XVI
مرررررحبا 💞
كيفكم؟؟؟
كومنتس عالفقرات 😉💜
'اللهم اغفر لي ولوالدي ولمن له حق علي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات'
🌟 🌟 🌟
مدّ ويليام ذراعه للخلف واضعًا إياها على خصري في محاولة لحمايتي، لم يمنعني وقوفه أمامي من رؤية هيئة والده الذي كان مشتعلًا -حرفيًا-. اقتربت من ويليام واختبأت خلف ظهره وأنا أرتجف خوفًا، ولصدمتي كان خوفي عليه أكبر من خوفي على نفسي.
كانت ذراع ويليام التي على خصري متشنجة كما كان حالُ باقي جسده.
حرارة المكان ارتفعت للضِّعْف قبل أن أسمع صوت الرجل الغاضب -رغم هدوئه المخيف- يقول: ابتعد حتى لا أؤذيك، ويليام.
لم أكن في حاجة لأتمسك بويليام خوفًا من ابتعاده؛ فقد تصاعد شعور في داخلي يخبرني أنه لن يخضع لوالده، وسيحميني مهما حدث.
كان صوت ويليام باردًا وهو يعيد ذراعه بقربه قائلًا: لن أسمح لك بإيذائها.
اختلست النظر إلى ذلك الرجل فرأيته يحدق بابنه بعينين غاضبتين. أردت التحدث، أن أطلب من ويليام ألّا يعرّض نفسه للخطر بسببي، ولكن ألجمني تحرُّك والدِه نحوه ليدفعه بضعة أمتار بعيدًا.
صرخت باسم ويليام بخوف ورعب شديدين، ليس على نفسي بل عليه؛ فتلك الرمية ستؤذيه حتمًا.
شعرت بالهواء يغادر جسدي، وبتلك القبضة القوية الحارقة تلتف حول عنقي تمنعني من التنفس.
قال بصوت كان مخيفًا كفحيح الأفاعي:سأُلحقك بوالدتك العزيزة، يا صغيرة.
حاربت لأخرج الكلمات بصوت مسموع متقطع: لستُ خائفة من الموت.
نظرت إلى داخل عينيه السوداوين كظلام الليل، وتلك النيران التي تحيط بجسده تخبو ثواني ثم تعود لتتقد.
اشتدت قبضة يدي اليمنى على يده التي تحيط بعنقي وتضغط عليه، ورغم اشتعالها إلا أنني لم أحترق أو أشعر بالألم الذي من المفترض أن يجتاحني الآن.
الخوف الذي كنت أشعر به تبدد تمامًا، نظرت إلى ويليام بطرف عيني فوجدته يراقب بتأهب وكأنه ينتظر أن أفعل شيئًا.
أعدت تركيزي إلى الرجل أمامي لأقول:
- أنا ديانا ولستُ هيلينا، ولا شأن لي بما فعلته والدتي.
- ما فعلَته كان بسببك.
تحدث بحقد، فنظرت إلى ويليام الذي يراقب بصمت ويرمقنا بنظرات فارغة. رسم والده حينئذ ابتسامة جانبية ساخرة عندما لاحظ نظراتي، ولكنه فسّرها بشكلٍ خطأ: ويليام لن يساعدك، هو تحت تأثير قواي ولن يتحرك من مكانه إلا إذا أردت أنا.
قابلته بابتسامة صغيرة وأنا أهمس: لم أنظر إليه طلبًا المساعدة.
ارتفعت يدي اليسرى دون وعي منّي لأضعها على صدره، وقبل أن أغمض عينيّ رأيت ملامح الصدمة على وجهه الوسيم، رغم تلك الهالة المرعبة التي تحيط به.
شعرت بيده التي تحيط بعنقي ترتخي ولكنه لم يبعدها، أما يدي اليمنى فقد أنزلتها لتستقر بجانبي، لكن قلبه لم يكن ينبض حيث وضعت يدي!
أحاط بي شعور غريب، شيء ناعم يضغط بلطف على جسدي، رأيت صورًا تمر أمام عينَي وكأنني أعيش ذكريات شخص ما.
~٠~*~٠~
وقف ويليام متجمدًا غير قادرٍ على الحركة وهو يراقب ما تفعله ديانا، وكيف استطاعت إخضاع والده بسهولة ويسر.
تأمل تلك النيران التي تحيط بوالده تخمد شيئًا فشيئًا حتى اختفت، كانت هناك خطوط فضية اللون تمتد على طول ذراع ديانا اليسرى، وهالة تحيط بها.
كان أوين (والد ويليام) غير قادر على الحركة وهو يقف مصدومًا ويَحِس بالفراغ داخله، لا ألم، ولا معاناة، لا شيء مما كان يشعر به.
بعد فترة -لا أحد يعلم كم طالت- أنزلت ديانا يدها لتستقر بجانبها وتلك الخطوط الفضية تخرج منها، فتلاشت في الهواء.
ظلّ أوين واقفًا، وقد جمدته الصدمة التي زادت بعد أن تسلل إلى سمعه صوت نبضات قلبه الذي توقف منذ سنين طويلة.
لم يُزِح ويليام عينيه عن ديانا التي خرجت من بين شفتيها تنهيدة مرتجفة، يداها ترتعشان ونبضات قلبها عالية، ملامحها كانت تعكس ألمًا عظيمًا يستعر داخلها، وقبل أن يتهاوى جسدها أرضًا كان ويليام قد أحاطها بذراعيه -بعد أن زال سحر والده- وهو يشعر أنها تغيب عن الوعي.
حملها بين ذراعيه إلى داخل الكوخ ونبضات قلبها شديدة الانخفاض تصيبه بالفزع، وضعها على السرير وهو يحاول إيقاظها قبل فوات الأوان.
تمتم بيأس ونبضات قلبها صارت شبه معدومة: ديانا، افتحي عينيكِ أرجوك.ِ
نظر إلى والده الذي وقف على عتبة الباب بنظرات تُظهر أنه غائب عن الواقع، اتجه نحوه ويليام فوجّه إلى فكّه لكمة قوية أسقطته أرضًا.
صرخ في وجه أوين الذي يبدو أن لكمة ويليام أعادته للواقع: كل شيء سيء يحدث في حياتي سببه أنت، في كل مرة أظن أنني تخلصت منك تعود لتدمر ما أقوم بإصلاحه، وتجعلني أندم على أنني صفحت عنك ولم أقتلك. أنت لعنة، أتمنى فقط لو لم يكن لي أبٌ مثلك!
تجاهل كلام ابنه وقال ببرود: قم بعَضِّها.
عقد ويليام حاجبيه باستنكار قائلًا: ما الذي تهذي به؟
حرّك أوين كتفيه باستخفاف ونبرته باردة كملامحه: سُمّك ليس خطيرًا عليها، قلبها توقف عن النبض ولن يعيده شيء إلا سُمّك.
كان ويليام ينظر إلى أوين وكأنه يرتدي حذاءًعلى رأسه بدلًا من القبعة، لا يمكنه تصديق كلامه الغبي والذي قد يصل إلى حد الجنون برأيه، سُمّ مصاصي الدماء يقتل المستذئبين ويقوم بتحويل البشر، يستحيل أن يكون علاجًا أبدًا.
أردف أوين وهو يقف: إن لم ينفعها فلن يضرها، فهي ميتة الآن.
نظر إليه ويليام ثواني قبل أن يهدده: أقسم بأغلى ما أملك أنه إن لم تنجُ هذه الفتاة اليوم فلن أسمح لك بأن تخرج من هنا حيًّا.
التفت ويليام ليتجه إلى حيث ترقد ديانا جثةً هامدة، تفحص وجهها الشاحب وهو يدعو أن تنجح هذه المحاولة، انحنى نحو عنقها فداعبت رائحتها أنفه فأغمض عينيه، أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يغرس أنيابه سامحًا لسُمّه بالجريان في عروقها.
بعد ثوانٍ قليلة ابتعد عنها، وجلس بجانبها بنظرات مترقبة وقلب يرتجف هلعًا وجزعًا، ولكن كل شيء تبدّل عندما تسلل إلى سمعه صوت قلبها، عائدًا للحياة بنبضات منخفضة ضعيفة.
أخرجه من سعادته -التي اختلطت بالصدمة وعدم التصديق- صوت والده الهادئ: بعد ولادتك بثوانٍ توقف نبض والدتك وأُعلنت وفاتها، ولكن جدك كاثاري أصر أن توضع في حضنها لتشعر بحنانه قبل أن تفقده للأبد، ولكن بطريقة ما، قمت بعّضها فعادت إلى الحياة بعد أن فارقَتها نصف ساعة تقريبًا.
تمتم أوين بهدوء حزين قبل أن يخرج مغلقًا الباب وراءه: أنت الشيء الوحيد الصواب في حياتي.
~٠~*~٠~
فتحت عينَيّ بتعب شديد، أشعر وكأن صخرة عملاقة قد سحقت جسدي، أخذت نفسًا عميقًا وأنا أرى سقف الغرفة التي كنت بها من منزل عائلة أندرسون، متى عدت إلى هنا؟
جُلت بنظري في الغرفة فوجدت كارمن نائمة على مقعد في الجانب الأيسر من السرير، لماذا لم تَنم بجانبي بدلًا من النوم بهذا الشكل غير المريح؟ السرير واسع جدًّا، متأكدة أنه يسع ثلاثة أشخاص.
ترجّلت من السرير لأخرج من الغرفة، نزلت إلى الطابق السفلي حيث سمعت أصوات نبضات قلوب عدّة أشخاص، ولكن ويليام ليس منهم!
لا أعرف كيف استطعت التفريق بين نبضات قلوبهم، ولكن لنتظاهر بأنها إحدى صفات المستذئبين وليست هوسًا مريضًا من قِبلي.
وقفت على آخر درجة من السلّم فوجدت آيزاك ينتظرني بابتسامته المُعدِية. فقلت بابتسامة واسعة: صباح الخير.
أجابني آيزاك ضاحكًا: تقصدين (مساء الخير)، الشمس على وشك الغروب.
فاتسعت عيناي بسبب الصدمة، اختفت ابتسامتي عندما سألته بهدوء: منذ متى وأنا هنا؟
أجابني بجدية وقد اختفى المزاح من تعابير وجهه: جلبكِ ويليام فجر أمس. كنتِ فاقدة الوعي منذ أكثر من يوم.
تمتمت بنبرة متهكمة لا تخلو من المزاح: يبدو أنني سأفقد الوعي كثيرًا.
تحدث ألفين بابتسامة بسيطة منضمًا إلينا ووقف بجانب آيزاك: الأشياء غير العادية تحصل فقط مع الأشخاص غير العاديين.
سألت بهدوء قاصدةً ويليام: أين هو؟
فهم مقصدي فأجابني عندما سرت نحوه، ذهبنا معًا إلى غرفة الجلوس المتصلة بالمطبخ: رحل أمس. أظن أنه عند أمي أو في قصر فريكولاكاس يقوم بعملٍ ما.
سألته عاقدةً حاجبيّ: قصر فريكو ماذا؟
أجابني ضاحكًا: فريكولاكاس، إنه قصر مصاصي الدماء. ويليام يفضل هذا الاسم ويكره استخدام اسمٍ غيره.
وجدنا لوك يقف أمام النافذة يقابلنا بظهره، تذكرت كارمن فوجّهت كلامي إليه: لوك، هل يمكنك نقل كارمن لتنام على السرير؟ تركتها نائمة على المقعد ولا تبدو مرتاحة.
لم يقل شيئًا، اكتفى بالالتفات والصعود إلى الأعلى بسرعة شديدة، بالكاد لاحظت مروره بجانبي.
أخرجني آيزاك من صدمتي -التي سببها تصرف ذلك البغيض- بسؤاله: هل أنتِ جائعة؟
نظرت إليه ببلاهة عندما تذكرت أنني لم أتناول شيئًا منذ ثلاثة أيام تقريبًا ومع ذلك لم أشعر بالجوع، رغم ذلك وجدت نفسي أهز رأسي إيجابًا.
~٠~*~٠~
أمضيت الأيام العشر الماضية في المكتبة أطالع الكتب التي تتحدث عن المستذئبين، والتي لم يذكر فيها أي شيء عن صنف البنيفما، ولكنني استفدت كثيرًا من كل المعلومات المذكورة، رغم أنني سمعت بعضها في حكايات قبيلتنا.
ساعدني آيزاك كثيرًا في دراسة الكتب التي أعطاني إياها ويليام لأقرأها قبل بدء التدريب العملي، وهأنا الآن برفقته في المكتبة وكلٌّ منا غارقٌ في أجواء الكتاب الذي بين يديه.
قرأت عن قوى مصاصي الدماء والسحرة، وقد أطلعني آيزاك على بعض المعلومات الإضافية، مثلًا القوى المشتركة التي يتميز بها أفراد المملكتين، والأخرى التي تميز بعضهم عن أقرانه. ذلك الوغد رفض إخباري عن قوة ويليام عندما سألته.
نظرت إلى ويليام بطرف عيني فوجدته يراقبني بالفعل، لكنني ما لبثت أن أعدت نظري إلى الكتاب بارتباك عندما ابتسم بعبث.
حاولت تجاهله والتظاهر بقراءة الكتاب إلى أن يعود لاستكمال ما كان يفعله، إلا أنه قرر قطع هذا الصمت قائلًا بلطف: أهناك شيء ترغبين في السؤال عنه آنا؟
فكرت: آنا! أهذا اسمي للتحبب؟ لقد أعجبني.
رأيته يكتم ضحكته فأدركت أنني فكرت بصوت عالٍ، يا إلهي، ألن أتخلص من هذه العادة المحرِجة!
تجاهلت الأمر عندما أجبت عن سؤاله: ما هي هِبتك؟ أخبرني زاك أن هناك مصاصي دماء لديهم هبات تميزهم عن غيرهم.
بدا مستمتعًا وقد تحدث بنبرة عابثة: ما الذي يجعلكِ تظنين أنني قد أملك إحدى هذه الهبات؟
عقدت حاجبيّ بحنق وأنا أتساءل باستنكار: ألا يمكنك أن تجيب عن أحد أسئلتي دون لفٍّ ودوران، ويليام أندرسون؟
صوت ضحكته الذي جلجل في المكان أثار جنون نبضات قلبي الأبله، توقف عن الضحك ونظر إليّ بابتسامة لطيفة لا تظهر أسنانه. مضت ثوان قليلة فتنهدت قائلة باستسلام: انسَ الأمر، كان يجب...
قاطعني بهدوء دون أن تختفي ابتسامته وهو يراقب رد فعلي: أستطيع رؤية كل شيء.
فتحت فمي وأغلقته عدة مرات ولم أجد ما أقوله، لذلك آثرت الصمت على التلفظ بالترهات؛ لم أتوقع أنه سيجيبني أبدًا، ولا حتى في أحلامي! لحظة، لديه القدرة على رؤية كل شيء!
حدقت به بذهول فقال مفسّرًا: في البداية كان دائمًا ما يختلط علي الأمر، بين ما يجري حولي وما يحدث في أرجاء العالم، أما الآن فأستطيع التركيز على نقطة معينة، بالإضافة إلى تبين كل شيء آخر، رغم بعض الاستثناءات.
قرنت حاجبيّ في حيرة وأنا أتساءل: استثناءات؟
أومأ بجدية ناظرًا أمامه شاردًا في تفكيره: هناك بعض الأشخاص الذين أعجز عن رؤيتهم؛ بسبب وجود هالة من الضوء حولهم.
بحلقت فيه بشرود متسائلة، هل يمكنه رؤيتي؟
نظر نحوي بابتسامة لينفي برأسه قائلًا: لست قادرًا على رؤية التايتينيا. وها هو يرد على سؤالي الذي فكّرت به بصوت عالٍ، ألا يمكنني التوقف عن إحراج نفسي؟
شعرت أن فكّي السفلي قد وقع أرضًا، وفمي مفتوح في صدمة؛ لم أتوقع هذا، أبدًا!
تداركت رد فعلي سريعًا مشيحةً بوجهي عنه، وقد ضغطت على شفتي بقوة، ليس من المفترض أن يثير هذا الأمر صدمتي، فالتايتينيا يكادون أن يبلغوا مقام الملائكة!
غرق كلٌّ منّا في محيط أفكاره، وما لبثت أن تنهدت بملل، لا يمكنني تحمل دقيقة واحدة أخرى بين هذه الكتب، أشعر أنني سأصاب بالجنون!
نهضت لأعيد الكتاب الذي كنت أُطالعه إلى مكانه، عدت لأجلس على المقعد الجلدي الذي يقابل الأريكة التي يستلقي عليها ويليام، كان يقرأ باندماج أو ربما يتظاهر بالقراءة حتى يرفع من مستوى ضغط الدم لدي.
سحبت الكتاب من بين يديه، فحدق بي رافعًا حاجبيه في تساؤل مستفز. الوغد، يفعل ذلك ليغيظني لا أكثر.
نظرت إلى عينيه بحنق شديد، فقلت وأنا أحرك يديّ في الهواء بعصبية: لن أقرأ حرفًا واحدًا بعد الآن. لا يمكنني أن أقنع أحدًا بأهلية أن أكون تايتينيا بكتاب، ماذا إن...
ألجمتني حركته المفاجئة عندما وجدت نفسي على بُعد أمتار من مكان وقوفي السابق، ظهري يلامس أحد الصفوف الخشبية الكثيرة، وأنفاس ويليام الهادئة تداعب وجهي، كفاه يقبضان على كتفَي بقوة دون أن أشعر بالألم، ولكن برغم كل ذلك، لم يعبث بنبضات قلبي إلا قربه الشديد هذا.
رمشت عدة مرات دون أن أتمكن من تجاوز ما حدث، خصوصًا بوجود ذلك العبث القابع في مقلتيه، وابتسامته الملتوية التي تظهر مقدار استمتاعه بما يفعل.
أحنى رأسه ليقرّب شفتيه من أذني اليسرى قائلًا بنبرة دافئة أوقفت أنفاسي: سنبدأ التدريب غدًا، يا قصيرة.
كل ما كنت واثقة منه بعد ابتعاده عني وخروجه بعدئذ هو أنني لم أفقد الوعي، أما كل شيء آخر فلا أدركه، وإن سألني أحدهم عن اسمي، سأجيب أنني لا أعرف.
~٠~*~٠~
لم أستطع النوم ليلة البارحة، وكل تلك الأفكار المبعثرة تتصادم داخل رأسي. تناولت الإفطار بصمت عندما كان الآخرون يتبادلون أطراف الحديث من حين لآخر، كنت أشعر بنظرات لوكاس تحرقني، ألا يمكنه فقط أن يتجاهل وجودي؟
بعد إنهاء الطعام لحقت بويليام وزاك إلى حديقة المنزل لبدء التدريب، هل من الطبيعي أن السبب الوحيد لتوتّري هو قرب ويليام مني؟
واجهني على بُعد أمتار قليلة، ثم اختفى فجأة وقد تحرك بسرعة هائلة، ترك أثرًا على الأرض فرسم دائرة واسعة حولي، ثم ثبت حيث كان.
جاء آيزاك ليقف بقربي قائلًا بابتسامة لطيفة: ستتدربين على استخدام قوى المستذئبين التي تملكينها أولًا، ثم ستتعلمين فنون الدفاع عن النفس.
صمت آيزاك محدقًا باتجاه ويليام الذي أومأ قائلًا: قبل كل شيء يجب أن تتدربي على التحول، متى تتغيرين بالكامل، أو فقط بشكل جزئي.
ابتعد زاك نحو ويليام، وأخذتُ نفسًا عميقًا ثم نفثته ببطء؛ أجهز نفسي للتحول. استذكرت المعلومات التي قرأتها طوال الأيام الماضية، وتلك الأساطير التي نتبادلها في قريتي.
أغمضت عينَيّ متنفسة بهدوء، ولم تمضِ ثوانٍ حتى شعرت بطاقة عجيبة تسري في جسدي، فعلمت أنني قد نجحت.
كانت ذئبتي -التي أطلقت عليها اسم أَسينا- تتحرق شوقًا للظهور والتباهي بجمالها أمام ويليام، بطريقة ما تمكنت من التحدث معها داخل عقلي قبل أسبوع تقريًبا. قد تبقى صامتة أيامًا، وأحيانًا أتمنى فقط أن تخرس ثواني.
منعت أسينا عن الظهور بقوة، هذا ليس وقت جذب انتباه الرجال، يجب أن أركز على التدريب ولا شيء غيره.
«فلتتحولي بالكامل». جملة من كلمتين جعلت أسينا تهلل فرحًا مرحبة بالفكرة، فشرعت في تنفيذها والظهور.
تبدلت الأدوار وأصبحت أنا المحتجزة داخلها وهي تتباهى بفرائها الأصهب، وعيناها الزرقاوان تلمعان بفخر.
توسلتها ألا تتصرف ببلاهة، ولكنها توجهت نحو ويليام، أحنت رأسها لتصل إلى مستوى رأسه، نفثَت نفسًا قويًّا داعب خصلات شعر الواقف أمامها، ثم رفعت رأسها بشموخ فابتسم باستمتاع معجبًا بجرأتها.
أمرها ويليام بهدوء أن تعود إلى طبيعتها، فسمعتُ أصوات الاستهجان الداخلية الصادرة من أسينا، ولكنها خضعت لطلبه ورجعت إلى حيث كانت في داخلي. نظرت إلى ويليام دون أن أظهر شيئًا من مشاعري، وقد ظلّل الهدوء ملامحي.
قال آيزاك بحماس وابتسامة فخورة: إنها محترفة بالفطرة ويل.
رد عليه دون أن ينظر بعيدًا عن عينَيّ: أعلم، ولذلك ستتدرب على التحكم بقواها الأخرى.
طلبتُ منه بهدوء أن نبدأ، وشعرت بشيء يلتف حول قدمَيّ ومن ثم ساقَيّ حتى وصل إلى خصري، وذلك لم يكن سوى جذر شجرة قد خرج من الأرض. نظرت إلى ويليام فوجدته مبتسمًا، فعلمت أنه المتحكم به الذي فسر: أنت تعرفين كل شيء عن المستذئبين وقدراتهم ويمكنك التحكم بهم بالفطرة، أما قوى التايتينيا التي تملكينها فلن تظهر إلا وقت حاجتكِ إليها، لذلك كل ما تحتاجين إلى التدرب عليه هو الدفاع عن النفس.
أضاف آيزاك مؤيدًا حديث ويليام: ويليام على حق؛ فالسحرة ومصاصو الدماء يمكنهم التحكم بقواهم الأساسية بالفطرة.
أكمل ويليام كلامه: قبل كل شيء، يجب أن تجدي نقطة ضعف خصمك وتهاجميها. على سبيل المثال، نقطة قوتك هي تحولك إلى ذئب عملاق، وهذه الجذور الآن تمنعكِ من ذلك.
تعجبتُ قائلة بحاجبين مقرونين: أنت تقصد أن نقطة الضعف هي نفسها نقطة القوة!
تبسّم وشيء من الحزن يظلل ملامحه حين قال بصوت أجش: أحَبُّ الأشياء إلينا هي ما يدمرنا.
~٠~*~٠~
الفترة التالية كانت روتينية جدًّا، أستيقظ صباحًا، أتناول الطعام وأتدرب مع ويليام وآيزاك ثم أعود إلى النوم بعد أن أفرغ أفكاري داخل رسوماتي، واحزروا موضوعها... جميعها عن ويليام.
الشيء الوحيد المتغير هو تلك الأحلام التي تراودني، كان ويليام موجودًا فيها جميعها، أرى نفسي معه في كل حلم وفي كل ليلة، كان يبدو سعيدًا جدًّا على عكس الواقع الذي بات يعاملني فيه ببرود وتجاهل، ولم يكن يجمعنا شيء غير التدريب، وكأنه نادم على تلك اللحظات اللطيفة التي جمعتنا!
كما أن تلك المشاعر والأحاسيس الغريبة التي كانت تهاجمني عندما أكون قريبة منه ازدادت سوءًا، صرت أتلهف لرؤيته، ولا أفكر إلا فيه، ولكنه لم يكن يحدثني عن أي شيء سوى التدريب.
كان واضحًا كالشمس أنني عرفت ويليام قبل الآن، التقيت به فيما سبق وهذا أكيد، ولكن... لماذا لا أتذكره؟
خلال الأسابيع الماضية كان كل شيء يحدث في داخلي كان سببه ويليام، ليس فقط نبضات قلبي المجنونة أو أفكاري التي تصبح أكثر غباءً بوجوده، ولكن تلك الفجوة الكبيرة التي في داخلي اختفت! أجل، أصبحت روحي أكثر قوة!
بسبب تلك الأحلام شعرت أن ويليام ليس مجرد غريب طلبت منّي والدتي أن أطلب مساعدته في إيجاد من تتحدث عنه تلك النبوءة، والذي اتضح أنه أنا.
ليلة البارحة أخبرني آيزاك أن ويليام لن يدربني اليوم وأنه سيكون إجازة لي، يا ليته يعلم أنني أكون أفضل حالًا في وجود ويليام.
فضّلت البقاء في السرير وقتًا أطول، خصوصًا بعد علمي أنه مِلك ويليام، أن ذلك الرجل -الذي لا أعرف عنه شيئًا غير اسمه، وأشياء قليلة جدًا تكاد تُذكر- كان ينام هنا، رائحته تعانقني وتشعرني بالأمان، رغم تلك الكوابيس التي باتت تقض مضجعي ليلًا خلال الأيام القليلة الماضية.
لا أعرف ما الذي أصابني، ماذا يحدث معي؟ لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
كل ما أعرفه أن ويليام، لم ولن يكون شخصًا عاديًا في حياتي!
~٠~*~٠~
في المساء، جلست برفقة آيزاك في باحة المنزل الأمامية، كنت شاردة الذهن أعبث بلهب النار الموقدة أمامي، كل ما أفكر فيه هو ويليام.
شعرت بشيء ناعم يلامس وجنتي، رفعت رأسي باستغراب فوجدت آيزاك يمسك زهرة بنفسجية جميلة جدًّا، وعلى وجهه ابتسامة صغيرة.
برر فعله بهدوء وهو يمد إليّ مجموعة مختلفة من الأزهار: كنت أتحدث معكِ ولكن لم تردّي.
ابتسمت بإحراج وأنا آخذ الزهور منه: شكرًا لك. أعتذر، لقد كنت شاردة الذهن.
رسم ابتسامة ضاحكة وهو يمدد ساقيه ليجلس براحة أكثر: لا بأس، ماذا تريدين أن نفعل بدلًا عن هذا الملل؟
رددت في حيرة: لا أعلم، هل لديكَ أيةُّ أفكار؟
أجابني ضاحكًا: لو كنت كذلك ما سألتك.
شعرت بشخصٍ قادم من بعيد، لم تلتقطه حواسي بل أسينا التي صرخت باسمه بفرح وسرور عظيمين، أما أنا فابتلعت ريقي بصمت ناظرة نحو الطرف الآخر من النهر، حيث سيظهر بعد قليل.
أخذت نفسًا عميقًا عند ظهوره، بحركة خفيفة كان قد قفز متجاوزًا النهر فأصبح أقرب، ومع كل خطوة كنت أشعر بمعدتي تنكمش، وقلبي يزداد جنونًا على جنونه.
عند وصوله ألقى التحية بصوت هادئ ردها آيزاك، أما أنا فقد بقيت أنظر إليه، إلى عينيه تحديدًا.
وقفت أمامه دون التفوه بحرفٍ واحد، بينما كان يراقبني بنظرات خالية من المشاعر.
خرج صوتي جامدًا، باردًا عندما سألته:أين كنت؟
لم يجبني، ينظر إليّ وكأنني لم أتحدث، وكان واضحًا أنه لن يخبرني بما أرغب في سماعه.
غيّرت السؤال ولم يبدُ أنه سيجيبني عنه هذه المرة أيضًا: ماذا حدث ذاك النهار بعد قدوم والدك؟
تخطاني بعدم مبالاة وسار نحو المنزل، ولكن بحركة صغيرة من يدي أحاطت به دائرة من نار منعته من التحرك.
تحدث بحدّة وصوتٍ بارد: أوقفي هذا العبث ديانا.
سخرت وأنا أقف أمامه مرة أخرى، وألسنة اللهب تفصل بيننا: لديكَ صوتٌ إذًا! ظننت أنك فقد قدرتك على الحديث.
أعدت سؤالي بنظرة تحدٍ، وكأنني أخبره أن لا مجال لتجاهلي هذه المرة: ماذا حدث ذاك اليوم؟
ولكن ذلك لم يفلح فهو لم يتحدث، ولا يبدو عليه أنه سيفعل. توقعت أن يستمر في تجاهلي، أن يستخدم قواه ويخلص نفسه، ولكنني لم أتخيل أبدًا أنه سيقول أنه لا يعرف.
نظرت إليه في حيرة واستغراب فأكمل: لا أدري ما الذي حدث، ولا أملك له تفسيرًا، حتى والـ... أوين لا يعرف.
قلت بنبرة مستنكرة، ثم أتبعت بصوت هامس متألم: لماذا لم تقل هذا منذ البداية؟ لماذا تتجاهلني؟
لم يُجب، شيء متوقع! أنزلت رأسي مبتعدة عنه بضع خطوات، والنار المحيطة به أُخمدت مختفية بشكل كامل. سِرتُ قليلًا راغبة في الابتعاد، أُداري ذلك القهر الذي يأكلني من الداخل، ومعدتي المنكمشة زادت من ألمي.
كنت قد ابتعدت قليلًا عندما قلت: لن أنام في غرفتك بعد الآن، يمكنك العودة إليها.
ابتعدت عنه متجاوزة آيزاك الذي كان يراقبنا بأسف، واتخذت من أحد فروع الأشجار العملاقة مجلسًا لي.
عندما بدأ الليل يسدل ستاره المظلم قررت العودة إلى المنزل؛ فبقائي خارجًا قد يسبب العديد من المشاكل.
كانوا يجلسون في غرفة المعيشة، وكارمن تجهز العشاء في المطبخ المطل على الحجرة، فقررت مساعدتها بدلًا من الجلوس في المكان نفسه مع ويليام، رغم عدم حاجتها إليّ.
أنهينا إعداد الطعام ورتبنا الطاولة لنجلس حولها في صمت، أو -بالأحرى- أنا التي لم أتحدث رغم محاولات آيزاك في تلطيف الأجواء، ولكنه فقد الأمل.
بعد العشاء قمت بترتيب المطبخ ورفضت المساعدة التي قدّمها آيزاك، توجهت بعدئذ إلى غرفة ويليام بدلت ملابسي إلى أخرى مريحة، وأخذت وسادة ولحافًا لأعود إلى الأسفل وأنام على الأريكة.
أعلم أن ويليام لن يهتم لنومي على هذه الكنبة غير المريحة على الإطلاق، يبدو أنني لن أنام أبدًا.
في الحقيقة، السبب الذي جعلني لا أنام في الغرفة ككل ليلة، هو أنني لا أرغب في أن أحلم به وقد كانت طريقة فاشلة حتمًا، اكتفيت من حالة الضعف التي تصيبني بسببه.
أعيش أحلامًا رائعة، مليئة بالسعادة، ولكنني استيقظ كل يوم فأجد واقعًا كريهًا مؤلمًا بسبب تجاهله إيايّ، لهذا اكتفيت من العيش في تلك الأحلام لأنها لن تغير من واقعي المؤلم شيئًا.
بعد وقتٍ طويل كنت قد وصلت إلى مرحلة الغفوة، ولكن شبه مستيقظة بالمقدار الذي يسمح لي بالشعور بتلك الذراعين القويتين تحملانني.
لولا تلك المشاعر والأحاسيس الغريبة التي تصيبني بقربه لما صدقت أنه ويليام، ولربما ظننت أن أحدًا آخر قد أشفق على حالي. وضعني على ذلك السرير المألوف فشعرت بالراحة تغمرني، تلك الأريكة كانت خيارًا سيئًا للنوم.
كان سيبتعد ولكنني لا أعرف كيف تجرأت وأمسكت بيده قبل أن يبتعد، دون أن أفتح عينيّ؛ بسبب النعاس الشديد.
همست برجاء، ونبرة صوتي لا تخلو من الألم: أرجوك ابقَ، لا تتركني وحدي.
لم أكن أرى وجهه لأعرف ما قد يفكر فيه، وما كنت لأظن ولا حتى في أكثر أحلامي جموحًا أنه سيبقى.
شعرت بالدفء والراحة التامة يغمرانني وأنا أتخذ من صدره وسادة لي، نبضات قلبه كانت أكثر وضوحًا بسبب قربي الشديد... لا أظن أنني سأكون بحالٍ أفضل من الآن، فهمست: أتمنى أن تبقى حتى أستيقظ.
لا أعرف إذا كنت قد قُلتُها بصوتٍ مسموع أم لا، ولا أعرف أيضًا إن كنت أحلم أم لا عندما سمعت همسه الخافت ذاك قبل أن أغرق في النوم تمامًا: سأبقى دائمًا، صغيرتي.
🌟 🌟 🌟
رأيكم في البارت 😉
اترككم في رعاية الله 💜💜
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top