الفصل الثامن

[ اللهمّ إنك عفوٌ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنّا ] ❤
سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر 🌼

***

يتابع الفصل السابق

( الفصل الثامن)

انتهي آيزاكل من اعماله المكتبية ليتنهد بضجر ... مقرراً اخذ استراحة و التجول قليلاً ... لقد مضى شهر فقط و قد سئم من هذا ، هو محارب و ليس امينة مكتبة ليمضي اكثر من نصف يومه خلف هذا المكتب يقرا السجلات و الشكاوي و لولا ان الملك يثق به و يعتمد عليه بشكل خاص لتولي الاشراف عن الجنود المتدربين لما ازعج نفسه بالتواجد في هذا المكان ... حسم امره و قرر أن يأخذ استراحة لبقية اليوم ليسير في الاروقة الفارغة قبل ان يلفت نظره ضجة المتدربين ليقف عند احدى النوافذ و يتأمل التدريبات ، جال بعينيه في المكان بحثاً عن سايروس بينهم لكنه استشاط غضباً حين وجده يجلس بعيداً و يركز نظره علي الاخرين ... سار آيزاكل بخطوات غاضبة و ما ان وقف امامه حتي رفع احد حاجبيه ليسأل بحدة:- لم اكن اعرف ان التأمل تدريب للجنود .

اشار سايروس الي حيث بقية المتدربين الذين يستخدمون قدراتهم السحرية كالماء و الارض و الهواء ليتمتم آيزاكل بعدم اقتناع:- هذا ليس سبباً كي لا تشارك في التدريب .

رفع سايروس احد حاجبيه فرغم انه يستطيع مواكبة تدريبات المبارزة و الرماية مع بقية المتدربين لكن لا فرصة لديه في مباريات السحر ... اشار بأصبعه الي حيث يتنازل نيكولاي الذي يستعمل سحر النار مع احد سحرة ارض ليستفسر:- لما هو الوحيد الذي انتبهت انه يستعمل سحر النار ...؟! .

زم آيزاكل شفتيه بعبوس قبل ان يجيب:- ان سحرة النار قليلون جداً و هو من العناصر النادرة في هالين و حالياً مستخدموه بالكاد يمكن ان يتجاوز عددهم عدد اصابع اليد .

ركز آيزاكل عينيه متابعاً كل حركة لنيكولاي قبل ان يكمل:- ان عائلته احدى العائلات التي تتوارث سحر النار منذ اجيال و والده يعد احد الركائز الاساسية في جيش هالين لكن لا تكترث بهم فحتي اعظم القدرات و الامكانيات حين تكون بيد الحمقى تصبح بلا فائدة.

دام الصمت بينهما لثواني انشغلا فيها الاثنان بمراقبة النزلات ليقول آيزاكل و هو يسير مبتعداً:- تعال معي .

نهض سايروس و نفض الغبار عن ثيابه ليتبعه ، دخل الاثنان الي الاسطبل و الذي امتد لمساحة كبيرة أمامهما ليقف و ينظر بدهشة لتلك التنانين المختلفة الالوان التي استقر كل واحد منها في حجرة ضخمة خاصة بها ، بأحجامها الضخمة و أجنحتها المليئة بالحراشف الصلبة ... تراجع سايروس للوراء خطوة بتوتر ليقول:- ما هذا بحق السماء ..؟ .

تجاهله آيزاكل بالكامل بعد ان بان الضجر علي ملامحه ليسير بين الحجرات و تبعه سايروس بصمت محاولاً تهدئة نبضات قلبه و اخفاء خوفه من تلك النظرات التي يشعر انها تترصده ، توقفا أمام إحدى الحجرات التي استقر فيها تنين بلون أحمر مختلط بالأسود الليلي ، حدق سايروس به بإعجاب لم يتمكن من إخفائه حل محل خوفه ليقول:- انه مذهل .

سريعاً ما ابتلع دهشته حين رمقه التنين بنظرات حادة ليضحك آيزاكل و هو يربت علي رأس التنين قائلاً:- احسنت ، فتي جيد قد اسمح لك بأكله ان ازعجني .

رمقه سايروس بحقد لكنه لم يجرؤ علي فتح فمه فهذا الشيء لا يبدو انه يحبه و لا يراه سوى كوجبة خفيفة ليعود آيزاكل ليقول:- احياناً تهجر التنانين بيوضها لذلك يخصص فرانز جزء من وقته لتفقد اعشاش التنانين و الاهتمام بأمر البيض المتروك و حينها اما يحضرها الي هنا او يسلمها الي احد الذين يثق بهم للاهتمام بها ... إن سورن هنا ايضاً عليك زيارته من حين لأخر فلابد ان يعتاد علي سيده منذ الان او سيصعب عليك تروضيه مستقبلاً .

رغم استغرابه من هذا الحوار الذي يخص التنانين إلا انه لم يعد اي شيء يثير دهشته فكما قال آيزاكل هذه هالين حيث لا شيء مستحيل ... هز سايروس رأسه موافقاً فهو لم يأخذ الامر بجدية في الماضي لكن بعد ما سمعه تأثر بالأمر ففرانز سلمه التنين لأنه يثق لذلك سيبذل جهده معه مستقبلاً فمنذ ان اخذ آيزاكل السحلية الصغيرة في يومهم الاول لم يرها مرة اخرة .

قاد آيزاكل التنين الي خارج الاسطبل ليتبعه سايروس و هو يحاول وضع مسافة امنة بينهما ... جثا التنين علي الارض سامحاً لآيزاكل بالصعود على ظهره بينما بقي سايروس واقفاً يراقب بصمت فنظر اليه آيزاكل و قال:- هيا ، ليس لدينا اليوم بطوله .

تقدم باستسلام نحو التنين الذي حافظ على هدوئه دون أن يهجم عليه مما جعله يطمئن و يصعد هو الآخر على ظهر التنين الذي فرد جناحيه بقوة و انطلق محلقاً في السماء.

تمسك سايروس به بشدة و الرياح تضرب وجهه بقوة بينما يرتفعان أكثر و يطيران أسرع و أسرع . و خلال لحظات ، أصبحا يطيران وسط الغيوم و الأرض و الاشياء مجرد ذرات صغيرة تحتهما .

- افتح عينك عليك الاعتياد علي هذا الشعور ما ان يكبر سورن قليلاً حتي يصبح بإمكانك امتطاه .

رغم انه اخذ يقلب الفكرة في رأسه إلا انه لم يتعمق بالأمر و اخذ يتأمل المناظر الخلابة التي لم يتخيل انه سيراها من هذا الارتفاع .

نظر آيزاكل الي اسفل الي حيث توجد بحيرة صغيرة و مساحة خالية بجانبها ليحرك لجام التنين و يهبط به ليترجلا منه و يسير آيزاكل و يقف امام البحيرة و بدأ انه يفكر في امر ما ليدوم الصمت بينهما لبعض الوقت قبل ان يكسره سايروس:- اخبرني عن حرب التوحيد التي شاركت فيها .

- حدث ذلك منذ سنوات حين كنت في العشرين تقريباً ، للملك السابق هنري ابنان و حين مات كان لابد لابنيه ان يخوضا منافسة للقدرات السحرية بين حملة دماء ازرال لأجل ان يتحدد الملك القادم ، لقد كان الاخوان رافضان لهذه الفكرة حين كان والدهما حي لكن بعد موته اصبح الامر ضرورياً لأجل تنفيذ القوانين إلا ان الامير الاصغر وقف في منتصف ساحة المعركة معلناً تنازله علي حقه بالمطالبة بالعرش و انه سيدعم اخاه لأجل مصلحة مملكة هالين لكن ظهرت فئة معترضة علي حكم الملك و قالوا ان الامير الاصغر احق من اخيه في الحكم و احدثت تلك الفئة الكثير من المشاكل و اصبحوا يعادون الملك و كونوا جيشاً خاص بهم لمحاربته و تنصيب الامير الصغير بدلاً منه ، كانت البلاد في صراع بين مؤيد و معارض لهم و كادت المملكة ان تتشتت و تنقسم .

اخذ سايروس يقلب الامر في ذهنه قبل ان يستفسر:- و ماذا فعل الامير الصغير حين حدث كل هذا ..؟! .

- تولي قيادة الجيش ممثلاً لسلطة شقيقه و قضي علي كل المتمردين و وحد الملك و شقيقه مملكة هالين .

شعر سايروس بالاحترام لذلك الامير فلابد ان يكون شخصاً يستحق الاعجاب ليقف بكل قوة الي جانب شقيقه و يرفض ان تفرقهما السلطة و الحكم.

- و اين كنت انت من كل هذا و كيف اصبحت بطلاً ..؟! .

صر آيزاكل علي اسنانه بعصبية كأن تذكر كل هذا لم يسعده:- كنت مجرد جندي تحت قيادة الامير بيتريوس شاركت في معارك كثيرة حتي انتزعت اعتراف الجميع بي و هكذا صرت اهم قائدة الجيش الملكي و احد ابطال هالين و انا في العشرين فقط .

صفر سايروس بأعجاب لكنه تسأل عن سر عصبية آيزاكل و هو يجيب عن السؤال الاخير ليهون عليه:- لا تغضب لم اقصد اي سوء من اسئلتي .

عبس آيزاكل باستياء قبل ان يتنهد و يقول باستسلام:- حين يولد السحرة يتم معرفة عناصر سحرهم و هي الارض و الماء و الهواء و اندرها النار لكن لا تستيقظ قوانا السحرية إلا عند بلوغ سن العاشرة ... لكن قدرتي السحرية لم تظهر ابداً حتي حين بلغت الرابعة عشر ، اخذني ابي الي العديد من الاطباء لم تختلف اجابة اي منهم عن الاخر لا يوجد اي خطب بي و لكني لا امتلك اي قوة سحرية او الموهبة ... كنت الاوسط بين اخوين ساحرا ماء ، كنت اشعر بالنقص و اني مختلف لقد كان الجميع يسخر مني و حين بلغت الخامسة عشر انضممت الي الجيش ، ابي حداد لذلك كنت اجيد التعامل مع السيوف و الاسلحة منذ الصغر و منها بدأت بالتدريب ليل نهار حتي لا اكون اقل من اي احد ، ما كنت افتقر اليه بالسحر عوضته ببذل الكثير من الجهد و ها انا اليوم احمل لقب لورد و احد ابرز ركائز الجيش في هالين .

تطلع به سايروس بفخر ، لقد كان يعلم ان آيزاكل شخص رائع لكن بعد ما سمعه ازداد احترامه له ليقول متفائلاً:- اتريد ان تقول اني استطيع مواكبة الاخرين حتي بدون سحر و قدرات و اصبح مثلك ..؟ .

نظر اليه آيزاكل بطرف عين:- جاهل حسب ما اراه لن تصبح مثلي إلا بعد خمسين سنة .

نبض عرق في جبين سايروس و لم يجد بما يجيب المغرور الذي امامه لكن سريعاً ما ارتسمت الصدمة علي ملامحه و هو يرى آيزاكل يشير بيديه و يتحكم بالنباتات و فروع الاشجار كان مشهداً بث الهيبة في داخله و جعله يفتح فمه في ذهول .

- اغلق فمك و ارتدي هذا .

هتف آيزاكل بحدة و ليقوم بخلع الخاتم الذي حول احد اصابعه و يرميه الي سايروس الذي التقطه و اخذ ينظر اليه بتعجب فهذا الخاتم الغريب يشبه وجه تنين و هناك جوهرة حمراء في فمه ... توقف سايروس عن تأمل ليسرع بارتدائه تحت نظرات آيزاكل العصبية ، في البداية كان الخاتم واسعاً لكن ما ان وضعه في اصبعه حتي تقلص الخاتم و اصبح يناسبه تماماً .. رفع عينيه المندهشتين الي حيث آيزاكل الذي اخذ يدلك جبينه طالباً الصبر قبل ان يكمل:- انا اكره ان اشرح كل شيء لكنك جاهل لذلك لا خيار لدي ، هذا هو خاتم ازرال صنعه الملك خصيصاً لي و هو يمتلك قوة سحرية تمكنني من التحكم بالنباتات و التواصل مع الطبيعة و هي قدرة فريدة ، لقد منحت هذا الخاتم بعد انجازاتي في حرب التوحيد و الان هو لك .

اتسعت عيني سايروس بصدمة و هو فاغر فمه من الذهول و ما ان حاول قول شيء حتي صرخ آيزاكل في وجهه:- لا تعترض الخاتم اصبح لك و انتهي الامر سأبدأ بتدريبك علي استعماله لثلاث ساعات كل يوم بعد العشاء .

كل امتنانه تبخر في الهواء ليوجه نظرات مستنكره الي آيزاكل ، تدريبات الجنود تنتهي في التاسعة مساءً ليتناولوا العشاء ثم يرتاحون علي هذا الحال سيتقلص وقت نومه الي اربع ساعات لابد من انه يمزح ... توقف سايروس عن التفكير للحظة متذكراً ان ايزاكل كان يستعمل سحر الماء اثناء بقائهما في الغابة و حتي انه كان يتحكم بالجليد ايضاً ..؟! .

رمقه آيزاكل بملل مخمناً ما يفكر فيه ليقول:- لقد قلت ان قدراتي لم تظهر حتي حين بلغت الرابعة عشر لكني لم اقل انها لم تظهر ابداً انا الان ساحر من الدرجة الاولي .

و خلال الاشهر التالية كان سايروس يمضي ثلاثة ساعات مع ايزاكل كل ليلة تقريباً في التدريب على استخدام الخاتم السحري بعد انتهائه من التدريبات الاساسية في الفيلق و ايضاً حاول قضاء اكبر وقت ممكن مع سورن ليعتاد الاثنان على بعضهما .

***


أغمض عينيه الزمرديتان ثم فتحهما ببطء متضايقاً من قوة اشعة الشمس فالسماء صافية و لا وجود لأي اثر للغيوم ثم أعاد بصره إلى تلك الهاوية السوداء المظلمة تحته و علي حسب قول آيزاكل هذا الوادي من اخطر الاماكن في هالين .

انتابه نوع من الخيبة حين لم يستطع رؤية القاع او اي شيء سوى السواد ، مرر نظره إلى من حوله المتدربين بعضهم متحمسين و الاخرون متوترون ، لم يكن يدرى ما هي مشاعره بالضبط فاليوم هو الاختبار الاول للمجندين بعد أشهر من التدريب و قد تكرم آيزاكل بالشرح بكل بساطة ان عليهم النزول الي الوادي لأجل جلب احجار تسمي تبريس وهي احجار ذات لون ازرق متوهج كما سمع مع انه لم يرى شيء كهذا من قبل .

- استعداد .

ايقظه صوت آيزاكل من شروده ليصطف مع بقية المتدربين في صف واحد ليعود آيزاكل ليقول بتهديد:- اليوم هو اختباركم الاول و اتوقع منكم الكثير فلا تخيبوا ظني بكم و إلا ستندمون .

وعيده جعل معظم المشاركين يفكرون ان الموت في الاسفل لن يكون سيء مقارنة بمواجهة غضب مدربهم ... ما هي إلا ثواني حتي اعطى اشارة البداية ليتأمل بفخر المتدربين و هم يتسابقون لنزول في الهوة و استخدام سحر عناصرهم لينظر بعدها بطرف عين الي سايروس الذي لايزال واقفاً مكانه ليسأل بحدة:- ما الذي تنتظره ..؟ .

هتف سايروس بحنق:- ماذا برائيك..؟ ان تنبت لي اجنحة .

كتف آيزاكل ذراعيه ليقول بجدية:- هذا ليس عذراً ، الامر لا يختلف عن تدريبات تسلقك لأشجار الغابة ..؟! .

قلب سايروس عينيه بملل فمن السهل قول هذا الكلام ... سار باتجاه الجرف لأنه يدرك انه لن ينقذه شيء من لسان ذلك السليط و يمكن ان يبقيا يتجادلان للغد دون ان يصل الي نتيجة تذكر امام عناد آيزاكل ... بدأ بالنزول علي مهل وجه بعض الصعوبة لكنه لم يتوقع ان يكون الامر سهلاً و إلا لما كان هذا تدريباً للفرسان ... اثناء نزوله لاحظ ان عديد من المتدربين تخلوا عن استخدام سحرهم و بدوا بتسلق الصخور مثله ، ليستوعب الامر بعدها فهناك امر غريب بهذا المكان يوثر عليهم و يفقدهم السيطرة على قواهم السحرية بالإضافة ان الرياح تزداد شدة كلما هبطوا اكثر و اي تشتت او غفلة ستكون النتيجة كارثية .

لم يكن يدري الي اي حد يجب ان ينزل فالي الان كل ما وجده احجار زرقاء صغيرة هشة سريعاً ما تتحول الي رماد بين اصابعه ، كاد يفقد الامل فالي متي سينزل و ربما لن يستطيع الصعود حينها او قد يسقط و يموت ... اخرج خنجر صغير و استعمل احدى يديه لتثبيت نفسه اما الاخرى فقد استخدامها للحفر في الصخور ، استمر بالحفر لبعض الوقت قبل ان يثمر عمله... ابتسم بسعادة فقد صدقت توقعاته فهذا المكان اشبه بالمنجم اي ان احجار التبريس تتكون داخل الصخور و الاحجار الصغيرة التي كانت وجدها بالبداية فلم تكن سوى في بداية تكوينها و قد اصبحت ظاهرة بفعل الانهيارات و الرياح لذلك هي هشة... امسك الحجر المشع من بين الصخور بإحكام و قد ازدادت ابتسامته حين لم يتحول الحجر الي رماد ليسرع و يقوم بتخبئته في جيبه و شرع بالصعود .

ما ان وصل الي القمة حتي استلقي و اخذ يتأمل السماء و الشمس التي لم يظن انه سيراها مرة اخرى... قاطع آيزاكل لحظة سلامه و هو ينظر اليه باستياء قبل ان يقول:- لقد خيبت املي انت اخر المتدربين ، اين ذهبت أشهر تدريبي لك ..؟! .

رمقه سايروس بحدة ، فاخر ما يهمه هو هذا او انه خيب امل احد لقد كان يمكن ان يسقط و يموت ... سريعاً ما اخرج الحجر الذي وجده و قدمه الي آيزاكل الذي اخذ يقلبه بأصابعه و لم تختفي نظرات عدم الرضي من عينيه و هو يهتف بحدة:- بعد ان انتظرتك كل هذا الوقت تأتيني بهذا الحجر الصغير ، انت معاقب ستقوم بثلاث مناوبات للحراسة في الحدود الشمالية .

امتقع وجه سايروس اخذ يصر على اسنانه لكنه لم يكن يريد الدخول في نقاش مع آيزاكل فهذا لن يودي سوى لزيادة ايام عقوبته.

رفع نيكولاي يده بحماس قائلاً:- سأرشده للحدود الشمالية و اتولي الحراسة معه .

تطلع كل من سايروس و آيزاكل اليه بشك لكن احداً منهما لم يقل شيئاً رغم انهما تبادلاً نظرات عدم الارتياح لهذا العمل التطوعي المفاجئ .

و بحلول منتصف الليل كان سايروس يشتعل من الغيض و هو يستمع لصوت شخير نيكولاي لكنه ابتلع غضبه فأي شيء افضل من الاستماع الي ثرثرته التي استمرت لثلاث ساعات قبل ان يغط في النوم و قد كان تجاهلها صعباً، رغم انه انزعاج من هذا الثرثار النائم الذي تطوع ليقوم بالمناوبة الحراسة معه لكنه كان يأمل ان يساعده قليلاً بدلاً من ان يكون وحيداً .

***

سار سايروس بملل اثناء مناوبتهما الليلة مفكراً بالأشهر الماضية التي امضها بالفيلق لا يمكنه الانكار انه تطور بشكل كبير و لم يبقي إلا عدت اختبارات اخرى و يصبح فارساً رسمياً و يبدأ فعلياً بالمهام في كافة ارجاء هالين و ربما ان كان محظوظاً سيتخلص من مرافقة نيكولاي الذي اصبح يلتصق به كالعلكة و يورطه في دوريات الحراسة بينما ينام كأن الامر لا يعنيه .

تنهد بتعب انه يمضي اكثر من اسبوع في الحراسة كل شهر سبب مشاكل نيكولاي و الأسواء ان آيزاكل قد غادر لأجل عمل ما و سيغيب لثلاثة ايام و تركه في الفيلق .

اخذ يجر خطواته بملل مفكراً ان يعود إلى حيث ترك نيكولاي النائم لكنه لاحظ وجود حركة غريبة بين الاشجار ليصدم و هو يرى الوحش الذي يشبه الاخطبوط الضخم ... لم يفهم كيف لذلك الشيء ان يكون هنا فالوحوش نادراً ما تقترب من حدود المدينة ثم انه يفترض ان تكون هذه المنطقة امنة و إلا لما ارسل المتدربين للقيام بالحراسة فيها .

ظل يلعن حظه التعيس و هو يحاول التراجع للخلف ببطيء لكنه داس على غصن صغير ليحدث صوتاً ، تجمد في مكانه و لم يجد فرصة للقيام باي حركة فقد التفت الوحش اليه و اطلق هدير عالي .

ارد الركض و الهرب بعيداً لكنه تلقي ضربة قذفته بعيداً علي الارض و قبل ان يتدارك الوضع التف احد مجسات الوحش حول عنقه ، شعر بالاختناق و الأسواء ان جلد الوحش مليء بالأشواك التي كانت تغرز في عنقه و جسده ، ظل يحاول ابعاد المجس عنه لكن الامر اشبه بالمستحيل فقوة يديه وحدهما لا تكفي و قد سقط سيفه بعيداً ، بصعوبة استطاع الوصول لخنجره ليحركه بعشوائية لجرح الوحش لكنه لم يكن يستطع التركيز فظلت ضرباته تتخبط هنا و هناك دون فائدة تذكر ، كان يشعر انها نهايته رئتاه تفتقدان الهواء و ذلك الوحش يحكم على عنقه.

كان يحاول ان يهدأ و ألا يصاب بالهلع ، استجمع كل تركيزه و قوته ليضرب الوحش و يقطع المجس الذي كان حول عنقه ليسقط ارضاً ، كان يسمع الهدير المتألم للوحش لكنه لم يمنحه اي وقت بل اشار بيده الي الاشجار لتتحرك الافرع و تشكل ما يشبه القفص و يحتجز الوحش بداخله و لكنه ذلك لم يكن كافياً ليطفئ نار الغضب التي بداخل سايروس فقد استمرت الاغصان بالضغط علي الوحش حتي اخترقت جسده مرات عديدة و انتشرت الدماء السوداء في كل مكان .

كان صوت تنفسه عالياً و قد استنفذ استخدام خاتم ازرال كل الطاقة في جسد سايروس ليحس بالثقل وعدم القدرة علي الحركة و هو يحاول استعادة انفاسه المضطربة لترتخي جفونه و يفقد الوعى .

***


افاق فتحاً عينيه ببطء و اخذ ثواني محاولاً تذكر ما الذي حدث له ..؟ انه يشعر بوخز و الجفاف في حلقه ، تحسس عنقه و الضمادات التي عليها انه يشعر كأن ابر غرزت في جسده ... استغرب حين وجد العم فرانز يجلس علي كرسي قرب سريره ليسرع العجوز ليساعده علي الاعتدال في جلسته ثم ناوله كوباً من الماء تجرعه دفعة واحدة ليسأله:- كيف تشعر الان ..؟ .

تجاهل دهشته ليرسم ابتسامة كبيرة ليقول بصوت متحشرج:- مرحباً عمي لم ارك منذ فترة طويلة .

رسم العجوز ابتسامة خفيفة لكنها لم تنجح بإخفاء الحزن من وجهه و هو يقول:- انا ايضاً افتقدك يابني ، هل انت بخير ..؟ .

حاول سايروس الحفاظ علي ابتسامته و هو يجيب:- اجل انا بخير ليس عليك القلق ، الامر غير مهم .

- آيزاكل هنا ايضاً لقد كان قلقاً و متوتراً حين بدأت بالاستيقاظ خرج من الغرفة .

مال برأسه مستغرباً ، الم يكن آيزاكل في مهمة تستلزم ثلاثة ايام خارج مقر الفيلق .. فهم فرانز نظراته المستفهمة ليفسر:- لقد اتي كالمجنون حالما سمع بما اصابك ليتك رأيت ملامحه القلقة و هو يجوب الغرفة ذهاباً و اياباً .

قهق سايروس بوهن و هو يتخيل ملامح آيزاكل القلقة ، من كان يظن ان شخصاً جاد مثله سيفقد صوابه لأجل حادثة كهذه .. سمع الاثنان صوت نقر خفيف علي الباب قبل ان يفتح جزءً صغير منه و يطل رأس آيزاكل و هو يسأل:- كيف حالك الان ..؟ .

اخذ ينقل نظره و هو يحاول ان يطمئنهما:- لا يسحق الامر ان تقلقا هكذا انها مجرد حادثة بسيطة .

تبادل الرجلان النظرات قبل ان يتقدم آيزاكل و يجلس على الكرسي القريب منه قائلاً:- بل يستحق .. لقد فكرنا بالأمر و وجدنا انه ربما لا تناسبك الحياة هنا و خطورة التدريبات .

تدخل العجوز فرانز مكملاً:- اريدك ان تأتي للعيش معي ستكون حياة هادئة و مسالمة .

اخذ سايروس نفساً عميقاً قبل ان يتحدث بجدية:- انا اقدر لكما ذلك و كل ما فعلتماه لأجلي لكني اريد البقاء و مواصلة التدريبات بالفيلق و لن اتوقف الان .

لم يبدو الاقتناع علي الاثنان لكنهما رضخا لرغبته ليتنهد ايزاكل و يقول:- كما تريد سأحضر لك الغداء و ارتح لبقية الاسبوع في سريرك .

وجه ضربة خفيفة لكتف آيزاكل ليقول ممازحاً:- لقد قطعت كل تلك المساحة لتراني و الان تعرض علي اجازة لبقية الاسبوع انت لا تريد ان يبدأ الجميع بمناداتي بمدلل المدرب .

نهض من السرير و هو يكمل:- لابد ان بقية المتدربين في قاعة الطعام الان سأنضم اليهم اراكما لاحقاً .

خرج سايروس من الغرفة بسرعة دون أن ينتظر ردهما كأنه يريد ان يهرب من نظراتهما فهناك شيء في عيني آيزاكل و العم فرانز لم يستطع فهمه او فهم سببه ..! كأنهما يشعران بالذنب لما اصابه ، ليس عليهما فعل ذلك فهو لم يكن خطأهما او خطأ احد لقد استقبلاه حين نبذه الجميع ، ساعداه و صدقاه في الوقت الذي كذبته فيه عائلته .. ثم انه من اختار هذه الطريق بكامل ارادته من اجل ان يصير اقوي و ليس عليهما الشعور بالذنب ان اصابه اي شيء ... تسابقت خطواته خلال الاروقة قبل ان يصل الي بوابة غرفة الطعام و يدخل ، كان الجميع حول المائدة الطويلة لتتوجه كل الانظار اليه ليقول بصوت خافت:- اسف علي التأخير .

اشار اليه احد المدربين بالتقدم فجلس علي كرسيه و يعود كل المتدربين للأكل بصمت ، لم يكن لدي سايروس شهية لأكل لكنه حاول التظاهر ان كل شيء بخير رغم انه يشعر بالاختناق مع كل لقمة بسبب جروح عنقه لكنه رفض ان يظهر الضعف و ينتظر الشفقة من الاخرين عليه ان يكون قوياً مهما حدث ... للحظات تقابلت عيناه بعيني نيكولاي ليسرع بالإشاحة وجهه لجهة الاخرى فـلم ترق له نظرات الأسف و الندم التي اظهرها نيكولاي الذي لم يأكل شيء من طعامه .

بعد الغداء كان يفكر باستئناف التدريبات مع بقية المتدربين لكن الهمسات التي وصلت إلى مسامعه جعلته ينسحب من الساحة و يتجه الي مكتب المشرف العام للفيلق ... اخذ نفساً عميقاً قبل ان يطرق الباب .

كان المشرف العام للفيلق خلف مكتبه و يجلس علي الكرسيان اللذان امامه مدربان و كانت نظرات الجميع مرتكزة علي نيكولاي الذي يقف امامهم كمجرم مذنب ينتظر قرار المحكمة بعقابه لكن نظراتهم تحولت عنه الي حيث سايروس الذي دخل و استمر بالتقدم ليقف بجانب نيكولاي قالاً:- عذراً على المقاطعة لكن هذا الامر يعنيني ايضاً ، لم يكن ما حدث مسؤولية نيكولاي وحده لقد كان اخطئي بقدر ما هو خطأه و انا مستعد لتحمل العقاب معه.

تبادل المدربين النظرات فيما بينهم قبل ان يقول احدهم:- لا يمكننا اتخاذ اجراء ضدك إلا بعد الرجوع الي اللورد آيزاكل لاندرو فهو المسؤول المباشر عنك و يجب ان يدقق بكل الامور المتعلقة حولك ثم انه تقدم بطلب اجازة لك .

ارتسمت الجدية على ملامح سايروس و هو يقول بجمود:- اللورد لاندور ليس ولي امري ليطلب اي شيء بالنيابة عني و انا مسؤول عن اتخاذ كافة القرارات المتعلقة بحياتي و لازلت مصراً علي تحمل المسؤولية مع نيكولاي.

لم يبدو الاقتناع علي احد منهم لكن المشرف العام وقال:- حسناً يمكنكما الانصراف الان .

***


ظل نيكولاي يحدق بالنار امامه بشرود ان الحزن و الندم يتملكه ، ما فعله شيء لا يغتفر ، هو نفسه لا يجد تبريراً لما فعله لقد اهمل عمله و لم يؤدي واجبه كفارس متدرب و كاد شخص اخر يدفع حياته ثمن لذلك لقد كان يفترض ان يكون مع سايروس في دورية الحراسة تلك لو كان هناك لتعاونا على هزيمة الوحش.


رغم انه سبب تلك الحادثة تمت تكليف جنود رسميين لتفقد الحدود الامامية إلا انه لازال يعتبر كعقاب للفرسان المتدربين حراسة الحدود الخلفية ... لم يفهم لما رفض سايروس الاجازة التي منحت له و بل و تطوع للقيام بعقوبة الحراسة معه طول الشهر قائلاً ان ما حدث سابقاً كان اهمالاً من كليهما و يستحقان العقاب معاً لكن كان يظن ان سايروس سيتخلف عن نوبة الحراسة الليلة لكن ظنه خاب حين لامح المعني يقترب منه ليستلقي علي الجهة الاخرى للنار و يستعمل يديه كوسادة قائلاً:- لا توقظني إلا اذا هاجمنا تنين بخمسة رؤوس .


رمش نيكولاي عدة مرات مفكراً انه لا يوجد تنين بهذه الموصفات ليس علي حد علمه علي الاقل و سريعاً ما فهم ان هذا انتقام لنومه اثناء نوبات حراستهما لكنه نفض هذه الافكار مستجمعاً شجاعته ليهمس بندم:- سايروس انا اسف .


نظر اليه سايروس بطرف عينه قبل ان يفتح كلا عينيه و يتعدل بجلسته ليقول بقسوة:- ابعد ملامح الشفقة هذه عن وجهك ان كنت تظن اني كنت انتظرك لتنقذني في ذلك الوقت فانت واهم .

لكن ذلك لم يساعد علي محو الحزن من ملامح نيكولاي ليبرر:- نحن شريكان لم يكن علي تركك هناك تواجه الموت وحيداً .


سأم من هذا النقاش ليدير ظهر لنيكولاي و ينام متجاهلاً كل شيء لكن نيكولاي لم يتركه لحاله فقد ظل يتبعه طول اليوم التالي و هو يعتذر مما دفع سايروس لينفجر في وجهه غاضباً:- استمع لي ايها الاحمق لا شأن لك او لأي احد بي ، يمكنني الاعتماد على نفسي و اتخاذ قرارات حياتي بمفردي افهمت .


توقف سايروس حين انتبه ان آيزاكل امامه ... اراد التوضيح او شرح الوضع لآيزاكل خصوصاً انه يدرك ان ما حدث في مكتب المشرف العام لابد ان يكون قد وصل اليه ، كان يشعر بأنه مخطئ في موقفه بطريقة ما لكن هذه هي الحقيقة ففضل الصمت .. لقد فكر كثيراً قبل ان يحسم امره و انه يجب ان يضع حداً لعلاقته مع آيزاكل و العم فرانز فهما يهتمان به كأنهما عائلته و قد قرر سابقاً انه لن يسمح لنفسه بالتعلق بأحد و ألا يجعل مشاعره تتحكم به.


تقدم آيزاكل بملامح جادة و يقول بحدة:- قابلني في الساحة بعد خمس دقائق افهمت .


اكمل آيزاكل سيره بخطوات سريعة تمثل غضبه لينظر نيكولاي الي وجه سايروس الهادئ الذي لم يستطع قراءة ملامحه او فهم ما حدث الان ..! .

***

راقب نيكولاي و بقية المتدربين بالإضافة لبعض المدربين المبارزة الحادة التي كانت تحدث في الحلبة ، لم يكن نيكولاي واثقاً حتي من انه تدريب ، شهق بفزع حين لامح السيف الذي كاد يقطع عنق سايروس لولا انه تفاداه باللحظة الاخير .

لم تتحمل اعصاب نيكولاي اكثر من ذلك ليسرع لاحد المدربين قائلاً:- ألا يجب ان نوقفهما قبل ان يقتل احدهما الاخر ..! .

- افعل ذلك ان كنت مستعد لتحمل غضبهما .

الاجابة التي حصل عليها جعلت نيكولاي يبتلع ريقه بقلق فمن الجنون محاولة التدخل ليظل ينظر اليهما محاولاً فهم ما الذي يجري بينهما و ما المشكلة فربما يمكن حلها بالهدوء و النقاش .

استمر الاثنان بالقتال بضراوة كأنهما عدوان لدودان يسعى كل منهما لأنهاء حياة الاخر قبل ان ينتهي الامر بـسايروس علي الارض بينما آيزاكل فوقه يوجه سيفه علي صدره مباشرتاً كان الامر شبه محسوم فالجميع توقع من الفائز منذ بداية النزال لكن ما ادهشهم خنجر سايروس الذي كان امام عنق آيزاكل ، كلاهما مستعد لتوجيه ضربة حاسمة تقتل الطرف الاخر او لتلقي ضربة قد تنهي حياته .

الاعصاب مشدودة صمت مطبق حل علي الحلبة قبل ان يقطعه ضحكة سايروس العالية و ارتخاء يده التي تقبض علي الخنجر ليسقط ارضاً بجانبه و يعترف باستسلام:- حسناً انت تفوز انا اعتذر علي حماقتي .

ابتعد آيزاكل عنه و هو عابس باستياء ليقول بصوت جاد:- انت معاقب ستقوم بالمناوبة كل ليلة مع نيكولاي لشهر اضافي .

اتجه لحمل غمد سيفه قبل ان يسير خارجاً من حلبة ليصله صراخ سايروس:- لقد قلت انا اسف ايها المستبد المتسلط .

ارسمت ابتسامة خفيفة علي ثغر آيزاكل قبل ان يعود لوجهه الجاد و يتجه لإكمال مهامه اليومية .

بينما بقي سايروس مكانه ليتقدم فرانز و يساعده على النهوض و هو يسأل:- هل انت بخير ..؟ .

نفض سايروس الغبار عن ملابسه و هو يرسم ابتسامة صغيرة:- اجل ، اعرف انه كان متهاون معي فلو كان جاداً لم اكن لأصمد في وجهه ابداً.

- لا اريدك ان تغضب منه ربما يكون آيزاكل متشدداً قليلاً لكنه طيب القلب و يعتبرك كأخيه الصغير و اريدك ان تعرف اننا سندعمك دائماً في اي قرار تتخذه في حياتك و سنكون اول من يقف بجانبك سوى رضيت عن ذلك او لا.

اومأ سايروس موافقاً فهو يدرك هذا و يدرك انهما سيهتمان لأمره و يقلقان عليه حتي ابتعد عنهما و صرخ بأن يتركاه وشأنه ... ادرك سايروس حينها سبب غضب آيزاكل منه و انه ليس من حقه التهور و رمي نفسه للموت كأنه حر في حياته فالكثيرون يهتمون لأمره و يقلقون عليه و لن يقبلوا ان يموت بسهولة كالأحمق .

مرت الثلاثة السنوات التالية بسرعة حملت كثيراً من التغيرات اتم خلالها الثامنة عشر و قد اصبح رجلاً قوياً و ازدادت ثقته بنفسه و خبرته و قد قام بالعديد من المهام برفقة الجنود بقيادة آيزاكل انقذوا فيها العديد من القرى من هجمات الوحوش و تولوا حراسة الحدود لمرات كثيرة بعد ان انتهي تدريبهم رسمياً منذ زمن و اصبحوا فرساناً .

***

ا

لسلام عليكم
اتمني يكون الفصل عجبكم
و لا تنسوا التصويت ⭐

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top