تعيدُ لكَ الحياةُ أكثَرَ ما تُريد بطرقٍ لا تستطيعُ تصورها.

-تمَت-

____________________________

إلهام القصة:
1-حبي غير الاعتيادي للحربِ العالمية الثانية وكُلِ مالهُ علاقة بِها, واقِعًا لا أعرِف سبَب هوسي الكبير بِها ولكِنها نوع أخَر مِن اهتماماتي.

تنويه:
بعض النقاط التاريخية المذكورة غَير صحيحة, اضطررت لتعديل بعد الأشياء لتتوافق مَع فِكرةِ القصة, وهذ أمر اعتيادي لأنَها قِصة خيالية, بعض الأحداث التاريخية المذكورة صحيحة تمامًا وأخرى لا.

سَعِدت بكتابةِ القصة, كَنت مُتحمِسة جدًا لكتابتِها ولِكن كالعادة لَم تعجبني النتيجة, ولَم أشعُر بأنني وصّلتُ ما أريد بالطريقة التي أردت, ولكنني راضية بأي حالٍ, فقَد تعلَمتُ الكثير وتعرفتُ على أناسٍ جدد مذهلين.

شكراً جزيلًا لِكُلِ مَن أخذَ مِن وقتِهِ ليقرأ القِصة, أنا حقاً مُمتنة بشِدة❤

شكر خاص ل
Rmjkfj seathru @jimin_998
@Ghadoorh
هناك باقون لكنني لم أستطع وصول اسمائِهم أعتذِر

دمتم سعداء💕

-ألستروميريا

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top