(4)

بقلم:نهال عبد الواحد

مضيا معًا يومًا رائعًا فمهما تمنى زين لم يتمنى يومًا أكثر مما هو فيه أن يجد من تحبه هكذا أن ترى قلبه بغض النظر عن شكله وملامحه، أن يكون سعيد لتلك الدرجة، أن يضحك حقًا من قلبه.

لكن السؤال الذي يطرحه لنفسه هل أنت تستحق هذا القلب؟! لقد آثرتك على كل شيء في حين أنت قد آثرت كبرياءك، فحتى الآن لا تقوى على البوح بأمر ساقك المبتور هذه، أتخشى فراقها؟! إذن فأنت أناني لأنك لا تريد تخييرها وهي لا تستحق أنانيتك تلك.

هكذا كان شارد في أفكاره بينما كانا يجلسان لمشاهدة التلفاز في المساء، إذ فجأة أخرجه من شروده تلك الرأس التي انزلقت على كتفه، إنها رأس جميلة فقد سقطت في سبات عميق.

كان يرى أن علاقتهما ماهي إلا بعض الوقت وستنتهي بمجرد معرفة جميلة للحقيقة إذن فعليه أن يقضي كل لحظة بجوارها ولا يفارقها، حتى تكون لديه ولو ذكريات سعيدة!

لمح بُردة موضوعة على الأريكة فقربها برجله السليمة وهو جالس مكانه حتى لا يُيقظها وضمها إليه وتغطيا بتلك البُردة، ثم أطفأ التلفاز باستخدام جهاز التحكم ونام بجوارها يحتضنها يشعر بدقات قلبها التي تدق له بصدق ، شعر بأنفاسها، استنشق عبير شعرها، شدد في قبضته عليها ربما لا تفارقه إن التصقت به هكذا.

وفي صباح اليوم التالي فتحت جميلة عينيها فوجدت رأسها على صدر زين وهي كلها بداخل حضنه الدافئ، وما أروعه من إحساس! فرفعت رأسها قليلًا تنظر إليه وهو نائم، ترى فيه براءة طفل صغير فأعادت رأسها على صدره من جديد وعانقته هي الأخرى و ودت لو لم يتحركا أبدًا.

لكن عناقها هذا قد أيقظه، لايصدق نفسه أنه قد بات ليلة كاملة قريبًا منها لهذه الدرجة! يا ليت الأمر يدوم.

لكنه الآن يشعر بألم شديد في ساقه فقد نام بهذه الساق الصناعية يبدو أنها قد أحدثت التهابات في ذلك المكان، كم هو مؤلم بل شديد الألم ، إنه لا يقوى على التحمل.

بدأ يتحرك حركات عشوائية فشعرت جميلة أنها ربما قد آلمته برأسها تلك طوال الليل، فما أن قالت بوجه باش: صباح الخير حبيبي!

حتى صاح فيها فهو حتى لم يقوى على رد الصباح أو ضبط إنفعاله تلك اللحظة فالألم شديد.

زين بصياح: ابتعدي!

فابتعدت و نهضت واقفة فجأة واجمة ولا تصدق ردة فعله هذه ولا تعرف حتى كيف تستوعبها.

فأكمل بنفس الصياح: هيا أغربي عن وجهي الآن!

فقالت وقد تملكتها العبرة: ما الخطب زين؟!

لازال يصيح: ألازلتِ واقفة؟! قلت أغربي عن وجهي! اختفي من أمامي! هيا!

فجريت مسرعة نحو غرفتها وهي تبكي بحرقة ولا تفهم ماذا جنت ليصيح في وجهها هكذا؟!

بينما هو بمجرد إنصرافها جلس أرضًا وفك هذا الجهاز اللعين المربوط من أسفل ركبته، وما أن فكه حتى بدأ يتنفس وإن كان لازال هناك ألم لكنه ألم محتمل الآن.

ثم عاد لنفسه يؤنبها على ردة فعله القوية وقسوته معها، لقد أغضبها، لقد أحزنها، لقد تسبب في بكاءها، وهذا الذي تفعله مقابل مقابل ما تفعله هي معك!

دخلت جميلة غرفتها وارتمت على الفراش باكية ثم نهضت جالسة وهي تمسح دموعها وتسأل نفسها: ماذا فعلت؟ ما الخطب؟ لماذا كل تلك الثورة؟ لابد أن هناك أمر ما عليّ معرفته، لا بل عليه معرفة كيف يتعامل معي فلا يمكن أن أتقبل ثورته هذه، فهبت تتجه لأسفل.

كان زين جالسًا أرضًا وكاشفًا ساقه المبتور هذه وجواره الساق الصناعية ولازال يتهم نفسه بسوء التصرف والغباء ويفكر بطريقة مناسبة ليعتذر إليها، لكنه وجدها أمامه فجأة فوجم وابتلع ريقه بصعوبة وظل ينظر حوله ويجذب رجل بنطاله لأسفل ليخفي تلك الساق وبدأ يرتبك ويتوتر وشعر بالخزي والإحراج فجأة! فهاهي قد علمت كم أنت مخادع بل ومتسلط، أتكون هذه حالتك وتقوم أنت بإغضابها والتسبب في بكاءه؟!

لكن جميلة قد وجمت قليلًا، صحيح أنها تعلم حقيقة ساقه تلك منذ اليوم الأول لكنها قد نسيتها بالفعل، كيف غابت عنها تلك؟! إذن فلتلتمس له العذر.

وبدأ يرفع عينه نحوها بخزيٍ واحتراس يخشى أن يرى منها نظرة سخرية، رفض أو ربما نظرة عطف وإشفاق.

وما كاد أن يرفع عينه حتى وجدها اقتربت فجأة وضمته برقة وحنان ود لو لم تبعد عنه لحظة لينعم بذلك الحنان أكثر، لكن الكبرياء قد حضر فدفعها يبعدها عنه، لكنها أمسكت وجهه بيديها وهي تنظر بعينيها التي لازالت تبكي لكن ينبعث منهما كل الحب والشوق ثم تبتسم وهي تربت على وجهه برفق ثم ضمته ثانيًا، فلم يملك نفسه إلا أن أجهش بالبكاء في حضنها فبكت هي الأخرى.

مر بعض الوقت وبدأ اثنانتهما في الهدوء فأبعدها عنه برفق ومسح دموعها بيديه وقرب وجهها إليه وهو يقول معتذرًا: أعتذر منك حبيبتي، أقصد يا ابنة العم.

فأهدرت بحب: بل حبيبتك.

فتسآل بألم وقلة حيلة: قوليلي بالله عليك من أين تأتي بهذا الهدوء؟! والله كنت أود إخبارك! لكني خشيت أن تتركيني وترحلي، كيف تقبلين بمسخ وعاجز؟

- لا أحب سماع مثل ذلك الكلام مجددًا، أنا أحبك أتفهم؟ أحبك!

- قوليلي ماذا تحبين في؟ هيا قولي!

فوضعت يدها على قلبه وقالت: أحببت هذا، أحببت قلبك.

- وماذا تفعلي به؟

- لست بحاجة لرجلٍ وسيم، لكني بحاجة لرجلٍ حنون، و بداخل هذا القلب حنانًا لا يوصف.

- أرجوكِ أعيدي التفكير، ربما أقبل تركك لي الآن لكن بعد ذلك ربما أقتل نفسي.

- الإنتحار هو فقط حيلة الضعفاء، وأنت لست هذا الضعيف.

- بل أنا هو، صدقيني.

- كن مطمئنًا لن أتركك، ولن أمل من قربك أبدًا ربما يحدث العكس فأجعلك أنت الذي تمل.

فضمها إليه وقال: لا والله! ليتني أقوى على إسعادك و أرسم على وجهك الملائكي هذا تلك الإبتسامة التي تمنحيها إليّ.

- أنت فعلًا سر سعادتي وبسمتي في هذه الحياة، المهم هيا أخبرني كيف أساعدك؟

- ساقي تؤلمني بشدة، لقد أصابها التهابًا شديدًا من أثر النوم بذلك الجهاز وأود أخذ حمامًا دافئًا والمكوث في فراشي اليوم، فهل تساعديني حتى أذهب لغرفتي؟ رجاءً!

- لست بحاجة للرجاء، هيا انهض معي! لكن تحرك بهدوء معي حتى لا نسقط معًا من فوق الدرج.

وبدأت تساعده أن يقف ثم سارا معًا حتى الدرج وهو مستندًا عليها وهي تمسكه من خصره، وصعدا معًا بهدوء حتى وصلا لغرفته فأدخلته وجلس على فراشه.

ثم قال: جميلة! افتحي هنا!
وأشار نحو خزانة الملابس ففتحت فإذا بها حقيبة يدها فمنذ أن اختطفها وهو قد أخذ متعلقاتها وهاتفها حتى لا تتمكن من طلب الإستغاثة.

فتابع مبتسمًا: هذه حقيبتك خذيها، وهي كاملة كما هي لم ينقصها شيء وبداخلها هاتفك، يمكنك تركي الآن وعندما أنتهي من حمامي سأتصل بك.

فأومأت مبتسمة برقة: حسنًا! وأنا سأذهب لإعداد الإفطار.
وقد ذهبت للمطبخ لتعد الإفطار، بينما هو قد تسند على قطع الأثاث ودخل الحمام.

وبمجرد أن انتهى زين من حمامه واتصل بها حتى كانت قد انتهت هي الأخرى من إعداد الإفطار، فحملت الصينية وصعدت إليه وكان قد جلس في فراشه و وضع الغطاء على رجليه فدخلت بابتسامتها الساحرة ثم وضعت الصينية وبدأت تقطع الطعام وتطعمه في فمه وهي تحكي بخفة ظلها المعتادة.

كم كان سعيدًا هذه اللحظة! فقد شعر فجأة أن أمه قد خرجت من قبرها وجاءت إليه تطعمه وتدلله.

لكن ساعات السعادة قلما تدوم، وإذ فجأة قطع ذلك الإنسجام البديع صوت يصيح: ما هذا؟ ما الخطب؟!

........................................

NoonaAbdElWahed

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top