V

'عندما تخاف من الخسارة فأنت في الغالب تخسر'

🌟 🌟 🌟

سرت على غير هُدى حتى خرجت من القرية نحو الغابة، تنخر أفكاري المؤلمة دماغي دون رحمة.

لماذا بدأ الجميع يتعامل معي بهذه الطريقة؟ أبي لم يعاملني هكذا يومًا، رغم كل الكوارث التي تسببت بها بسبب سذاجتي وغبائي عندما أرغب في المرح.

أما لوثر فلَم يتصرف معي هكذا يومًا، رغم كل المشاكل التي أوقعته فيه بُغية مضايقته واللعب.

توقفت بعد وقت طويل عن السير والتفت حولي؛ حتى أستكشف المكان الذي وصلت إليه.

كثافة الأشجار وتشابك أغصانها حجبت زرقة السماء وأشعة الشمس ومنعتها من الوصول إلى الأرض المكسوة بالنباتات باختلاف أنواعها.

أغمضت عينَيّ بهدوء، الأجواء هادئة بشكل غريب، لا صوت لزقزقة العصافير، شعرت بحركة بالقرب مني، فتحت عينَيّ لكني لم أجد أحدًا!

أشعر بشيء غريب ولا أعرف ما هو، جلست على الأرض واتّخذت من إحدى الأشجار متّكأ، أغلقت جفنيّ متجاهلة جميع أحزاني ومستمتعة بهذا الهدوء العجيب.


~٠~*~٠~

يملأ المكان أصوات أمواج متلاطمة، فتحت عينيّ على مصراعيهما إثر صدمتي لكن سرعان ما أغلقتهما بسبب الألم الذي اجتاحهما، بعد عدّة ثوانٍ فتحتهما مجددًا بنظر مشوش، وصداع شديد يفتت جمجمتي ويعتصر دماغي.

وجدت نفسي على شاطئ، استغرقت بعض الوقت لأستوعب أني على بُعد بضعة أمتار من منزل السيدة دلوريس، كيف وصلت إلى هنا؟

نظرت حولي بفزع وخوف، لقد كنت بعيدة جدًا عن أي مكان أعرفه، يستحيل أن أقطع تلك المسافة وأنا نائمة.

نهضت ببطء شديد خوفًا من فقداني الوعي بسبب الدوار الذي يمنعني من الوقوف باستقامة، أمسكت رأسي مغمضة العينين، لمعت صورة القصر المشتعل في رأسي ففتحت عينَيّ على مصراعيهما.


نظرت نحو البحر أمامي، وجدت ذلك الطيف يراقبني بنظرات لطيفة وابتسامة جعلته يزداد وسامة على وسامته.

سار حتى وقف أمامي وأصبحت نبضات قلبي كطبول الهنود الحمر في إحدى سهراتهم حول النار.

لم أرَ وجهه بهذا الوضوح من قبل، عيناه غريبتان ذاتا لون سماوي يشوبه القليل من الأخضر، لحيته الخفيفة تزيده جمالًا على جماله وخصلاته العسلية -ذات الطول المعتدل- تداعب ياقة قميصه الأسود الذي يكاد يصل طوله إلى ركبتيه.

رفعت يدي من غير وعي مني ووضعتها على خدّه، لكنه اختفى في اللحظة التي كدت ألمسه فيها، شعرت بالحزن، بِتُّ أرغب في وجوده حولي دائمًاكيف لي أن أتعلق بشخص رأيته في أحلامي فقط؟ إنه الجنون بعينه.

التفتُّ إلى منزل السيدة دلوريس فوجدته واقفًا أمام الباب وزال حزني تمامًا، وجدت نفسي أبادله الابتسامة الخلّابة التي تُزيّن ثغره، بددت ذلك الوجوم الذي ظلل قسمات وجهي.

توجهت نحو المنزل وبالتالي نحوه، لم تبتعد عيناي عن عينيه ذاتي اللون الفريد، خفت أن يختفي، وهأنا أقف أمامه نتبادل النظرات الصامتة.

أشاح نظره عنّي، ووجَّهه إلى باب المنزل ثم أعاده إليّ مرة أخرى وكأنه يطلب منّي أن أدخل.

خرج السؤال من بين شفتي من دون أن أشعر: هل سأراك مرّة أخرى؟

ها قد عدت للتفكير بصوت مسموع.
لم يجبني بل أغمض عينيه مبتسمًا، بدأت صورته بالتلاشي حتى اختفى تمامًا، كنت أعلم أني لن أحصل على إجابة منه، طيفٌ أحمق.

جمعت شتات نفسي فطرقت الباب بهدوء حتى سمعت همسًا منخفضًا بجانب أذني يقول: اعتني بنفسك، حُلوتي.

تصنم جسدي ولم أتمكن من تحريك عضلة منه حتى، إنه الصوت نفسه الذي طلب منّي ألّا أستسلم عند قدومي إلى هنا أول مرة، والذي توسلني أن أفتح عينَيّ عندما كدت أغرق.
يا إلهي، ما الذي يحدث معي؟ أكاد أصاب بالجنون بل أظن أني جننت بالفعل!

~٠~*~٠~

استقبلتني السيدة دلوريس بسعادة غامرة، يا لها من امرأة طيبة! حتى أنها طلبت منّي أن أناديها بخالتي.

أتساءل إن كان والدي يشعر بالقلق علي، ما الذي أهذي به؟ هو حتمًا غاضب بشدة بسبب اختفائي كل هذا الوقت، ولكنني واثقة من قلق ستيفان.

لم أصدق ما قالته عندما أخبرتني السيدة دلوريس أن سهرة رودريك الليلة، هذا يعني أنني خرجت من القرية بالأمس، كيف بالله وصلت إلى الشاطئ؟ وأنا أبعد ما لا يقل عن ثلاثة كيلومترات عن هذا المكان؟

جلسنا في الحديقة ثم قلت: خالتي، أريد أن أسألك شيئًا.

تحدثت بابتسامة لطيفة: تفضلي يا بنتي، اسألي ما تشائين.

حاولت أن أهدّئ من روعي قبل أن أبدأ حديثي: خلال الأشهر القليلة الماضية، في ليلة اكتمال القمر كنت أحلم بطيف شاب لم أقابله في حياتي من قبل، ثم أصبحت أراه حولي أكثر من مرّة خصوصًا عندما أحتاج المساعدة، هل هذا أمر طبيعي، أم أني أصبت بالجنون؟

أجابتني ببساطة: إنه أمرٌ غير طبيعي، ولكنك لستِ مجنونة أبدًا.

صمتُّ، ليس هذا ما أحتاج إلى سماعه ولكنني صمتُّ.

بعد فترة قصيرة تذكرت أمرًا يسبب لي الحيرة؛ فقلت مُتذكرة حديثها عندما زُرتها: في تلك الليلة عندما قمت بزيارتك أول مرة، تحدثتِ عن نبوءة ما! التقاء الشمس والقمر، ولادة فجر السلام، توحد الممالك الأربعة، ألا تخبرينني عن معنى ذلك؟

تساءلت عمّا كان يشغل بالي وأنا أدعو أن تجيب عن تساؤلاتي.

نظرت نحوي بهدوء وتعابير وجه جامدة ثم قالت: سأخبرك بكل شيء ولكن يجب أن نذهب إلى مكان ما أولًا.

~٠~*~٠~

وقفنا أمام مقبرة قديمة لم أزُرها في حياتي سابقًا، نظرت إلى الخالة دلوريس فوجدتها مغمضة العينين، تتمتم بكلمات غير مسموعة.

فجأة، ومن العدم ظهر ما يبدو كحُجرة في منتصف المقبرة كُتبت فوق المدخل حروف غريبة لم أفهمها.

وعندما بدأت الخالة دلوريس بالسير نحوها فُتح الباب من تلقاء نفسه ممّا جعل الخوف يتسلل إلى داخلي وقشعريرة تجتاح جسدي بالكامل.

حينما دخلنا صدمت ممّا رأت عينَاي؛ فقد كانت أكبر حجمًا ممّا هي عليه في الخارج، كان يتوسط الغرفة قبر رخامي يشع كالبدر المكتمل، وقد لفت نظري تمثال ذهبي لامرأة موضوع في الزاوية، وقد بدا وكأن عينيها تحركتا ثانية!

تحدثت مغمضة العينين ورسمت ابتسامة حالمة على شفتيها: هذا قبر المؤسس الأول لقبيلتنا، قبيلة كلير دي لون، ضوء القمر...ديانا.

ظننت أنها تناديني؛ فقد كانت تقف بعيدة بعض الشيء ولكن تذكرت أن معنى اسمي هو ضوء القمر.

تَوَجَّهَتْ نحو صندوق حجري كان موضوعًا جانب أحد الجدران، بينما بقيتُ أراقبها بالقرب من المدخل، فتحته ثم أخرجت منه صندوقًا خشبيًا صغيرًا مع دفتر يغطيهما التراب.

نظرت إليّ قبل أن تقول بصوت هادئ: طلبت مني والدتك أن أعطيكِ هذه الأغراض عندما تأتين لزيارتي يومًا ما، هنا ستجدين بعض الأجوبة عن أسئلتك.

~٠~*~٠~

عند عودتنا جلست جانب المدفأة في منزل الخالة دلوريس، وفتحت الصندوق بلهفة وشوق كبيرتين.

وقعت عيناي على قلادة دائرية تزينها نجومٌ مضيئة مع خلفية سوداء تُبرِز لمعانها الأخّاذ، لم أتردد ثانية في ارتدائها.
سعادتي لا توصف!

تركت الصندوق جانبًا وأمسكت الدفتر بحذر شديد خوفًا من تمزقه نظرًا لقِدَمه، فتحت أول صفحاته شبه المهترئة وقرأته بتركيز شديد.


🌟 🌟 🌟

توقعاتكم؟؟

ماذا كتبت أم ديانا في الدفتر يا ترا؟

اترككم في أمان الله 💜

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top