XII
كنت بعيد نشر الفصل في الليل لكن نشرته دلوقتي لعيون إيڤا الي اليوزر بتاعها يجيب الجلطة 😂
'لن تتعلم شيء من الحياة إذا كنت تعتقد دائماً أنك على حق'
🌟 🌟 🌟
احتشد أفراد القرية بقلق بالغ وتوتر شديد، كل ما يعرفونه أن الزعيم طلب منهم التجمع في هذه البقعة من القرية حيث أقيمت سهرة رودريك، دون إدراك السبب وراء ذلك.
نظرت لورين إلى والتر الذي يقف بشموخ وسألت بارتباك: عمي، أين هو ستيفان؟
نظر إليها بجمود متمتمًا: رحل، لا أحد يعلم مكانه.
كانت عيناه باردتين، يظللها الألم الذي ينهش فؤاده.
نظر أحد كبار القبيلة إلى بقعة على طرف الغابة المحيطة بالجانب الشرقي من القرية وتحدث: والتر، لقد وصلوا.
كانوا ثلاثة شبان ذوى عضلات مفتولة، بشرة ذات سُمرة خفيفة، وكل واحد لديه شعر يختلف عن الآخر، نظرات باردة ومتعطشة للدماء، واحد منهم فقط بدا مرتاحًا وهادئًا، بل مُستمتعًا أيضًا!
تقدم الزعيم عن البقية واقترب من القادمين الجدد، الذين ينظرون إلى وجوه الجميع وكأنهم يبحثون عن شخص ما، رحّب بهم بنبرة هادئة: مرحبًا بكم في قريتنا المتواضعة، أنا والتر.
سخر الذي في المقدمة ليفكو وحدق به بابتسامة ساخرة: الزعيم الذي لم يستطع تربية ابنته، وسمح لها بالهرب مع عشيقها.
دافع والتر بنظرات مستهجنة:
- هي لم تهرب مع أحد.
- لسنا حمقى لتخدعنا، دي سانتيس.
تقدم شاب آخر يسمى كالكينو ذو شعر طويل -نسبيًا- بلون أحمر ناري.
تحدث والتر بهدوء محاولًا كبح جماح غضبه: أنا لا أخدع أحدًا، لو كانت ديانا تحب لوثر لكنت أنا أول من يعلم.
لا يريد التسبب في حرب جديدة، بالكاد تمكنوا من النجاة قبل مئة عام تقريبًا.
قال كالكينو ببرود: كل شيء يدل على أنها عشيقته.
داعبت نسائم الريح الخفيفة خصلاته النارية، وجّه بصره نحو لورين التي تقدمت ووقفت بجانب الزعيم متجاهلة تحذيرات والديها.
تحدثت بهدوء محاولةً إخفاء خوفها: ديانا صديقتي المقربة، وقد أخبرتني أنها لا تكن هذا النوع من المشاعر نحو لوثر، والجميع يعلم أنه ما من علاقة تجمعهما...
تعلم لورين بشأن مشاعر لوثر تجاهها؛ ممّا جعلها واثقة من أنه لا وجود لتلك العلاقة التي يتهمون بها صديقتها.
حدق الجميع بها وغزا الحزن ملامحهم الشاحبة بسبب خوفهم الشديد، تضاعف شعور الفزع داخلهم وهم يراقبون تقدم الشاب ذي الشعر الأسود المدعو مافرو، نحوها بسرعة شديدة جعلت الكلمات تقف في حلقها متحدثًا ببرود: لا تجيدين الكذب، يا صغيرة.
ارتجف جسدها بخوف، التفت خصلة من شعرها البني على إصبعه السبابة ونظر لها بجمود زاد من فزعها، وسأل بهدوءٍ: ما اسمكِ؟
تلعثمت بخوف: لورين.
انحنى قليلًا واقترب من أذنها اليمنى، سمعت صوته وهو يأخذ نفسيًا عميقًا مستنشقًا رائحتها، ثم زفر ببطء شديد وداعب عنقها المغطى بخصلات شعرها متوسطة الطول، تجمّد جسدها واجتاحت البرودة أطرافها المرتجفة.
همس بهدوء: ألم يعلِّمك أبوكِ أنه عندما يتحدث الرجال تصمت النساء، يا لورين؟
ختم كلامه بقول اسمها بنبرة لعوبة، ثم ابتعد متأكدًا من أن كلماته قد تركت الأثر المطلوب.
تراجع مافر خطوة واحدة ووجه نظرات مرعبة نحو والدها، هدّد بهدوءٍ مسببًا الهلع للجميع: أنت! إذا رغبت في أن أُلحق ابنتك بأخيها، أبقها أمامي.
كان للورين شقيق أكبر، وتُوفّي قبل قُرابة الأربع سنوات وعرف كبار القبيلة أن السبب يعود إلى هجوم حيوان مفترس عليه أثناء تواجده في الغابة، تفاديًا لأي تمرّد قد يسبب الويلات، وبرغم ذلك كانت لورين أحد أولئك الذين لم يصدّقوا هذه الأكاذيب؛ لذلك فهمت المغزى وراء حديثه الواضح.
لم تجد ما تقوله، بان الغضب على وجهها متمثلًا بحُمرة شديدة، وملأ ملامحَها الحقد، وارتجف جسدها بشدة: أنت...
ثم صرخت بينما يحاول والدها سحبها بعيدًا والألم يعتصر قلبه: أيها الوغد الحقير، ستدفع الثمن غاليًا، اللعنة عليكم جميعًا.
رسم ابتسامة جانبية ساخرة وهو يراقبها باستمتاع مخاطبًا رفيقيه: إنها ممتعة، ما رأيكم بأخذها للألفا؟ سنتسلّى جميعًا بهذه القطة المشاكسة.
اعترض والتر وحاول كبح غضبه: إنها مخطوبة.
سأل كالكينو بسخرية: من هو المحظوظ؟
أجابه مجبرًا: ابني ستيفان.
حدّق به مافرو وقد زال الاستمتاع عن ملامحه، ثم وقف وجهًا لوجه مع والتر ليستفهم:
- أين هو؟
- لا أعلم، ربما رحل يبحث عن شقيقته.
إجابته لم تقنعهم كفاية، سخر كالكينو وبدا وكأن هناك نارًا مشتعلة في مُقلتيه: لماذا أشعر أنك تخفيه عنا، دي سانتيس؟
سأل والتر بعصبية: ولماذا قد أخفيه؟
تحدث مافرو بهدوء مخيف: هل تظننا حمقى؟ نحن على علم بأنه قد تحول قبل بضعة أيام.
وضع مافرو كفّيه في جيوب معطفه الأسود الطويل، وعكست عيناه السوداوان برودًا لا يليق إلا بوحش عديم الرحمة.
من بين أهل القرية المتجمدين خوفًا، كان هناك اثنان من أصدقاء ديانا، مال أحدهما على يساره فهمس ساخرًا بغضب مكتوم في أذن رفيقه: لو كانت ديانا هنا، لأحرجتهم وأرتهم قيمتهم الحقيقية.
في لحظة صادمة ارتفع ذلك الشاب في الهواء، حدّق به مافرو بنظرات خالية من المشاعر والأحاسيس.
صرخت أمه -سيدة في الخمسين- لا تملك سواه: أرجوكَ لا تقتله، هو لم يفعل شيئًا سيئًا.
تحرك الفتى في الهواء وانتفض جسده فزعًا، ثم سقط أمام قدمَي مافرو فركل معدته بقوة قذفت جسده بضعة أمتار، تجمّد الجميع صدمةً وسيطر عليهم الرعب، بينما انتقل مافرو بسرعة فائقة ووقف حيث يستلقي ذلك المسكين متكوّرًا على نفسه، ويصدر أنينًا خافتًا.
أمسك خصلات شعره البُنية، ورفع وجهه بحقد، تحدث بصوتٍ سبب لذلك المسكين خوفًا لن ينساه بقية حياته: لم يستطع الرجال الوقوف في وجوهنا؛ لذلك لن تكون هذه الديانا شيئًا يستحق القلق بشأنه.
صدح صوت السيدة دلوريس: هذه الديانا يمكنها تحطيم رأسك، يا صغير.
تقدمت نحوهم بشموخ؛ رسم كالكينو ورفيقه ليفكو السخرية على ملامحهما واستهزأ الأخير ضاحكًا: ومن أنتِ أيتها العجوز؟
لم تجبه، راقبت مافرو بتحدٍ، استشعر هالة القوة المحيطة بها.
أشاح نظره نحو والتر قائلًا بهدوء: هذا الأمر لم ينتهِ بعد، سنعثر على أولئك المتمردين وسيتم عقابهم هنا؛ ليكونوا عبرة لمن يعتبر.
صُدم رفيقاه؛ لم يتوقعا أنه سيتركهم دون أذية أي أحد.
~٠~*~٠~
تجلس على كرسي طاولة الطعام الموضوعة بجنب نافذة كبيرة تطل على الحديقة الخلفية، تبتلع طعامها بصمت، تنظر إلى ملامح ويليام الجالس على المقعد الجلدي، لم تعرف سبب ارتجاف قلبها على هذا النحو مثير الشفقة.
أخذت ديانا صينية الطعام متوجهة نحو المطبخ لتغسلها، بادلت ابتسامة كارمن حين انضمت إليها وبدأت ترتب ما قامت بغسله.
همست لكارمن: لماذا يجلس ساكنًا هكذا؟ ألا يشعر بالضجر؟
سرقت نظرات خاطفة نحوه فضحكت الأخيرة بانكتام.
نَظَرَت إليه قبل تعيد تركيزها إلى رفيقتها، أجابتها مزينةً ثغرها بابتسامة لطيفة: هذا ما يفعله حين يفكر.
«حسنٌ، لم أرَ في حياتي شخصًا شديد الوسامة وهو يفكر أو مهما كان الذي يفعله!» فكّرت بينها وبين نفسها ولم تكن تعلم أن تلفظت بأفكارها وسمعها الجميع.
سمعت ديانا ضحكات منخفضة أثناء خروجها من المطبخ؛ فأدركت أنها -وبكل بلاهة- فكّرت بصوت مسموع كعادتها دائمًا، هذا محرج حتمًا.
تحدثت كارمن بابتسامة لطيفة: آيزاك يفعل هذا طوال الوقت.
دخل آيزاك الغرفة توًّا وسأل بفضول: أفعل ماذا؟
أجابه لوك القادم من الطابق العلوي: يفكر بصوت عالٍ، ويظهر أفكاره البلهاء.
ظهرت على وجه ديانا ملامح مبهمة، فوجّه لوك نظرات المتفحّصة نحوها، بادلته بعدم مبالاة دون أن يجد ذرة ضيق واحدة على كلامه المهين.
سأل ويليام مشيحًا وجهه عن ديانا ومحاولًا لملمة أفكاره المبعثرة: لماذا لم تأتي معك؟
أجابه آيزاك وهو يجلس على الأريكة: هناك عملٌ عليها إنجازه، ستأتي بعد قليل.
سألت ديانا بانفعال مكبوت ونظرات غاضبة: ألن تتكرم علي، وتخبرني ما الذي يحدث معي؟
بالرغم من هذا بدت لطيفة بقامتها القصيرة وملامحها البريئة. نظر الجميع إلى ويليام بترقب، أشاح نظره عنها مانعًا ابتسامته بسبب منظرها الظريف، نهض من مقعده وتوجه إلى درج يؤدي إلى الأسفل آمرًا بهدوء: اتبعيني.
رغبت ديانا في الاستفادة من قدرتها في العِناد، ولكنها تدرك أنه يملك البطاقة الرابحة؛ إذ أنه الوحيد الذي يمكنه مساعدتها، وإخبارها عمّا تحتاج معرفته.
هبطت درجات السلم بخفة، تحركاتها ظريفة تشبه حركات الأطفال، أما ويليام فقد كان ينتظر أمام باب وحيدًا عند نهاية السلم، فتحه فسمح لها بالدخول قبله.
اتسعت عينَاها بانبهار محدقة حولها بذهول، المكان عبارة عن مكتبة شاسعة بُنيت أسفل البيت، ويبدو أن الصفوف الكثيرة -التي تحوي رفوفًا مليئة من الكتب- هي الأساسات التي تبقي المنزل قائمًا.
تحدث بهدوء متقدمًا إياها: يجب أن نتحدث قبل وصول والدتي؛ حتى تكون لديك خلفية عما سنتحاور بشأنه لاحقًا.
تبعته بين صفوف الكتب طويلًا حتى بلغا عدة أرائك ومقاعد، وُضِعت في أماكن متفرّقة دون أن تفصل بينها مسافة كبيرة.
أومأت بصمت بعد أن أشار لها بالجلوس، بينما استند على أحد الصفوف الخشبية قريبًا منها، وعندما التقت نظراتهما داعب قلبها شعور غريب لم تعرف ماهيته، سألها ويليام: دعيني أسألك شيئًا، من نحن برأيك؟
شردت في لون عينيه ووصلته خفقات قلبها المتعثّرة، نقلت بصرها إلى القلادة التي تحولت خلفيتها السوداء إلى الأزرق السماوي، ونجومها إلى الأحمر الناري.
حاولت استذكار ما قرأته في دفتر والدتها، وقد استغرقت وقتًا طويلًا؛ فحمحم ويليام قاطعًا أفكارها بحاجبين معقودين وقال: إذن؟
سألت بنبرة شبه هامسة: مصاصو دماء؟
أعادت نظرها إليه مردفة: إذا كنتم كذلك؛ فهذا يفسر تلك الرائحة المزعجة؛ فالمستذئبون تزعجهم رائحة مصاصي الدماء، بينما تعجبهم رائحة السحرة، هذا ما تداولته أساطير قريتنا.
هي لا تعلم ما إذا كانت رائحة ويليام مزيجًا من الاثنين أم لا، ولكنها أفضل من أي رائحة استنشقتها طوال حياتها.
تحدث ويليام: أُفضِّل اسم أبناء كليربتراكي، صحيح أن معظمهم...
صمت قليلًا ثم أكمل: معظمنا يعيش على الدماء ولكن ليس الجميع، وحدهم الذين أغضبوا الإلـٰه حلّت عليهم هذه اللعنة.
جاهدت نفسها حتى تتجاهل مشاعرها المتضاربة لوجودها بقربه، ولا يفصلها عنه سوى خطوات قليلة، بالإضافة إلى رائحته الفريدة بشكل جذّاب.
استنشقت نفسًا عميقًا ثم زفرته ببطء، محاولة فاشلة لتعديل خفقات قلبها المتعثّرة، عندما أدركت أنه لا سبيل لذلك قررت تجاهل الأمر سائلةً بنبرة هادئة:
- هل الممالك الأربعة ما زالت متواجدة حتى الآن؟
- أجل، المستذئبون ليس لهم مملكة بل قبائل...
نظر نحو عينيها ثوانيٍ ثم تابع شارحًا بهدوءٍ: تعرفين عنهم الكثير بالفعل.
بالنسبة إلى السحرة، فهم مختلطون بالبشر ولكنهم يعتبرون جماعة واحدة، يعيشون بالقرب من بعضهم بعضًا، يتم تعليمهم في مركز خاص، ثم يسمحون لهم بالخروج واستكشاف العالم، ومع ذلك يوجد قصر خاص بهم يمكنهم العيش فيه إذا رغبوا، أما اللارميون فيعيشون منعزلين عن باقي العالم، هم منغلقون حول أنفسهم بشدّة ولا يوجد الكثير من الحقائق عنهم.
اعتدل في وقفته وتوجه إلى أحد الأرفف، جلب كتابًا ما ثم سأل: هل سمعتِ عن مدينة أتلانتس؟
هزت رأسها بالنفي، ثم أكدت عدم معرفتها قائلة: لا أملك أي فكرة عنها.
تحدث بهدوء: إنها جزيرة، تقول الأساطير أنها جزء من النعيم، ولكنها ليست كذلك.
وضع الكتاب على الطاولة الصغيرة ذات السطح الزجاجي الموضوعة أمام المقعد الذي تجلس عليه، كُتبَ على غلافه الأبيض (التايتينيا) باللون الفضّي.
أكمل ويليام: قام أسهيري -ملك اللارميون- باستخدام قواه لإخفاء تلك الجزيرة عن العالم، أي أنه إذا اقترب منها أي شخص، بأي شكل كان يجد نفسه في مكان آخر دون أن يتذكر شيئًا، لا أحد يمكنه دخول أرضهم دون إذن.
راقبت ديانا المقعد الجلدي الذي تحرك -بإشارة من يد ويليام- وهي تفكر أن هناك الكثير من الأشياء التي تستمر في إثارة صدمتها، منذ ظهور ذاك الطيف في أحلامها.
نظرت إلى عيني ويليام الجالس على المقعد أمامها، تفصل بينهما الطاولة ذات السطح الزجاجي، فتح الكتاب بحركة من يده -دون أن يلمسه- ظهرت رسومات جزيرة بُنِي في منتصفها قصر مهيب على مسافة من الأرض تحيط به المياه، وقد قُسِّمت باقي الجزيرة لثلاثة أجزاء على هيئة حلقات دائرية، يفصل بينها خلجان مائية ويربط بين كل حلقة وأخرى عشرة جسور متينة.
كان الرسم التوضيحي بديع الجمال، استخدمت الألوان لرسمه، بينما اعتادت ديانا رؤية الرسم بالفحم وأقلام خشبية تم صنع تجاويف أسطوانية وسطها، وُضِع فيها الفحم المُشكّل على نمط تلك التجاويف نفسه.
ابتسم ويليام حين رأى الذهول الذي يظلل ملامحها الفاتنة، ثم أكمل حديثه عن المملكة النائية: هذه أطلانتس، الجزيرة المحظورة على جميع الكائنات باستثناء اللارميين، وهم مخلوقات شديدة الذكاء وقد استثمروه في تطوير حياتهم على نحو رائع.
التقت نظراتهما حين رفعت رأسها إليه سائلة بحاجبين معقودين: إن كانوا كذلك، لماذا لم يقدّموا يد المساعدة لباقي المخلوقات الذين يحتاجونها؟
أجابها بابتسامة لطيفة مبقيًا عينيها أسيرة لعينيه: وصفتهم بالأذكياء وليس بالطيبين.
كانت اللهفة والحماس واضحين حين طلبت: أخبرني المزيد عن الممالك الأربعة.
قال بنبرة لطيفة ويده تقلّب صفحات الكتاب دون لمسه: سأفعل، ولكن هناك شيء أهم للتحاور بشأنه.
عقدت حاجبيها سائلة:
- وما هو؟
- التايتينيا، وهم أدنى مرتبة من باقي المخلوقات الدنيوية، كان لهم عالم خاص بهم ولكن اهلكتهم الحروب مع الهايدرا ولم يبقى منهم أحد. الهايدرا يمثلون جانب الشر، وهم مخلوقات رفضوا التسليم لفكرة الموت؛ لذلك باعوا أرواحهم للشيطان وبعدها بدأوا بالتكاثر وانتشروا كالنار في الهشيم.
لم تدرك السبب وراء حديثه عن هذه المخلوقات.
راقبته وهو يعيد الكتاب إلى موضعه ويجلب آخر مكانه، كان ذا لون أسود وقد نقشت حروف عنوانه (هايدرا) بألوان متعددة هي الأحمر والأخضر والبنفسجي والذهبي والأزرق على التوالي، باستثناء الحرف الأخير فقد كان نحاسيًا، كلون تلك الخصلات الدخيلة على شعرها الأسود، الملفوف خلف رأسها بفوضوية.
وضع الكتاب أمامها وبدأ حديثه دون أن يفتحه: يحكى أن التايتينيا قد عجزوا عن قتل آخر امرأتين من الهايدرا، إحداهما عجوز والأخرى فتاة شابة، ولكنهما حتمًا كانتا مصابتين بشدة ولم تقدرا على الصمود طويلًا، ولكن كان ثمن القضاء عليهما غاليًا جدًا فقد ضحّى التايتينيا بأنفسهم من أجل ذلك.
غرقت ديانا في أفكارها تحاول استيعاب هذا الكم الهائل من المعلومات الأسطورية، التي لم تسمع عنها من قبل في سهرات النار التي كانت تُقام في قريتها.
بعد فترة من الصمت سأل ويليام بهدوء، ونظرة مبهمة تغزو عينيه الفريدتين: هل تعلمين لماذا طلبت منكِ هيلا أن تبحثي عنّي؟
ازدردت ريقًا جافًّا وأجابت: أجل، تركت لي دفترًا وكتبت فيه قصة السيد ديكسون وأبنائه دون أن تذكر الكثير من التفاصيل، وطلبت مني في آخر صفحة أن أبحث عنك لنحاول إيجاد ذلك الشخص الذي تحدثت عنه نبوءة الابن الرابع، كاثاري، وهناك نبوءة أخرى قالتها لي سيدة عجوز تعيش بالقرب من قريتي، مفادها أن الحرب بين الممالك ستنتهي عندما يجتمع ضوء القمر وأشعة الشمس.
عَقَد حاجبيه مفكرًا، كأنه يحاول تذكر شيء ما قبل أن يهمس قائلًا: لا أحد يعرف بشأن نبوءة الملك كاثاري غير خمسة أشخاص فقط، ووالدتك ليست منهم.
استند ويليام على ظهر المقعد وتفحّص ملامحها المصدومة من كلماته، بلغه صوت محادثات من الطابق العلوي؛ فعلم أن والدته قد حضرت.
تحدّث بهدوء بينما يخلل أصابع يده في شعره ويعيدها إلى الخلف: لم يعد هناك داعٍ للبحث بعد الآن...
بتر جملته عندما دخل آيزاك بصحبة امرأة ثلاثينية، ذات شعر أسود طويل وملامح سمراء حادة، تملك لون عينَي ويليام ذاته.
عاتبت ويليام بنبرة مازحة: ألن ترحب بوالدتك، جلالة الملك؟
نهض مبتسمًا واتّجه نحوها واحتضنها.
أثناء مراقبتهما شعرت ديانا بألم عظيم بسبب شوقها لوالدتها، تفتقدها بشدة متمنية أن تلتقي بها ولو ثوانيَ قليلة.
انتشلتها السيدة منيرفا (والدة ويليام) من محيط أفكارها، قائلة: أهلًا بكِ، ديانا.
نظرت لها بعينين متسعتين دون تركيز.
جلست على المقعد المقابل حيث كان ويليام قبل ثوانٍ، نظرت نحو ديانا بتمعّن محاولة معرفة السبب الذي يدفع ابنها إلى استدعائها بهذا الإلحاح، ووجود هذه الشابة يعني أنها هذا السبب دون شك.
غالبت غصّتها وحزنها ورسمت ابتسامة وديعة حين همست بلطف: شكرًا لكِ، سيدتي.
استرخت السيدة منيرفا على ظهر مقعدها الوثير، ثم شبَّكت أناملها وأسندت مِرفقيها على ذراعَي المقعد.
نظرت إلى ابنها بتساؤل أدركته ديانا بسهولة، طوت كُم فستانها العشبي الطويل؛ لتكشف عن ذاك النقش الغريب الذي رُسم على الجانب الداخلي من ساعِدها.
شهقت بصدمة واضعة يدها على قلبها: يا ربّاه العزيز!
نَظَرَت إلى ويليام وكأنها تسأله عمّا إذا كان الذي تراه حقيقيًا أم لا، فأجابها بإيماءة.
تحدث آيزاك بضيق معبرًا عن جزء صغير من أفكار ديانا المتوترة: ألن يتكرم أحدكما علينا ويخبرنا بما يجري هنا؟
وضعت يد آيزاك على كتفي، نظرت نحوه بابتسامة عطوف وأجابت بنبرة سعيدة:
- إنها الإفاسليسا التي ينتظرها الجميع، بني.
- لم أكن أتوقع أنني سأعيش حتى ظهورها.
عقدت ديانا حاجبيها فسألت بحيرة: وما معنى هذا؟
أجابها آيزاك بحماس: يُحكى أن ملكة التايتينيا قبل أن تضحي بحياتها للقضاء على الهايدرا، نقلت قواها عبر الزمن ويقال أيضًا أنها نقلت جزءً من روحها، وتنبأ الجد كاثاري بأن الذي ستختاره قوى التايتينيا -أو روحها- سيكون الملك الشرعي للممالك الأربعة، وأسماها بالإفاسِليسا ومعناه الملكة.
ابتسمت السيدة منيرفا ببهجة غامرة.
نهضت ديانا وأظهرت ملامح رافضة لما تتلفظ به تلك السيدة القابعة أمامها، حدّقت بها وقالت بنبرة مستنكرة: هذا مستحيل.
تحدث ويليام بنبرة رزينة وملامح لا تظهر أي مشاعر: إنه صعب، لكنه ليس مستحيلًا.
اعترضت بنبرة مختنقة بسبب رغبتها في البكاء دون أن تملك القدرة على ذلك: لا أستطيع فعل هذا، أنا لا أملك أي قدرات، ليس بي أي شيء مميز يجعل الرب يختارني لمهمة كهذه.
ردّ ويليام على حديثها -وما زال- محتفظًا بهدوءه: هناك شيء حتمًا، تحولك لم يكن عاديًا، ظهرت حروف على جسدك لا يستخدمها أحد غير التايتينيا، كما أنك لم تشعري بالألم أثناء ذلك على عكس باقي المستذئبين.
خار جسدها على المقعد وراءها، غطّت وجهها بكفيها واستندت بمرفقيها على فخذيها. حلّ الصمت على المكان فسمحوا لها بامتصاص صدمتها.
قارنت بين تحولها وما حدث مع شقيقها ستيفان، كان تحوله مؤلمًا للغاية؛ فقد بدا وكأنه يحترق، أما هي فلم تتألم إطلاقًا، كل ما شعرت به هو دفء عجيب يدب جسدها، وأحست كأن بعض الغيوم الناعمة تحيط بها.
قاطع آيزاك أفكارها المتلاطمة سائلًا ويليام بتعجّب: ما الذي يقلقك؟
أجابه بهدوء: إنهم يبحثون عنها، ذئاب قبيلة مافروس ليكوس، سيصلون إلى هنا في غضون ساعة على حسب تقديري.
زادت كلماته من هلع ديانا، رفعت رأسها نحوه.
غلّف الشك نظرات السيدة منيرفا فقالت: لا أظن أن هذا كل ما يثير قلقك، بني.
انضمّ لوكاس لهم وعلا الغضب ملامحه الحادة، تجاهل ويليام الحضور المفاجئ لشقيقه الأصغر ناظرًا نحو والدته وأجابها: ليس شيئًا خطيرًا، لا يجب أن يعرف أحد بأنها التايتينيا حاليًا.
سألت والدته عاقدة حاجبيها بِحيرة ناقلة بصرها بين ابنَيها: لماذا تريد التستر على وجودها؟
أخذ ويليام نفسًا عميقًا وزفر ببطء، عقد ذراعَيه أمام صدره ثم قال بعد تفكير دام ثواني: ليست بالقوة الكافية والمعرفة الكفيلة بإخضاع جميع الممالك، سيستهزئون بها ويقللون من شأنها وحتمًا سيرفضونها كملكة شرعية لهم.
قبل أن تتمكن ديانا من التعليق على حديثه المفروض بالنسبة لها، سأل آيزاك وقد كادت تنسى وجوده: ماذا سنفعل إذًا؟
أجابه ويليام ببساطة وهدوء: سنقوم بتدريبها...
فقاطعه لوك صارخًا بغضب: تتحدث وكأنه أمرٌ يسير، هل تعلم ماذا سيحدث إذا علم أحد أننا نعرف بشأنها ولم نعلن عن الأمر؟
تحدَّثت السيدة منيرفا بنبرة محذّرة: لوك، لا تنسَ أنك تتحدث مع الحفيد الأول للملكين كليربتراكي وكاثاري.
الملكان كلاهما متوفيان؛ لذلك ويليام يملك سلطة بين الممالك الأربعة، هذا إن لم يكن أحد ملوكها.
تذمر لوك قائلًا باستنكار: لماذا لا أحد يستخدم عقله هنا؟
تجاهلت السيدة منيرفا ابنها الغاضب ووجّهت حديثها إلى ويليام الواقف يمينها -الذي يبادل أخاه النظرات الممتعضة-: يجب أن تأخذ ديانا بعيدًا، أنا والبقية سنتكفّل بذئاب مافروس ليكوس عندما يصلون.
نقلت ديانا بصرها بين ويليام والسيدة منيرفا، وقالت بنبرة يغلفها القلق والخوف: لا يجب أن توقعوا أنفسكم في المشاكل، لا أريد أن يتأذى أحدكم بسببي.
سخر لوك وهو يعقد ذراعيه أمام صدره: أخيرًا، هناك شخص يستخدم عقله.
خاطبها آيزاك بلطف: لن يتعرض أحد للأذى، لا تقلقي.
ابتسم لوك بسخرية وقال بتهكم: في الوقت الحالي فقط.
انحنى آيزاك نحو ديانا وهمس جانب أذنها -رغم علمه بأن حتى كارمن وألفين اللذين في الأعلى يمكنهما سماعه-: تجاهليه، إنه ملك السلبية.
خاطبتها السيدة منيرفا بلطف ونظرات عطوف: لن يتجرأوا على العبث معنا، لا تقلقي.
تحدث ويليام باستعجال: يجب أن نذهب الآن.
ثم تحرك سريعًا، وبدأت أرفف الكتب بالاختفاء، وظهرت مكانها صناديق وأغراض أخرى يعلوها الغبار؛ بدا وكأنه قبو لم يدخله أحد منذ فترة.
خاطبت ديانا نفسها: يجب أن أعتاد رؤية أشياء كهذه؛ فسيحدث منها الكثير مستقبلًا.
ثم نظرت نحو ويليام سائلةً حين وقف بقربها: إلى أين؟
نظر نحوها بلطف، فغرقت في عينيه الفريدتين وبالكاد وصلتها جملته المطَمْئنة: إلى مكانٍ آمِن.
تحدّث آيزاك: سأتكفّل بإخفاء رائحتيكما.
🌟 🌟 🌟
توقعاتكم للقادم؟
إذا حبيتوا الرواية اعملوا منشن لأصحابكم عشان يقرأوها كمان 😇💜
اترككم في أمان الله وحفظه 🌟
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top