XXI
أخيراااااا فصل جديد 😭❤
رمضان مبارك عليكم، وبالتوفيق للي بدأوا امتحانات والي لسه رح يمتحنوا بعد رمضان زي حالتي 😂💔
لا تبخلوا علي بالتعليقات 😢❤
🌟🌟🌟
في الجانب الآخر من البوابة وقف سورد برفقة اثنين من رجاله، يوجِّهون نظرات البُغض نحو أمير اللارميون ورفاقه الذين يقابلونهم بلا مبالاة.
تحدث سورد بِكُره، وملامح وجهه تُظهر الحقد والكراهية الشديدين: لن نسمح لكم بمقابلتها، ارحلوا من هنا.
ابتسم الأمير ريلاين بسخرية وردّ عليه بهدوء كـمن يخاطب طفلًا: لا أريد تضييع وقتي معك، جئت لأتحدث مع ديانا وسأرحل.
قال سورد بغضب مستعدًا للتحول في الوقت المناسب: على جثتي.
جاءهم صوت ديانا الحازم من خلفهم؛ فنظروا نحوها باستنكار، وقد وقف اللارميون بملامح جامدة لا تُظهر شيئًا: سورد، ابتعد عن الطريق.
تكلّم سورد بعصبية محاولًا إقناعها: ديانا، لا يمكننا أن ندخلهم إلى مملكتنا، لا يجب أن نثق بهم.
أجابته دون أن تبعد عينيها عن ريلاين الذي بادلها النظرات بملامح خالية من التعبير: لن يدخلوا، سأتحدث معهم هنا وألحق بكم.
لا يستطيع أي أحد من البنيفما أن يعصي أمرًا من قِبل الألفا؛ لذلك رحل سورد عابرًا البوابة بعد أن رمقها بنظرات مليئة بالضيق والغضب، ثم لحق به الذين معه دون جدال.
كل شيء صار وهمًا في نظرها، خمس سنوات مضت عاشت فيها خدعة تُتْلف الأعصاب. أفاقت من تلك الغيبوبة المؤقتة عندما ألقى ريلاين، أمير مملكة اللارميون -شقيق والدتها الأكبر-، أوامره لرجاله بتفقد المكان، حتى لا يتلصص أحد على حديثهما.
عقدت ديانا ذراعيها وعيناها الرماديتيان تلاقت بعينيه الزرقاوين: ماذا تريد، ريلاين؟
كانت بينهما عِدة لقاءات قبل فقدانها ذاكرتها، كما قابلت جدّها مرة واحدة أثناء زيارتها الوحيدة في مملكة اللارميون، دام حديثهما وقتئذ دقائق قليلة فالملك إسهيري صعب المراس، بالإضافة إلى أنه لا يخرج من مملكته على الإطلاق.
أجابها بابتسامة والارتياح يتجلى على ملامحه: التأكد من استعادتك ذاكرتك، وكما أرى فهي عادت بالفعل.
سألَته بنبرة جامدة عاقدة ذراعَيها بعد صمت قصير: إن كنتم مهتمين إلى هذا الحد، لماذا لم تتدخلوا لإرجاع ذاكرتي؟
أجابها وعيناه ملتحمتان بعينيها: التايتينيا منعونا، هناك حِكمة وراء هذا دون شك.
استفهمت ناظرة إلى ملابسه التي تشبه تلك التي كان يرتديها في آخر لقاء لهما، بعد رحيلها عن منزل عائلة أندرسون، أما شعره الأشقر فلم يتغير فيه شيء: في ذلك اليوم قبل أن تجدني ذئاب البنيفما، هل أخذت قلادتي لأنها مسحورة أم لسبب آخر؟
فسَّرَ بنبرة هادئة واضعًا ذراعيه في جيبي معطفه الرمادي الطويل: أجل، كانت تمنعك من استرجاع ذاكرتك، ولكن قواكِ وَجدت ثغرة فيها وجعلت ذكرياتك تأتيكِ على هيئة أحلام.
همست والغصة تخنقها وثقل جاثم على صدرها بنبرة متوسلة: لم أستعد ذكرياتي بالكامل، فقط بعض اللمحات، أريد أن أعرف كل شيء.
أجابها بابتسامة متأسفة: يجب أن تقابلي ويليام أولًا، ولتأتي بعدئذ لزيارتنا وسنجيب عن كل أسئلتك.
التفتت إلى البوابة وقالت قاصدة سورد ورفاقه: لن يسمحوا لي بالخروج من المملكة قبل مراسم التتويج، التي من المفترض أن يوجد فيها الفِلْيوسا خاصتي.
كانت قد تحدثت مع كتاينا -زوجة لوثر- عن عادات وتقاليد المملكة وأخبرتها عن كل شيء تقريبًا.
رسم ابتسامة جانبية ثم قال بنبرة ضاحكة: أنتِ ديانا أندرسون، لا أحد يستطيع الوقوف في وجهك.
نظرت إليه وقالت بعد تفكير: سأرى ما يمكنني فعله.
~٠~*~٠~
الجميع موجودون في ساحة التدريب الشاسعة والتي تستخدم أيضًا لازدحام أفراد المملكة في مناسبات واجتماعات كهذه، توسّطتهم ديانا وذئبتها أسينا، وسورد الذي ينظر نحو لوثر وكاسترو اللذين يحيطان بمافرو -مكبل اليدين والقدمين- وعلى وجهه ابتسامة أثارت حقد سورد وكرهه العظيمين.
وجّه سورد كلامه الحاقد إلى مافرو الذي ينظر نحو ديانا باستمتاع مستفز: سأحرص على قتلكَ بنفسي، انتقامًا لِما فعلته لقبائل الذئاب طوال السنوات الثلاث الماضية.
أمسكت ديانا ذراع سورد لتمنعه من الهجوم على مافرو، في حين ردّ عليه هذا الأخير ولم يُزِح عينيه عن ديانا، التي تبادله نظرات باردة دون أن تفصح عن شيء: لن تستطيع فعل أي شيء.
تحدثت ديانا بهدوء، وملامحها جامدة لا تظهر أي مشاعر: موتك لن يفيدنا.
رُسمت الصدمة على وجوه الجميع وهم ينظرون إليها باستنكار، لو يعلمون فقط ما تعرفه هي لتفهّموها.
تحدث سورد بغضب عارم: لن أسمح لطيبة قلبك المفرطة هذه أن تدمر كل ما بنيناه.
ردّت عليه دون مبالاة، وكأنها تتحدث عن موت عدوٍ لها: اقتله ولن أمنعك، ولكن تأكد من أنك لن تجدني على قيد الحياة حينئذ.
ابتسامة مافرو الجانبية اتسعت وقد ظلّل التجهم والكره وجوه الجميع، هي تكذب... حياته ليست مرتبطة بحياتها ولكن هذه هي حتمًا الحُجّة الوحيدة القادرة على منعهم من قتله؛ حتى تتأكد من شكوكها نحوه.
تقدمت ديانا لتقف أمام مافرو دون أن تتلفظ بكلمة واحدة. كانت ذكرياتها الجميلة برفقة ويليام تمر أمام عينيها، ولادة طفلها، سعادة والدها بكل ذلك، ثم تلك اللحظة التي فقدت فيها كل شيء.
رفعت يدها اليمنى لتضعها على صدره، حيث يقبع قلبه النابض بخفوت أقل من المعدل الطبيعي للمستذئبين.
أحاطت بها هالة فضية وانقباض طفيف حول جسدها، وعلى عكس ما حدث مع أوين -والد ويليام- ظهرت خطوط سوداء بدلًا من فضيّة، وبان الألم على ملامح مافرو وكاد يسقط لولا أن أسنده لوثر.
لم تشعر ديانا بالوجع على عكس مافرو الذي اشتد به، حتى أنه أغمض عينيه وقد زمّ شفتيه بشدة مانعًا أنينه من الإفلات، ولولا ذراع لوثر التي تمسك به جيدًا لوقع أرضًا.
رغم محاولاته المضنية بالامتناع عن التعبير عن أوجاعه الفتاكة، إلا أن صرخة خائنة هربت من بين شفتيه، جعلت فؤاد ديانا يتفتت إلى قطع صغيرة ولم تجد تبريرًا لهذا، ربما شفقة أو فقط طيبة قلبها المفرطة على حد قول سورد.
انتشلتها من محيط أفكارها صورة ديكسون المتمثلة أمام عينيها، وكان من الواضح أن لا أحد غيرها يراه، حذّرها قائلًا بانفعال: ما تفعلينه يقتله!
صدرت صرخة أخرى من مافرو وجسده ينتفض بين يدي لوثر. فكّرت ديانا سريعًا في حل آخر، أن تعطيه بعضًا من مشاعرها الجيدة بدلًا من تخليصه من كل الحقد والكراهية اللتان تملآن روحه التي صارت مشوهة.
اختفت تلك الخطوط السوداء من ذراعها، وظهر وهج فضي حيث تضع يدها مكان قلبه، فعلمت أن خطتها تنجح، وصار بإمكانها التحكم ولو بجزء صغير من قوى التايتينيا التي لديها.
هدأت حركة مافرو وفتح عينيه، عكستا مدى الألم الذي كان يشعر به لكنهما وجّهتا نظرات مبهمة نحو ديانا، ءما هي فبادلته بملامح باردة وعيناها البحريتان تتوهجان بشكل فريد.
صدرت شهقة صدمة من الجميع عندما لاحظوا تقلص جسمه، كانت ملامحه تصبح طفولية شيئًا فشيئًا حتى صار بشكل طفل في الخامسة من عمره. انخفضت يد ديانا بجانب جسدها وهوى قلبها معها، في حين فقد وعيه ليحمله لوثر، الذي تعلو وجهه ملامح الصدمة كما هو حال الجميع حولهم.
ماثيو، إنه طفلي؛ فكرت ديانا ورغبة في البكاء تجتاحها حين همست بغير تصديق: هذا مستحيل، لا يمكنها أن تدمرني بهذه الطريقة الظالمة!
كان سورد هو أول من صحا من صدمته ليوجه أوامره نحو لوثر و بولوكس قائلًا ببرود حازم: خذاه إلى الزنزانة، ولا تتركاه وحده دون مراقبة.
تدخّلت ديانا بنبرة خاوية من المشاعر وغير قابلة للنقاش: اصطحباه إلى حجرتي، وابقيا هناك حتى آتي إليكما.
كانت تقف بعينين مغمضتين، وقلب مرتجف ككل جزء من جسدها. تشعر بألم عظيم يتضاعف داخلها، وتلك الذكريات التي لا تنتمي لها تزيد حرقتها عليه، وعلى تلك السنوات التي قضاها دون قلب يحتويه.
هل يوجد أُم تسبب لابنتها كل أصناف العذاب، بداية باليُتم الذي عاشته منذ طفولتها عندما لفّقت هيلّا موتها بعد أيام من ولادة طفليها، ثم قتل والدها أمام عينيها وأخذ صغيرها من بين يديها العاجزتين عن الدفاع عن أغلى ما تملك.
تريد ويليام، بل تحتاجه ليكون بجانبها الآن، ولكنها لا تعرف مكانه أو كيف تعثر عليه.
اعترض سورد بغضب عارم و يا ليته لم يفعل: لن أسمح لكِ بتدميرنا بسبب عواطفك الساذِجة هذه.
بصقت كل الحزن والقهر الذي يُعيث في فؤادها خرابًا: تدميركم! ما الذي تدركه عن الدمار؟ ما هو الألم الذي تعرفه أنت؟ لا شيء، أجل، لا شيء مقارنة بما تشعر به قبائل الذئاب الأخرى، يعيشون الخوف والقلق طوال الوقت، يموتون في اليوم ملايين المرات بسبب خشيتهم على من يحبّون، إن كنت أنت تألّمت مرة فنحن مُتنا مرارًا وتكرارًا دون أن نملك القدرة على الدفاع عن الذين نحبهم!
لم يعِ أحد ما حدث حتى التفّت وابتعدت بخطوات متسارعة حتى صارت عدْوًا، لم تكن لديها وجهة محددة، ولكن كل ما رغبت فيه كان الابتعاد عن كل شيء.
في الثانية التي سبقت عبورها البوابة، تحولت لتهبط في الجانب الآخر على قوائمها الأربعة، ولم تتردد في متابعة الركض دون توقف وعيناها البحريتان تذرفان أنهارًا من الحسرة والألم علّها تثلج قلبها المكلوم. ماذا ستفعل بها الحياة أكثر من هذا؟ هل يوجد شيء أشد ألمًا لتوجِعها به؟
منعتها دموعها من رؤية جذع الشجرة الساقط على الأرض فتعثرت به ووقعت أرضًا وقد عاد جسدها البشري الضئيل، وخصلاتها النحاسية مبعثرة، وقد انتشرت الخدوش في أنحاء جسمها، ولكن جُرح قلبها يظل أعظمها جميعًا.
صدرت صرخة خائنة من أعماقها؛ في محاولة بائسة لتخفف بعضًا من الثقل الجاثم على قلبها المُحتضِر، تحولت صرخاتها إلى أنين خافت وهي تسند رأسها على الأرض القاسية، وقد غُطيت بأوراق الشجر اليابسة لتجعلها تبدو كلوحة فنية كئيبة، ولم تجد سبيلًا للصمود أكثر فأغمضت عينيها علّها تنال قسطًا من الراحة المؤقتة. تحتاج إلى حضن يحتويها ويخفف عنها ولكن لا أحد هنا ولن يكون.
«ردّيني إليكِ أو ارجعيني إلي، لا تتركيني عالقًا بهذا الشكل المؤذي.»
همسٌ مألوف أفاقها من غفوتها فتحاملت على نفسها مستندة على جذع شجرة موجود خلفها. لم تشعر بالصدمة لوجوده فلطالما حضر في كل مرة احتاجت إليه فيها، تنهدت في محاولة لتخفيف الألم الجاثم فوق فؤادها الجريح، في حين ظلّت عيناها على ذلك الطيف الذي لم تره منذ فترة بدت كعقود طويلة.
تمتمت وعيناها ملتحمتان بعينيه: أنت لست طيفًا.
أجابها بإيماءة بسيطة وجسده يطفو على بُعد بضع سنتيمترات من الأرض، فعادت تهمس همسها المثقل بالهموم: إن لم تكن طيفًا فما أنت؟
أغمض عينيه وبدأ في الاختفاء فتحول إلى كتلة من نور، توجّهت نحوها لتستقر داخل صدرها حيث يوجد قلبها.
شهقت وكأن ماءً مثلجًا قد سُكب عليها، ومشهد الغابة أمام عينيها يتغيّر، فوجدت نفسها على الأرضية الخشبية في كوخ تعرفه جيدًا؛ فقد تشاركته مع زوجها الحبيب سنة تسلمه وزارته قبل فترة قصيرة -برفقته كذلك- هربًا من ذئاب مافروس ليكوس.
اتضح المشهد أمامها بالكامل، رأت نفسها قبل خمس سنوات برفقة ويليام وطفلها بعمر الشهر والنصف نائمًا بسلام في سريره الخشبي الصغير الذي صنعه والده بنفسه.
تمتم ويليام بنبرة رافضة، وهو يراقبها ترتب أغراض طفلها بجانب أغراضها في حقيبة جلدية صغيرة تُحمل على الكتف: جديًا، لا أشعر بالراحة من ذهابك إلى القرية.
ابتسمت نحوه بلطف ثم اقتربت منه لتضع كفيّها على صدره حيث قلبه النابض، فقالت بنبرة حنون طالت نظراتها إليه: ويل، لن أغيب طويلًا، سأقضي أسبوعًا فقط برفقة عائلتي وأعود.
أسند جبينه على جبينها مغمض العينين، وتحدث بضيق وعدم راحة: ينتابني شعور سيء حيال ذهابك.
راقبت ملامحه المتجهمة فقالت: لا تكن متشائمًا.
التقت نظراتهما حين فتح عينيه دون أن يبتعد: لست كذلك، أنت تعرفين أن قريتكم محاطة بتعاويذ للحماية تمنع مصاصي الدماء من العبور، وإن حدث أي شيء فلن أستطيع التدخل.
توسّلَته بنظرات راجية وهي تحيط وجهه بكفيّها: روحي، رجاءً لا تشعرني بالذنب، لا أريد أن أذهب وأتركك بهذا الحال.
همس بنبرتها: لا تفعلي إذًا.
تنهدت مشيحة بوجهها نحو ماثيو الذي بادلها نظرات كسولة وقد استيقظ من نومه. اتجهت نحو مهد طفلها. استقبلها بفرح واللهفة تظهر من خلال حركاته، والأصوات السعيدة الصادرة منه جعلتها تبتسم باتساع، حملته بين يديها وطبعت قبلة على جبينه ثم وجّهت حديثها إلى ويليام الباقي بجانب السرير: لم ألتقِ بهم منذ ولادة ماثيو وقد اشتقتهم كثيرًا، لن أبقى أسبوعًا، بل سأعود بعد غد، حسنٌ؟
حدّق ويليام بهما بعض الوقت، قبل أن يقول بنبرة هادئة رغم الندم والحسرة اللذين يأكلانه: قتلت الكثيرين في ما مضى ولم أتردد لحظة في أذية أي أحد، حتى جاءني الجد كاثاري في منامي ذات ليلة. أخبرني عن فتاة ستسرق روحي وتفقدني القدرة على العيش من دونها. صدقيني يا طفلتي المدللة، أنتِ هي هذه الفتاة، وأخاف أن يعاقبني الرب على جرائمي بأذيتك أو إبعادك عني.
حدجته بنظرات ممتعضة، وقد كان طفلها يعبث بإحدى خصلاتها السوداء، نظرت إلى عينيه متحدثة بانزعاج: كم مرة أخبرتك أن تنسى الماضي؟ لا يهمني ما ارتكبته من أفعال سيئة، فهأنت أمامي متجرِّد من كل ذلك الشر الذي كان يسكنك، لا يمكنني تخيلك بحال أفضل مما أنت عليه الآن. روحك ستظل داخلك طوال حياتك حتى يقرر الرب نهايتها، وليس بسبب فقدانك شخصًا تحبه.
صمتت ثواني وهي تنظر إلى طفلها الذي كان يحاول جذب انتباهها بسحبه خصلة من شعرها، داعبت وجنته الناعمة بأناملها وزينّت وجهها ابتسامة عذبة، رُسمت مثيلتها على شفتيه الصغيرتين، وعينيه الشبيهتين بعيني والده وملامحه، وكان صوت ضحكته يبعث على السعادة.
تمتم ويليام بتذمّر عاقدًا ذراعيه فوق صدره: كنت أعلم أن هذا الصغير سينال اهتمامك بأكمله، وسيجعلك تضعينني على الرف.
قهقهت ديانا بمرح وهي تتوجه نحوه بخطوات واسعة، وقفت أمامه وقالت بنبرة حنون تقطّر حبًّا وولهًا: لا أحد منكما يأخذ مكان الآخر، وستظل أنت طفل قلبي وحبيبي الأول، ولن أجرؤ على وضعك على الرف كما تقول.
انحنى نحوها بابتسامة ونية واضحة لتقبيلها، ولكن يد طفله الصغيرة حالت دون ذلك؛ إذ قام بوضعها على خد والدته ليعيد تركيزها إليه والغضب الطفولي يكسو ملامحه المتجهمة، ارتفع صوت ضحكة ديانا التي نظرت إلى زوجها بشفقة وابتسامة آسفة، مراقبة ملامحه المتذمرة من تصرفات ابنه المتملكة.
تمتم ويليام بنبرة شك: هذا الطفل داهية، لا يمكن أن يكون بعمر الشهر والنصف.
ثم تغيّر المشهد ووجدت ديانا نفسها في غابة كثيفة تتذكرها جيدًا؛ فلطالما تسللت إلى هذا المكان -الذي يقع على حدود القرية- لمقابلة ويليام منذ أن كانت طفلة صغيرة.
لم تملك القدرة على الوقوف وقد زاد ألمها وحسرتها، بعدما رأت لحظات السعادة المسروقة من ماضيها الذي لم تعد تتذكر منه سوى القليل برفقة ويليام وطفلها.
كانت تعي أنها لم تعد إلى الواقع بعد، وعبراتها التي شكّلت طبقة رقيقة على عينيها تمنعها من الرؤية بوضوح، ومشاعر القهر واللوعة يحرقان جوفها.
بعد ثوانٍ قليلة ظهر ويليام على بُعد أمتار قليلة منها، والجزع يظلل ملامحه الوسيمة. رفع يده ليضعها على الحاجز الوهمي الذي رسمته تعاويذ قوي تمنع مصاصي الدماء من الدخول إلى قريتهم.
شعرت ديانا ببرودة تجمّد أطرافها حين لمحت نسختها الأصغر سنًّا، تتقدم هيلّا على الطرف الآخر من الحاجز الذي يقف عنده ويليام، وقد شعر وكأن العالم توقّف من حوله.
زادت دموع زوجته التي تعكس هلعها العظيم من جنونه، وقد وجَّهت نحوه نظرات آسفة، حاول العبور إلى الطرف الآخر، وعندما عجز عن ذلك بدأ بتوجيه اللكمات إلى الحاجز والغضب يشتعل داخله.
ابتسمت هيلا باستمتاع وهي تراقب حال ويليام المنهار على بُعد أمتار قليلة والعجز يحيط به.
عندما أدرك عجزه عن إنقاد زوجته وجّه حديثه إلى هيلّا بنبرة راجية: افعلي بي ما شئتِ إلا هذا، اقتليني واتركيها بسلام.
ردت هيلّا بابتسامة خبيثة: سأفعل، ولكن بطريقة أفضل.
رفعت يدها اليمنى نحو ديانا فصرخ ويليام باسمها والهلع أهلك مشاعره، أما قبضتاه العاجزتان توجهان ضربات متتالية إلى الحاجز بينهما.
واسته ديانا بنبرة حنونة رغم الغصة والألم اللذين يتآكلانها، والحاجز الذي لا يبعد عنها سوى خطوة واحدة: ويليام، لا تقلق حبيبي، كل شيء سيكون على ما يرام.
خانته دموعه وانهار جسده فسقط على ركبتيه: لا شيء سيكون على ما يرام دونكِ.
لم تستطع ديانا التحرك إثر التعويذة التي أُلقيت عليها لتمنعها عن إحاطته بذراعيها، وقد رغبت في ذلك بشدة. في حين ارتسم الرضا على ملامح هيلّا لرؤيتها حال ويليام المُدمّر وقواه الخائرة.
نظرت إليه ديانا بحب وهي تحارب دموعها لتبدو متماسكة وقوية أمامه، هي تعلم جيدًا أن الدموع لن تغيّر شيئًا.
وجهّت كلماتها إليه وهي تغالب غصّتها وحزنها رغم الفاجعة التي أصابتها بموت والدها وأخذ طفلها من بين يديها وحال ويليام المنهار على بُعد خطوتين فقط منها: كل ما ستفعله هو مسح ذكرياتي المتعلقة بك وبطفلنا، وإن طال الزمن أو قصر ستعود إليّ مرة أخرى، ولن يبعدني عنك أي شيء. حتى وإن مُحيتَ من ذاكرتي سيظل حبي لك موشومًا على قلبي إلى أن ألفظ أنفاسي الأخيرة.
التفتت إلى والدتها بشجاعة وعزم وهي تقول بنبرة قوية وملامح حاقدة: مهما فعلتِ ومهما حاولتِ ستظلين ضعيفة؛ لأنكِ لا تحملين في قلبك ذرة حبٍ واحدة، ستموتين وحيدة دون وجود أحد يحزن على فقده إياكِ، أنت لا شيء ولن تكوني أبدًا.
أنهت حديثها وأعادت نظرها إلى ويليام مردفة بحزم: انهض وحارب من أجلنا، هي تريد رؤيتك محطمًا وضعيفًا فلا تجعلها تنتصر عليك.
منعتها الغصة والألم من إكمال حديثها وهي تشعر بوالدتها تعيد رفع يدها وقد قررت إنهاء هذا الأمر.
شعرت ديانا بشعورٍ بسيط من الضغط حول رأسها لتعلم أن كل شيء سينتهي خلال ثوانٍ قليلة، وقبل أن تفقد وعيها التحمت عينيها بعيني ويليام وهي تهمس: أعشقك أكثر من حياتي.
تزامنت صرخة ويليام مع خروج طيفٍ من جسمه اندفع نحو جسد ديانا الذي كاد يقع على الأرض بعدما أنهت هيلّا محو ذكرياته.
شهقت ديانا وكأنها تلفظ روحها وقد عادت إلى الواقع الذي لا يقل مرارة عن تلك الذكريات، وشعورعارم من العذاب الشديد وتأنيب الضمير يجتاحها.
تمتمت بندم ونبرة باكية تخنقها الغصة: لم يفقد روحه بسبب اللعنة التي ألقتها عليه والدتي، بل عندما مُسحت ذاكرتي. يا لي من حمقاء لولا إصراري على الذهاب إلى القرية ما كان ليحدث أيٌّ من هذا.
🌟 🌟 🌟
رأيكم؟
توقعاتكم؟
أترككم في أمان اللّٰه ❤
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top