Eight.

أليمٌ هو الفِراق.

كان ريفُ بيرمينغهام هو المكان الذي سيرسلون إليه سويًا طلبًا لما هو أمان.

أخبره والتر أنه هناك زوجٌ من الكُهول مِمن لم يملكوا أولادًا لهم يسكونون معهم، قد وافقوا مُسبقًا على الترحيب بِهم وإسكانِهم في منزلِهم حتى أجلٍ مسمى.

امتلأت جُدران بيت آل وايت بالتوتر والخُنقة، بدا الجميع على قدرٍ عالٍ من الاستياء وبشِدة، ولم يكن هو لهم لائًما، كم هو شنيع أن تكون على وشك توديع أطفالِك إلى مُدة أنت جاهِلها، قد تكون أسابيع أو حتى شهور بل وربما سنواتٍ طوال تكون قد وضعت فيها الحربٌ أوزارها، وهذا إن لم يفرقكم الموتُ قبلًا.

أعتلى وجه السيدة أردين حزنٌّ كبير، كانت مُنشغلة لليوم كُله قائمة بتوضيبِ حاجياتِ ابنتيها، بدت وبِحق مُثقلة من عبءِ كبت الدموع داخل عينيها.

والتر على الجهة الأخرى كان مما هو مستحيل القدرة على قراءةِ ما هو مخطوطٌ على وجهِه، وكأنها لُغة لم تعرِفها البشرية يومًا، لكنه كان ودون شك مُستاءً وبِشِدة، ذاك ما كانت توحي بها هالتُه في كُل مرة افتتح بها حديثًا معه.

ماتيلدا، هي فقط كانت غاضبة، منهم جميعًا ومِن كُل شيء، كانت مُضرِبة عن أي شكلٍ من الحديث، إلا لكلمات ضئيلة تُلقيها عليهم عند الحاجة الأشد من قسوى.

أوريانا كانت فقط غارقة في جهلٍ سحيق، لم تكُن تفهم لماذا كان الجميعُ صامتًا وبشدة، ربما طفولتها كانت فقط غير قادرة على إدراك هذا الوضع تمامًا بكُل جوانِب سوءه، وكان ذلِك كفيلًا بحرق قلبه.

هو كان تائهًا تمامًا، بأهداف واضحة ولكِن مشاعر مضطربة، جو البؤس الذي هم يحيونه أثقله، ولكنه يصرخ بذاتِه للقوة، فهو وبعد كل شيء قادِم لتحسيين.

بعد الانتهاءِ من توضيبِ الأمتعة، توجهوا بصمتٍ إلى محطة القِطارات القابعة في مُنتصف لندن.

كانت هائلة، العديد والعديد من هياكل القطارات المعدنية وقفت تنفُث الدُخان بصبرٍ فارِغ مُنتظرة أن تٌقل من سيطؤون أرضها، كان لوهلة يظن أن هربهم من قبضةِ المنزِل ستعني فُرجة لبعض ما هُم بِه من ضيق، ليُفاجأ بما هو أهول ينتظرهم هناك.

كانت المحطة مليئة بأعداد لا تحصى لأباءٍ كانوا يودعون أبناءهم يائسين، يبدوا أن لندن مدينة شاسعة مليئة بالبائسين.

ألا تكون الحرب هي الجاني الأول والأخير؟

يبدو أن وجوه الباكين من حولِهم كانت هي شرارة جعلهِم يُخرجون ما كبتوا مُنذ الصباح، عندما وقفوا ينتظِرون قدوم القطار، أحاطت أردين جسد ابنتها الكبرى الذي وازاها طولًا في عناق حميمي.

بادلتها ابنتها الحِضن وقد بدأت الدُموع بالسيلانِ على وجنتيها تزامنًا مع والدتِها، تشبثن ببعض لفترة بدت وكأنها الأزل.

"أعتني بنفسِك وبأختك لا حاجة لي من وصاية."
تمتمت أردين بين خنقةِ العَبّرات، اكتفت ماتيلدا بهزِ رأسِها قبل أن تُطلق والدتها صراحها فتنشغل بمسح وجهها من أثار الدموع.

أحتضنت ماتيلدا والدها تاليًا بينما كان دور أوريانا لتُعانقها والدتها، وقفَ هو غارقًا في مشاعرِهم هم.

"أنا أثق بكِ كي تهتمي بجونغكوك أيضًا."
حدث والتر ماتيلدا مُداعبًا برغبة لتلطيف الجو، عجيبًا اكتفت ماتيلدا بالابتسام، بينما ضَحكت أردين ماسحة على عينيها بمنديلٍ طويل.

عندما انطَلقت صافرة عالية مُعلنة عن وصول ما سيقلهم، ودعوا بعضهم لأخر مرة، سبقتهُ ماتيلدا وأوريانا إلى القِطار، بينما هو قبل أن يلحق أوقفه والتر.

"كن حذرًا، أعلم أنني لم أعرفك لوقت طويل، ولكنك شخص جيد، أنا موقن من ذلك، وأثق بِك."
أخبر الأكبر وقد أخذت يده الغليظة مكانًا بدفء على كتفِه، أومأ له مُؤكدًا سلامة موضِع ثِقته.

كان له دور أيضًا مِن حِضن السيدة أردين، بادلها إياه كما لو أنها والدِتُه، ثم لوح لِكليهِما واطئًا أرض القطار.

أخذ مجلسًا بين ماتيلدا وأوريانا، لم يرتد لهُ طرفُه حتى قامت الصغيرة بشبك أنامِلها الضئيلة بخاصتِه متلمسة أمانًا مِما لا تفقه، قربها مِنه بأسارير مبتسِمة.

توارت لهُم قبل إغلاقِ البوابات أخِر صورة لوجهي البالِغين، كان وجهُ والتر ما يزال مُبتسمًا بحزن بينما محيا أردين غارِق بالدموع.

بدأت ذبذبات بسيطة تنتقِل في أرضِ القِطار قبل أن تتحول إلى حركة غير مُنتظِمة مؤكدة بداية رِحلته الطويلة، كانت النوافِذ تعرِضُ صورة متحركة لا متناهية لنفقِ المحطة.

بعد مضي دقائق من سير المركبة، وكز شيءٌ ما كتِفه الأيمن، استدار بسرعة لماتيلدا ملبيًا، لكنها لم تكن تنظر في اتجاهِه بل كانت عيناها تحدِقان بتكوين أرضِ القطار المُهتزة وقد كانت ما تزالُ بعض الدموع عالقة فيهما.

"هل يمكنني إسنادُ رأسي على كتِفك؟"
طلبت وقد بَدت ظاهِرة بحة في صوتِها.

أحتاج ثوانٍ للإدراكِ، ولكِنه تبسم سريعًا.

"بالطبع."
أكد وبطيئًا أرست برأسِها على طرفِ كتفِه بإجهاد.

كان تلك بداية رِحلتهم إلى المجهول، بيدِ أوريانا في يساره و ماتيلدا عن يمينه.

____________________

تم كتابة البارت على طريق السفر ❤

شكرا على القراءة، لا تنسوا التعليق و التصويت💕


Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top