(3)
بقلم :نهال عبد الواحد
مضت عدة أيام وانتظرت فريال أن تفاتح أمها وأباها بخصوص موضوع سفرها معه إلى العزبة فهي تحب الريف أكثر وقد ملّت من جلستها في القصر هنا.
وذات يوم بينما كان والديها يجلسان في التراث فاستأذنت لتدخل عليهما فأذنا لها، دخلت وجلست فتابعا حديثهما الذي ملّت منه حول الأراضي والأطيان وعائلة فلان والباشا فلان ومثل تلك النميمة والثرثرات...
حتى أنها ندمت أن جاءت تجلس معهما فهما لا ينتبهان لها أبدًا وودت لو تنصرف لكن ما أن بدأت تتحرك حتى وجدت أمها تتحدث وهي تنظر لها.
قائلة: حشمت باشا، هناك أمر تود فريال أن تستأذنك فيه.
فسألها حشمت ملتفتًا نحو ابنته: ماذا هناك يا فيري؟
أجابت فريال بتردد: حقيقةً أبي، إني أود الذهاب معك إلى العزبة.
-لكني دائم الانشغال عزيزتي ولن أجلس معك.
- لقد مللت من المكوث هنا أبي وأود التغيير بعد إذنك، وأعلم جيدًا أنك دائم الانشغال.
- إذن فاستعدي وأعدي حقائبك خلال يومين من الآن لتسافري معي.
فانتفضت فريال بسعادة متجهةً نحو أبيها لتعانقه بسعادتها لكنه اكتفى بمد يده فشعرت بكسرة قلب فجأة فقبّلت يده ممتنة وإنصرفت وهي حزينة من داخلها فهي تفتقد حنان الأبوين بشكلٍ كبير فهما لا يهمهما سوى المصالح والمظاهر.
وبعد مغادرة فريال التفت حشمت إلى زوجته وقال: أعدّي حقائبك أنت الأخرى لتجيئي معنا.
فقالت باستنكار: بالطبع لا؛ فلدي العديد من حفلات الشاي واللقاءات مع بعض الصديقات، المهم قد علمت بطريقتي أن علاء منير رشدي سيكون في قصرهم بالعزبة في الأيام القادمة وتلك فرصة جيدة ليتقرّب أكثر من ابنتنا.
فهمهم حشمت ثم أردف: لهذا رأيتك قد وافقتِ بسهولةٍ على سفر ابنتك معي!
أومأت شويكار: طبعًا، أنا لا أحب هذا المكان وسط الفلاحين الصعاليك لكن إن جدّ جديد بين علاء وفريال سترسل إليّ ووقتها فقط سأجئ.
- هل تعتقدي نجاح هذا الأمر؟
- مؤكد، إن ابنتنا رائعة الجمال وغير ذلك هي من عائلة كبيرة.
-المشكلة في ابنتنا نفسها، ترى هل ستوافق؟
- دون شك، علاء شاب وسيم وعائلته شديدة الغنى والسيط وسيحقق لها كل ما تتمناه، ولا زالت ابنتنا ساذجة يمكن إقناعها بعدة فساتين وأحذية ذات كعبٍ عالٍ مع عدد من مساحيق التجميل والعطور، المشكلة الحقيقية تكمن في أمه نازك هانم، ألم تذكر هيئتها وهي تتطلع لابنتنا ولنا؟! تلك المرأة متعجرفة وترفع أنفها للسماء بتكبرٍ وتعالٍ وغالبًا ستعرقل ذلك المشروع، لذلك يجب أن يعشق علاء فريال حتى يستطيع وضع أمه أمام الأمر الواقع.
وبعد عدة أيام بالفعل كانت قد أعدّت فريال نفسها ونزّل الخدم حقائبها وهبطت هي في صحبة ورد وكانت ترتدي بلوزة بيضاء أكمامها قصيرة في منتصف الساعد مع قفّازَين قصيرين من اللون الأسود وتنورة كاروهات من الأبيض والأسود وعلى رأسها قبعة بيضاء كبيرة تدلي منها قطعة من التل تغطي وجهها كما هو المعهود بين الفتيات والسيدات وقتئذ.
تلفتت حولها ربما تجد أمها لكن كان لديها بعض صديقاتها وجلسن تتسامرن وعلت ضحكاتهن فغادرت فريال من فورها بضيق.
خرجت فريال من باب القصر هي و ورد لتجد عربة مغلقة تجرها الخيول ذهبت بهم إلى محطة القطار وكان أبيها بالداخل فأمسكت بأحد يديها ترفع تنورتها قليلًا حتى لا تتعثر وباليد الأخرى يمسكها السائق ليعاونها أن تركب ثم ركبت خلفها ورد.
وانطلقت العربة حتى وصلت إلى محطة القطار فهبطت ورد ثم الباشا وتبعته فريال، وبعدها سار ثلاثتهم إلى داخل المحطة وتولى الخدم أمر إحضار الحقائب.
جلس الثلاثة على مقاعد في محطة القطار للانتظار وبعد قليل جاء القطار فركب الثلاثة وركب الخدم بالحقائب وضعوها في مكانها ثم غادروا.
تحرك القطار وكانت فريال طوال الطريق جالسة جوار النافذة تنظر عبره على تلك الأراضي الزراعية الشاسعة وترى فيها أحيانًا بعض الفلاحين.
وبعد عدة ساعات وصلوا وكان هناك من الخدم من ينتظرهم فصعدوا القطار لحمل الحقائب وتنزيلها، هبط الثلاثة ليجدوا عربة أخرى تنتظرهم فركبوها بنفس الطريقة.
سارت العربة بعض الوقت، شعرتت فريال بسعادة داخلها فهي تحب الريف وتحب تلك الأيام التي تقضيها فيه.
وصلوا إلى الفيلا وكانت هناك امرأة خمسينية في جبهتها بعض خطوط التجاعيد الخفيفة مغطيةً رأسها بوشاحٍ أسود يظهر تحته قليلٌ من مقدمة شعرها المحتوية على خصلٍ بيضاء مرتديةً فستانا طويلًا ذات أكمامٍ طويلة من اللون الأسود وتبدو كأنها المسؤولة عن المنزل.
لكن بمجرد دخول فريال حتى فتحت ذراعيها فأسرعت نحوها فريال تحتضنها بشدة، فمنذ متى لم تجد مثل هذا العناق الحنون! ودت لو كانت معها تلك المرأة دائمًا لكن مكانها في الريف.
هتفت فريال بسعادة: اشتقت لكِ كثيرًا دادة عايدة.
أجابت عايدة بسعادة هي الأخرى: بل أنا أكثر! ما أجملك ابنتي! لقد صرتِ آنسة يافعة رائعة الجمال والأنوثة.
قالت فريال بضحك: ليتكِ رأيتيني في حفل عيد ميلادي وأنا أرتدي فستان سهرة كبير وحذاء ذا كعبٍ عالٍ.
فنظرت نحوها عايدة ثم قالت: كأنه سُمح لك بحضور الحفلات!
أومأت فريال بسعادة: شيءٌ لا يصدق أليس كذلك؟! سأحكي لك كل شيء...
قاطعتها عايدة: ستصعدي أولاً لتبدّلي ملابسك وتأخذي حمامك وتزيلي غبار السفر وتتناولي الغداء ثم نجلس نحكي كما تشائي.
وبالفعل انصرفت فريال وتبعها ورد لتعاونها في حمامها وتبديل ملابسها وتفرغ الحقائب وتضع ما فيها داخل خزانة الملابس.
فقالت عايدة في نفسها بتنهيدة: تري ماذا تدبرين يا شويكار؟!
كان للبيت طابع مختلف عن القصر الآخر فالأثاث من اللون البني الداكن ويكثر فيه شغل الأربيسك كما أن النجف المعلّق مختلف أيضًا فلا ترى فيه كريستال أو ماشابهه بل هو من النحاس والخشب لكن مصنوعَين بمهارةٍ عالية.
وبعد أن أخذت فريال حمامها وتناولت غداءها جلست مع عايدة وبصحبتهما ورد فسردت كل أحداث ذلك الحفل الرائع غير الأحاديث المختلفة.
قضت فريال وقتًا رائعًا مع مربيتها التي تشعرها بحنان الأم الذي تفتقده، أو تذهب إلى اسطبل الخيول، تجلس وسطهم وتحدثهم فهي تسعد بمجالستهم كثيرًا أو تأخذ مهرتها ريحانة وتنطلق بها بين الحقول لكنها لا تبتعد كثيرًا عن البيت فهي لا تعرف الكثير من الطرق في القرية.
وذات يوم اتجهت إلى الاسطبل لتأخذ ريحانة كما اعتادت مرتدية ملابس الفروسية، البنطال الأسود بذلك الجزء الجلدي بين الفخذين وبلوزة عليها صديري وغطاء الرأس وحذاء أسود ذات عنقٍ طويل وفي يدها تلك العصا الرفيعة التي تكون في يد الفرسان.
لكنها وجدت مهرتها مريضة فجلست جوارها تربت عليها وتمسح على شعرها الأبيض برقة وهي حزينة عليها للغاية، لكنها تود ركوب خيل الآن فذهبت نحو أحد الخيول الأخرى وركبت أحدها وخرجت به دون أن يراها السائس المسؤول.
سارت فريال بالحصان بين الحقول كعادتها وجلست بثقة وهي معتدلة الظهر فقد اعتادت على ركوب الخيل منذ زمن وبدأت تخبطه خبطة خفيفة لتزيد قليلًا من سرعته كما اعتادت مع ريحانتها.
لكن ماحدث قد فاجأها بل أفزعها فقد زادت سرعة الفرس فجأة فصار يركض بسرعةٍ مذهلة لم تعتادها من قبل فأمسكت بلجامه بشكل أكثر احتراسًا تحاول تهدئة سرعته لكنه لا يهدأ وبدأ الخوف يدب في صدرها... وفجأة!
NoonaAbdElWahed
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top