(13)

بقلم : نهال عبد الواحد

حملها علاء وصعد بها مسرعًا، وضعها في فراشها وقد أرسل لاستدعاء الطبيب بسرعة، ولمّا جاء الطبيب فحصها ومعه مساعدته وقف معه بالغرفة ورد وأيضًا نازك لكنها عن بعد.

قام الطبيب بعمل اللازم وكانت فريال قد فقدت جنينها، نزفت الكثير من الدماء وفي أشد مراحل الإعياء.

استغرقت فريال فترة طويلة ثم بدأت تستعيد صحتها قليلًا لكنها ظلت طوال الوقت ملازمة للفراش أو بمعني أوضح لازمت الفراش بإرادتها كنوع من الهروب من الواقع أو بسبب الاكتئاب .

فأيًّا كانت علاقتها مع زوجها لكنها كانت متعلقة بذلك الجنين بشكلٍ كبير، تمنت قدومه بفارغ الصبر  كأنما رأت فيه رفيق حياتها، لكن قد فقدت كل شيءٍ بين عشيةٍ وضحاها.

لم يطل مكوث علاء مع زوجته فبمجرد أن بدأت تستعيد صحتها ذهب مع أصدقائه حتى يتحسن مزاجها، فكيف له الاقتراب منها بحالتها تلك فذلك للأسف كل ما يربطهما.

تزامن في نفس تلك الفترة زيادة المرض على أبيها ثم فارق الحياة ليأتيها الخبر فيكون القشة التي قسمت ظهرها.

مهما كانت طبيعة علاقة الأب وابنته يكون خبر افتقاده له وقعٌ سيء عليها، ففجأة شعرت أنها وحيدة بلا سندٍ ولا حِمى، حتى لو لم يكونا صديقان ويشوب علاقتهما نوعًا من القسوة خاصةً في أمر زواجها الذي ظل يؤنبه لآخر لحظة في عمره.

بدأت فريال تزداد اكتئابًا وتعزل نفسها بعيدًا عن الآخرين، فحتى أمها تعيش حياتها كما هي بين مجالسة الصديقات وحضور الحفلات كأنها لم تفقد زوجها أو حدث أي شيء! المهم أنها لا زالت تتمتع بنفس مستواها الطبقي ولم تفقد أي شيءٍ من الأموال والأطيان.

وذلك قد زاد فريال حزنًا وضيقًا ودت لو تترك الجميع وتذهب وحدها في مكان ما تشعر أن داخلها بركانٌ ثائر على وشك الانفجار في أي لحظة.

ولم يختلف حال فريال عن أحوال مصر في ذلك الوقت والتي تشبه بالفعل البركان الذي على وشك الانفجار، فقد زاد الظلم والطغيان وزاد طمع تلك الطبقات العليا وزاد استغلالها للمصريين المتمثلين في الطبقة الفقيرة، فقد ازداد الأغنياء البكوات والبشوات غنىً فاحشًا و إزداد الفقراء فقرًا وحرمانًا.

فهم يأخذون كل شيء ولا يتركون أي شيءٍ لعامة الشعب  خاصةً مع مرارة الاحتلال منذ أعوامٍ طويلة، وأيضًا زاد من احتقان الشعب تلك الخيانة التي حدثت في حرب فلسطين عام ثمانٍ وأربعين من القرن العشرين وتلك الأسلحة الفاسدة ثم افتقاد جزءٍ من وطننا الغالي ويغتصبه اليهود.

وكان خلال الأعوام الأخيرة قد بدأ يُسمح لبعضٍ من المصريين بالالتحاق بالجيش والوصول لبعض الرتب وبدأت تظهر حركة سرية تعرف بحركة الضباط الأحرار وكانوا ضباط شباب من المصريين يعدون أنفسهم لعملٍ انتقالي هام وازداد عددهم حتي فجأة قاموا بتلك الثورة البيضاء التي لم يراق فيها قطرة دمٍ واحدة ثورة الثالث والعشرون من يوليو عام اثنين وخمسين من نفس القرن.

والتي كان أهم مبادئها العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروات والأراضي على الشعب جميعًا والقضاء تمامًا على الألقاب والإقطاعية والرأسمالية .

الشعب جميعًا سواسية سواء في الامتلاك أو في فرص العمل، وبعدها نهاية مصر الملكية وبداية عصر الجمهورية.

وقد نالت تلك الثورة شعبية وتأييدًا كبيرًا من المصريين... فأخيرًا سيتحقق العدل!

وبدأ مجلس قيادة الثورة في إعادة الثروات وتحديد حد أقصى لامتلاك الأغنياء ومصادرة الزائد عن الحد المحدد وإعادة توزيعه على باقي المصريين وقد تمثل في إعطاء الفلاحين أراضٍ زراعية يمتلكونها ويزرعونها بدلًا من كونهم كانوا يعملون بلا أجر أو بأجورٍ زهيدة.

بالطبع لم تنال تلك الثورة أي استحسانٍ بين الطبقات النبيلة فهم يرون أن تلك الثورة سرقت حقوقهم.

وبدأت قوات الجيش تطوف بقصور الأغنياء وتحصر ممتلكاتهم ومنهم من يسلمها بهدوءٍ ومنها من يحاول الهروب بأمواله بأكبر قدر يمكن تهريبه.

ومنذ أن قامت الثورة وعاد علاء بعد غيابٍ طويل وبدأت تجيئهم شويكار ليتفقوا كيف يهربون بقدرٍ من أموالهم قبل أن تُستقطع منهم.

كانت فريال الوحيدة بينهم التي ترحب بالثورة وتؤيدها وترى فيها نُصرة للضعفاء الذين قد لاقوا ظلمًا منذ أعوامٍ طويلة.

وصارت فريال فجأة عدوة لهم فمهما حاولوا إقناعها بالهروب معهم لا تقتنع؛ ربما لأنها فرصتها للهروب منهم وليس معهم.

وذات يوم صاح فيها علاء: لا أفهم كيف تفكرين! سيأخذ أموالنا هؤلاء الفلاحون ليعطوها لفلاحين آخرين.

فتابعت نازك بغضب: كيف يُساونا نحن عليّة المجتمع بهؤلاء الصعاليك؟!

وأردفت شويكار تحدّث ابنتها: هيا انهضي يا ابنتي فموعد الباخرة قد اقترب وعلينا الرحيل بكل ما خف وزنه وغلا ثمنه.

فقال علاء: لقد استطعتُ بيع بعض الممتلكات بسرعة وأخذت أموالها وصار معنا مبلغًا لا بأس به.

لكن ردت فريال بحسم: وأنا لن أرحل ولن أهرب معكم، سأعيش هنا في بلدي وسأنتظرهم يأتوني ويأخذوا ما يأخذوه ويتركوا لي ما يتركوه فقد سئمتُ من الظلم والطغيان، سئمتُ من عيشتكم وطباعكم، سئمتُ من أنانيتكم وعبوديتكم للضعفاء وطبقيتكم المزيفة كأنكم خُلقتم من طينٍ أخرى! أم ربما تظنون أنكم لم تُخلقوا من تراب وستعودون إلى التراب يومًا ما!

هتفت شويكار باستهزاء: كنت أشعر أن هذا سيكون رأيك أيتها الحمقاء! ليتني ما أنجبتك ولا رأيتك.

تابعت فريال بألم: أنتِ فعلًا لم تريني أبدًا، لم ترِي إلا نفسك وحفلاتك ومظهرك أمام العائلات وكيف تبدين الفضلى بين سيدات المجتمع الراقي! لم تضميني لك يومًا، لم تُشعريني بأمومتك، لم تواسيني حتى عندما مرضتُ وكدت أفارق الحياة حين فقدت جنيني... حتى أبي لم تكوني جواره عندما مرض ورقد، رغم أنه مضى طيلة عمره يفعل ما بوسعه ليحقق لك ما تتمني قبل أن تتمنيه حتى لو كان بالظلم، هل ترغبين أن أزيد في حديثي أكثر؟!

قالت الأخيرة بنبرة أكثر قهرًا بينما تابعت شويكار: إذن لا حق لك في مجوهراتك سآخذها كاملةً.

فاتجهت فريال نحو الدرج الداخلي للقصر وقالت بلامبالاة: خذي ما تريديه شويكار هانم فلا أرغب فيه، سأُعد حقيبة ملابسي وأغراضي ولن آخذ من مجوهراتي سوى قلادتين بسبب ذكرى تهمني.

صاح علاء: كيف لزوجة أن تترك زوجها وتمكث هنا وحدها؟!

فالتفتت له وأجابته بثقة: لم تكن يومًا زوجًا لي! لقد كنت طيلة الوقت مشغولٌ بلهوك وعندما ترغب في تعود لرغباتك فقط فتنهل كيفما شئت ثم تُغادر من جديد.

- ما هذا الكم من الكره والحقد؟!

- قلبي لم يعرف يومًا كرهًا ولا حقدًا لكن قد فاض الكيل! بالمناسبة قبل مغادرتك عليك تطليقي.

ثم نظرت إلى نازك قائلة: والآن افرحي وابتهجي نازك هانم؛ قد تخلصتِ مني أخيرًا! يمكنك الآن تزويجه بمن تريها تليق بكم.

ثم التفتت إلى ورد وقالت: هيا بنا يا صديقتي لنعد أمتعتنا إن كنتِ ترغبين بصحبتي ،سأذهب لقصرنا في العزبة سأعيش مع عايدة التي تشعرني حقًا بحنان الأم... سأعيش جوار الفلاحين حتى ولو عملت معهم.

أومأت ورد بود: بالطبع سيدتي أنا معك أينما ذهبتِ...

فقاطعتها فريال: لقد انتهت الألقاب وذهب زمن الهوانم والبشوات بلا عودة، فأنا فريال كما أنت ورد.

ثم همتا بالصعود فناداها علاء: فريال!

فتوقفتا و التفتت إليه فريال فأكمل: أنتِ طالق!

NoonaAbdElWahed

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top