01#: عندما لم يعد وشقًا.
الشمس لا تزال تنتصف السماء رغم انتهاء اليوم الدراسي بالفعل، ورغم الهواء البارد الذي كان يجعله يقشعر في فتراتٍ عشوائية خلال اليوم، إلا أن الجو كان رطبًا وخانقًا تحت أشعة الشمس.
كان العشب يلمع تحت قدميه وهو يهزهما باستمرار، يكاد يفقد صبره وهو ينتظر شقيقته تخرج بالفعل.
استمر في تغيير وضعيات وقوفه، مرةً على قدمه اليمنى، ثم اليسرى، ثم مستندًا على الجدار، ثم على السراج، ورغم كل محاولاته في الانتظار، بدا وكأنها ترفض الخروج. لقد حدث هذا كثيرًا، ولا يعلم متى سيعتاد على تأخرها. بينما هو لا يفشل في الخروج في تمام الساعة ٢:٣٠.
وحين قرر إخراج هاتفه للاتصال بها، هي قررت الخروج أخيرًا، تتحدث مع إحدى صديقاتها عن موضوعٍ مضحك، كما يبدو على تعابيرها.
اكتفى بالتحديق نحوها دون أن يقول شيئًا أو يبدي أي تعبير، ليس وكأنه قد غير مكانه أو سيتأخر، فهي تعلم أنه لا يفعل أيًا من هذه الأشياء.
حين تقابلت أعينهما، اكتفت بتقليب خاصتها وهي تتقدم نحوه مودعةً صديقتها التي لوحت له بالمقابل قبل الخروج من حديقة المدرسة، يبدو أنها اعتادت على جفائه رغم جلوسه معهن أحيانًا -قسرًا بسبب شقيقته-.
«مرحبًا يا قاتل المتعة، هل ستموت إن تأخرتُ ولو ثانيةً في المدرسة؟» ألقت التحية حالما اقتربت منه.
مشى متجاوزًا إياها ليخرج من المدرسة أخيرًا، ثم تمتم بجمود: «لقد تأخرتِ ربع ساعة.»
«لا تسبقني، أيها الأحمق!»
هو تجاهلها.
«لقد وصلنا!» صرخت ڤينلا حالما خطت قدمها داخل المنزل.
همهمت والدتهما التي كانت بالفعل تقف في المطبخ، تحضر عصيرًا بالفواكه كما يبدو: «مرحبًا بكما، لم أعدّ الغداء اليوم. الثلاجة ممتلئةٌ بالفعل.» وكما تفعل كل أمٌ في العالم، هي بدأت بتشغيل الخلاط وتجاهلت وجودهم بأكمله.
تنهدت ڤينلا دون قول شيء، ثم اتجهت لغرفتها.
تنهد هو كذلك بالمقابل، واكتفى بخلع حذائه كي لا تتسخ الأرضية من العشب والطين الذي تكون بسبب ليلة أمس الممطرة، ثم اتجه إلى غرفته ماشيًا بجوربيه.
خلع ملابسه الرطبة بسبب الأجواء الصيفية الخارجية، ورماها في سلة الغسيل، ثم ذهب إلى دورة المياه ليغتسل بعد اليوم المرهق الذي مر به، لم يحدث شيئ غير المعتاد، لكن الأجواء الرطبة كانت كافيةً لجعله يغتسل يوميًا عند عودته، هو لا يطيق الجلوس على سريره بجسده المبتل بالعرق.
عند خروجه هو توجه إلى المرآة ليجفف شعره الرطب. الهواء يستمر بجعل الغرفة باردة، وهو لا يريد أن يسقط مريضًا ويفوت الأيام الدراسية القادمة رغم وجود الدروس إلكترونيًا، لكنه يفضل الذهاب ليقوى تركيزه.
بعثر شعره ليتأكد من جفافه تمامًا، ثم خرج من الغرفة متوجهًا إلى المطبخ، الساعة كانت ٣:٣٥ بالفعل، وأصبح غداؤه متأخرًا.
وكما توقع تمامًا، لم يجد شقيقته في المطبخ، مما يعني أنها إما نامت دون أن تأكل، أو أنها أكلت بالفعل وعادت إلى حجرتها كدبٍ يمرّ بسباتٍ شتويّ.
كانت الشمس لا تزال في السماء، ولن تغرب قبل وقتٍ طويل، وهو لا ينام حتى تبدأ أشعتها بالاختفاء تدريجيًا، لذا أخذ وقته في تحضير وجبته، سلطةٌ بقيت من عشاء الأمس، ولحمٌ بقريّ قد جهزه منذ البارحة واكتفى بتسخينه فوق نارٍ هادئة، والأرز المتبقي منذ يومين في الثلاجة، والذي كاد أن يُرمى اليوم.
جلس على المائدة ليأكل أخيرًا، وبينما كان يتناول السلطة، سمع ضجةً في غرفته.
تذمر سريعًا، متوقعًا سبب هذه الضجة، لذا صرخ ليسمع والده أو والدته: «يبدو أن هنالك وشقٌ مجددًا!»
هذه ليست المرة الأولى التي يدخل فيها وشقٍ إلى منزلهم، فهذه ضريبة العيش بالقرب من الغابة، وهو الضحية المعتادة بسبب مقابلة نافذته للأشجار الطويلة. الوشق يعشق ترك آثاره في الغرفة. كتمزيق سريره، ونشر التربة في كل مكان، وأحيانًا إن كان الأمر سيئًا، تحطيم ستارته المظللة، أو كسر أحد أبواب الخزانة أثناء بحثه عن الطعام أو أيًا ما كان يبحث عنه.
لقد اضطر إلى تغيير ستارته وخزانته مرةً واحدة، وسريره ثلاث مرات بالفعل، فهو يرفض النوم عليها مجددًا، لا يستطيع معرفة ما قد يحمله الوشق من جراثيمٍ وأمراض.
«متى ستتعلم أن تغلق نافذتك؟» صرخت والدته في مكانٍ ما في المنزل.
تنهد هو دون إجهاد نفسه بالرد على حديثها، هو لا يحب اختناق غرفته حين يغلق النافذة، بجانب أنها تصبح أكثر رطوبةً وهو لا ينقصه ذلك.
اكتفى بإكمال طعامه رغم عقله الصارخ بأن يذهب للغرفة ويرى ما الذي فعله الوشق هذه المرة، لكنه كان في مزاجٍ سيئٍ بالفعل؛ لذا لا داعي لجعله سيئًا أكثر.
بعد أن أنهى طعامه، وضع أطباقه في المغسلة قبل أن يغسل يديه ويتوجه للغرفة بحذر.
وعلى عكس ما توقع تمامًا، الغرفة لم يحدث فيها شيئًا، ولا حتى تغير ترتيب سريره، غرفته لا تزال كما هي، ولولا ابتعاد الستارة عن النافذة، لشك في حقيقة أن شيئًا ما اقتحم غرفته.
تقدم بحذر ناحية النافذة، خائفًا مما قد يراه من خرابٍ افتعله الوشق، وحين وصل ناحيتها، هو ولصدمته، لم يجد شيئًا.
قطب حاجبيه بتعجب، يستحيل أن يسمع صوتًا في غرفته دون أن يجد شيئًا مدمرًا.
وحين بدأ يعتقد أنه ربما بدأ يُجَن، وجد أن الستارة الخفيفة الشفافة قد قُطعت.
«آه.. للتوّ اشتريتها.» همس لذاته منزعجًا وهو يتفحصها ويتساءل إن كان يستطيع خياطتها. وهذا ما حصل بالفعل، هو أنزل الستارة وبحث عن حزمة الخياطة خاصته في دروجه، وبعد بحثٍ طويل بينما هو متأكدٌ من مكانها، استسلم عالمًا أنه ربما والدته أو والده قد أخذاها، أما شقيقته فهي لا تجيد الخياطة على أية حال.
تنهد مستقيمًا، وبينما هو متجهٌ ليسأل والديه عن مكان الحزمة، هو توقف حالًا عندما رأى شيئًا ما على سريره.
ولم يكن أي شيء، بل كان هاتفًا، هاتفًا بدا قديمًا وكأنه منذ ثلاثين سنة أو أكثر، يقبع على سريرهِ ووجهه يقابل لحافه.
نظر نحوه بتعجب، من الذي أدخل هاتفًا في غرفته؟ وكيف بات على سريرهِ فجأةً ومن اللامكان؟ هل هنالك دخيلٌ في المنزل؟
أصبح يجول بنظره في غرفته، ثم توجه إلى الخزانة، لربما الشخص قد تخبأ هنا في مكانٍ ما، ولم يجد شيئًا غريبًا أو مختلفًا، كانت غرفته منظمةٌ إلى حدٍ كبير، ولولا الهاتف والستارة لقال أنه لم يدخل أي شيءٍ هنا.
لا يعتقد أن هنالك كلبٌ ذكيٌ كفايةً ليتمكن من إدخال الهاتف دون أن يحدث فوضًى أكبر، ولا يوجد وشقٌ يتمكن الإنسان من رعايته -حسب معرفته-، وكونُ الهاتف قديمٌ لم يزد سوى تشوّشه.
كان الأمرُ مريبًا جدًا، وهو لعدة لحظات وقف متصنمًا ينظر نحوه دون فعل شيء. هل يعقلُ أنّ هنالك شخصٌ قد تمكن من اقتحام البيت؟ لكنه ليس منطقيًا كذلك، فهو لا يرى أي أثرٍ لبشريٍ قد دخل الغرفة، فلا أحد يستطيع دخولها دون توسيخ أرضية غرفته، الطين في الخارج يثبتُ ذلك.
عقد حاجبيه قبل أن يتنهّد مستسلمًا: «أنا لستُ مرتاحًا كفايةً لأمرٍ غريبٍ كهذا..»، هو يشعر بالصداع يتسلل لعقله بشكلٍ مفاجئ، واكتفى بتدليك جبهته وهو ينظر للهاتف بملامحٍ مكشرة.
حالما أسقط يديه وفكّ عقدة حاجبيه، هو تقدم بتردد نحو الهاتف وكأنه قنبلةٌ ستنفجر في أية لحظة، أمسك بمفرشه وقلب الهاتف عبرها ليتمكن من تحليل منظره دون وضع بصماته عليه.
يبدو هاتفًا جديدًا، أي لم يستعمل بشكلٍ مفرط، لا توجد خدوشٌ وشاشته صافيةٌ بشكلٍ مستحيل، فكيفَ لهاتفٍ منذ ثلاثين سنة يستطيع العمل؟ هنالك شيءٌ غريبٌ يجري حوله.
عندما حاول فتح الشاشة، وجد أن الهاتف مغلقٌ كليًا.
طرق بلسانه منزعجًا، وجرب الضغط على الشاشة، ولم يعمل كذلك.
ضيق بصره نحو الهاتف، قبل أن يهمس مستسلمًا: «يا إلهي..» وهمّ بإكمال مهمته وهي إصلاح ستارته.
أمورٌ جديدة، كوجودِ هاتفٍ قديمٍ في غرفته دون تفسيرٍ منطقي، ليس من ضمن مهامّه اليومية، وهو لا ينوي جعلها كذلك.
ورغم كل أحاديثه الرافضة لكلّ ما هو جديدٌ في حياته، هو وجد ذاته يكاد يحترق في كرسيه في المدرسة التي لا يتواجد فيها سواه هو والقليل من الطلاب.
ولا ننسى ماثيو بالطبع.
«جاسكا!» صاح ماثيو صديقه بحماس وهو يهرول نحوه بجسده المتعرق وأنفاسه التي بطريقةٍ ما كانت متزنةً أكثر منه رغم كونهِ يقف ساكنًا.
«أهلًا.» رحب به وبسمةٌ تسللت لوجهه.
«ما أخباركَ يا رجل؟ لقد مر أسبوعٌ كامل منذ تسكعنا سويًا، رغم كونك لا تفوت أي يومٍ دراسيّ.» ربت ماثيو على كتف جاسكا.
«آه تعلم، أعيش حياةً روتينية مملة، أنت حتمًا لا تريد رؤيتها.» أجابه بكل جفاء، الجفاء الذي اعتاد عليه ماثيو بالضبط.
ضحك صديقه قبل أن يربت على كتفه مجددًا ويقول: «ما رأيك بأن نتسكع بعد المدرسة؟ إلا إن كنت مشغولًا أو لا تريد كسر روتينك الممل.»
همهم جاسكا وكاد أن يرفض حتى تذكر الهاتف.
هل سيكون جيدًا إن أخبره عن الهاتف؟ بل هل سيأتي بحلولٍ جيدة؟ هو يعلم أن تفكير ماثيو سطحيٌ جدًا، وربما قد يناوله إجابةً واضحة كيّ لا يعيد تجربة الليلة الماضية، حيث أنه سهر دون قصد وهو يحلل سبب وجوده في غرفته.
لكن ماذا إن ظنّ أن الأمر مريبٌ جدًا ولا يريد التدخل فيه؟ ماثيو لا يحب المشاكل والتعقيد، هو يحب السلام والأمور الواضحة والصريحة.
هل سيخسر شيئًا؟ وجهات نظرٍ أخرى قد تساعده على حلّ هذا الأمر.
لذا هو اتخذ قراره: «لنذهب لمنزلي.»
اتسعت عينا ماثيو بوضوح، قبل أن يتحدث بإحراج: «هذه المرة الأولى لك التي تدعوني فيها لمنزلك. ألن تمانع عائلتك؟»
همهم مكشرًا، هو لم يفكر بالأمر.
«لا بأس، سأقول أنه مشروعٌ أو شيءٌ من هذا القبيل، لا أعتقد أنهم سيرفضون حينها.» حديثه جعل ماثيو يومئ بتردد، لكن في كلتا الحالتين ليس له علاقةٌ بالأمر، هو يستطيع النقاش مع عائلته، وسيأتي به قسرًا إن رفضوا.
اتضح أنه لم يجب عليه إقناعهم حتى، فقد وافقوا بسهولةٍ كبيرة جعلت جاسكا ينظر للهاتف بتعجبٍ شديد.
وربما كان يجب عليه أن يتوقع أن ماثيو من المستحيل أن يأتي خالي اليدين.
«يا رجل، أنتَ حقًا لا يجب عليك فعل هذا.» تذمر جاسكا ضاربًا كتف الأطول بينما هو يتأمل قائمة المخبز الذي سحبه إليه في طريق عودتهم لمنزله.
«شش، دعني أكون صديقًا صالحًا وطفلًا مهذبًا أمام عائلتك!» برر ماثيو بجديةٍ مضحكة أكثر من حادة.
«إن رأوا حجمك هم حتمًا سيعتقدون أنك أحد شخصيات هجوم العمالقة وليس طفلًا.» سخر منه فقط ليرى انفعال ماثيو المعتاد والمضحك، حيث أن وجهه احمر بوضوح واكتفى بضرب ظهر جاسكا بقوةٍ تبدو مازحة لكن شعورها ليس مازحًا قط.
هزّ ماثيو رأسه بخيبة أمل: «لا أصدق أنك تشبهني بوحوشٍ خياليين، اعتقدت أنك لا تعرفه.»
«يصعب أن تتجاهل شيئًا كان مشهورًا لوقتٍ طويلٍ في عهده.» أجابه بجفاء وهو ينظر لماثيو وهو لا يزال يقيم الأطباق وأشكالها، هو نسي تمامًا عن سطحية صديقه، هو سيجلب الأفضل شكلًا والذي سيكون غاليًا بشدة وغالبًا سيئ المذاق.
«لقد اشتهر.. متى؟ قبل ٨٠ عامًا؟ أنا لا أستطيع تذكر ما حصل في العام الماضي حتى.»
«٧١ عامًا في الواقع، لكن لا بأس إن كنت أحمقًا؛ فقواك الجسدية سرقت كل قواك العقلية بالفعل.»
نظر ماثيو إليه بصدمةٍ واضحة، وكاد أن يلكمه أو شيءٌ من هذا القبيل لأنه رأى يدًا ضخمة تتجه نحوه، لكن ومن حسن حظه فقد وصلا للطلب الآلي الذي يشرف عليه رجلٌ آلي، وهم حتمًا لا يريدون آلةً ترى العنف الذي يجري بينهم فسيتم الإبلاغ عنهم. هم لا يريدون الحصول على ما حصله الكثير من الأصدقاء.
«لقد أتينا!» أعلن حالما خطى داخل المنزل، ثمّ أشار لماثيو بخلع حذائه وحمله معه.
«المعذرةُ على الإزعاج.» قال ماثيو ببسمةٍ متأسفة حالما أتت والدته نحوهما، ثمّ تقدم نحوها ليعطيها الحلوى التي كما توقع، غالية الثمن وسيئة المذاق.
«أوه، لا بأس! نحن سعيدون لمجيئك وأخيرًا. جاسكا لا يخبرنا أي شيءٍ عن حياته الدراسية لذا من الجيد أن هنالك صديقٌ مقربٌ له!» سعادة والدته كانت واضحةً وبشدة فوجهها يكاد يتشقق من شدة ابتسامها.
هذا فقط ما كان ينقصه.
«اسمي ماثيو موراليس، أعتذر عن الإزعاج مجددًا.» صافح والدته ببشاشةٍ طاغية، هو يبدو كالمزهرية بينهم.
«أهلًا بك في منزل ليندروت، اسمي هو ريتا لكن أفضل عدم مناداتي به.» الابتسامة البشوشة كانت تناقض حديث والدته، لكنها أخذت هدية ماثيو وأكملت بينما هي تتجه للمطبخ: «تستطيعون الذهاب الآن، إن أردتَ شيئًا يا ماثيو لا تتردد في إخبار جاسكا!»
حينها سحب ماثيو لغرفته بينما هو يجاوبها بكل سعادة: «حسنًا، سيدة ليندروت!» كانت السعادة بينهم مريبةً لدرجةٍ كبيرة. إنها متوقعة من ماثيو، لكن والدته؟ هو لم يراها هكذا قط.
«إذًا هل أنتَ مستعدٌ لإخباري لماذا نحن في منزلك؟» سأل ماثيو حالما دخل كلاهما غرفته بينما هو يتصفح أثاثه النظيف بشكلٍ مخيف.
«أريد أن أريك شيئًا غريبًا وجدته في غرفتي بالأمس.» دخل في الموضوع سريعًا، رغم أنه كان يجب عليه أن يتساءل كيف تمكن ماثيو من قراءته بسهولة، لكنه كان منشغلًا بالهاتف ليفكر بالأمر كثيرًا.
«أتمنى ألا تكون جثة.» قال بنبرةٍ ساخرة، وتمكن جاسكا من لمح القلق الخفيّ في نبرته التي يحاول التغلب عليه بالمزاح.
«إن كانت جثة فأنا لن أخبرك عنها، ثانيًا كيف يمكن لجثة أن تأتي من العدم لغرفتي؟ كن منطقيًا.» هز رأسه وهو يخرج الهاتف من دُرْج الخزانة، بكيسه وكل شيء، ثم وقف أمام ماثيو وهو يوجه الهاتف نحوه.
رمش الآخر لعدة مرات، ثم قال باستغرابٍ واضح: «إنه هاتف؟» حين رأى جاسكا يومئ هو عقد حاجبيه مكملًا: «ألا تملك الملايين من الهواتف التي تحب تفكيكها؟ لا أرى ما المشكلة هنا.»
هز رأسه مجددًا بخيبة أمل مبررًا: «أنا لم أفكك هذا الهاتف، لقد وجدته بالأمس مرميًا على سريري ووضعته في كيسٍ لكيّ لا أضع بصماتي عليه إن كان لمجرمٍ ما أو لا.»
«منطقيّ.. إذًا فقط وجدته على سريرك دون أي شيءٍ آخر؟» استفسر وهو يجلس على السرير مختبرًا خفة الفراش والوسادة.
«نعم، أردت استكشافه، لكن شعرت بالتوتر منه لسببٍ ما، وبالأمس مزاجي كان سيئًا كفايةً لذلك أجلت هذه المهمة.»
«إنجازٌ لم أعتقد أنك قادرٌ على تحقيقه، هل هذه هي المرة الأولى التي تؤجل فيها شيئًا ما؟» سخر مجددًا وهو يصفق بيديه قبل أن يصنع من بطانيته وسادةً لجسده.
ناوله نظرةً باردة قبل أن يجلس على مكتبه واضعًا الهاتف عليه، واكتفى بتفحصه. الهاتف كان قديمًا كما قال قبلًا، ويملك ثقلًا غريبًا لم يشعر به منذ وقتٍ طويل، آخر هاتفٍ قد فككه كان خاصّ والده قبل خمس سنوات وكان خفيفًا جدًا مقارنةً بهذا، ربما هو فقط نسي وزن الهواتف القديمة فقط.
أخرج قفازه المانع للبصمات من الدرج ليلبسه، وفتح الكيس بحذرٍ شديد، تأمل لون الهاتف الذهبي، والذي بدا جديدًا جدًا وكأنه لم يستعمل قط، تفحصه لعدة ثواني وهو لا يزال يشعر بثقله، كان الأمر مريبًا لدرجة أنه لم يتمكن من تجاهله، لكنه تنهد رغم كل علامات التحذير التي تحيطه وضغط على زر التشغيل، الذي أثبت فعلًا زمن الهاتف القديم.
أخذ وقتًا طويلًا ليشتغل، وحالما فعل وجد أن الخلفية هي الخلفيةُ الاعتيادية، ومن حظه الجيد أنه لا يملك كلمة مرور، لذا تمكن من دخوله سريعًا، رغم بطئ الهاتف المستفز بسبب عمره الطويل.
«هل هنالك شيءٌ مميز؟» سأل ماثيو فجأةً وهو يقترب منه، هو لم يشعر بحركته مما جعله ينظر سريعًا نحوه، قبل أن يهزّ رأسه نفيًا ويعود للهاتف مجددًا.
اكتفى ماثيو بالوقوف خلفه وهو يراقب ما يفعله بالهاتف، لكن جاسكا لا يرى أي شيءٍ غير اعتياديٍ لهذه اللحظة، أو ربما حتى دخل برنامج الصور.
كانت هنالك مقاطعٌ لرجلٍ غريب يرتدي معطف المختبر أو المستشفى هو ليس متأكد، يبدو في الأربعين أو الخمسين من عمره، بشعرٍ مبعثرٍ وشواربٍ طويلة بدت مقززةً جدًا، يتحدث فيها للهاتف في كل مرة.
«من هذا؟» همس ماثيو دون داعي وهو يقترب أكثر حتى أصبح وجهه فوق كتفه.
جاسكا لم يجب لأنه لا يعرف الإجابة، واكتفى بضغط أول مقطعٍ في الصور.
«مرحبًا، المخترع أرماس سالين هنا، سيتمّ توثيق يومياتي في صنع هذا الاختراع، لذا اليوم، ١٣ أبريل، سنة ٢٠٥٣، سأبدأ به.»
----------
السلام عليكم🫡
أولًا مبارك عليكم الشهر،
اللهم بارك لنا في رمضان واعنّا على صيامه وقيامه🤎
جيتكم برواية جديدة مليانة أحداث وبتصنيف جديد، قررت أخرج من طوري وأكتب خيال علمي بما إني من محبينه، وأتمنى النتيجة النهائية تكون مرضية لي ولكم😔
برضو القصة بتكون متمحورة حول الأحداث أكثر من المشاعر -إنجاز كبير مني- فأكيد بستعمل أسلوب جديد في الكتابة وأتمنى يروق لكم🫣
وبرضو مافيها أي شيء رومنسي وخالية من الأفكار المخلة؛ لذا أعتقد إنها صالحة للقراءة في رمضان فارتاحوا👍🏻
وبس،
أتمنى تستمتعون في قراءتها!🤎
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top