2#
قراءة ممتعة
كل ما هو واقع وهم وكل ما هو وهم واقع، كل ما عليك هو النظر بتمعن خلف الوقائع كي ترى الحقيقة.
فتح عينيه وكانت رؤيته ضبابية وبالكاد يبصر ما حوله جيدا
أبعد ذلك الغطاء عنه وهو يحاول استبصار محيطه،
بدت هذه الغرفة البيضاء مألوفة له إذ أنه كان يستلقي على تلك الاريكة الحمراء المقابلة لركن القهوة الصغيرة وفي الزاوية يوجد تلفاز قديم و حَاكٍ.
تحسس ادم كتفه بغصة، لقد تخلت عنه مجددا هذه غرفة جدته في منزل زوج خالته؛ إنها مألوفة له اذ أنه كان يزور جدته مع أمه، فرت دمعة من عينيه وعقلة يصور له الأحداث الماضية ليمسحها بعنف:
" كم أنت غبي يا آدم لقد رحلت مرة بالتاكيد سوف ترحل ألف مرة كما أنها أختك وليس شقيقتك، أظن أنها لا تحبني، وحتى لو كانت تفعل أنا متاكد أنها تكرهني الان لأني صرخت عليها أمام الجميع "
ارتمى على الاريكة وهو يعاود التدثر بذلك الغطاء مخرجاً مشاعره على شكل دموع وصراخ مكتوم:
" أنا لست نادماً، هي استحقت ذلك لأنها أعطتني الأمل، تذكر آدم لا يجب أن تعلق أملاً عليها إنها سوف تتركك حين تراها مجددا، تجاهلها، إياك والبحث عن عناق دافئ وأمان؛ ذلك ليس موجوداً ولن يوجد "
مسح دموعه بعنف وهو ينظر للسقف بشرود وشفتاه ترتجف؛ وسرعان ما قفز بغية الذهاب للمكتب بحثا عن قلم وورقة -ولا زال يتدثر بذلك الشال الاسود الناعم يغطي به رأسه ويمسك بطرفه باحكام كي لا يقع متجاهلا ذلك الطرف الذي يسحب على الارض خلفه مع كل خطوة -
فتح باب المكتب وهو يسترق النظر؛ فلا يجب أن يراه أحد كي يتمكن من فعل ما يريد، سار بقدميه الحافية على الارضية الخشبية الباردة وصولا الى ذلك المكتب الطويل، أخذ قلماً وورقة وكتب رسالة مكونة من سبع كلمات؛ أخذ قطعة من شريط لاصق وعاد أدراجه الى الغرفة التي كان بها، ثبت الورقة على التلفاز ورحل إلى غايته.
ولم ينتبه بل لم يهتم لذلك الظرف البني الصغير المتروك بجانب التلفاز لأجله؛ أكمل تسلله خارج هذا المنزل وقرر العودة الى منزله سيرا على الاقدام، ليس كما لو أن المنزل بعيد هو في نهايه الشارع، الشيء الوحيد الذي ندم عليه هو الذهاب حافي القدمين، ولكن وجب ذلك كي لا يراه أحد.
أسرعت خطواته إلى ذلك المنزل خوفاً من أن يراه أحد الجيران، حاول فتح باب المنزل ولكنه لم يستطع فقد كان مقفلا، تنهد بانزعاج وهو يسير بين الشجيرات إلى الباب الخلفي، تملص من تلك الأغصان بالكاد سار خطوتين وفي الثالثة لم يشعر بنفسه الا وهو يعانق الارض! نظر حوله بعدم فهم وإذا بالشال الذي كان يغطيه عالقاً بالاغصان، بان الاستياء على ملامحه وهو يشده بقوة فتمزق قليلا ولكنه تحرر مما يقيده.
حاول فتح الباب ولكنه لم يستطع وإذا به هو الاخر مقفل؛ ضرب الارض بانزعاج، ولكن قدمه آلمته إذ أنه بلا حذاء، ارتجفت شفتاه وهو يكبت دموعه ولكنه سرعان ما تذكر مدخلاً اخر.
انحنى ارضا وهو يدفع باب مدخل القطة وإذا به مفتوحاً
دفع الشال للداخل وحاول الزحف من تلك الفتحه المربعة الصغيرة، وبالكاد تمكن من الدخول، حاول تشغيل الانوار ولكن الكهرباء مقطوعة عن المنزل ربما فعل أحد أقاربه ذلك كي لا يضطروا لدفع فاتورة الكهرباء
ذهب للمطبخ بحثا عن مصباح كهربائي قبل أن يصبح المكان اكثر ظلمة.
بخطوات سريعة صعد الدرج إحدى يديه أمسكت المصباح والاخرى تسحب الشال خلفها ولم يتوقف الا امام ذلك الباب الابيض اخذ نفسا عميقا وهو يفتح باب غرفة والديه، هو لا يدخل الى هذه الغرفة كثيرا في السابق ولكنه اراد استشعار وجود والديه حوله بعض دفئهما او رائحتهما وربما حبهم للمرة الاخيرة.
نظر قليلا الى ذلك الشال الاسود المخملي ثم انزله ارضا، سحب وسادة وغطاء والديه الى خزانة ملابسهما الاشبه بغرفة صغيرة، رتب الوسادة والغطاء
ثم انزل ثياب والديه كي يتمكن من شم رائحتهم
حمل المصباح وخرج من الخزانة، ذهب لغرفة شقيقه المقابلةو احضر قميصه والبوم صورهم العائلي
عائدا ادراجه الى الخزانة متجاهلا الشال الاسود خارج دائرته التي اراد بها استذكار عائلته كما لو ان صاحبته متطفلة عليها كالعادة.
ورغم انه لوحده الا انه خيل اليه ثلاثة اطياف تحيط به بحب، نظر الى تلك الصورة التي تحتوي اربعتهم فلم يكن منه الا الانهيار بكاءً لحقيقة ان هذه العائلة لم تعد موجوده، عانق الصورة وصوت عويله في هذا المنزل المهجور بدا مثل صراخ اشباح لم تكتفِ من الحياة.
ارتمى على تلك الملابس التي فارق اصحابها الحياة وهو يشعر بمرارة في حنجرته :
" امـ ـي خذيـ ـني معك "
شعر بحكه في جبينه لينزع البلاستر عن جرحه المقطب ب ثلاث غرز، وشرع بحكه متجاهلا الالم الذي بشعر به وفي ذهنه تمنى لو أن هذا الجرح يقتله كي يبقى مع اسرته للابد، ما الفائدة من بقائه حيا وعالةً على من لا يريده؟
صرخ عاليا وقدمه تضرب الارفف وكف يده يضغط على الجرح الذي شد غرزته :
" لماذا الرحيل مؤلم ومحاوله الرحيل اكثر إيلامًا ؟!"
دفن راسه في معطف امه وهو يبكي حتى غلب عليه النعاس والتعب والم راسه.
.
.
.
..... .....
يتبع
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top