II

"لا يمكن أن نصبح ما نريد ببقائنا كما نحن"

🌟 🌟 🌟 

مضت بضعة أيام لم أرَ لوثر خلالها أبدًا، عندما أذهب إلى منزله تخبرني والدته بنبرةٍ متلعثمةٍ وتعابيرِ وجهٍ مرتبكة أنه نائم أو خارج البيت.

أغلقت الدفتر وأنا أشعر بالضيق، حتى الرسم لم يساعدني على التوقف عن التفكير ونسيان حزني.
فُتح الباب فأطل عليّ شقيقي ستيفان برأسه، نظرتُ نحوه بغضب وعقدت حاجبيّ بضيقٍ وخاطبته: لماذا لم تطرق الباب قبل فتحه؟

رفع حاجبه الأيسر وابتسم ابتسامةً عابثةً وسخر: مُنذ متى كنت أطرقه يا ذكية؟

هذا الأحمق يصيبني بالصداع! قلت بين أنفاسي الحانقة:

- وغد.

- أعرف.

ضحك بسخرية ثم أردف: سنذهب للعب على الشاطئ، هل ترغبين في المجيء؟ الجميع متواجدون هناك.

أجبته: حسنًا.
فأنا بحاجة ماسّة لبعض المرح.

~٠~*~٠~

جلسنا أنا وأصدقائي جميعًا بتعبٍ بعد كثير من اللعب، تناولنا الطعام الذي أعدته صديقتي لورين.

سأل أحد الأصدقاء: يا رفاق، هل رأى أحدكم لوثر خلال هذه الأيام؟

هزَّ الجميع رؤوسهم نفيًا.
تحدث هنري: أنا قلق عليه؛ فهو لا يبدو بخير في الفترة الأخيرة.
نظرت نحو هنري كما فعل الجميع، إذا لست الوحيدة التي لاحظت سلوكه الغريب!

قلت باستعجال: يجب أن أرحل.

عزمت النية على إيجاد حل لهذه المشكلة اليوم.
نهضت متجاهلة نداءهم اسمي، توجّهت نحو منزل لوثر، طرقت الباب بقوةٍ ففتحه أبي بملامح وجه خالية من المشاعر وقال: ارحلي من هنا، ديانا.

لم آبه له، تسللت من أسفل ذراعه ونجحت بالدخول، دخلت إلى المنزل؛ فوجدت كبار القبيلة متواجدين برفقة خالتي كلوديا ولوثر الذي بدا حزينًا.

قلت موجهةً كلامي نحو كبار القبيلة وقاصدةً ما يحدث مع لوثر: كنتُ أعرف أن لكم يدًا في هذا.

وبّخني أبي بغضبٍ: ديانا.

نظرت إليه بطرف عينَيّ، تحدث العم بيتر قريب أبي (والد صديقتي لورين): لا تتدخلي فيما لا شأن لكِ به.

تحدَّثتُ بحزم وشرارات الغضب تقدح من عينيّ: عندما يتعلق الأمر بعائلتي، لا يحق لك أن تطلب مني عدم التدخل.

تحدثت الخالة كلوديا بهدوء محاولةً تهدئتي: ديانا، لا توقعي نفسك في المشاكل وارحلي من هنا.

وجّهت نظري نحوها ثم إلى لوثر الذي يحني رأسه ولا ينظر إلى أي أحد، فقلت بغضب شديد: لا أحد يحب هذه القرية وقوانينها الجائرة، فلتتذكروا كلامي جيدًا، سيأتي يوم تندمون فيه أشد الندم لتفضيلكم قوانينَ من مئات السنين على أحبائكم وأبنائكم.

قلت كلامي ثم خرجت من المنزل.
صحيح أني لا أعلم ما الذي حدث مع لوثر بالضبط، ولكن لو لم يكن يمس قوانين القبيلة ما كان كبارها ليتدخلوا.

~٠~*~٠~

عدت إلى المنزل بعد ساعات من تواجدي على الشاطئ، وجدت أبي يجلس وحده في غرفة الجلوس، كنت سأتجاهله وأذهب إلى غرفتي لو لم ينادِني.

تحدث بهدوء: ديانا، تعالي أريد الحديث معك.

جلستُ أمامه وسألت بعدم اهتمام:

- ماذا؟

- بشأن ما حدث اليوم…

صمت ثوانيَ ثم تابع: هل هناك شيء بينكِ وبين لوثر؟

نظرت إليه وفتحت فمي مصدومة، ثم انفجرت ضحكًا، نظر إليّ بغضب؛ فتحدثت بسرعةٍ متجنبةً نوبة غضبه -التي كانت على وشك الانفجار-: آسفة، لم أتوقع هذا السؤال، ولا، ليس هناك أي شيء من الذي تفكر فيه.

تحدّث بهدوء محاولًا كبح غضبه: إذًا، ماذا تسمين دفاعك عنه بتلك الطريقة اليوم؟

أجبته ببساطة ودون تفكير: كنت سأفعل ذلك مع أي شخص أحبه وأعتبره عائلتي.

علم أنّني أعني ما أقول، نهضت متوجهة إلى غرفتي ولكنه أوقفني بقوله: انتظري، أنتِ تعلمين أن هناك قوانين في هذه القرية، ويجب على الجميع اتباعها.

قلت بهدوء: لوثر شخصٌ عزيز عليّ، إنه الشخص الوحيد الذي يشعر بما أشعر به من ألم وحزن، ولكنه فقط لا يشتكي ولا يخبر أحدًا، إن كنت أحبه بتلك الطريقة المحرّمة في قوانينكم الظالمة، ما كنت لأصمت، بل سأجعل الجميع يعلم، وكنت سأحارب من أجل مشاعري حتى وإن كان الثمن حياتي، ولكن للأسف، إنه بمثابة صديق وأخ لا أكثر.

ثم تابعت سيري نحو غرفتي قائلة: أستأذن، سأذهب إلى غرفتي لأنام.

دخلت الغرفة وأقفلت الباب جيدًا، ثم وضعت حقيبتي بجانب السرير وجلست على طرفه أفكر فيما قلته لوالدي قبل قليل، هل حقًا سأضحي بحياتي من أجل الحب؟

~٠~*~٠~

أجلس على طاولة المطبخ الدائرية برفقة والدي وأخي ستيفان، نتناول الغداء بصمت، لم أتحدث مع أي أحد منذ الأمس، بقيت داخل غرفتي أرسم ولا شيء آخر.

تحدث أبي بنبرة هادئة دون أن ينظر نحوي: ديانا، أريدكِ أن تذهبي إلى منزل السيدة دلوريس، أنا مشغول جدًا ولن أستطيع توصيل أغراضها.

نظر ستيفان نحو والدي سائِلًا بسخرية: تلك العجوز المجنونة؟

وجّه أبي إليه نظرةً قاتلة ألجمته، فقلت بطاعة: حاضر، سأذهب غدًا باكرًا؛ لكي أعود قبل غروب الشمس.

لا أرغب في إثارة أي مشاكل معه، لكنه أجاب بحزمٍ وأظهر ملامح توضح أنه ما من شيء سيجبره على تغيير رأيه: ستذهبين اليوم.

حاولت استرجاء عطفه قائلةً بنبرة متوسلة: لكن…

تحدث ببرود: دون لكن، ستذهبين اليوم بلا نقاش.

ثم نهض خارجًا من المطبخ.

~٠~*~٠~

من شدّة الخوف الذي أشعر به، لا أعرف كيف تمكنت من الوصول إلى منزل السيدة دلوريس، إنها امرأة عجوز يصل عمرها إلى أكثر من مئة سنة.

عاشت فترة الحرب بين عدّة قبائل -يحكى أنهم ينحدرون من إحدى فصائل الذئاب- ورأت عائلتها تموت أمام عينيها وهي طفلة صغيرة لم يتعدَّ عمرها السابعة.

بعد تلك الحروب الجائرة التي دمّرت قريتنا وقتلت منّا الكثيرين، بنى أهل القبيلة قرية أخرى بالقرب من القديمة التي تم تدميرها. انتقل الجميع إلى القرية الجديدة بينما قررت السيدة دلوريس البقاء في منزل عائلتها حيث وُلِدت.

كنت خائفةً بشدة من المجيء إلى هنا، لم آتِ إليها في حياتي خوفًا من الأشباح والأرواح التي تسكنها.

زعم كثير من أفراد القبيلة أنهم قد رأوا أشباح سكّانها القدامى الذين ماتوا خلال الحرب؛ لذلك يخافون من القدوم هنا، والدي الوحيد الذي امتلك الشجاعة الكافية لذلك، أعلم أنه ما كان ليسمح بقدومي هنا لو كان خطرًا عليّ ولكني خائفة حد الموت.

توجهت نحو المنزل الوحيد القائم، لا أعرف إذا كان قابلًا للسكن؛ فهو مليء بالتصدعات التي طلت جدرانه الخشبية، وحديقته مليئة بالنباتات الضارة، ونوافذه شديدة الاتساخ.
وضعت الأغراض التي أحملها وأنا أفرك يديّ المتعرقتين اللتين سيطر عليهما التوتر.

طرقت الباب بهدوءٍ ثم انتظرت بعض الوقت، أعدت الكرّة عدّة مرات ولكن لا أحد يُجيب، هل أصابها مكروه؟ إذا حدث ذلك فسيكون مجيئي إلى هنا دون فائدة، وسأندم لأني لم أختبئ عند أحد الأصدقاء حتى يسامحني والدي على ما فعلت، رغم أنني لا أشعر بأنني أخطأت بدفاعي عن صديق بمثابة الأخ ولا يُرضيني حزنه.

دُرت حول المنزل فنظرت من خلال النوافذ، لا أحد في الداخل، هذا غريب! نظرت حولي باحثةً عنها في الأرجاء.
صوت مياه البحر المتلاطمة يزيد الجو رعبًا، عرفت الآن لماذا طلب مني والدي المجيء إلى هنا في هذا الوقت، لم يطلب مني أبدًا أن آتي هنا! إنه حتمًا أسوأ عقاب خضعت له على الإطلاق.

قرّرت أن أنتظرها بعض الوقت، فتركت الأغراض أمام الباب ثم توجهت إلى الشاطئ، جلست على رماله الذهبية أراقب مياه البحر التي تعكس غروب الشمس ذا اللون الأحمر المائل إلى البرتقالي؛ لتكوّن أكثر المناظر الطبيعية جمالًا.

عندما كادت الشمس أن تغرب بشكل كامل وبدأ القمر بالظهور منيرًا السماء، شعرت بالبرد الشديد.

أغمضت عينيّ ودعوت أن تمر هذه الليلة على خير، شعرت بحركة قريبة منّي، فتحت عينَيّ بسرعةٍ وخوف، لكني لم أجد أحدًا.

لمحت شخصًا يسير على الماء ففركت عينيّ بصدمةٍ واستغراب، فتحت عينَيّ وأغلقتهما عدّة مرات ولكن ذلك الشخص لم يختفِ، هل هذا حلم أم حقيقة؟

وقفت وبالكاد حملتني قدماي، يدَاي ترتجفتان، ولا أستطيع إبعاد عينَيّ عنه، كأن تعويذةً أُلْقيت عليّ! تُسابق نبضاتُ قلبي بعضها.

حينما ركّزت على ملامحه تفاجأت كل خلية في جسدي، إنه ذلك الشاب من حلمي! أو ربما مجرد خيال جميل جاء ليؤنس وحدتي ويبعد عنّي الخوف.

سار الطيف بهدوء وسلاسة فوق سطح الماء، مرّ جانبي وتخطّاني متوجهًا إلى مكان ما؛ فلحقت به.

سار حتى وصل إلى منزل السيدة دلوريس ثم التفّ حوله، وقف جانب باب أرضي خشبي عتيق، بعدئذٍ نظر نحوي طالبًا فتح الباب.

توجهت نحو الباب وحاولت فتحه حتى نجحت، إنه ثقيل! نظرت حولي فلَم أجد ذلك الطيف الوسيم صاحب الابتسامة الهادئة.

نظرت إلى ذلك السرداب المضيء الفارغ تمامًا، تركت الباب مفتوحًا وركضت نحو الباب الأمامي وأحضرت الأغراض التي جلبتها معي، أظن أن هذا الباب هو الذي يستخدمه والدي لدخول منزلها دون الحاجة لأن تفتحه هي.

دخلت السرداب بحذر شديد فوجدت في نهايته بابًا خشبيًّا مزخرفًا بشكل رائع، زُيّن مقبضه بنقوش فضّية زادت جماله، استغربت وجوده في هذا المنزل الذي يكاد يصبح خرابًا.

طرقت الباب بهدوء فأتاني صوت غريب يقول: كائنًا من كنت، إذا أردت العبور يجب عليك أن تحل اللغز؛ فلا يدخل هذا المنزل الأغبياء...ينمو إلى أعلى وأعلى ولكن لا جذور له في الأرض.

لغز؟ حقًا!

لماذا لم يخبرني والدي بكل هذا؟

🌟 🌟 🌟

رأيكم في البارت؟ 😁

اترككم في رعاية الله وحفظه ♥

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top