4#
"قراءة ممتعة"
عصفوري المغرد مهما حلقت عاليًا في السماء، عد إلى العش، هناك من ينتظرك على الدوام.
مرت بضع دقائق وعيناها تركز عليه بشدة. لم تتحرك أو تتحدث، صوت نفسها لوحده جعله يشعر بضغط كبير، حتى لم يستطع أن يرفع رأسه ليرى عينيها. لا يعلم لماذا، لكنه يشعر كما لو أنه مذنب لديها رغم أنه لم يفعل شيء، عدا عن كونه وقحًًا في أول لقاء وهرب من منزل جدته واتصاله في وقت غير مناسب. لكنه لم يفعل شيء، هو بريء تمامًا.
وبعد قرابة الثلث ساعة من التحديق في وجهه نطقت جوديث أخيرًا وهي تعطيه كيس ثياب: "بدل ملابسك وأنا سوف أوقع أوراق خروجك وأدفع الرسوم".
خرجت من الغرفة وأغلقت الباب خلفها، ليفتح آدم الكيس الذي احتوى على هودي أسود مع قلنسوة وبنطال أبيض مريح وأحذية وجوارب بيضاء. ذهب للحمام المرفق بالغرفة ليبدل ملابسه. نظر لنفسه في المرآة قليلاً.
"إنهم جيدون علي، ورائحتهم لطيفة."
دقائق وعادت جوديث وهي تمسك حقيبتها وأوراق المشفى وتمد له اليد الأخرى: "هيا بنا إلى الفندق."
ابتسم بسعادة وهو يتشبث بيدها ويسير معها في ذلك الرُواق الأبيض الطويل، وقد شعر أنها بداية جديدة لهما، وأمام المشفى كانت تقف سيارة أجرة صعدوا بها. تحدثت جوديث مع السائق قليلاً ثم انطلقوا.
نظر آدم إلى السيارة قليلاً ثم نظر إلى أخته وحقيبة يدها الجلدية وقفازات الدانتيل: "لماذا ليس لديك سيارة؟"
"لقد تركتها من حيث أتيت، لأننا لن نبقى هنا طويلاً."
"لماذا لن نبقى هنا؟"
ردت دون النظر إليه، وعيناها مركزة على الطريق: "لأنني غير مستقرة هنا وليس لدي منزل، منزلي وسيارتي وأصدقائي وجامعتي وعملي كله هناك."
همهم بانزعاج، وكان يريد أن يقول أن رأيه مهم ولم تُسأل وقررت بالنيابة عنه، ولكنها أكملت: "بالإضافة لذلك، لا أستطيع البقاء هنا طويلاً، لأنني سوف أخسر الكثير هناك. الغياب المتكرر سوف يجعلني أخسر علمي ومقعدي في الجامعة، وحينها سوف أصبح مفلسة، وإذا أصبحت مفلسة، فلن يكون لدي منزل. وأعتقد أنك لن تريد ذلك؟"
رد آدم بسرعة وهو يهز رأسه: "بالتأكيد لا، لن أريد أن تصبحي مفلسة وتفقدي منزلك. ولكن سوف أفتقد الحياة هنا."
"إن كنت تريدين، استطيع تركك هنا عند الجدة حتى نهاية السنة الدراسية، ثم آتي لأخذك بعد شهر. حينها سوف تتمكن من توديع أصدقائك جيدًا."
"دعيني أفكر قليلاً." نطق بها وهو يغمض عينيه ويفرك جبينه بإصبعه. أما هي، فخرجت هاتفها وبدأت بمراسلة أحدهم، وبعد دقائق نطقت محدثة السائق: "أجل، توقف هنا."
نزل من الباب الأيسر ونزلت جوديث من الباب الآخر ودفعت المال، ورغم أن عينيها مركزة على الهاتف، إلا أنها رفعت يدها له كي يمسكها، وبالطبع فعل ذلك بسرور. وفور دخولهم من باب الفندق، رحب موظفو الاستقبال بجوديث بصوت واحد ومرتفع مما أفزع آدم: "مرحباً بعودتك سيدة تاران."
أما جوديث، فهزت رأسها دون تعليق، ونظر لها آدم بانبهار، وعيناه تلمع: "هل يعني ذلك أنك شخص مهم كي تتم تحيتك هكذا?"
نظرت جوديث للجهة الأخرى وهي تجيب: "لا لست كذلك، هم يبالغون."
وحينما ركبوا المصعد، بقي آدم يتأملها من رأسها وحتى أخمص قدميها. كانت تغطي رأسها بشال كالعادة، وارتدت معطف لا يظهر ما تحته، وبوت ذو كعب عالي، وفي يدها حقيبة جلدية، وتمسك بيدها هاتفًا وفي خنصرها خاتم فضي مرصع بجوهرة خضراء تلمع. ومنه خمن أن أخته ربما تكون ثرية.
وراح آدم يفكر ويسرح بخياله، أن كانت أخته ثرية، فكيف أصبحت هكذا خلال بضع سنوات؟ هل حصلت على بريسيم رباعية؟ وما مهنتها؟ هل يمكن أنها تعمل مع الأشرار في الأفلام؟ حسنًا، هم دائمًا أغنياء ويرتدون ثياب سوداء! ولكن لو كانت معهم كيف أصبحت هكذا؟ هل يمكن أنهم هددوها؟ ولكن كيف ينقذها إذا؟
وسط بحر أفكاره التي لا متناهية، لم يشعر أن أخته سحبته خلفها إلى الغرفة ونزعت معطفه وبدلت ثيابها، وكانت تستعد للنوم وهو لا يزال يسرح بخياله، ولكنها قاطعته قائلة: "آدم، الا تريد النوم؟"
رفع رأسه بشرود ليتفاجأ بذلك الجناح الفخم، والذي كل ما فيه حرفيًا يسطع بلمعة ذهبية. ليسرع آدم إلى جوديث بحيرة: "أختي، هل أنتِ شريرة؟"
عقدت حاجبها باستفهام: "من أين أتتك هذه الفكرة؟"
"حسنًا، أسرع طريقة كي تصبح ثرية هي أن تصبح شريرة."
تثائبت جوديث وهي تستلقي ليركض آدم تحت البطانية ويستلقي بجانبها، وهي ترد: "هذه فكرة مغلوطة، إن أصبحت شريرة سوف تدخل السجن ولن تصبح ثري، العمل وحده هو من يجلب لك المال."
أراد أن يسأل أكثر ولكنها صفقت بيدها مرتين وانطفأت الأضواء ليبتلع آدم رمقه ويندس في حضن أخته خوفًا من الظلمة والكبرى همست بنعاس: "فتى جيد، حان وقت النوم."
.........
يتبع
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top